الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اللّه السيّد رئيس الجمهوريّة، السيّد رئيس المجلس الوطني التأسيسي، السيّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، السادة رؤساء الأحزاب والمنظمات والشخصيات الوطنيّة، السادة النواب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، تحيّة إليكم جميعا وتمنياتنا لكم بالنجاح والتوفيق في هذه الندوة الحواريّة الهامة ضمن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل في الحوار الوطني التي رحبنا بها في الحكومة منذ الإعلان عنها ودعونا الجميع للتفاعل معها. إنّ مرور سنة على تاريخ أوّل انتخابات ديمقراطيّة حرة ونزيهة أفرزت مؤسسات شرعيّة تعبر عن سيادة الشعب وإرادته العامة أوكلت لها بتفويض شعبي واضح صياغة دستور جديد في وقت معقول ومحدد يجمع التونسيين ويؤسس لبناء دولة ديمقراطيّة ومدنيّة على أساس الحرّيات والحقوق الفرديّة والعامة والتداول السلمي على السلطة. إنّ التعدديّة الفكريّة والسياسيّة مسألة عريقة في تجربتنا التاريخيّة وأصيلة في ثقافتنا، نجحت في الصمود لعقود طويلة في وجه نظام مستبدّ حاول طويلا ولم ينجح في تدجين شعبنا ونخبه وفرض الرأي الواحد. لقد حررت ثورتنا المباركة في بعدها القيمي والثقافي وإلى الأبد عقولنا وثبتت حقنا في التعبير والاختلاف، بما أعاد لفضائنا العام ومنه السياسي عافيته وحرارته في التعبير والمبادرة وقوة الاقتراح. إنّ نجاح ديمقراطيّة ناشئة وتحقيق أهداف ثورتنا المباركة مسؤوليّة وشرف عظيمان لنا جميعا وحق لكل الأجيال من المقاومين والمناضلين لا يمكن أن يستأثر بهما طرف دون بقيّة التونسيين مهما كان حجمه، كما لا يمكن أن نسمح مرّة أخرى أن يكتب تاريخ ثورتنا وبناء الديمقراطيّة وتحقيق التنمية في غيبة من الشعب والفاعلين الحقيقيين من قواه الحيّة. إنّ لثورتنا المباركة تاريخا قبلها وآخر بعدها، تاريخ سابق حكمه الاستبداد والفساد بآليات ورمز أصبحت جزء من الماضي يقتضي تامين الثور والقطع معهما نهائيا، وتاريخ جديد يستعيد فيه الشعب سيادته وحقه في التوزيع العادل للثورة وفي الحرية والكرامة. وإنّ من بين أهم ضمانات أن يشارك التونسيون في بناء تونس جديدة في أن تتوافق نخبنا من سياسيين وفاعلين اجتماعيين ومثقفين ورجال أعمال ومجتمع مدني في هذه الذكرى الأولى للثالث والعشرين من أكتوبر عرس الديمقراطيّة في بلادنا حول أهم القضايا المتصلة بالدستور وبالعمل التأسيسي. لقد حرصنا وحاولنا جاهدين على أن نبدأ مسارنا السياسي في إطار التوافق، وها نحن نأمل أن ندخل المنعرج الأخير لهذا الانتقال ضمن توافق متين وعريض يطمئن التونسيين على مستقبل بلادهم ويثبت لثورتنا المباركة نصّها بين الشعوب وفي المحافل الدولية بأنها قاطرة الربيع العربي والنموذج الناجح الانتقالي من الاستبداد إلى الديمقراطية بطريقة حضارية، ومع تقديرنا لمشروعيّة وأهميّة العديد من القضايا المطروحة للحوار اليوم، فإنّ دقة المرحلة وأولوياتها يستدعيان حصر هذه القضايا في المسائل الرئيسيّة المتعلقة بصياغة دستور جديد وتحديد موعد نهائي للانتخابات المقبلة و التوافق على طبيعة النظام السياسي والهيئة المؤقتة للقضاء والهيئة المستقلّة للإعلام والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والنظام الانتخابي، وسيساعد التوافق الوطني حول هذه القضايا الأساسية في تحديد رزنامة المرحلة وأولوياتها كما سيمكن المجلس الوطني التأسيسي من خارطة طريق واضحة تجعل من السادة أعضاء المجلس أمام مسؤولياتهم تجاه الشعب في تسريع انجاز إعمالهم في الأجل. إنّ الحرص على المبادرة والمساهمة في تحقيق التوافق السياسي مهمّ ومطلوب ولكنه يبقى منقوصا اذا لم يتلازم مع الحرص على المساهمة في قيام حالة من الاستقرار الأمني والسلم الاجتماعي وتعزيز الثقة في الخيارات الوطنيّة، تتأكد في مثل هذه المحطات التاريخيّة الهامة مسؤولية الجميع في تقاسم الأدوار وتكاملها من اجل أن تدخل بلادنا مرحلة البناء الديمقراطي. إنّنا وقد ثمنا بادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بالدعوة لهذا الحوار الوطني ننتظر من الاتحاد مزيد التعاون من اجل إرساء مناخ اجتماعي مستقر وايجابي يساهم في تجاوز المرحلة الانتقالية بنجاح. كما يتأكد الدور الوطني الهام لمؤسساتنا ونخبنا الإعلامية في مزيد الانخراط في هذه المرحلة وقضاياها الأساسية على قواعد المسؤوليّة والمهنيّة لإنارة الرأي العام بطبيعة التحديات وتقريب المواطن للانخراط أكثر في الشأن العام ومساعدته ترشيد خياره الانتخابي بما يدعم الحوار الوطني ويعزّز الوحدة الوطنيّة. أجدّد لكم تمنياتنا بنجاح أعمالكم وندعوكم لتقديم حصائدها إلى المجلس الوطني التأسيسي رمز الشرعيّة والسيادة ومركز السلطة لإدراجها في النقاش العام بما يساعد على تسريع إنهائه وفتح المجال لتنظيم الانتخابات المقبلة في اقرب وقت وفي أحسن الظروف وتحقيق انتظارات التونسيين في أن تتقدم بلادنا وتتحقق أهداف ثورتنا. وفقتم جميعا لما فيه خير تونس والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.