احتضنت دار الاتحاد الجهوي للشغل بسوسة يوم السبت المنقضي ندوة حول الإعلام والانتقال الديمقراطي وذلك بالتعاون مع تنسيقية المجتمع المدني بالجهة. هذه الندوة المهمة اشرف عليها المكتب التنفيذي الجهوي و حاضر خلالها ابرز المهتمين بالشأن الإعلامي في تونس على غرار سامي الطاهري مدير جريدة الشعب وعضو المركزية النقابية وكمال العبيدي ورضا جنيح ومصطفى اللطيف ومحمد بشير وبثينة احمد قويعة الإعلامية البارزة بالإذاعة الوطنية التي قدمت شهادة حية عن ملابسات إيقافها التعسفي عن العمل بسبب استضافتها في احد برامجها لوجوه نقابية لم تغفر لها جهات نافذة في الحكومة استضافتها لهم ! وهذا ما يطرح أكثر من نقطة استفهام حول حرية الإعلام وفق أية مقاييس نريدها ؟ مقاييس ما تقتضيه هذه الحرية عينها ، آم المقاييس المسقطة والمفروضة من الائتلاف الحاكم والقاضية بالمحافظة على كل الآليات الإعلامية القمعية للمخلوع بن علي ومهندس ضرب الإعلام وخنقه عبد الوهاب عبد الله. إشكاليات متنوعة وحارقة شكلت ندوة الإعلام والانتقال الديمقراطي التي احتضنتها جهة سوسة فرصة مهمة لتفكيكها والغوص في تفاصيل أزمة هذا القطاع الحساس وما يشهده من انتكاسات هيكلية وعضوية وإدارية ..الخ وفي حين جعل سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل من الملحمة النضالية لمناضلات ومناضلي دار الصباح من الصحفيات والصحفيين والتقنيين والأعوان مدخلا للولوج الى واقع الإعلام اليوم في تونس بما يشهده من انتكاسات متلاحقة جعلته قاتما أكثر من القتامة، تحدث كمال العبيدي عما يمكن ان تخسره تونس عند حرمان المواطنين من إعلام مستقل ووسائل إعلام عمومية، واختار رضا جنيح ان تكون مشاركته على ضوء قراءة نقدية في المشاريع التي قدمت الى المجلس التأسيسي من اجل إصلاح الإعلام. هذا ولم يغب الجانب القانوني في هذه الندوة حيث كانت لمصطفى اللطيف مداخلة حول الإطار القانوني للانتقال الديمقراطي، وأخيرا وضع الصحافيين اليوم كما جاء في ورقة للسيد محمد بشير. هذا ويجدر بنا ان نتوقف باسهاب عند مداخلة الاخ سامي الطاهري التي شكلت محور حديث ونقاش الحاضرين سواء داخل القاعة او خارجها لكونها كشفت تقريبا وعرت كل عيوب الإعلام اليوم العضوية منها والقاهرة وسمت الاشياء بمسمياتها بوضوح شديد حتى انتهت الى حقيقة مرعبة وهي أننا بعد الثورة التونسية المجيدة قد تخلصنا من استبداد الإعلام لنسقط في إعلام الاستبداد، ثنائية وظفها سامي الطاهري في سياقها كما يجب واستطاع من خلالها ان يستنطق المسكوت عنه في إعلامنا الأعرج الذي مازال يعمل باليات ما قبل الثورة ولم يرتق بعد الى اللحظة الثورية التي نحياها اليوم ونعيشها. الملفت للانتباه أيضا في مداخلة سامي الطاهري أنها جعلت من رمزية جريدة الصباح وما عرفته مؤخرا هذه الدار من تجاوزات إدارية ولدت ملحمة نضالية بطولية من قبل الصحافيات والصحافيين والتقنيين وبقية الأعوان الذين انتفضوا في إطار ما يسمح به القانون ( اعتصام –إضراب جوع ) للدفاع عن الخط التحريري لهذه الصحيفة العريقة ومنع سقوطها بيد من يريدون إسقاطها وضرب إشعاعها وتألقها مدخلا لفهم تحديات الإعلام في مرحلة الانتقال الديمقراطي وذلك انطلاقا من حقيقة مهمة وهي ان أعداء الإعلام الحر مثلما يقول سامي الطاهري هم اخطر من يهدد عملية الانتقال الديمقراطي ذاتها التي ينشدها اليوم كل التونسيات والتونسيين. عضو المركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل اختار في مفتتح كلمته إذن ان يوجه تحية نضالية خالصة وصادقة لأهم معركة قال أنها تخاض الان واللحظة واليوم وذلك منذ أربعين يوما في دار الصباح ،معركة تخوضها صحافيات وصحافيين وأعوان وإداريين وتقنيين من اجل حقهم في كلمة حرة وظروف عمل تشجع على الإبداع الصحفي وتقطع مع منطق النهي والأوامر والقبول بالوصايا، معركة وان كانت حسب المحاضر ليست الأولى إلا أنها في هذا الظرف بالذات هي معركتنا جميعا وام المعارك في نفس الوقت حسب تأكيده وغير مسموح لنا ان نخسرها. سامي الطاهري توقف في حديثه أيضا