التقديم: 1) مساهمة مخلّفات الحرب العالمية الأولى في توتير العلاقات الدولية في الثلاثينات. 2) مساهمة الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 في توتير العلاقات الدولية. 3) إخفاق جمعية الأمم في تحقيق وحفظ « الأمن الجماعي ». 4) مساهمة الأنظمة الكليانية في توتير العلاقات الدولية. 5) مساهمة الأنظمة الديمقراطية في توتير العلاقات الدولية. الخاتمة: التقديم: شهد النصف الأول من القرن العشرين أزمات خطيرة ضخمة وشاملة: حيث شهد العالم حربين عالميتين مدمرتين تخلّلتهما أزمة الثلاثينات الاقتصادية. تعود جذور هذه الأحداث إلى احتداد الصراع الامبريالي بين القوى الأوروبية الاستعمارية خاصة في أواخر القرن التاسع عشر. أدّت الحرب الكبرى إلى تغيّر موازين القوى في العالم لصالح بداية صعود الولايات المتّحدة الأمريكية التّي داهمتها مع ذلك أزمة الثلاثينات الاقتصادية سنة 1929. تميزت أزمة الثلاثينات بشموليتها مجاليا وقطاعيّا. ساهمت هذه الأزمة في صعود الأنظمة الفاشية وفي دفعها إلى اعتماد سياسة خارجيّة توسّعية عنيفة. إذن, إجمالا تتميّز هذه الأحداث الثلاث (الحرب الكبرى, ظاهرة الأنظمة الكليانيّة والأزمة الاقتصادية العالمية) بالترابط والتفاعل الذي أدّى إلى إحداث تغيّرات جغراسياسيّة واقتصاديّة عميقة في النصف الأول من القرن العشرين. مؤتمر السلم بباريس ودوره في توتير العلاقات الدوليّة في فترة مابين الحربين: انعقد في باريس بين جانفي وجوان 1919 بمشاركة ممثلين عن 27 دولة منتصرة في الحرب الكبرى. وقوع السلم على حساب البلدان المنهزمة: فرض فرنسا وبريطانيا لغاياتهما الاستعمارية على قرارات المؤتمر رغم معارضة الولاياتالمتحدةالأمريكية- عدم مشاركة البلدان المنهزمة- الاجتماعات ضمّت خاصة الأربعة الكبار: ولسن (الولاياتالمتحدة) وكليمنصو (فرنسا) ولويد جورج (انجلترا) و أورلندو (إيطاليا)- تأكيد فرنسا على ضرورة إضعاف ألمانيا. لم ترض قراراته بعض المنتصرين كما خلّفت المعاهدات المفروضة بين 1919 و 1920 الغضب في صفوف المنهزمين. خيبة أمل ايطاليا التّي وقع تجاهل مطالبها الترابيّة ممّا سيساهم في بروز النظام الفاشي بها: عدم وفاء الحلفاء بوعودهم لها سنة 1915 بضمّ استريا ودلماسيا- فرضوا عليها سحب القوات التّي احتلّت ميناء فيوم بزعامة “ قبريال دانينزيو” . معاهدة فرساي في 28 جوان 1919 المفروضة على ألمانيا وانعكاساتها السلبية عليها فاعتبرتها “دكتات” لأنّها تضمنت 3 مجموعات من القرارات: ترابيّا (خسارة 15 % من أراضيها وتشتّت سكانها) وعسكريا (تحديد عدد القوات, المنع من التسلّح) واقتصاديا (فقدان أرصدتها بالخارج أسطولها التجاري و فرض تعويضات مالية عليها...): اعتبارها إهانة من طرف ألماني و «طعنة خنجر في الظهر». بروز مشكلة الأقليات الألمانية ( سبع السكان) خارج التراب الألماني بسبب المعاهدات الجديدة التّي فرضها مؤتمر السلم بباريس. التأثير السلبي للمعاهدات على حلفاء ألمانيا وهم بلغاريا والإمبراطوريتين النمساوية-المجرية والعثمانية. خارطة جغراسياسية جديدة جزأت الإمبراطوريات القديمة وشتّتت بعض القوميات التّي ستكون مصدر بعض القلاقل في المستقبل القريب وستساهم في تعزيز الشعور القومي الألماني وتساعد على تدعيم موقف الحزب النازي. إجمالا حملت السلم المنبثقة عن مؤتمر فرساي في طيّاتها بذور خلافات جديدة بين الدول ستزداد تفاقما باندلاع أزمة الثلاثينات الاقتصادية سنة 1929. دور الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 في توتير العلاقات الدولية في