ننهي في هذا العدد الجزء الاخير من الذي نتمنى أن يكون محل نظر من طرف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي آثناء صياغتهم لدستور تونس الجديد هناك إجماع عام على تعريف وضبط مسؤولية الدول الأطراف في مجال حقوق الإنسان على ثلاثة مستويات: الالتزام باحترام هذه الحقوق. الالتزام بحماية هذه الحقوق. الالتزام بالتكريس الفعلي لهذه الحقوق. ينص العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، على ما يلي : 1 فيما يخصّ الالتزام باحترام الحقوق: أ المادة 13 الفقرة 3 والخاصة بالحقّ في التربية والتعليم: «أن تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حريّة الآباء الآباء أو الأوصياء، عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكوميّة وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيّا وخلقيّا وفقا لقناعتهم الخاصّة». ب المادّة 15 فقرة 3 حول الحقوق الثقافيّة إذ تتعهّد الدول الأطراف: باحترام الحريّة التي لا غنى عنها في البحث العلمي والنشاط الإبداعي». ج المادة 8 فقرة 3 بشأن الحريّة النقابيّة وحقّ التنظيم النقابي (تنصّ على أنه لا يجوز للدول الأطراف (أي «يجب أن تمتنع عن») اتّخاذ تدابير... من شأنها أن تخلّ بالضمانات المتعلّقة بالحريّة النقابيّة وحريّة النشاط النقابي. طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاً أوّلَ ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق. 2 الالتزام بحماية الحقوق : يتّفق الخبراء على أنّه ولو لم ينص عليها بصفة جليّة في العهد، فالإلزام ضمني ويعدّ في نفس الوقت طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاَ أوّل ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق. 3 الالتزام بتفعيل الحقوق و التكريس العملي لها : تنصّ المادة 2: «تتعهّد كل دولة في هذا العهد بأن تتّخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدولي ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة ما يلزم من خطوات لضمان التمتّع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في العهد سالكة إلى تقديم جميع السبل المناسبة وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعيّة». هناك إجماع حول فهم نوعيّة هذه الالتزامات حيث إنّ بعضها يخصّ جزءا من الحقوق التي لا تتطلّب تدرجّا في إعمالها بل تستوجب الإعمال الفوري. أمّا الالتزامات التي تخصّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الأخرى، فالدولة مطالبة وملزمة بأن تشرع في الإعمال (دون تأجيل) باتّخاذ التدابير لضمان التمتّع التدريجي بالحقوق (تقييم الوضع، اتّخاذ تدابير من بينها تشريعيّة، رصد الموارد اللازمة). إذن الدولة ملزمة باتّخاذ الخطوات دون تأخير وفي أجل سريع معقول لضمان التمتّع الذي يتمّ شيئا فشيئا: هناك التزام في مستوى السلوك غير مشروط ولا يقبل التأخير. في حين الالتزام بالنتيجة أو التكريس الفعلي للحقوق مرتبط بالإمكانيات ويقتضي التدرّج. ومن الظاهر أنّ الالتزام بالنتيجة (التكريس الفعلي) معلّق بالالتزام بالسلوك (التحرّك والعمل بالنجاعة والفاعليّة..) إنّ فكرة التدرّج لضمان التمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة قد أوحت إلى البعض إبراز مفهوم الالتزامات الأساسيّة الدنيا. لا بدّ إذن من تحقيق الالتزامات الأساسيّة الدنيا من حيث ضمان حدّ أدنى من التمتّع بالحقوق خاصّة بالنسبة إلى الفقراء. وهذا لا يتناقض مع الإقرار بمبدأ التدرّج في ضمان التمتّع الكامل بالحقوق. تأسيسا على ذلك يقوم تصور الاتحاد للدستور الجديد فيما يتصل بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية على المبادئ التالية: حق الشعب في تقرير مصيره وفي التحكم في ثرواته وموارده الطبيعية وفي ضمان تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وشروط الحياة الكريمة (التوطئة). المساواة بين سائر المواطنين والمواطنات في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وخاصة