عن دار الصباح عند مفارقة وهي ان الكل مضرب ومعتصم ومحتج في هذه الدار إلا رجل الأمن والمدير العام وذلك في إشارة صريحة الى الوحدة الحاصلة بين الصحفيين وتناغمهم النضالي على عكس ما تدعيه الإدارة العامة في إطار خطتها لاختراق الصحفيين وبث الانقسام بينهم. وابرز عضو المركزية النقابية ان الاتحاد العام التونسي للشغل كان ولا يزال في مقدمة من نادوا بإعلام حر وقضاء مستقل وبدسترة الحريات، وهو لهذا يتجند اليوم في إطار ما يؤمن به من قيم ومبادئ على نصرة مناضلات ومناضلي دار الصباح ودعم نضالاتهم من اجل تحقيق مطالبهم المشروعة،واعترف ان المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد هو اليوم منشغل تمام الانشغال للوضع الصحي الحرج لأبناء دار الصباح وانه سيطلب منهم تعليق اضراب الجوع على ان يضع الاتحاد كل ثقله في الميزان في اتجاه الدفع نحو إيجاد حل نهائي يستجيب لتضحيات المناضلات والمناضلين في دار الصباح . هذه الوضعية القاتمة والقاهرة في دار الصباح عكست حسب سامي الطاهري قتامة المشهد الإعلامي اليوم بما فيه من تجاذبات وتدخلات خارجية سافرة لا تمت بصلة للجسم الإعلامي تعطل وتبث الفوضى وتخنق الأقلام وتمنع المعلومة وتزيف الحقائق خدمة لجهة سياسية بعينها وهذا ما يجعلنا بدل ان نتحدث عن سلطة الإعلام نتحدث عن إعلام السلطة بما فيه من تبعية مفروضة فرضا وترهيب ووعيد. واستغرب عضو المركزية النقابية ضرب الإعلام في تونس وخنقه بعد الثورة الشعبية انطلاقا من كون الثورة التونسية إنما قامت على شعارات مركزية معروفة ومتفق عليها وهي الحرية والكرامة والتشغيل، شعارات قال سامي الطاهري أنها عناوين مرتبة ترتيبا تفاضليا وأنها تعكس بوضوح خيارات التونسيات والتونسيين لذلك ليس غريبا ان تكون الحرية هي باب الثورة وعنوان نجاح الثورات في مختلف أصقاع العالم نظرا لكون الحرية هي قيمة غير قابلة للتجزئة وهي ضمن هذا المعطى المتعلق بالإعلام هي حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الإعلام وكل محاولة تهدف لحرمان عامة الناس من النفاذ الى المعلومة والحصول عليها إنما يعني اعتداء صارخ على هذه الحرية وضرب لها وجريمة يعاقب عليها القانون في الدول الراقية التي تنعم بالديمقراطية والحريات. سامي الطاهري اعتبر أيضا ان استهداف الإعلام اليوم بأجسامه المختلفة إنما يتم في إطار صراع سياسي للسيطرة على هذا القطاع وتحويله من خدمة الشعب الى خدمة السلطة الحاكمة وذكّر بما كان يحدث في عهد المخلوع الذي احكم قبضته على الإعلام ( تلفزات وصحف ورقية والكترونية وإذاعات وانترنات ) ووصل به الأمر الى حد تأديب شرفاء هذا الوطن والتنكيل بهم وسجن الصحافيين والانقلاب على نقابتهم الشرعيه وفق مسرحية مازال أبطالها اليوم يدعون النضال والثورية في واقع إعلامي قديم جديد يعتمد في آلياته على نفس المرتكزات القمعية التي تجعل الائتلاف الحاكم اليوم يصر على إدخال الإعلام الى بيت الطاعة !! وحين عجز هذا الائتلاف في مسعاه نجده اليوم قد انبرى يكيل التهم جزافا للقطاع ويخونه ويعتدي على مناضلاته ومناضليه وهذا كله في إطار هجمة منظمة تحت شعار شيطنة الصحافيين ومحاربة الإعلام، في الوقت الذي كان يفترض فيه ان يكون للصحافيين في تونس بعد الثورة مجلسهم الأعلى للإعلام السمعي والبصري حتى يسهر بكل حيادية وموضوعية على تسيير القطاع. عضو المركزية النقابية سامي الطاهري حذر بشدة كذلك واعتبر ان القبول بإعلام العار والمجاري في تونس ما بعد الثورة إنما يعني المساهمة في إنتاج نظام استبدادي جديد، واعترف بأننا نعيش اليوم في مفترق الطريق فإما ان ننتصر معا الى الحرية او ان نفتقدها الى الأبد. سامي الطاهري كانت خاتمة مداخلته أيضا لافتة إذ اضطر الى اختزال عديد المحاور فيها معتذرا من الحضور على طريقته الخاصة قال اعذروني علي ان أغادر الندوة لان الحالة الصحية لبعض الصحفيين بدار الصباح حرجة وتتطلب وجودنا هناك من اجل السعي الى إقناعهم بتعليق الإضراب مع مواصلة مساعينا وجهودنا من اجل تحقيق جميع مطالبهم المشروعة ..