لقد لعب الاتحاد العام التونسي للشغل، كمنظمة نقابية وطنية، دورا تاريخيا منذ تأسيسه سنة 1946 على يد الشهيد فرحات حشاد، فساهم في الكفاح الوطني وأطّر العمال التونسيين ونظمهم ودافع على مصالحهم الاجتماعية كما ساهم في بناء الدولة الحديثة منذ الأيام الأولى من تشكيل حكومة الاستقلال عبر تبني برنامجه الاقتصادي والاجتماعي وتولي قياداته مسؤوليات حكومية كما ساهم عبر عقود في الدفاع عن الحريات الفردية والعامة والنضال من أجل إرساء الديمقراطية وقاوم الاستبداد وكانت مساهمته في ثورة الكرامة والحرية مساهمة فعالة سواء بدعم وتأطير أولى الاحتجاجات أو في توجيهها وتولى قيادتها خاصة منذ الأيام الأولى من شهر جانفي وتتويج هذا المجهود بالإضراب العام في إقليمتونس يوم 14 جانفي 2011. وقد زاد دور الاتحاد تعاظما أمام ما تعيشه البلاد سواء في المرحلة الانتقالية الأولى التي أرست في النهاية على التوافق في أمهات القضايا المطروحة أو في المرحلة الانتقالية الثانية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011. وإن ما تعيشه البلاد من ظروف صعبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية يحتّم علينا ,نحن النقابيين، أن نضاعف الجهود مسلحين بتجربتنا الطويلة وبمبادئنا التي تأسس عليها اتحادنا وبوعينا بدقة الظرف، من اجل أن نلعب دورنا في الخروج من هذه المرحلة الانتقالية الثانية دون أضرار خاصة مع تصاعد الاحتقان والتوتر وبروز ظواهر غريبة عن مجتمعنا. فأمامنا مهمات وطنية كبيرة ومنها التأثير في صياغة دستور يضمن مدنية الدولة وجمهورية النظام وديمقراطيته ويكفل العمق الاجتماعي لها ويؤمن الحريات والحقوق ويدعم المكاسب المجتمعية الحداثية، وإلى جانب ذلك فنحن نسعى إلى استصدار قانون انتخابي ديمقراطي وتشكيل هيئة مستقلة للانتخابات تضمن ممارسة انتخابات شفافة ونزيهة وكذلك تشكيل هيئتين مستقلتين للإعلام والقضاء، على أن يكون ذلك ضمن منحى توافقي حتى نتجنّب التجاذبات ونجنّب البلاد التصادمات والانزلاقات، وهو ما أثبتناه أيضا في مبادرتنا لعقد مؤتمر وطني للحوار الذي انتظم يوم 16 أكتوبر 2012 وحضره أكثر من 50 حزبا وأزيد من 40 جمعية وانتهى ببيان توافقي حول أهم المحطات الدستورية القادمة وإننا ساعون إلى مواصلة أعمال هذا المؤتمر ومتابعة مقرراته في المدة القريبة القادمة . ورغم تعقّد هذه المهمّات وتشعّبها وأهمّيتها فإنّ الاتحاد لم يتخلَّ عن دوره الاجتماعي وتجلّى ذلك عبر متابعة المفاوضات الاجتماعية وتسوية الوضعيات المهنية لآلاف من عمّال المناولة والمتعاقدين والموسميين وكذلك عبر الدفاع عن الحقّ النقابي وعبر حملات الانتساب للاتحاد والتي أفضت إلى زيادة في عدد المنخرطين فاقت منذ الثورة ال 300 ألف منخرط جديد وما تبعه من تشكيل نقابات عمالية جديدة يطرح علينا تأطيرها وتكوينها ودمجها في النشاط النقابي. وإلى جانب ذلك يتواصل تشبيك علاقاتنا مع المنظمات النقابية الإقليمية والدولية عبر أنشطة دورية متعددة وأخرى ثنائية يتجلى فيها التضامن العمالي ومن بينها ما يربط بين منظمتينا الاتحاد العام و C F D T من علاقات عريقة وتعاون وثيق توّج ببروتوكول 30 أوت الأخير لتمتين هذه الصلات وتقوية الروابط وتدعيم مجالات التعاون يحدونا في ذلك إيمان بأن النقابيين متحدين في كل العالم كما العمال متحدون في مواجهة رأسمالية متوحشة وعولمة لا إنسانية، وان مثل هذا التعاون لمن شأنه أن يعزز الخبرات لدينا جميعا وان يدعّم الكفاءات لدى مناضلينا معا وإنّنا واثقون انه سيكون تعاونا مثمرا وموفّقا وإننا لمصمّمون على استمراريته وتطويره بما فيه خير المنظمتين لأن قواسم نقابية مشتركة تجمع بيننا وكذلك مبادئ إنسانية سامية من اجل العدالة الاجتماعية والتضامن العمالي ومن اجل الحرية والكرامة. نشكر حضوركم ونعتذر عن تحملكم متاعب السفر والنقاشات ونرجو أن تكونوا قد وجدتم الترحاب وحسن الاستقبال وبالأساس العمل المثمر.