تعدّدت هذه الأيام الاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات والاضرابات العامة وتمّ في بعضها عزل مدن وقرى بأكملها ومنع الدخول أو الخروج منها. الملفت أن الاحداث انطلقت في المناطق المحرومة والمهمّشة منذ عقود فقد بدأت في مكثر ثمّ انتشرت في أغلب معتمديات ولاية سليانة وتزامنت مع اعتصامات في الرديف ونفزة وغارالدماء والرقاب وغيرها... بدأها شباب معطّل وانخرط فيها الأهالي وخاصة العاطلون والمهمّشون والمحرومون والفقراء. وهم أبناء تونس، وهم أنفسهم الذين خرجوا في الشوارع بين 17 ديسمبر و14 جانفي وعرّضوا صدورهم «للكرتوش الحيّ»... هم حطب الثورة: رأوا فيها الأمل ولاحت لهم من خلالها تباشير غد أفضل يوفّر لهم الشغل القارّ ويمنع عنهم بشاعة العوز والحاجة والفقر، ويضمن لهم كرامتهم بوصفهم مواطنين لا رعايا... لكن عاد اليأس ليستبدّ بهم بعد سنة من الانتظار والتمنّي والوعود.. ما العمل؟ لم يعد المتشائم ينطوي على يأسه كما كان الأمر زمن الاستبداد.. لقد افتك التونسي حقّ الاحتجاج والحقّ في التظاهر والتعبير وهي مكاسب لا تفريط فيه.. قد تكون بعض هذه الاعتصامات قد تجاوزت الحدود وأدّت إلى تعطيل الشأن العام. لكن هل يبرّر ذلك الدعوة إلى سلب الحقّ في الاحتجاج؟ لابدّ من معرفة أصل المشكل ودوافع التحركات.. ومن ثمّة تفهّم مطالب الناس والبحث في سبل حلّها وتلبيتها لا تجريمها... يعني بيداغوجيًّا: تعيين المشكل بالعودة إلى أسبابه وتحديد العلاج. والعلاج منه الفوري العاجل ومنه ما يبرمج علي المدى المتوسّط. وبيْن كلّ هذه المراحل وقبلها وبعدها يظلّ الحوار ومدّ جسور التّواصل مع مكوّنات المجتمع المدني الأداة والوسيلة.. عدَا ذلك فإنّ منطق التجريم والتخوين وتفسير التاريخ بعقلية المؤامرات لا يمكن أن يكون الحلّ، بل إنّ من أخطر نتائجه زعزعة الثقة بين التونسيين.