يبقى التعبير عن موقف الرفض من مسألة معينة بإعلان الاستقالة من منصب الوزارة الممارسة الأكثر ديمقراطية. غير أن هذه الممارسة نادرة الحدوث في الأنظمة الدكتاتورية، على عكس الأنظمة الديمقراطية، ولا يذكر المواطن العربي وزيرا استقال من منصب الوزارة للتعبير عن موقفه الشخصي من قرار أو ممارسة تتناقض مع مبادئه (أليس الوزير كتلة مبادئ قبل أن يكون موظفا؟)، بل بالعكس تتواتر أخبار إقالة هذا الوزير أو ذاك من منصبه من طرف الرئيس إما في إطار «نزوة سياسية» أو خوفا من وشاية أو لعدم رضا عن ولاء الوزير لرئيسه... أما في النظامين اليتيمين طيلة نصف قرن في تونس، فإن استقالات وزراء بورقيبة أو بن علي تكاد تعد على الأصابع وأكثرها كانت في نظام بورقيبة، على غرار وزير الثقافة والإعلام الحبيب بولعراس الذي استقال بعد سنة واحدة من تعيينه (جوان 71) وفي نفس الشهر من نفس السنة استقال أحمد المستيري من وزارة الدفاع بعد أن أبدى رفضه لسياسة التعاضد الفلاحي والتجاري... أما في فترة النظام السابق فان الإقدام على الاستقالة يعد في حد ذاته إعلان موت أمام بطش بن علي، ولم يتجرأ وزير على الاستقالة إلا في آخر أيام المخلوع، وكانت الاستقالات من الحزب وليس من الوزارة... ورغم تعدد مطالب الاستقالة من بعض الوزراء في فترة حكم بن علي الأولى، فإنها لم تحظى بالموافقة كاستقالة وإنما وردت باعتبارها إقالة. اليوم، والشعب التونسي «يدشن» مرحلة جديدة على درب المسار الديمقراطي (رغم النتوءات والأوحال)، وبعد مرحلة بقايا النظام السابق مع حكومتي محمد الغنوشي الأولى والثانية، وبعد حكومة الباجي قائد السبسي، انتخب جزء كبير من الشعب حكومة مؤقتة ولكنها شرعية، مهمتها تسيير البلاد في انتظار الانتهاء من صياغة الدستور الجديد. الحكومة المؤقتة ضمت 41 وزيرا وكاتب وزير إلى جانب عدد كبير من المستشارين، ورغم تتالي الأحداث «السلبية»، فإننا لم نسمع أبدا بوزير قدم استقالته رفضا لممارسة ما خاصة في وزارات الثقافة وحقوق الإنسان والمرأة والشؤون الدينية، بل بالعكس هناك فائض في التشبث بكرسي الوزارة وإصرار على «التوزر». إن الاستقالة لا تعبير عن فشل في انجاز مهمة، أو اقرار بعجز مسؤول ما في آداء مهمته بقدر ما تمثل انتصارا للمبدإ... فأبواب الوزارة يمكن أن تفتح أكثر من مرة لكن وحدها أبواب التاريخ تفتح مرة واحدة