تم الاعلان يوم الأحد الفارط 7أكتوبر 2012 رسميا عن تأسيس «الجبهة الشعبية» خلال اجتماع عام شعبي شارك فيه الالاف من المناضلين والمتعاطفين مع مكونات الجبهة وانتظم بقصر المؤتمرات بالعاصمة. هذا الاجتماع الشعبي، أكد خلاله الجبهويون على أن الجبهة تطرح برنامجا سياسيا وحلولا جدية وهي بديل حكم، وطالب حمة الهمامي في كلمته التي ألقاها باسم الجبهة حكومة «الترويكا» بتقديم خطة واضحة ورزنامة تحدد المواعيد الانتخابية القادمة «للخروج من «المأزق الذي تمر به البلاد» وقال «لا اعتقد ان الجبهة قد تشارك في توسيع الحكومة الحالية، فالبلاد تمر حقيقة بأزمة وحلها لا يكمن في توسعة شكل الحكومة بل في برنامج جدي وحقيقي يكون في مستوى تطلعات وأهداف الثورة». من جانبه اعتبر شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أن الجبهة «تطرح نفسها بديلا عن الائتلاف الحاكم حاليا» وقال «ان الجبهة لن تكتفي بالقول وانما ستمر الى العمل والنضال ضد الخيارات الخاطئة واللاوطنية لحكومة الترويكا». هذه «الجبهة» الشعبية تضم أكثر من عشرة أحزاب يسارية وذات توجهات قومية وهي حزب العمال الشيوعي وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحركة البعث وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحزب النضال التقدمي والحزب الوطني الاشتراكي الثوري ورابطة اليسار العمالي وحزب تونس الحضراء والحزب الشعبي للحرية والتقدم بالاضافة الى جمعية «راد-اتاك» و جملة من المستقلين المحسوبين على اليسار. والجبهة الشعبية أعلنت عن نفسها بعد مضي عامين تقريبا من الاطاحة بحكم بن علي الدكتاتوري، وبعد أن شكلت عدد من مكوناتها جبهة 14 جانفي والتي دافعت بعد 14 عن المجلس الوطني لحماية الثورة وعن اقامة انتخابات مجلس وطني تأسيسي، يؤسس لجمهورية ديمقراطية شعبية، ولكنها لم تتواصل طويلا ودخل مكونوها استحقاق التأسيسي مشتتين مما كرس حضورا خافتا لقوى اليسار ضمن مقاعد التأسيسي. كلمات الأمناء العامين للأحزاب وممثلي الأطراف المشاركة تتالت يوم الأحد ليؤكد الجبهويون أنهم «بديل عن الاستقطاب الثنائي الحاصل بين حركة النهضة وحزب نداء تونس» وأن اليسار له تقاليده وموقعه بالمشهد السياسي الوطني ويمكن أن يطرح نفسه بديلا عن الحاكم الحالي. جبهة حكم عبد الناصر العويني أكد في كلمته أن الجبهة الشعبية «ليست مجرد خيار ثالث بل تسعى من خلال برنامجها لتكون الخيار الأول القادر على الحكم و ليس لمجرد المعارضة»، وهو ما أكد عليه بقية المتدخلين من ممثلي الأطراف المكونة لهذا الائتلاف، معتبرين أن اليسار لم يتمكن من الحصول على مقاعد تعكس امكاناته وقدرة فعله السياسي و الميداني في استحقاق المجلس الوطني التأسيسي بعد أن دخل مكوناته هذا الاستحقاق مشتتين. وأكد شكري بلعيد أن الجبهة الشعبية تعبر عن تطلعات فئات واسعة من التونسيين، وأن لها من الامكانات والطاقات ما يجعلها منافسا حقيقيا على الحكم في الانتخابات القادمة، مشيرا الى أن الجبهويين لن يقتصر عملهم وحضورهم بالعاصمة وإنما سيتوجهون الى الجهات وسيقيمون اجتماعات ضخمة تعكس قدرات مكونات هذا الخيار الجديد . حكومة التفافية مكونات الجبهة الشعبية يتوحدون في تقييم اداء الائتلاف الحاكم ويذهبون الى أن هذا الائتلاف «تجاوز حدود الالتفاف على أهداف الثورة وإجهاضها الى تهديد غير مسبوق للنسيج الاجتماعي و والسيادة الوطنية وقيم الجمهورية حسب ما جاء على لسان جميع القياديين وممثلي الاحزاب المتدخلين في الاجتماع». وهي تشرع «لنوع جديد من الاستبداد وما يتصل به من تهديد للحريات العامة والفردية ومن تراجع عن المكاسب الاجتماعية وذلك في انقلاب سافر على مبادئ الثورة التي أقرتها من مبادئ مدنية واجتماعية وديمقراطية للدولة المنشودة». بل ان حمة الهمامي وصفها في كلمته بحكومة «العمالة» كما جاء على لسانه، معتبرا