يعسُر أن نصنّف الإصدار الثاني «الإشارات التونسية» الصادر عن مجلة الكتابة الأخرى التي يرأس تحريرهاالمثقف المصري الشاعر هشام قشطة، فهذا المنجز الضخم الذي اصطفى عددًا لا بأس به من الكتابات الثوريّة لأقلام وعدسات متمرّدة، سيظلُّ نقطة ضوء مشعّة في تاريخ الثورة التونسيّة المنتظرة... إصدارٌ مارقٌ، متمرّد، رافض لكل تنميط أو تقييد... كتابات نابعة من أوجاع مبدعين تونسيّين ظلت متناثرة في الصحف والمجلات والمدونات إلى أن جاء «حمّال الأوجاع» المصري هشام قشطة ليجعل من المتناثرات أيقونة ورقية... وهشام قشطة، المحرّر العام، لمجلة الكتابة الأخرى، يمثّل امتدادًا لتيارات الثقافية في مصر التي تمرّدت على السائد والرسمي، مثل جماعة الفن والحرية بمجلتهم «التطوّر» وجيل الستينات بمجلة «غاليري 68» مرورا بمجلات «كتابات» و«إضاءة 77» و«الكتابة السوداء». هشام قشطة هو الشاعر والمثقف الذي ينتمي إلى: «مصريا إلى المصري الفصيح وشكواه.. وعربيا إلى الصعاليك وعالميا إلى المتشردين والمنبوذين...» أولا، كيف جاءت فكرة إنجاز هذا العمل الضخم عن الثورة التونسية؟ فكرة العمل أساسًا جاءت تكملةً للعدد السابق من مجلة «الكتابة الأخرى» الذي خصصناه للثورة المصرية والذي صدر في الأيام الأولى للثورة المصرية وتقديرًا منّا للدور التاريخي الذي اضطلعت به الثورة التونسية والشُّعلة التي أطلقتها في كافة الدول العربية وتقديرًا منا لهذا المنجز الكبير كان لابد ان نخصّص عددًا عن الثورة وعن الثقافة التونسية. وكيف كانت الخطوات الأولى لتحقيق هذا المنجز؟ بالطبع عندما تُخصص عددًا ضخما عن بلد ما فإنّ المسألة تحفّ بها صعوبات كبيرة وخاصة في بلداننا العربية التي تعاني من التشرذم والتجزئة وبالتالي الانفصال والانعزال ولذلك عندما قدمت الى تونس في أكتوبر 2011 كنت مثل التائه او مثل أحد السياح الذي يزور بلدًا أجنبيا واكتشفت أنه لابد من فعل حقيقي يضطلع به المثقف العضوي في بلداننا العربية لأننا أمام مهمة شاقة وصعبة وضرورية وهي تقريب الثقافات العربية لنضع أمام القارئ العربي خارطة ثقافية. وهنا لابد ان أشير إلى أن السلطات الرسمية الثقافية والسياسية لم تقم بدورها في هذا الشأن وأكاد اقول إنها لا ترحب بهذا الشكل من التواصل. كان الامر يقتصر على مجموعة مصالح تتقاسم الجوائز والفنادق والرحلات الفاخرة وهذا ما أدى بنا الى حالتنا الثقافية الراهنة. الخطوة الاولى لانجاز العدد الخاص بالثورة التونسية كانت تلك الحوارات المتصلة مع مختلف المثقفين التونسيين الذين يراهنون على حريتهم وكذلك كان البحث عن الجماعات الادبية والفنية الجديدة التي ظهرت في المشهد الثقافي التونسي حديثًا لأن دور مجلة «الكتابة الأخرى» باعتبارها مجلةً طليعيةً هو البحث والتنقيب عن الابداعات الجديدة وضخها في شرايين المشهد العام. هل هناك جهات ما ساعدتك في تجميع المادة واللقاءات مع المثقفين؟ الجهة الوحيدة التي كنا نراها عليها ونحن مازلنا في مصر وكانت عند حسن الظن بها هي الاتحاد العام التونسي للشغل بمختلف أقسامه وخاصة جريدة «الشعب» التي فتحت لنا أرشيفها ومكنتنا مع التواصل مع عدد كبير من المثقفين والفاعلين في الثقافة التونسية وقد استفدنا كثيرا من ارشيف جريدة الشعب سواء من المقالات او الحوارات او الارشيف الفوتوغرافي وهو ما سهل لنا المهمة اضف الى ذلك مناضلي الاتحاد الذين كانوا اخوة وشركاء حقيقيين في هذا المنجز. أود ان اقول ان الاتجاه الرسمي لا يمكن له ان يضطلع بمهمة كتلك التي نحن بصددها لان الرهان اليوم هو على كل ماهو شعبي لا مؤسساتي لانه الوحيد الذي يمتلك حرارة الايمان وهو الوحيد الذي يهمه اقامة مثل تلك الجسور رغبج في مستقبل ثقافي افضل وتطمح ايضا ان تكون هناك مؤسسات ثقافية ثورية بالفعل. كيف تمّ تقبّل هذا المنجز بداية في مصر؟ هناك في مصر مع كل عدد جديد من مجلة «الكتابة الاخرى» تحصل «ضجّة» لم نسعَ دومًا إلى طرحه ضمن هذا المحمل من ثقافة جادة ومختلفة وهو ما حصل مع العدد الخاص بالثورة التونسية فرغم المدة القصيرة التي صدر فيها العدد الا ان هناك احساس عميق لدى المثقفين المصريين ان هذا العدد سيملأ فراغًا كبيرًا لديهم بخصوص الثورة والثقافة التونسية وانه بمثابة جسر للتواصل بين البلديين. فقط أشير الى ان هذه الخطوة ما هي الا خطوة أولى في طريق طويل كي يكتمل المعنى الذي نبتغيه. إلى جانب المجلة أصدرتم كتابا بعنوان: «من ديوان الشعر التونسي»؟ هذه النماذج الشعرية هي جزء لا يتجزأ من هذا المشروع الذي نقدمه بغرض تبيان ملامح وخصوصية التجربة الشعرية التونسية ومنطلقاتها الفكرية والجمالية ليتضح امام القارئ المصري مدى تطوّر المشهد الشعري التونسي والتواصل معه وهي ايضا خطوة ضرورية سواء للقارئ التونسي او القارئ المصري. متى سيجد القارئ التونسي هذا المنجز في المكتبات ليطّلع عليه؟ هناك مشكلة تتعلق بالشحن لأن العدد ضخم (600 صفحة تقريبا) ومعه كتاب الشعر حوالي (240 صفحة) فطبعًا ستكون تكلفة شحن الكتب مكلفة جدًا أضف الى ان العمل تحمّل نفقات عالية للغاية كي يصل بالجودة التي اردناها لا تقل أهمية عن الثورة والثقافة التونسية ونحن نطمحُ إلى ان تقوم المؤسسات الوطنية بدورها في هذا الشأن. لقد بذلنا مجهودًا ضخما وننتظر أن يتم تذليل العقاب التي تُواجهنا في سبيل إيصال هذه الرسالة الى القارئ التونسيّ.