كان الألم يعصر قلبي صباح الأحد الخامس والعشرين من مارس. وكنت أشدّ حزنا مما كنتُ عليه. يوما بعد يوم أتأكد أن الغباء بدأ ينتشر من أول سؤال هل الشعب التونسي شعب مسلم أم كافر ملحد؟ لم أكن أعتقد أن غُرَابَ البَيْنِ سيحطّ في شارع الحرية، شارع 14 جانفي، بمثل تلك المهزلة. في اليوم العالمي للمسرح رفرفت أعلام سوداء مخجلة للتونسيين وللعالم. ولن تمحي تلك الصورة الكاريكاتورية السوريالية من مخيلتي، لأنها صورة تلفها المزايدة على هذا الشعب المسلم حتى النخاع. فربما نجد في المستقبل ألف نوع من الاسلام مما يُحدث فتنة ويصبح باب العنف مفتوحا ويختلط الحابل بالنابل. لكن لن يكون ذلك أبدا ولن تنطلي المؤامرات على هذا الشعب الحرّ الذي لا يريد العودة الى ديكتاتورية أخرى فقد جرّب تنكيلها وذاق عذابها. من أين جاء هؤلاء؟ لماذا لم يشارك أحد منهم في الثورة التونسية؟ ولماذا يزايدون على هذا الشعب المسلم بطبعه، المتلئ عزة وكرامة بالقيم النبيلة والأهداف السامية؟ وزارة الداخلية كانت على علم باحتفالات اليوم العالمي للمسرح بترخيص صادر منذ شهر في كنف المسؤولية والالتزام من أهل المسرح. لن أتّهم السلفيّين هذه المرة، بل أتهم وزارة الداخلية التي كان من المفترض أن تمنح ترخيصا للسلفيّين وحرية التعبير مكفولة لهم بتنظيم مسيرة سلمية لكن في يوم آخر وفي مكان آخر. إن الاهانة التي لحقت أهل المسرح الذين ساهموا في الثورة التونسية، ليست الا بفعل فاعل وبتقصّد من وزارة الداخلية بتاريخها المليء بالمؤامرات والفظاعات في عهد الدكتاتوريّتين. حتى بلاغ وزارة الداخلية مساء الاحد الخامس والعشرين من مارس، بلاغ مضحك فيه استخفاف واستهزاء بأهل المسرح والثقافة والأدب والفنون والاعلام. إن العلم الأسود ليس ذلك الذي رفرف يوم الأحد أمام المسرح، بل هو العَلَم الأسود الذي يرفرف بحقده الأبدي على الحرية والجمال والفن داخل مبنى الداخلية! آه أيها المبنى المليء بالمؤامرات في تاريخك الأسود الطويل. منذ تزوير الانتخابات بإشراف وزير الداخلية السابق الباجي قائد السبسي الى آخر جرائم بن علي ومحمد الغنوشي وجرائم حكومة السبسي التي ذهبت غير مأسوف عليها. لن تنطلي المؤامرات على هذا الشعب، فقد تبيّن له الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود. والمجد كلّ المجد لأهل المسرح شموعا تضيء هذا الظلام الذي يلفّ العالم. والمجد للمسرح البلديّ قلعةً شامخةً للفن والحرية والإبداع. ورغم بكائي في اليوم العالمي للمسرح لم يخامرني شك في أن أهل المسرح جديرون بالحياة وفي أنهم سيقودون ثورة حقيقية في المستقبل القريب تنسينا فضائح ما يشبه ثورةً.