جميع خياراتها خاطئة، معددا هذه الأخطاء والخيارات «غير الصائبة» متطرقا في كلمته لمختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية وحتى البيئية. حضور نسوي لافت العنصر النسائي كان موجودا بقوة في هذا الاحتفال الجماهيري، حيث رددت الجماهير شعارات تنادي بالمساواة وتعادي النظرة الدونية للمرأة ورفعت النسوة الشعارات المعادية للحكومة ولخياراتها وللقوى التي تنظر لنصف المجتمع نظرة المكمل لا الشريك، ونادت الفتيات والنسوة بالعدالة الاجتماعية والديمقراطية وعبرن عن التزامهن بمطالب الشعب في تحقيق أهداف ثورته. وامتلأت نصف قاعة قصر المؤتمرات وبهوها وفي كامل فضاءها تقريبا بالنسوة والطالبات والآنسات المتحزبات والمناضلات الحقوقيات والمناصرات للجبهة الشعبية وهو ما لفت الأنظار. الشباب هو الغالب من ناحية أخري لاحظ عدد من الحضور بأن هذا الاجتماع الجماهيري شبابي بامتياز، فقد أثثه الشباب وأحكم تنظيمه العنصر الشبابي، وانطلقت الشعارات الثورية والمنادية بالعدالة الاجتماعية من حناجر شابة متحمسة. وقد تطرق المتدخلون الى هذا الموضوع، مؤكدين أن الشباب التونسي منحاز الى مطالب الثورة وهو العنصر الرئيس أيام الاحتجاجات على الحكم الاستبدادي لبن علي، واعتبر الناصر العويني أن كثيرا من الحضور ناضل منذ زمن بالجامعة وأن بالجبهة شباب متحمس ومناضلين ميدانيين «قادرين على حماية الجبهة ضد العنف والميليشيات القضاة والصحفيون في البال مكونات الجبهة عبروا عن عدم ارتياحهم لمحاولات الحكومة تطويع الاعلام وإخضاعه، مؤكدين أن هذا التمشي الذي تنتهجه الترويكا يدخل في خانة محاولة مغالطة الرأي العام وغلق أفواه الصحفيين، وتطرق عدد من المتدخلين لما الت اليه الأوضاع في دار الصباح، والى ما ال اليه الوضع في هذه المؤسسة الصحفية العريقة. من جانب اخر تطرق الجبهويون الى ملف القضاء بحماس، مؤكدين أن الحكومة تسعى الى جعل القضاة تابعين لها، ومنفذين لأجندتها، وأن ما يحصل في القطاع من نقل وحركة ومن تعيين لمجلس أعلى هو انتهاج لنفس سياسة النظام البائد الذي طوع القضاء ونشر في القطاع الفساد لينخره ويجعله أداة أخرى لممارسة الدكتاتورية وإجراء المحاكمات الظالمة على المنافسين السياسيين. ديمقراطية في خدمة الشعب وتبغي الجبهة الشعبية وفق برنامج مشترك تم تحديده الى بناء «نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشعب» يتجلى في ضمان» السيادة الوطنية وفي انتخاب كافة مؤسسات الحكم في مختلف مستوياتها الوطنية والجهوية والمحلية ويضمن التفريق بين السلط وأيضا الحريات العامة والحريات الفردية وعلى رأسها حرية الرأي والابداع والتعبير والصحافة والإعلام والنشر وحرية التنظم والتنقل والاحتجاج والتظاهر والإضراب وتوفير شروط المادية لممارستها». وتعمل الجبهة على تكريس «المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل ويقر تكافؤ الفرص بينهما في كل الميادين والمجالات ويحفظ مكاسب المرأة ويدعم مجلة الأحوال الشخصية ويطورها ويقاوم جميع أنواع التمييز بين الجنسين». اقتصاد وطني وتهدف الجبهة كما جاء في وثيقة مشروع الأرضية السياسية الى «بناء اقتصاد وطني مستقل ومتوازن ومندمج يحقق سيادة الشعب على ثروات البلاد ويضمن التنمية الفعلية لكل الجهات ويقوم على التوزيع العادل للثروات بما يكفل تلبية الحاجات الأساسية المادية والمعنوية للشعب. وهو ما يقتضي حسب الجبهويين «مراجعة الاتفاقيات المضرة بمصالح البلاد والماسة باستقلاليتها وتأميم القطاعات الاستراتيجية وضمان ادارتها بصورة ديمقراطية وناجعة وتأميم المؤسسات المصادرة وعدم التفريط فيها للرأسمال الأجنبي وإلغاء المديونية بناء على دراسة دقيقة للقروض التي أبرمتها الدكتاتورية وإرساء نظام جبائي عادل وشفاف وأيضا ضمان الحقوق الأساسية في الشغل والتعليم العمومي والصحة».