لأول مرة في تاريخ المنظمة الشغيلة، تم هذه السنة إحياء ذكرى محمد علي الحامي بشكل وطني وجهوي في قرار اتخذه مؤتمر طبرقة. وقد انطلق احياء الذكرى يوم الجمعة الماضي بإقامة تظاهرة ثقافية بدار الثقافة ابن رشيق أشرف عليها الأخ حسين العباسي الأمين العام للاتحاد الذي ألقى كلمة بالمناسبة دعا فيها إلى استخلاص الدروس والعبر مبينا أن البلاد تواجه تحدّيات في حجم التحدّيات التي عاشها محمد علي الحامي ورفاقه مع بداية القرن الماضي، تحدّيات إعادة بناء المجتمع على قواعد تختلف على القواعد التي أرادها الاستعمارلتونس والتأسيس لنموذج مواطن جديد مخلص لوطنه مدرك لمسؤولياته مترسّخ في محيطه أمين في الدفاع على مصالح منظوريه. لقد دأبنا نحن معشر النقابيين في الاتحاد العام التونسي للشغل على إحياء ذكرى أبطالنا وزعمائنا على مرّ السنين، وفاء لما قدّموه من تضحيات للدفاع عن قيم الحرية والعدالة والمساواة، ولنستحضر في مثل هذه المناسبات من خلال استعراض مسيراتهم النضالية أبلغ العبر ونستلهم من تجاربهم وكيفية تعاملهم مع الأوضاع والمستجدّات ما يساعدنا على تحسين أدائنا وترسيخ نخوتنا وثقتنا واعتزازنا بالانتساب إلى منبتنا المعطاء منبت العمل النقابي الحرّ والأصيل الذي أزهر جامعة عموم العملة والاتحاد العام التونسي للشغل. وكما يعلم الجميع، فقد التحق محمد علي الحامي بالمدرسة الابتدائية بالحامة سنة 1896، ولمّا نزح والده إلى العاصمة عام 1899 أخذه معه فقضى شبابه هناك. وبعد نضال مرير: شغل بالنهار ودراسة بالليل، ليرفع من مستواه المعيشي والعلمي، صاحب أنور باشا الضابط التركي إلى ليبيا سنة 1912 عند الغزو الإيطالي لها، ثمّ انتقل معه إلى تركيا بغرض الدراسة ليستقرّ بعدها بألمانيا بعد أن حصل على منحة لمواصلة تعليمه العالي. وإثر نيله شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي عاد إلى تونس وطرح أفكاره على ابن بلدته الطاهر الحدّاد الذي كان هو الآخر قد تخرّج من الجامعة الزيتونية والذي كان ينشط في ذات الوقت ضمن اللجنة التنفيذية للحزب القديم حيث كان مكلّفا بتأطير الشباب والدعاية للحزب. ويذكر الطاهر الحدّاد في كتابه «العمّال التونسيون وظهور الحركة النقابية» أنّه وجد أفكار محمد علي مثالية ولا تتّسع لها أفكار عامّة الناس ويقول في هذا الشأن «من يوم أن جاء محمد علي ونحن نستعرض ونبحث في عمل اقتصادي، عام الفائدة، يكون مناسبا لاستعداد الأمّة في ماليّتها وأفكارها. فقد جاءنا لأوّل مرّة بأفكار لا تتّسع لها البلاد فارتأينا تأسيس شركات تعاونيّة زراعيّة وصناعية وتجارية ومالية يكون على رأسها شبّان وطنيون يمتازون بروح الإخلاص». لذلك عدّل محمد علي الحامي من آرائه بما يتماشى والوضع التونسي وسارع بإنشاء نقابة تونسية مستقلّة عن النقابة الفرنسية بمساعدة ثلّة من الشبّان التونسيين المخلصين، وتحمّس العمّال التونسيون لهذا العمل وكان في مقدّمتهم عمال الجنوب الذين كانوا يعملون في المطاحن وفبريكات السميد والعجين، وهبّاطة المواني وسكّة الحديد بجبل الجلود كان معظمهم من المطاوة والحواميّة. ولكنّ الاستعمار الفرنسي كان بالمرصاد لهذا العمل وأودع أغلب قادته السجون وفي مقدّمتهم محمد علي الحامي الذي نفي خارج البلاد التونسية حيث توفّي في حادث سير مشبوه بالسعودية التي خيّر الإقامة بها. الأخوات والإخوة إنّ هذه النبذة الموجزة عن حياة محمد علي الحامي توحي بثراء التجربة وتنوّعها وتعيدنا إلى جذورنا وتذكّرنا أنّ ما من سبيل لتغيير الأوضاع إلاّ إذا التقى الفكر المعرفي الجيّد بالعمل الميداني المستقلّ. وما