مرّة اخرى تؤكد المرأة العاملة وأساسا المرأة النقابية انها قادرة على اختراق سواكن الظلام وقادرة على رفع التحدي في وجه التحقير والتمييز... مرة اخرى تثبت المرأة بالاتحاد العام التونسي للشغل انها قادرة على النضال والبذل والعطاء حتى وان كانت في سنوات العمر الاخير فضيلة المليتي النقابية المعروفة في لجنة المرأة العاملة بالاتحاد العام وبجهة بن عروس تحديدا عادت هذه السنة بعد 36 سنة من الغياب الى مقاعد الدراسة باحد المعاهد الخاصة وتقدمت لاجتياز امتحان شهادة الباكالوريا فحالفها النجاح في هذه الدورة. من هي فضيلة المليتي وماذا قالت عن هذا النجاح ومن أين قدمت للحقل النقابي «الشعب» التقتها في الحديث التالي: تقول الأخت فضيلة أنا أصيلة أحد ارياف مدينة الكريب من ولاية سليانة.. في هذا الريف قضيت طفولة حالمة مليئة بشغف الدراسة والتطلع نحو التفوق والنجاح... زاولت دراستي الابتادئية والثانوية متنقلة من معهد تبرسق الى بعض المعاهد بالعاصمة الى المدرسة القومية لاطارات الشباب والطفولة ببئر الباي حيث تخرجت مربية طفولة وباشرت عملي بقرية الاطفال برادس سنة 1977 بصفة مربية مختصة في التنشيط المسرحي ومسرح الادماج الموجه للطفل وتنقلت في هذه المهمة الى عديد الجهات من البلاد بحكم تنقل زوجي الذي كان يشرف على هذه المراكز إلى ان تم تكليفي بادارة قصر الطفولة بالمدينة الجديدة منذ سنة 1996 ويعتبر ذلك تتويجا لمرحلة عمل دامت قرابة 18 سنة مع الاطفال اغلبهم من فاقدي السند ويعانون من صعوبات ومشاكل اجتماعية ونفسية اذ توفقت في اغلب الحالات من اعانتهم ومساعدتهم على تخطي ازماتهم وادماجهم وكانت هذه التجربة في إدارة قصر الطفولة تجربة مغايرة تماما لعملي السابق فاصبحت أتعامل مع الاطفال الاسوياء الذين يقصدون المؤسسة لممارسة انشطة مساعدة عل صقل مواهبهم وتنميتها في عديد الاختصاصات ولي نجاحات عديدة مع الاطفال الذين اثريت شخصياتهم واحبوا هذا الفضاء. وظيفيا ماذا جنيت من حبك لهذه المهنة؟ تدرجت في سلم الوظيفة بالمشاركة في المناظرات الداخلية إلى ان ارتقيت من رتبة مربية الى رتبة استاذة شباب وطفولة. كيف جاءت فكرة اجتياز امتحان الباكالوريا وهل هي حلم أم طموح أم تمرد على الفشل وتحدّ للواقع؟ الباكالوريا من حيث هي حلم راودني من اجل تحسين مركزي المهني اقول نعم... رافقني هذا الحلم طيلة سنوات وها انني اترجمه الى واقع بعد حوالي 36 سنة غيابا عن مقاعد الدراسة. اما من حيث هي طموح فانا تربيت على الالتزام والمناصرة والدفاع على حقوق الانسان وبالاساس حقوق المرأة التي أرى أنها تستحق المساعدة والوقوف الى جانبها من أجل دراسة عالية وعلوم متطورة ومعارف حقوقية كبيرة لمواجهة واقعها وحماية حقوقها وتطويرها ومن حيث انها تحدّ فالواقع يفرض ذلك في علاقة بكسر أنياب النظرة النمطية المجتمعية التي ترمي المرأة بالعجز وتطوقها بمقولة «بعد ما شاب هزوه للكتاب» وكسر هذه النظرة يبقى فقط رهن الارادة «إذا اردنا استعطنا» فالإرادة هي كل شيء في كسب الرهانات والتحديات وهي حلية الامل والتفاؤل والايجابية. ماذا ستصنعين بهذه الشهادة؟ لن اضعها في إطار وأعلقها في البيت وهي ليست هدفي الاخير بقدر ما سأصنع منها مفتاحا لابواب اخرى او وظائف اخرى حلمت ان اعمل بها كيف كانت استعداداتك لاجتياز هذا الامتحان؟ كل شيء كان عاديا وحاولت ان اوفق بين الدراسة في معهد خاص وبين عملي ومسؤولياتي النقابية وحياتي الاسرية لكن لابد ان اقو ل انني التجأت إلى بعض التلاميذ لاستلام الدروس واعادة قراءتها وفهمها ثم التحقت بمجموعة من المترشحات وقمنا بمراجعات جماعية ولم تشعرني يوم الامتحان نظرات بعض التلاميذ باي شيء بقدر ما لاحظت سمات المفاجأة على وجوه بعض الاساتذة المراقبين لكن كانوا مشجعين لي. كيف تعاملت مع الوضع بعد ان تم الاعلان عن تسريبات في الامتحان؟ لقد أثر في ذلك كثيرا خاصة أنا اتابع الوضع السياسي والاجتماعي وخفت من أن تعلن السنة سنة بيضاء وان يقع استغلال هذه الحادثة لبث البلبلة والفوضى في البلاد. هل ساعدك في المراجعة والدراسة أحد؟ اول مساعدة وجدتها من ابني خليل الذي يدرس بالجامعة ثم زوجي عمر المليتي بعد ان اقتنع باصراري على الترشح لاجتياز الامتحان فقد كان قريبا مني ومسهلا لكل العراقيل خاصة منها النفسية ولذلك فاني اشكره شكرا خاصا وانا ممنونة له على التفهم والمساعدة كما كانت احدى الصديقات مساندة ومؤازرة واشكرها كثيرا ماهو وقع هذا النجاح وانت في سن متقدمة نسبيا على محيطك سواء العائلي او المهني او النقابي؟ لا شك ان الفرحة عمت البيت وكان زوجي أول المهنئين والفارحين وكذلك ابنائي وعائلتي لكن خارج هذا الاطار هناك من فرح وهناك من فاجأتهم المسألة (أي امرأة تنجح في الباكالوريا بعد 36 سنة) وهناك من رأى الامور طبيعية. ماذا تقولين للشباب خاصة منهم الذين فشلوا في هذا الامتحان؟ الارادة الصلبة والعزيمة القوية هما مفتاح كسر الخيبات والفشل ولا شيء اسمه مستحيل اذا ما وجد التشجيع والاقتناع بالقدرة على العطاء والمثابرة وعلى تحدي العراقيل الكثيرة. ماهي المنطلقات التي جاءت بك الى النضال النقابي؟ البداية كانت منذ سنة 1982 حيث حملت اول انخراط بالاتحاد العام التونسي للشغل ولم انقطع الي حد هذا التاريخ ولكن لم أتحمل مسؤولية الا سنة 1997 حيث كنت عضوة بالنقابة العامة للشباب والطفولة وكاتبة عامة للنقابة الجهوية ببن عروس. ومنذ سنة 2004 الى هذا التاريخ اتحمل عضوية المكتب الجهوي للمرأة العاملة ببن عروس شرفني قسم التكوين النقابي بالتأطير لاصبح مكونة منذ سنة 2003 وانتميت الى العديد من الجمعيات المدنية على غرار الكشافة التونسية التي انخرطت بها منذ المدرسة الابتدائية واطرت العديد من المصائف لفائدة الاطفال والاولياء تعاملت مع نادي اليونسكو بالمروج في اطار الانشطة الموجهة للطفولة وتعاملت مع جمعية احباء الطفل. قلت ماهي المنطلقات التي جاءت بك الى الاتحاد؟ أنا امرأة ميالة إلى العمل الاجتماعي في مختلف مجالاته وأؤمن ان معنى الحياة يكتسب بالنضال الاجتماعي وبالتضحية والدفاع عن الحق والسعي لتحقيق المساواة وبحكم وظيفتي اعترضتني العديد من حالات البؤس والفقر وعايشت مشاكل كثيرة مع اطفال فاقدي السند في مناطق ومواقع نائية والتقيت بقرية رادس بعض ابناء شهداء احداث 26 جانفي 1978 احتضنتهم واشرفت على تربيتهم. كذلك تعرضت في حياتي المهنية الى كثيرمن الظلم والمضايقات والتهميش وخاصة عندما اسندت لي مسؤولية إدارية حيث استهدفت من قبل بعض المسؤولين الجهويين لانني رفضت الإنصياع لاوامرهم الجائرة واللاقانونية التي كرست بنظري فكرة مقاومة النظرة الدونية للمرأة باعتبارها اداة للمتعة والزينة والغاء قدرتها وجدارتها بتحمل المسؤوليةو والنجاح ومن هنا كانت وجهتي العمل النقابي لما رأيت فيه من منافذ جديرة باثبات قدرة المرأة وتأكيد حقوقها المشروعة وكسر جدار سلعنة المرأة... المرأة الاغراء.. المرأة الجنس.. وغير ذلك.. فالنضال داخل الاتحاد يشعرك بذاتك وبكرامتك وبقدراتك ويشرع لك ابواب الطموح والتحدي. لمن تهدين هذا النجاح؟ أهديه إلى والدي المربي محمود المليتي وزوجي عمرو إلى كل من ساعدني في مجالات العمل والنضال النقابي وإلى الاستاذة الفاضلة فوزية شعبان وإلىكل قلم حرّ حبّر كلمة من أجل تأكيد ذات المرأة وحقها في الانصاف والمساواة والعدالة.