المساواة في هذا المجال بين الرجل والمرأة. (الفصل 8). الحق في الشغل و ضمان تكافؤ الفرص في الحصول عليه مع توفير الظروف الملائمة للعمل و توفير الأجر الأدنى الذي يضمن العيش الكريم. (الفصل 25). حقوق العمال المرتبطة بالحق في شروط عمل منسجمة مع كرامة الإنسان خاصة بالنسبة إلى ظروف العمل ومدته والأجر المترتب عنه والترقية وضمان الراحة. (الفصل 52). لا معنى لعمل لائق ما لم يضمن للعامل ولأسرته عيشة تليق بكرامته البشرية. (الفصل 52). مفهوم العمل اللائق يختزل مفهوم العمل اللائق طموح البشرية إلى: العمل المنتج. الأجر العادل. الحماية الاجتماعية. الترقية المهنية. الاندماج الاجتماعي. حرية التعبير والتنظيم. المساواة في المعاملة. المشاركة في اتخاذ القرار شروط العمل اللائق إن أهم الشروط التي ينبغي أن تتوفر في أي عمل حتى يتصف بصفة لائق هي: توفر الحماية الاجتماعية. احترام التشريع الاجتماعي. احترام كرامة العامل وإنسانيته و أن يؤمن للعامل أجرا عادلا. أن ينجز العمل تحت مظلة الحوار الاجتماعي والحريات النقابية والمفاوضة الجماعية. أشكال الحماية إن النمو الاقتصادي والحوار الاجتماعي مقومان أساسيان في النهوض بالعمل اللائق إن العمل اللائق يفترض حماية التمثيل النقابي. الحوار الاجتماعي. إن ركائز العمل اللائق الأساسية هي: الحق في العمل النقابي بما في ذلك الحق في الإضراب. (الفصل 72). تكريس الحوار الاجتماعي. (الفصل 62). حق التفاوض وإبرام الاتفاقات الجماعية. (الفصل 62). تكريس الحوار الاجتماعي . (الفصل 62). 1 التشغيل . حق التفاوض وابرام الاتفاقات الجماعية. (الفصل 62). 2 المبادئ والحقوق الاساسية للعمل. 3 الحماية الاجتماعية 4 الحوار الاجتماعي. الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بالوقاية من حوادث الشغل والتعويض عنها والتغطية الصحية والوقاية من البطالة والتعويض عنها. (الفصل 42). الحق في الصحة (الفصل 42). الحق في التربية والتعليم (الفصل 92). الحق في المستوى المعيشي الكافي للشخص ولأسرته بما يمكن من سد الحاجيات إلى الغذاء والملبس والمأوى ومن التحسين المتواصل لظروف المعيشة.(الفصل 22). يعتبر المستوى اللائق من المعيشة عن مفهوم واسع عام لا يمكن تحديده بدقة. وقد استخدمت الأحكام الدستورية التي تنتمي إلى المذهب الاجتماعي هذا المصطلح للتعبير عن قيام الدولة بوظائف اجتماعية كثيرة . حق كل شخص في المشاركة في الحياة الثقافية وفي التمتع بفوائد التقدم العلمي وبتطبيقاته وبالتمتع بحرية البحث العلمي والنشاط الإبداعي. (الفصل 92). الحق في بيئة سليمة (الفصل 03). الحق في السكن اللائق (الفصل 82). الحق في توفير الرعاية و الحماية الخاصة للفئات الهشة (الفصل 22). العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية )المذهب الاجتماعي وليس المذهب الفردي(الفصل 22 + التوطئة). العمل على تحقيق التنمية المتوازنة بين الجهات (الفصل 32). ذلك: أ أن التنمية تمثل مسارا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيّا وسياسيا شاملا يهدف إلى النهوض المطّرد برفاهيّة كلّ الناس بالاعتماد على مشاركتهم الفاعلة والحرّة والتقاسم العادل للخيرات الناتجة عن تلك المشاركة. ج إن الحقّ في التنمية يتمثّل في تحقيق المساواة والفرص للتمكين من الموارد الأساسيّة: التعليم – الخدمات الصحيّة – التغذية – المسكن – العمل وكذلك في التقاسم المنصف والعادل للثروة. د أهميّة الحق في التنمية باعتباره حقا كاملا وجزءًا لا يتجزأ من حقوق الانسان. ه مقاومة الفقر باعتباره انتهاك لحقوق الانسان. د الربط الصريح بين الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية. يمكن من هذا المنطق اعتبار الحقّ في التنمية حقّا شاملا يتفرّع إلى جملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويجعل منها منظومة مترابطة في حدّ ذاتها ومنسجمة مع الحقوق والحريات المدنيّة والسياسيّة خاصة في مبدأي المشاركة والانصاف.