عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : واتساب يتوقف على هذه الهواتف ابتداءً من 5 ماي... هل هاتفك بينها؟    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    الرابطة الأولى (الجولة 28): صراع مشتعل على اللقب ومعركة البقاء تشتد    بطولة انقلترا : ضربة لآمال فورست في بلوغ رابطة الأبطال بعد خسارته 2-صفر أمام برنتفورد    نسق إحداث الشركات الأهلية في تونس يرتفع ب140% مقارنة بسنة 2024    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    أعوان وإطارات المركز الدولي للنهوض بالاشخاص ذوي الاعاقة في اعتصام مفتوح    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    "براكاج" حافلة نقل مدرسي ببنزرت.. إيقاف 6 شبان , بينهم 3 قصّر    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوعية التشخيص وطموح التطلعات
الوضع التنموي بولاية سليانة وشروط التجاوز

تعالت أصوات بعض المسؤولين هذه الأيّام عندما انفجرت احتجاجات ولاية سليانة، بأنّ النقابيين يفتقدون إلى البرامج والمقترحات وليس لهم بدائل وأنّهم لا يفعلون غير الاحتجاج،، وللردّ على هذا الجهل بما أعدّه الاتحاد من دراساتمنذ فترة طويلة قبل الثورة، نقدّم تلخيصا للدراسة التي أعدها الاستاذان سامي العوّادي وفتحي السلاّوتي، في انتظار نشرها وتمكين رئاسة الحكومة منها، بعد أن تمّ تمكينها من دراسات أخرى حول بعض الجهات.
تشخيص سريع للتنمية البشرية بولاية سليانة
يبلغ عدد سكان ولاية سليانة، 233986 نسمة في سنة 2010 يمثلون 19% من سكان الشمال الغربي و2.2% من مجموع السكان التونسيين ويعيش بها 55355 أسرة يعتبر مستوى عيشها من ضمن المستويات الأكثر تدنيا في البلاد حيث لا يمتلك سيارة إلا 9.6% من الأسر(22.5% وطنيا) و11.8% فقط يمتلكون هاتف قار (26% وطنيا) و8.5% فقط يمتلكون حاسوب (16.3% وطنيا) ولا يرتبط إلا 10.1% بشبكة الانترنات (17.5% وطنيا). حوالي 30% من السكان ما فوق 10 سنوات ليس لهم اي مستوى تعليمي ينقسمون إلى 70% إناث و30% ذكور، فإذا أضفنا إليهم 35% لا تتجاوز دراستهم المستوى الابتدائي، فإن إمكانيات الاندماج الاجتماعي لا سيما في سوق الشغل تطرح إشكاليات جادة.ونتيجة لذلك بلغت نسبة الأمية بولاية سليانة 29.2% من نفس الفئة العمرية مقابل 19% وطنيا و10.4%في بن عروس مثلا. كما أن نسبة التزود بالماء الصالح للشراب لا تتجاوز 61% من الأسر مقابل 85% على مستوى وطني وتنخفض هذه النسبة إلى 33% في الوسط غير البلدي. وتشكو سليانة من نقص فادح في شبكة الطرقات إزاء متطلبات تنقل السكان وخاصة السلع. أقل من 200 كلم من الطريق الوطنية المعبدة ولا شيء في بوعرادة، وقعفور والعروسة التي تكتفي بالطريق الجهوية المعبدة، وتطغى على الشبكة المسالك الفلاحية خاصة غير المعبدة، وهو ما يحيلنا مرّة أخرى إلى أحد أهمّ عوائق التنمية في الجهة وهو عزلتها فيما بينها وإزاء أجوارها. ولا يتوفر بسليانة الا طبيب واحد لكل 1800 ساكن مع فوارق كبرى بين المعتمديات (759 ساكن للطبيب الواحد في مدينة سليانة مقابل 4440 في كسرى) كما هنالك 1.5 سرير لكل ساكن مع وجود فوارق بين المعتمديات (3.7 في مدينة سليانة مقابل 0.2 في بورويس ولاشيء في العروسة).ولا توجد بسليانة أية قاعة سينما.
