اقترب أيها الرئيس وتخلَّ عن عاداتك قليلا أو دُسَّهَا في صندوق عتيق والقه خلف ظهرك وتقدم نحونا.... تقدم أيها الرئيس، تقدم ولا تلتفت إلى الخلف... تقدم فلك موعد معنا ولنا معك موعد... سنغمس رغيف الخبز بالأحلام ونتقاسمه تحت ظل شجرة وارفة... اقترب أيها الرئيس وترجّل مع السائرين فوق الأرصفة المتعفرة... دع أصابعك تتشابك مع قفتك واترك انفك يتمرغ في رائحة الخبز الطازج والسمك الحي... انزع ربطة عنقك وانسج من أشعة الشمس دربا طويلا مع العمال وامنح مسامّ ذراعيك فرصة الاستحمام بالعرق الساخن... لا تبتعد أيها الرئيس وسرّح قدميك ابعد من حديقة القصر فهناك في المدى البعيد حقول وبساتين أورقت أشجارها بغناء النسوة، وهناك خلف الأسيجة مصانع تدور محركاتها برائحة الأحلام المبتورة التي نسيها العمال تحت الأغطية بجانب أبنائهم... دع أظفارك تطول أكثر لتتعوّد على تقشير البرتقال، لان البرتقال المغمس بأصابعك سيكون أشهى من أيادي طباخي القصر... اقترب أيها الرئيس وتخفف من ملابسك الداكنة وأحذيتك اللامعة، فنحن لا نأبه كثيرا بالملابس لأنها كفن أنيق للأجساد الميتة... اقترب منا أيها الرئيس لتقطع معنا بعض الجداول والوديان صوب مدرسة في أعلى الجبل لتشارك فيها تلاميذ الفصل طقوس تحية العلم والنشيد الوطني... اقترب لترى كيف يرفرف العلم بداخلنا ولا تنكسر الصارية كأنها نحن... أيها الرئيس القادم كن أنت ذاتك تماما كما ولدتك أمك مثلنا... كن مثل الاسكافي المتدثر بالقر والحر. كن مثل المعلم المدجج بالحبر والطباشير. كن مثل الممرض الذي يكابد الجبال ليصل إلى رضيع في بطن أمه... كن مثل الفلاح الذي يرمي البذر لنأكل ونشرب، وكن مثل العامل الذي يكتوي بنار الحديد لننعم برفاهة الأزرار... أيها الرئيس لا تنشغل عنا بعَدِّ غرف قصرك فعدد فقراء هذا البلد أكثر من عدد غرف قصرك... لا تلتصق بالأرائك الوثيرة وترفع الستائر الداكنة بينك وبين أرضنا لتظل بعيدا عنا في سماء عالية... دحرج عقارب ساعتك أيها الرئيس واترك الوقت بينك وبين شعبك يسري كما الماء... ودرب أصابعك على مداعبة أوتار هذا الوطن وأنت تمضي قراراتك... أيها الرئيس الذي نعرفه ولا نعرفه... أيها الرئيس الذي تعرفنا ولا تعرفنا امتلئ بذاتك لتعرف كيف تمتلئ بذات غيرك، واهتك كل الحُجُب التي تحول بينك وبين المختلف عنك من أبناء هذه الأرض... كن أيها الرئيس مثل الرواية التي لا يموت أبطالها، وكن مثل المعزوفة التي لا يتوقف لحنها، وكن أيها الرئيس مثل القصيدة التي لا نملّ من ترديدها... أيها الرئيس أعد قراءة ماسبق لتعرف أني لا أقصدك، فأنا انتخبت مجلسا تأسيسيا لأجل نظام برلماني معدل لا نظاما برلمانيا يكتسحه من نصّبك على كرسي دون صلاحيات وجعلك في موضع تندر (والفاهم يفهم)