اللواتي يبدّدن وحشة الساعات الأولى للصباح فيبتسم لهن الله بانبلاج الفجر لييسر طريقهن... اللواتي ينحنين لأعقاب السجائر وزجاجات الكوكا كولا و الصافية والمناديل الورقية يرفعنها عن الأرض فتضني ظهورهن... اللواتي، باكرا جدا، يمشطن أحجار سكك الحديد كضفائر رمادية ليشقها بسلاسة قطار حياتنا... اللواتي يراقبن أظافر أبنائنا وبناتنا، يعدّلن هندامهم، يرفعن رؤوسهم عند النشيد ، يلقنهم لغة الضاد وحكمة الفيزياء وخيبة التاريخ ويحفزنهم على الخيال... اللواتي يملأن المقاهي بضحكاتهن ترويضا لكل النزعات الوحشية لتنخفض البذاءة ويستشري الشعر في المكان... اللواتي خيلاء، يشغلن البوليس بتسجيل بصمات أجسادهن، وفجأة تتقاطع عطورهن بالحانات تبديدا لسواد المشهد... اللواتي يعلقن على أجساد صغارهن تمائم يوم الامتحان، يزوّدنهم بماء الزهر والسّكر، يبعن الزيت، المصوغ وكلّ نفيس تأهّبا لسماع ذاك اللقب «أم الأستاذة وأم الطبيب»... اللواتي بالآلاف، في علب تخزين الثروات، يُذبن أصابعهن على آلات الخياطة ومن عرقهن، من شعاع أعينهن، يحكن المعاطف الوثيرة ويحلمن بارتداء مثلها... اللواتي يسترقن لحظة على سرير وثير في قصور اعتدن ترتيب أركانها، يرخين الجسد ويتقمصن دور السيدة فيأمرن وينهين المرآة ويقلّدن السيّد فيداعبن نهدي التمثال... اللواتي يغازلن الخبز الطازج، يوشّحنه بأوشام الفرشاة، يرتّبنه في انتظار وداعه، يتّخذن مكانا على الطريق له، يسلمنه لعابر متحذلق، يتأملن آثاره الحارقة على أياديهن ويبتسمن لعابر مقبل... اللواتي يرقصن على ركح من الغيم، يستحضرن مسيكة وصليحة وبلقيس وشجرة الدر وسهى بشارة وجميلة بوحيرد، يترنّمن على إيقاع الصمت، يتجلّين في حضرة الكلمات، يصرخن في وجه الجمهور: «نحن بنات طارق نمشي على النمارق، وطارق، شاب في العشرين فرّ من الوجع الوطني، إلى مضيق لا يرحم الوافدين ولو كانوا من أهل الأندلس... اللواتي يجمعن الزيتون، يعانقن كل شجرة على حده، يذرفن على أوراقها أيامهن، يشتكين لها حزنهن، يعاتبنها: كيف يصمت الزيتون حين يكافأن بأجر يهين كل هذا الحب ... اللواتي يخرجن من بيوتهن، يحتلين شارع الحبيب بورقيبة، يشكرن بورقيبة على الأبوة الناعمة ويجلدنه بتحررهن من حدود المجلة، يسائلنه: أما كان يمكن أن تمضي بنا إلى الإنسان؟ لم تركت لنا الطغيان وقدّرت علينا النقصان؟ ويعلنّ: الآن وقد استعدنا الحرية، لا حاجة بنا إلى أبوتك نحن الديمقراطيات نسقط زيفك وزيف تَركَتك ونرسي المساواة... اللواتي يقاومن رأس المال المالي ويفضحن بشعه فيحاربن الاستغلال ويتصدين لهشاشتهن، يعتصمن في المصانع ويتظاهرن ويضربن عن الزاد ليعشن بكرامة ...وهن بذلك يهتكن أيضا الستائر الداكنة ويبدّدن رأس المال الرمزي للفكر الذكوري. اللواتي أخفن الشيوخ من التلاعب بحقوقهن والمساومة بحريتهن فخلعوا عماماتهم وأخفوها بين ثنايا الخطاب... اللواتي تُخاض ضدّهن حروب افتراضية على صفحات الأنترنات، شتم فثلب فتشويه فتهديد من حفيظة شقير إلى رجاء بن سلامة إلى بشرى بلحاج حميدة إلى سناء بن عاشور إلى يعاد بن رجب إلى سامية فراوس إلى لطيفة لخضر إلى سلمى الجلاصي إلى لينا بن مهني إلى زينب فرحات إلى... لأنهن ببساطة تسرّبن إلى عالم الذكور وعالم السياسة فأنّثن مطلب الحرية والعدالة والحقوق والكرامة فالحياة... اللواتي خابت أغلب الأحزاب السياسية في منحهن أحقية تمثيلنا بجعلهن لقوائمهم رئيسات ورأيناهم بعد الذي كان يلهثون لجمع أصواتنا... اللواتي أقصاهن الإعلام واكتفى بدعوة رجال القانون ورجال السياسة ورجال العلم ورجال الدين ... اللواتي... هنّ نحن، النساء التونسيات، من منحن الثورة «ريحة الأنثى»، فجعلناها مؤنّثة... النساء التونسيات، من ملأن تونس بأصواتنا وضحكاتنا وأغنياتنا وعرقنا ودعواتنا وألواننا الزهية فجعلنا منها أرضا تستحق الحياة... النساء التونسيات، احتياطي الحرية الحقيقي في هذا البلد... (*) محامية وحقوقية