اختطفت الموت أعزّاء علينا، مناضلين صادقين اعتبروا أنّ الحياة مواقف، لم يهابوا الموت وعشقوا الحياة على أساس أن قيمتها تحددها حالة التناغم بين الرؤيا والممارسة. احتضنوا قضية ودفعوا فاتورة تماسكهم لم يطالبوا بتعويض. لان حلمهم يستمدّ وشاحه من مبادئ ومن أحلام شعب، ومن حبّ وطن. رحل عبد الحميد عاشور، وعبد الحفيظ المختومي، وعمار منصور ولطفي الحيدري، اختزل كل واحد منهم المسافات على طريقته وكأنهم يقولون لفارس الكلمة الشاعر محمود درويش عذرا، فلم يبق في هذه الدنيا ما يستحق الحياة، حين استثمر أعداء الحرية ومهندسو الاسمنت المسلح الفكري، ومن صنعوا بن لادن، وما تلاه من 11 سبتمبر إلى الفوضى الخلاقة والديمقراطية الجديدة والربيع العربي الزائف مستثمرين نضالات الشعوب جسر عبور للاستيطان الأبدي تحت يافطة الدين والبيترودولار. لا أجد الكلمات للتعبير عن المفارقة بين رحيل هؤلاء المناضلين وفراغ رحيلهم وبين من يؤثثون لنا اليوم حياتنا من الجمعة إلى الجمعة تكفيرا وخرقا واغتصابا وتصحّرا فكريا وثقافيا وإنسانيا إلى حدّ طرد أمير الأسرى بعد منديلا سمير قنطار، وإعادة الوطن إلى المربع الأول من الطقوس القروسطية: ختان البنات وقطع اليد وإقامة الحدّ والاعتداء على من يجرؤ على التفكير حتى وان كان عبد الفتاح مورو. كان آخر الأربع أصدقاء الذين رحلوا الصديق لطفي الحيدري، ابن الجريصة التي كانت تسكنه حتى النخاع يتألم لأوجاعها ويعشق كل شيء فيها دون جهويات ولا نعرات لان انتماءه كان أكبر إذ اتسع لحبّ الوطن وعمقه وشكلت الجزائروفلسطين رئتي تنفس تعبر الحدود لما هو كوني، لان الجزائر كانت درب استكمال دراسته وشكلت لبنان بوابة لفلسطين أين ناضل لطفي في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في شخصه وتركيبته النفسية استلهم الكثير من جورج حبش بنضجه وحكمته ورؤيته ومن غسان كنفاني في نبله ونقاوته الثورية، وصلابة وديع حداد في تماسك قناعاته مع آدائه، وشفافية ناجي العلي في عدم التلون، كان مثل رسوم حنظلة بالأبيض والأسود. عرفته بالاتحاد العام التونسي للشغل بصفته منسق قسم التشريع وكان من الطيبة والأريحية ما يجعل التواصل معه إضافة في كل المستويات. كانت معركته في مستوى التفاوض في المستوى التشريعي إرساء مقومات العمل اللائق، عدم التمييز في الأجر، اعتبار كرامة العامل وحقه في الحرية وفي الحياة، يتملكه عطف خاص وتعاطف كبير مع عمال القطاع الخاص، وأعوان المناولة وعمال الحضائر، مرجعه في ذلك إعلان فيلادلفيا، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والاتفاقيات الدولية بقدر ما كان صلبا ومبدئيا وصاحب قيم كان لطفي حساسا ووجدانيا ورقيقا كالطفل، أذكر تعاطفه مع ضحايا الحوض المنجمي وتجنده في الدفاع عنهم ومعايشة معاناتهم، لم يمنعه المرض عن معانقة النضالات التي خاضها مناضلو الاتحاد والقوى التقدمية من 17 ديسمبر الى 14 جانفي 2011، كان يرى الحلم في بداية التشكل.ظلّ صامدا رغم حالة العدّ التنازلي التي كان يعانيها جسده متمسكا بالحلم وبالقضية وبالإنسان. لن ننسى صاحب قسم: «ودم كلّ شهيد» ابو اللطف.