ليس من العبث أن تقتطع الدولة جزء من دخل كل فرد لصالح الخزينة العامة ثم تقوم بإنفاق جزء ليس يسيرا على الموظفين في الإدارات العمومية. فاقتطاع جانب من الثروة لهؤلاء يجب وقبل كل شيء أن يدفع في اتجاه مزيد إنتاج الثروة. ويبدو أن البعض مازال لم يفهم أن الإدارة ليست سلطة بقدر ما هي مرفق دافع إلى التنمية. إذ أن استخراج شهادة آو وثيقة أواثبات حالة أو الحصول على شهادة معرفية وغيرها من أشكال الخدمات الإدارية ليست من قبيل العبث بل هي في الغالب خدمات مرتبطة بأهداف إنتاجية ولو بصفة غير مباشرة. فكل وثيقة مرتبطة بإنتاج حتى وان كان مجرد تقديم مطلب شغل سيرفض ويرمى به في اقرب درج معد للغرض. ولأنّ كل خدمة إدارية مهما بدت بسيطة مرتبطة بالإنتاج أو بالملكية أو بأي شكل من إشكال الثروة فان تطوير الإدارة التونسية بكافة أجهزتها أصبح أمر ضروريا لخدمة التنمية. وإذ لا ننكر بعض التقدم الذي أحرزته الإدارة في شتى المجالات فان ثقافة ارجع غدوة مازالت قائمة ومازالت البيروقراطية سيدة الموقف في اغلب الأحيان. وهذه البيروقراطية هي بالذات سبب الداء في ما أصاب الإدارة من أمراض فالحرية المطلقة التي يتمتع بها الموظف في تأويل قانون معد للتأويل أصلا يجعله قادرا على جعل النص القانوني لصالح المواطن إن أراد وضده إن شاء وبين هذا وذاك تتسل المحسوبية و الرشوة وقد يجد المواطن نفسه مجبرا على «تسليك أموره». إن الاتهام ليس موجها لأحد بقدر ما هو موجه إلى النصوص والتشريعات المسيرة للإدارة التونسية التي مازالت تتحكم في اللعبة الاقتصادية والسياسية والثقافية رغم النزعة الليبرالية التي يتحدثون عنها. ولأننا ندفع كلفة عمل الإدارة من إنتاجنا ومن مالنا فانه من حقنا أن تصبح هذه الإدارة في خدمتنا بالكامل وان لا يكون لها سلطان إلا في خدمتنا أو في حفظ أمولنا. لقد آن الأوان كي تخرج الإدارة من عباءة السلطة المطلقة إلى عباءة الخدمة العامة التي تساهم وقبل كل شيء في خدمة مصالح الناس ودفع عجلة التنمية. فالإدارة سلطة تنظم الحياة العامة لما فيه خير الجميع ولكنها أيضا مرفق لإنتاج الخدمات التي تساهم في دفع الإنتاج ولا يجب أن ننسى أن عملها مكلف للمجموعة الوطنية وأنها مطالبة بإرجاع تلك الكلفة بتحسين جودة الخدمات.