الثلاثينات: اندلاع الأزمة بالولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1929 نتيجة المضاربة في البورصة والإفراط في الإنتاج وقصور في الاستهلاك. انتقالها بسرعة إلى أوروبا نتيجة الروابط الاقتصادية والمالية المتينة بينهما. تأزم الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية في العالم: انهيار الإنتاج و الأسعار وارتفاع البطالة وانتشار البؤس... لحماية اقتصادها لجأت أغلب الدول إلى سياسة القومية الاقتصادية والتّي من مظاهرها: الحرب التجارية والنقدية وسياسة الاكتفاء الذاتي... استغلال الأنظمة الدكتاتورية لهذه الأزمة و نتائجها الكارثية (اقتصاديا واجتماعيا) إمّا للوصول إلى السلطة مثل صعود الحكم العسكري باليابان منذ 1930 ووصول الحزب النازي في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر للحكم سنة 1933 أو لتدعيم موقعه بها مثل النظام الفاشي بإيطاليا. تقسيم الأزمة للعالم إلى بلدان «غنيّة» و أخرى «فقيرة»: البلدان «الغنية»= الديمقراطيات= وهي أساسا فرنسا وبريطانيا لامتلاكها لمستعمرات شاسعة و80% من الذهب وتشبّثها بالخارطة القديمة للعالم وبمعاهدات 1919 وهو ما يسّر لها تجاوز الأزمة بسهولة أكثر. البلدان «الفقيرة»= «البروليتارية»= الدكتاتوريات وهي ألمانيا إيطاليا واليابان وهي بلدان لا تملك مستعمرات كافية وتبحث عن أسواق خارجية لكلّ مشاكلها الداخلية وتطالب بمراجعة خارطة العالم ورفض مقررات 1919 وهو ما جعلها تتجاوز الأزمة بصعوبة كبيرة جدّا. بالتالي لجوء الأنظمة الكليانية إلى سياسة التسلح لتشغيل العاطلين عن العمل في الداخل وتحقيق المجال الحيوي بالمطالبة الدائمة بتقسيم جديد للمستعمرات على المستوى الخارجي... ساهمت أزمة الثلاثينات الاقتصادية في تنامي الخلافات بين الدول وتوتر العلاقات الدولية وبالتالي في وقوع الحرب العالمية الثانية. إخفاق جمعية الأمم في تحقيق “ الأمن الجماعي “ وحفظه: تأسست جمعية الأمم سنة 1920 طبقا للمادة 14 من برنامج الرئيس الأمريكي و«لسن» من أجل المحافظة على السلم في العالم. كانت عمليّا بمثابة « ناد للمنتصرين » إذ أقصيت منها الدول المنهزمة وروسيا البلشفية ولم تنخرط فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب معارضة الكنغرس الأمريكي. خيبت هذه المنظمة آمال الشعوب لمصادقتها على نظام الانتداب على المستعمرات الألمانية والممتلكات العثمانية بالمشرق العربي. افتقارها لوسائل الردع الضرورية لتطبيق قراراتها وعدم انخراط الولاياتالمتحدة فيها جعلها تعجز عن حفظ السلم العالمي ونبذ استخدام القوة في حلّ النزاعات بين الدول والحدّ من التسلّح. إخفاق سياسة «الأمن الجماعي» وهي السياسة التّي أرستها الدول الكبرى اثر الحرب العالمية الأولى بالاعتماد على جمعية الأمم وذلك من خلال: فشل ندوة جينيف لنزع السلاح سنة 1932 اثر تمسك ألمانيا بحقّها في التسلح. انسحاب الأنظمة الدكتاتورية من جمعية الأمم: اليابان في مارس 1933 و ألمانيا في أكتوبر 1933 وإيطاليا في ديسمبر 1937. وقوف الدكتاتوريات إلى جانب الحزب الفاشي بدعم الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الاسبانية (1936-1939). تتحمل الأنظمة الفاشية إجمالا مسؤولية كبرى في فشل أو/و إفشال دور جمعية الأمم عبر: رفض الأنظمة الدكتاتورية خاصة ألمانيا لاتفاقات 1919. عدم احترام هذه البلدان لقرارات هذه المنظمة أو الانصياع لها. انسحابها منها. الديمقراطيات تتحمل قسطا من المسؤولية لانهيار السلم في العالم من خلال ضعف مواقفها نتيجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التّي تمرّ بها في الثلاثينات. عدم التزام بعض الديمقراطيات الغربية لقرارات هذه المنظمة: بريطانيا لم تطبق العقوبات المفروضة على ايطاليا بعد احتلالها لأثيوبيا. إخفاق جمعية الأمم في القيام بدورها في حفظ السلم والأمن في العالم شجّع الدكتاتوريات على مواصلة تحدّياتها. دور الأنظمة الكليانية في توتير العلاقات الدولية في الثلاثينات: تتمثل هذه الأنظمة في النظام الفاشي بايطاليا بقيادة بنيتو موسيليني الذي صعد إلى السلطة سنة 1922 و النظام النازي في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر الذي وصل إلى الحكم سنة 1933 وكذلك النظام العسكري باليابان. أنظمة دكتاتورية تعتمد قمع أغلبية المجتمع و تسخير قواه خدمة لمصالح الطبقة البورجوازية وكبار الفلاحين. اعتمادها سياسة داخلية تقوم على أفكار قومية متطرفة عنصرية تمجد القوة و العنف والحرب...وهو ما جعلها متقبلة فكرة الدخول في حرب عالمية ثانية للمحافظة على كيانها. الإعداد العسكري و الديبلوماسي: إعادة التسلح وتكوين الأحلاف. التقارب بينها على الصعيد الدولي: محور روما-برلين (1936) والحلف الفولاذي (1939)... احتلال مناطق نفوذ جديدة: احتلال اليابان لمنشوريا (1931) و ايطاليا لأثيوبيا (1935-1936) وكذلك ألبانيا (1939). أمّا ألمانيا فقد ضمت منطقة السار (1935) وسلّحت رينانيا (1936) و ضمت النمسا (1938)... انسحاب هذه الأنظمة من جمعية الأمم وعدم الالتزام بقراراتها. دور إيطاليا الفاشية هام: استغلال موسيليني لاستياء المجتمع الايطالي من مقررات مؤتمر السلم بباريس لتدعيم نفوذه. المطالبة بإعادة تقسيم المستعمرات من أجل إعادة مجد ايطاليا الي. التوسع الخارجي واحتلال الحبشة وألبانيا. اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي والتسلح في الداخل. مسؤولية محورية لألمانيا في توتير العلاقات الدولية في الثلاثينات: الرغبة في التخلص من معاهدة فرساي المهينة. إعادة بناء الاقتصاد الألماني المنهار بسبب مسألة التعويضات و أزمة الثلاثينات الاقتصادية. الانسحاب من محادثات ندوة جينيف لنزع السلاح (فيفري 1932) الذي يمنع ألمانيا من حقها في التسلح والأمن وبالتالي فقد نشط هتلر الصناعات الحربية وقام بإعادة تسليح منطقة رينانيا استعدادا للحرب. الانسحاب من جمعية الأمم سنة 1933 لأنها حسب هتلر تكرّس مظالم معاهدة فرساي. المطالبة بالتوسع على حساب أوروبا الوسطى والشرقية في إطار سياسة التوسع لضمان «المجال الحيوي» ولحلّ المشاكل الداخلية (الاكتظاظ وضعف الموارد الأولية...). المطالبة بإعادة ضم الأراضي التي تعيش فيها أقليات ألمانية. ضمّ وتفكيك عدة دول مثل النمسا و تشيكسلوفاكيا. التنافس التقليدي مع فرنسا وتحميلها مسؤولية معاهدة فرساي المهينة لألمانيا وبالتالي اعتبار فرنسا « العدو الأكبر لشعبنا » مما جعل هتلر يعتبر تصفية الحساب معها خطوة ضرورية. سياسة التحالف والتقارب مع إيطاليا في إطار الحلف الفولاذي (1939) وإبرام الحلف المعادي للشيوعية مع اليابان (1936) وانضمام ايطاليا إليه سنة 1937 وحلف مع الاتحاد السوفياتي في إطار معاهدة عدم الاعتداء (1939). نقض بنود معاهدة فرساي- سياسة التسلح- احتلال دول أخرى- بناء أحلاف عسكرية جديدة... خرق واضح لكلّ المعاهدات و إفشال لسياسة الأمن الجماعي. توتير شديد للعلاقات الدولية ومساهمة كبيرة في اندلاع الحرب العالمية الثانية. مساهمة الأنظمة الديمقراطية في توتير العلاقات الدولية في الثلاثينات: ضعف الأنظمة الليبرالية: تمسكت