تحت شعار «الانتقال الديمقراطي في تونس» وبمناسبة عيد الاستقلال انعقدت ندوة مفتوحة يوم 20 مارس 2012 بمقرّ البرلمان الأوروبي ببروكسال. كانت مناسبة للالتقاء والنقاش مع الشباب التونسي المهاجر كذلك الشباب الأوروبي أثثها جمع متنوّع من التونسيين والتونسيات يمثّلون أحزابا سياسية من الترويكا ومكوّنات المجتمع المدني التونسي. وقد حظيت بشرف تمثيل الاتحاد العام التونسي للشغل بمداخلة حول دور الاتحاد قبل الثورة وبعدها. تناولت هذه المداخلة تاريخ المنظمة وتلازم بعديها الوطني والاجتماعي المميّز لها عن سائر المنظمات النقابية من ذلك دورها الريادي في الحركة الوطنية وتحرير البلاد والمساهمة في بناء الدّولة الحديثة خاصّة تبنّي برنامجها الاقتصادي والاجتماعي كخارطة طريق للانطلاق. ودفاعها المستميت عن قضايا الشغالين وحقوقهم وصل إلى حدّ التصادم مع الحكومات المتعاقبة كانت أبرزها أزمتي 1978 1985 كما لم يتهاون الاتحاد عن قضايا الحريّات وحقوق الانسان مثل مساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. والمسألة الديمقراطية منذ زمن بعيد لعلّ رسالة الزعيم أحمد التليلي إلى بورقيبة سنة 1966 حول الديمقراطية أكبر دليل على بعد نظر الاتحاد العام التونسي للشغل واستباقه في تناول المواضيع الملحّة، كما تبنّى القضايا القومية مثل قضيّة فلسطين ومساندتهعا كان الموقف من زيارة شارون إلى تونس سنة 2005 من أبرزها. واصل الاتحاد مساندته لقضايا شعبنا واهتمامه بالطبقات المحرومة ولم يتوقف عن التنبيه والتذكير بالوضع الرديء الذي كانت عليه الجبهات المحرومة واللاتكافؤِ الجهوي وكانت الدراسات التي أنجزها الاتحاد حول التنمية في المدن الداخلية مثل الكاف وسيدي بوزيد وقفصة والقصرين وجندوبة كانت ناقوس الخطر الذي دقته أحداث الحوض المنجمي بمدينة قفصة. هذه الانتفاضة التي رفضت الاستغلال الفاحش للثروة والمحسوبية في الانتدابات والولاءات والوضع الكارثي الذي عليه تلك المناطق المحرومة، وإنّ تباطؤَ الاتحاد في اتخاذ موقف واضح بداية الأحداث وقع تداركه تحت ضغط القواعد والهياكل الوسطى المناضلة التي ناصرت مناضلي الحوض المنجمي ومناضلاته لتكون أوّل شرارة الثّورة. اندلعت ثورة الكرامة والحريّة يوم 17 ديسمبر وكانت مقرّات الاتحاد العام التونسي للشغل في كلّ الجهات الحاضنة والمؤطرة لها ولعلّ الاضرابات العامة التي خاضتها جبهات المنظمة الشغيلة وخاصة اضراب صفاقس يوم 12 جانفي وتونس الكبرى يوم 14 جانفي منعرج الثورة الذي سرّع بفرار الطاغية. ونظرا إلى ما مثله الاتحاد من إرث نضالي وثقل اجتماعي واستحقاق ثوري للأجيال القادمة ولشعبنا الأبيّ سعى الاتحاد العام التونسي للشغل كعادته الى تغليب المصلحة الوطنية. فلم يشارك في الحكومات المتعاقبة رغم طلب هذه الأخيرة ولم يشارك في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وشدّد على الالتزام بشعارات الثورة ومبادئها. الدولة المدنية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان والحريّات وخاصّة حريّة التعبير والتنظّم والتظاهر والمساواة بين المرأة والرجل وفصل السلط واستقلاليّة القضاء والعدالة الاجتماعية والانتقالية وحياد الدولة وفصلها عن الحزب الحاكم مهما كان ودولة القانون والمؤسسات باعتباره ضامنًا أساسيًّا لإرساء نظام ديمقراطي يحترم علوية القانون والتداول السلمي على السلطة ويقطع مع منظومة الاستبداد والتخلّف والفساد. لقد كانت مسيرة الاتحاد ولا تزال من أجل كامل شرائح شعبنا مسيرة النضال والتضحية وستكون كذلك من خلال المشاركة الفعّالة في الانتقال الديمقراطي وستكون كذلك من خلال المشاركة الفعّالة في الانتقال الديمقراطي عبر دوره الاجتماعي في حماية الشغالين وتأمين حقوقهم بإثبات تشريع عادل وتطويره بإرساء حوار اجتماعي مع كلّ الأطراف الفاعلة والمعنية باحترام الحقوق والواجبات على قاعدة المصلحة الوطنية للعامل والمجموعة الوطنية بتفعيل المؤسسات القانونية ذات الصلة وكذلك بالنضال وحماية ثورتنا عبر الدفاع عن دستور مدني للجمهورية الثانية يكون انطلاقة الديمقراطيات العربية كما كانت ثورتنا المجيدة. ولقد صاغ الاتحاد مشروع دستور مدني تمحورت بنوده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية حول إرساء دولة القانون والمؤسسات لضمان الديمقراطية المنشودة. دولة مدنية الجمهورية نظامها والعربية لغتها والاسلام دينها، منفتحة على الحضارات الانسانيّة مرتبطة بإرثها الحداثي النيّر مفتخرة بتاريخها الضارب في القدم. ومن خلال مكانته المتميّزة في تونس الحديثة سيلعب الاتحاد العام التونسي للشغل منظمتنا العريقة دورا متميّزًا في تأمين مرتكزات الانتقال الديمقراطي والدفاع عن مبادئ ثورة الكرامة والحرية من خلال مواصلة الدفاع عن الحريّات وحقوق الانسان والتشغيل والعمل اللائق والتوزيع العادل للثروة والتساوي بين الجبهات في التنمية ومحاربة الفساد والرشوة والمحسوبيّة واستغلال النفوذ وظواهر الرّدة. واحترام القانون والمؤسسات ودور المجتمع المدني في الحياة السياسية وتشريكه في صنع القرار والتداول السّلمي على السلطة على قاعدة الانتخابات النزيهة والحرّة والشفافة وتركيز آليات للمراقبة والمحاسبة ونشر ثقافة نوعية ترتقي بالوعي وتشجّع الابداع والفكر... وكما قال مارتن لوثر كينغ «I have a dream» (أملكُ حُلُمًا) كذلك لنا حلم وسنسعى جاهدين إلى تحقيقه من أجل تونس وأجيالها القادمة ووفاءً لدماء الشهداء.