تشخيص سريع للوضع الاقتصادي والاجتماعي بالجهة
تفيد آخر معطيات المعهد الوطني للإحصاء بأن :
- النسيج الإقتصادي بولاية سليانة يتكوّن سنة 2009 من 8007 منشأة خاصة إضافة إلى بعض فروع المنشآت العمومية، وتحتل سليانة الرتبة 18 من ضمن 23 ولاية مرتبة حسب كثافة نسيجها الاقتصادي قبل ولايات زغوان وتوزر وقفصة وتطاوين.
- الصناعات المعملية التي تعتبر المحرّك الرئيسي للنمو وأكبر مصدر لخلق مواطن الشغل ضعيفة المكانة وهشة الهيكلة، إذ ينحصر التشغيل فيها في حدود 8% مقابل 18.2% كمعدل وطني و27.7% في سوسة مثلا وحيث لا تمثل هذه الأنشطة إلا 7.2% من مجمل المنشآت الخاصة مقابل 20% في صفاقس؛ حوالي 95% من هذه المنشآت لا تشغل أجراء، يعني أنها منشآت فردية (حلاق، نجار، خبير)، 9 منشآت فقط من جملة 8007 منشأة تشغل أكثر من 50 أجير مقابل 308 منشأة في صفاقس و 43 منشأة تشغل ما بين 10 و50 أجير مقابل 1165 منشأة في صفاقس.
- المهن الصغرى والمنشآت الفردية تهيمن على أنشطة التجارة خاصة تجارة التفصيل والخدمات الأخرى مثل الصيانة، وتمثل هذه الأنشطة 52.5% من المنشآت الخاصة مقابل 39.6% في صفاقس؛
- الخدمات العمومية مثل التعليم والصحة ضعيفة لاتتجاوز 1.6% مقابل 4% في صفاقس.
- السياحة غائبة تماما رغم وجود معطيات موضوعية تؤكد إمكانية تطوير هذا القطاع، حيث يوجد نزل واحد في مدينة سليانة ومطعم سياحي واحد في الكريب.
- تمثل الفلاحة أهمّ نشاط اقتصادي في الجهة وأكبر مصدر للتشغيل حيث يشتغل في هذا القطاع 44.5% من سكان الجهة مقابل 17.5% كمعدل وطني، وهذه مسألة طبيعية بالنظر إلى طبيعة اقتصاد الجهة، لكنها تطرح السؤال حول مدى إتاحة التشغيل الفلاحي لدخل قار يمكن الأسر من مستوى معيشي محترم، ويبرر هذا السؤال بالطبيعة الموسمية للعمل الفلاحي ولهشاشة العلاقات الشغلية بقطاع الفلاحة.
- وإذ يلاحظ أن قطاع الخدمات أصبح في الحقبة الأخيرة من أكبر القطاعات المشغلة بفضل ظهور خدمات جديدة مرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة للاتصال والمعلومات، فإن الأمر يختلف عن ذلك في ولاية سليانة، إذ تمثل الوظيفة العمومية 63% من التشغيل في قطاع الخدمات (تعليم، صحة،...)
