يجيه السبت وتفوح رائحته مثل شعبي تونسي اجتمع الأهالي وهم ينتظرون عودة السّبتي من العاصمة يغمرهم أمل كبير في أنّ الظلم انتهى وسينعم السبتي بتعويض مهم ينسيه سنوات الظلم والاضطهاد وفجأة قدم عمّ عبد الله بن سعيد وقال: أتريدون أن تعرفوا حكاية ابيّك ساسي؟ صاح الجميع في صوت واحد نعم. بعد أن بسمل وحوقل ومسح شاربيه وسوّى شاشيّته قال عم عبد الله بن سعيد: في سنة 1957 أصدرت حكومة الاستقلال مرسوما يقضي بتعويض ومكافأة كل المناضلين والمقاومين. سمع عمّ ساسي بالخبر في البداية لم يعر الأمر اهتماما ولكن حين سمع أنّ الكثيرين صاروا مناضلين ومقاومين وقد كانوا بيّوعة للمستعمر استشاط غضبا وعاد إلى كوخه وهو يصرخ: «القوّادة أصبحوا مقاومين ونحن لا نتحرّك... لا لن أسكت سأذهب وأقابل القائد وأعلمه بالأمر وسأوقف المهزلة وسأحصل على حقّي في المكافأة وبحث عمّ ساسي في كامل أركان كوخه وأخيرا وجد رسالة كتبها القائد في جانفي 1953 يشكر فيها عمّ ساسي لأنّه أنقذ حياته وأمنه من المستعمر في حين أنّ البعض من مرافقيه وحرّاسه كان يسعى إلى الإيقاع به ذلك أنّ عمّ ساسي والذي كانوا يعدّونه أبلها بينما كان جالسا في مقهى الدّشرة يخاصم كلبا سائبا على قطعة خبز يابسة سمع أحد مرافقي القائد يحكي مع أحد السكّان ويطلب منه إعلام الجماعة بأنّ القائد سيجتمع بعمّال الدّاموس في دار بشير الأفطس بعد صلاة العشاء ولذا فعليهم أن يمسكوه بالجرم المشهود وسارع عم ساسي واختلى بالقائد وأعلمه بالأمر وعاد القائد ولم يجتمع بعمّال الدّاموس وكتب رسالة يحكي فيها عن الواقعة ويعلم فيها القيادة أنّه في حالة وقوع مكروه له فإنّه يتّهم بعض المنتمين إلى الحزب بأنّهم خونة ومندسّين وسجّل في الرّسالة أسماءهم ويذكّر عمّ ساسي بكل خير وأعلن أنّه ترك له الرّسالة أمانة عنده. وصل عمّ ساسي إلى العاصمة اتّصل بمقرّ القيادة ورغب في مقابلة القائد ولكن الشرطة والدّيوان رفضوا أن يقابلوه إلاّ إذا وضّح لهم سبب المقابلة وبعد جدل شديد اضطر إلى ذكر الحقيقة وإبراز الرّسالة. خرج المسؤول حاملا الّرسالة بعد أن طمأن عم ساسي بأنّ القائد سيقابله وبعد قرابة النّصف ساعة عاد المسؤول وهو يبتسم ويهشّ وينشّ في وجه عم ساسي قائلا له: إنّ لك حظوة كبيرة لدى القائد أتعلم ماذا قال؟ لقد طلب منّا أن نحملك إلى داره فأنت ضيفه وسينهي عمله ويلتحق بك فمقامك عظيم وأفضالك عليه وعلى الوطن عديدة. كاد يطير عقل العمّ ساسي فرحا، فعلا القائد هو الرجل المناسب في المكان المناسب خرج عم ساسي محوطا بشخصين ركب معهما سيارة وهو يحلم بالدخول إلى دار القائد والجلوس معه ثمّ يحدث سكّان الدّشرة بالواقعة. أخذت السيّارة تدور في أزقّّة ملتوية من المدينة العتيقة وأخيرا وقفت أمام بناية قديمة نزل عمّ ساسي وهو ينظر إلى البناية ويقول في نفسه فعلا القائد رجل عظيم فرغم المنصب الذي يتبوّؤه لم يغيّر منزله. فتح الباب دخل، عم ساسي محوطا بالرجلين، نزلوا في سراديب متعدّدة وأخيرا وصلوا إلى مكان لاهو بالبيت ولا بالنفق دفعا الرجلين عم ساسي دفعا ثمّ خرجا وبقي عم ساسي واجما ولم يفهم ما حدث وما يحدث بعد ساعات طويلة حل رجال أشدّاء غلاظ ذوو بنيات وجثث ضخام وصاحوا في صوت واحد: تدّعي الجنون تكذب على القائد وعلى سادة البلاد، سنريك النّجوم في عزّ الظّهيرة وهكذا بدأت رحلة العذاب مع عمّ ساسي ضرب، تعذيب، ركل، بصاق، شتم، حقن، أدوية . بعد قرابة الشهرين عاد عم ّساسي إلى الدّشرة وقد لبس سترة عسكرية من الروبافيكيا تزيّن صدرها بقطع قصديرية متعدّدة الألوان والأشكال وهو يصرخ في النّاس: «إنّ الزّعيم بورقيبة عيّنه جنرالا وعلى الجميع أن ينادوه بالجنرال ساسي وأن يصيحوا وبصوت واحد: يحيا السّاسي... يعيش السّاسي !