من سبيل للتأثير في الواقع إلاّ إذا توفّرت روح التضحية والتضامن والإخلاص للمبادئ والأفكار التي نحملها. إنّ استحضار تاريخ الروّاد هو من أفضل الطرق لتقييم الذات ولتقديم الإضافات التي قد حقّقناها والانتكاسات التي قد نكون سجّلناها. فهو مرجع أساسي للانطلاق من جديد ونحن مدركون لنقاط قوّتنا ولنقاط ضعفنا... مدركون للتحدّيات التي تتربّص بنا وللفرص المتاحة أمامنا. ويكفي اليوم أن نتمعّن في واقعنا الحالي لنتبيّن مدى حاجتنا إلى مثل هذه الدروس والعبر. فتاريخ حركتنا حافل بها ومسيرات روّادنا مدارس لكلّ من يريد أن ينهل منها. إنّنا اليوم نواجه تحدّيات في حجم التحدّيات التي عاشها محمد علي الحامي ورفاقه مع بداية القرن الماضي، تحدّيات إعادة بناء المجتمع على قواعد تختلف عن القواعد التي أرادها لنا الاستعمار، والتأسيس لنموذج مواطن جديد مخلص لوطنه ومدرك لمسؤولياته مترسّخ في محيطه أمين في الدفاع عن مصالح منظوريه. وهذا تحديدا ما نسعى إلى تجسيده في مثل هذه المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها بلادنا، سواء من حيث مباشرتنا لمهمة إعادة هيكلة منظمتنا في اتجاه المزيد من التمثيلية والديمقراطية والشفافية، لإرساء قنوات التواصل وتقاليد التداول على المسؤوليات والتمشّي التشاركي في القرار، أو من خلال التزامنا بالذود عن أهداف الثورة التي قادها شعبنا ضدّ الدكتاتورية والاستبداد والفساد، تحت شعار الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو من خلال مبادرتنا بصياغة مشروع دستور يفصح عن تصوّرنا لنظام الحكم الذي نطمح إليه بما يرسّخ المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان وآليات الحوكمة الرشيدة وبما يساعد على تركيز مؤسّسات وإدارة محايدة ومستقلّة وعلى توفير ضمانات لفرض الاحترام المتبادل والعيش المشترك من خلال عقد اجتماعي جامع يستند إلى سلطة الشعب وشرعية الانتخاب وتنمية قيم التعايش وروح المواطنة. وعلينا أن نذكّر في هذا المقام بأنّنا ما فتئنا ندعو إلى إعادة تأسيس السياسات الاقتصادية والاجتماعية بناء على طرح اقتصادي اجتماعي وتشخيص دقيق لواقع التنمية في البلاد، سواء على المستوى الكلّي أو على المستويين القطاعي والجهوي، يكون منطلقا لبلورة منوال تنموي جديد متوازن قائم على تكامل القطاعات الثلاث العمومي والخاص والتعاوني، يحقّق التنمية العادلة، ويحمي الوفاق الاجتماعي من خلال توفير الخدمات وتيسير الوصول إليها، مثل النقل والصحة والتعليم والطاقة والماء والسكن وتوفير الحماية الاجتماعية والعمل اللائق. وعلينا أن نؤكّد في هذا السياق أيضا أنّ دولة الرعاية التي ندعو إليها ليست بالضرورة طرفا مباشرا في الانتاج، ولكنّها بالضرورة مدعوّة إلى أن تلعب دور المنظّم والمعدّل لحريّة السوق، وأن تتولّى ضمان الحقوق والحريات والخدمات الأساسية للجميع، بالنوعية المطلوبة والكمية الكافية، وأن تسهر على مقاومة الاحتكار وترسيخ وسائل الشفافية والمراقبة والمحاسبة في مختلف المجالات، في مؤسّسات الدولة أو في القطاع الخاص، أو في القطاع التعاوني. هذه بعض الخواطر التي أمكن لي استحضارها في هذه الذكرى العزيزة، ويقيني أنّ المساهمات والشهادات التي سيتمّ تداولها في هذا اللقاء، ستمثّل إضافات مفيدة لمزيد النهل من هذه التجربة المؤسسة، ومن شخصية محمد علي الحامي الخالدة بما يرسّخ لدينا القيم الأساسية للعمل النقابي الأصيل. زيارة أثناء المسيرة زار الأخ الأمين العام للاتحاد فضاء مفتوح لاتحاد العاطلين عن العمل مؤكدا لهم أن الاتحاد سيدعم قضاياهم ومطالبهم .