فرنساوانجلترا بالحذر الشديد في التعامل مع الخطر الفاشي الأوروبي وذلك حرصا على تجنّب الأخطاء التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى. من ناحية ثانية كانت هذه الأنظمة الليبرالية تعيش تمزقا داخليا وصراعا بين القوى الفاشية الداخلية الصاعدة و القوى التقدمية المعادية للفاشية فكانت الحكومات متخوفة من اندلاع حرب أوروبية قد تتحول إلى حرب أهلية. سياسة المسالمة الانجليزية: حيث اتبعت انجلترا سياسة المسالمة والتهدئة و تقديم التنازلات لإيجاد الحلول السلمية للأزمات الدولية نظرا لانشغالها بأزمتها الاقتصادية الحادة. تبعية وضعف السياسة الخارجية الفرنسية: حيث اعتبرت فرنسا نفسها غير قادرة على الوقوف بمفردها أمام التحديات الألمانية وحرصت على كسب المساندة الانجليزية واختارت سياسة الدفاع (خطّ ماجينو). عزلة الاتحاد السوفياتي: تواصل تخوف الأنظمة الليبرالية من النظام السوفياتي ودعايته الثورية التي قد تهدّد استقرارها فلم تكن مطمئنة إليه بما فيه الكفاية أمام الخطر النازي. الحياد الأمريكي: استمرّ تمسك الرأي العام الأمريكي بموقفه الانعزالي تجاه الشؤون الأوروبية فكان على الرئيس فرانكلين روزفالت الالتزام بقاعدة الحياد عبر: إصدار قوانين الحياد في 1935 و 1936 و 1937. الاهتمام بالقارة الأمريكية بعد 1929. عدم التدخل في كل ما يجري داخل أوروبا. أدى تباعد الأنظمة الديمقراطية وضعفها مع إمعان الدكتاتوريات في سياسة التحدّي عبر السياسة التوسعية إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية بعد دخول هتلر إلى بولونيا في سبتمبر 1939. الخاتمة: تميزت العلاقات الدولية في فترة مابين الحربين بالتوتر الشديد وضعف لغة الحوار و الديبلوماسية أمام لهجة التهديد. تضافر كلّ هذه العوامل واتحادها لتشنّج لغة أهل السياسة. لا يمكن تفضيل أو تقديم إحداها في المساهمة في توتير العلاقات الدولية. زرع مؤتمر الصلح بباريس بذور التوتر في الثلاثينات و عمقت الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 التفاوت بين الدول الأوروبية و صعود لغة القومية و الحمائية و أدى ضعف سطوة قرارات جمعية الأمم إلى استخفاف الأنظمة الفاشية بها. كما تتحمل الدكتاتوريات المسؤولية الكبرى عن انهيار السلم في العالم ودفع العلاقات الدولية نحو التوتر من خلال التسلح و التوسع والتحالف وهو ما لا يعفي الديمقراطيات من تحمل قسط من المسؤولية عن انهيار «الأمن الجماعي» من خلال ضعف مواقفها و سياسة المسالمة و التهدئة نتيجة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي كانت تمرّ بها في الثلاثينات. اقتناع جميع الأطراف المتنافسة و المتصارعة بأنّ الصّدام و الحرب أمران لا مفرّ منهما. المراجع: المراجع بالعربية: إبراهيم بن محمد السعداوي (1985): ال في امتحانات الباكالوريا، دار بوسلامة للطباعة والنشر- تونس. كتاب ال لتلاميذ السنة السابعة ثانوي، المركز القومي البيداغوجي- تونس، نشرة 1994. أدولف هتلر: «كفاحي». . ترجمة لويس الحاج، الطبعة الثانية 1995، 384 صفحة. كتاب ال لتلاميذ السنة الرابعة من التعليم الثانوي آداب- اقتصاد وتصرف، المركز الوطني البيداغوجي، نشرة 2007. المراجع بالفرنسية: Encyclopédie des connaissances actuelles, Histoire (2) du XVIIIe au XXe siècle, éditions Philippe Auzou 1993, Paris, France, 303 p. Bouillon J. et Sohn A.-M. (1982): 1900/1939, Histoire Première/XXE Siècle. Bordas, Paris, 384 p. الأستاذ: وسيم عطيّة - أستاذ وجغرافيا - معهد الظويهر بجرجيس