يتذكر الأخ عبد المجيد الصحراوي الأمين العام المساعد للاتحاد المغاربي فيقول أن الزعيم الراحل الحبيب عاشور رجل من رجالات هذا العصر، عصر تونس بين عهد الاستعمار وعهد الاستقلال بما قدمه لتونس في عهد المستعمر الفرنسي وفي عهد بناء الدولة المستقلة بالمقاومة الشعبية والعمالية ضد المستعمر، وبالدفاع عن الطبقة الكادحة ضد كل أشكال الاستغلال. فقد انخرط المناضل الحبيب عاشور مبكرا في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 وقيادته لأول إضراب عام في تاريخ المنظمة سنة 1947. وهو الإضراب الذي منح العمل النقابي شرعية جعلت من الاتحاد طرفا اجتماعيا في البلاد وقد تعرض لطلق ناري أثناء إضراب صفاقس سنة 1947 سقط على إثره في هوة حيث نزف منه دم غزير وأسعفته ممرضة فرنسية، وبعد أن بقي بالمستشفى لتلقي العلاج نقل به مباشرة إلى السجن. عانى المناضل الكبير الحبيب عاشور ويلات السجون والمنافي في معركة التحرر الوطني وأسهم بفاعلية كبيرة وحسّ وطني غيور في بناء الدولة الحديثة وإرساء مجتمع حداثي ودفع ثمن نضاله من أجل تكريس استقلالية المنظمة عن التجاذبات الحزبية خاصة بداية من أزمة 65 حين رفض مقررات مؤتمر المصير للحزب الدستوري ببنزت سنة 64 وحوكم في قضية مفتعلة هي قضية الباخرة سنة 1965 بعد تمسكه بمطلب التعويض للعمال عن تدهور مقدرتهم الشرائية نتيجة تخفيض الدينار التونسي ويذكر هنا أن الزعيم أحمد التليلي كان الوحيد الذي دافع عن عاشور في البرلمان ملحّا على خطورة المؤامرة التي حيكت ضده وضد الاتحاد وقد لقي أحمد التليلي مصيرا مؤلما تمثل في تشريده وإجباره على العيش في المنفى ومات في ظروف غامضة. الأخ عبد مجيد الصحراوي يتذكر معارضة الراحل الحبيب عاشور بشدة لمحاولة تحويل الاتحاد العام التونسي للشغل إلى خلية من خلايا الحزب الحاكم فكان السجن مرة أخرى في انتظاره غداة أحداث 26 جانفي 1978 حيث استمات في الدفاع عن استقلالية الاتحاد ودوره الوطني في الدفاع عن الديمقراطية والحريات وانحيازه لمطالب الشعب التونسي في حياة سياسية متطورة، ليقرر يوم 10 جانفي 1978 الاستقالة من الديوان السياسي للحزب . ثم تولى محمد الصياح مدير الحزب آنذاك توسيع وتطوير دور الميليشيات لتصبح قوة موازية لقوات الأمن مما تسبب في ارتفاع وتيرة العنف والملاحقات والمضايقات على المواطنين وخاصة منهم النقابيين وكان قد عارض بشدة تعيين العقيد زين العابدين بن علي على رأس إدارة الأمن الوطني (بيان الاتحاد في جريدة الشعب ديسمبر 1977) مما جعل الاتحاد معرضا من جديد لهجمة شرسة حاولت تفكيك المنظمة وتنصيب قيادة صورية رفضها الشغالون. الأخ عبد المجيد الصحراوي لا ينسى أن يذكر جيل اليوم من النقابيين والمواطنين أن الحبيب عاشور ساعده على القيام بأول ندوة حول العفو التشريعي العام وعودة المغتربين ودافع بشدة على كل من احمد بن صالح وإبراهيم طوبال، كما دافع الأخ الحبيب عشر في المؤتمر السادس عشر سنة 1984 على مبدأ العفو التشريعي العام وعودة المغتربين، واستماتة الزعيم الراحل إبان اندلاع أزمة 1985 فقد ظل دائما شامخا مثل طائر الفينيق ينهض في كل مرة قويا لا ترهبه الآلة القمعية وكانت أشدّ الفترات قسوة على المناضل الحبيب عاشور أزمة 1985 بسبب الخلاف الحاد بين حكومة مزالي والاتحاد ورغم شيخوخة الرجل فقد أصّر الرئيس الحبيب بورقيبة على إبقائه رهن أغلال السجون. كما لا يفوتنا دفاعا عن التاريخ وحماية للذاكرة أن نقرّ للرجل وقوفه المبدئي والثابت لنصرة قضايانا العربية وفي طليعتها القضية الفلسطينية حيث نجح في فرض هويتها باعتبارها قضية عادلة في المنابر الدولية خاصة منظمة العمل الدولية التي كانت تحظر ذكر القضية الفلسطينية إلى جانب مناصرته لكل قضايا التحررّ في العالم وخاصة في إفريقيا. يقول الاخ عبد المجيد الصحراوي عن الراحل الحبيب عاشور، يكفيه شهادة فرحات حشاد شهيد الحركة النقابية سنة 1948 في افتتاحية صحيفة صوت العمال لسان الاتحاد في الذكرى الأولى لحوادث 5 أوت 1947 التي كتب فيها ما يلي: « وما الأخ الحبيب عاشور ورفاقه إلا جنودا اقسموا على أنفسهم وعاهدوا الله على متابعة الكفاح في سبيل نهضة طبقتنا العاملة، وما النكبة التي سلطت عليهم إلا مرحلة من مراحل جهادهم الصادق الشريف... ولقد أظهر الأخ الحبيب عاشور في دفاعه شجاعة وإقداما مما أذهل الخصوم وجعل لسان الاتهام محتارا لدرجة استحال معها تكذيب الحقائق الدامغة «. ولا ينسى الصحراوي اليوم الذي تقابل فيه الحبيب عاشور مع مجموعة من نقابيي جهة سوسة الموقوفين عندما تم نقلهم إلى السجن المدني بتونس سنة 1978 كان الراحل آنذاك في مصحة السجن، وقد أتيحت للصحراوي إمكانية التحادث الى الحبيب عاشور والاستماع إلى تحليله للموقف وقد انبهر لرباطة جأشه وكان الحراس يستمعون إليه وهو يعلن أن الاتحاد بريء وأنه سيأتي اليوم الذي نغادر فيه السجن وتتم محاكمة المتسببين في أحداث 26 جانفي الأليمة. وفعلا صدقت توقعاته وعادت القيادة النقابية الشرعية على رأس الاتحاد لكن وإلى اليوم لم يقع فتح الملف لمقاضاة الميليشيات ومن كان وراء إطلاق يدها للقتل والترويع أو على الأقل مساءلتهم خدمة للتاريخ.