- ونتيجة لذلك تتجاوز نسبة بطالة ب18.6% مقابل 11% في نابل مثلا. إلا أن هذه النسبة ترتفع إلى حوالي 33% بالنسبة للفئة العمرية 15-29 سنة و28% من 30 إلى 34 سنة، وهي فئات الشباب. ويعتبر ضعف المستوى التعليمي للعاطلين عن العمل خاصية مزعجة للبطالة في جهة سليانة إذ يمثل الذين لا مستوى تعليمي لهم 8.2% من مجموع العاطلين من مقابل 5.7% على مستوى وطني و2.2% في صفاقس مثلا، وهو ما يمثل عائقا للاندماج في سوق الشغل أو للتأهيل المهني. وتبدو نسبة بطالة حاملي شهائد التعليم العالي مرتفعة جدّا شأنها في ذلك شأن جلّ الجهات الداخلية ويتوزع أغلب العاطلين على الاختصاصات صعبة الإدماج مثل الحقوق، والاقتصاد، الآداب...ونلاحظ أخيرا أن 25% من العاطلين متزوجين وأن 33.3% منهم طالبي لشغل لأول مرة أي لم يشتغلوا أبدًا وليس لهم تجربة مهنية تيسّر إعادة إدماجهم، وأن مدة البطالة تفوق بالنسبة ل57% منهم سنتان. إن هذا التشخيص يحيلنا من جانب آخر إلى ضعف المبادرة الخاصة في ولاية سليانة وهذا يعود إلى أسباب عديدة في مقدمتها عزلة الجهة بفعل عدم تطور شبكة المواصلات البرية والحديدية وعدم وجود البنية التحتية الضرورية التي تكاد تنعدم في بعض المعتمديات مثل الروحية وكسرى والعروسة وبرقو إضافة إلى الكريب وبورويس. كما يحيلنا التشخيص الى ضعف السوق الداخلية المحفزة على الاستثمار والإنتاج، وقد لا يغيب عن هذه الأسباب ضعف الإحاطة بالباعثين من طرف الإدارة وعدم تطور عقلية المبادرة لدى أبناء الجهة. والإشكال التي يطرح هنا أنه لا مجال إلى الاعتقاد في إمكانية تنشيط سوق الشغل اعتمادا على تنشيط المنشآت المنتصبة حاليا، بل يجب التفكير جدّيا في الإمكانيات المتاحة لإعادة تصنيع الجهة.
إمكانيات التجاوز والانتعاش الاقتصادي
يبدو واضحا من تشخيص الوضع الاقتصادي أن ولاية سليانة مازالت عذراء صناعيا أو تكاد وما زالت في الولاية فرص الاستثمار متوفرة في كل معتمدياتها وفي كافة المجالات سواء ما تعلق منها بالخدمات أو بالفلاحة أو بالصناعة بمختلف قطاعاتها. و مازالت الجهة بعيدة جدا عما يسمى بالإشباع الاقتصادي la saturation économique الذي تتكرر فيها المشاريع المتشابهة و المتنافسة بما يهدد مردوديتها. وبالتالي فالاقتصار على الممكن إنجازه حاليا دون تطوير للشروط الموضوعية لدفع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي لن يفضي إلى تنمية حقيقية ومستمرة للجهة بل إلى تحسينات ظرفية و جزئية وهو ما لا يشكل طموحا يرتقي إلى انتظارات أبناء الجهة. فاذا اعتمدنا على فرضيات تحسين البنية التحتية الصناعية والفلاحية وتكثيف الاحاطة المؤسسية النشيطة والناجعة بالباعثين في مختلف المجالات وفك العزلة بين الجهة والجهات المجاورة وفيما بين مختلف معتمدياتها بتحسين شبكة الطرقات، واذا افترضنا توفير مصادر تمويل محفزة وبشروط ميسرة، فإنه يمكن، انطلاقا من الواقع المعاش ضبط تصورات عامة لإمكانيات دفع الاستثمار الخاص سواء المحلي والوطني أو الأجنبي في مختلف مجالات انتاج السلع والخدمات. وبناء عليه فلقد تركز الجزء الثاني من هذه الدراسة على صياغة تصورات عملية وقطاعية للنهوض بالجهة في مختلف المجالات. ولقد ضبطت الدراسة أولويات تنطلق من مجالات تدخل الادارة المركزية والسلط المحلية وتتعلق بحل معوقات تطوير وتنويع الأنشطة الفلاحية بدءا بمعالجة مديونية الفلاحين الى حل الاشكالات العقارية المكبلة مرورا بتهيئة صلبة للمناطق السقوية والمسالك الفلاحية وتوفير الري والمراعي. كما ضبطت الدراسة أولويات تقع على عاتق القطاع العام مثل تدعيم الاحاطة المؤسسية بالولاية ببعث الادارات التي تفتقدها الجهة وتطعيمها باطارات ذات كفاءة وخبرة وتدعيم بقية الخدمات الفنية والصحية والتربوية. وهذه التدخلات العمومية إذا اقدمت عليها الدولة بجد وحزم فانها تضمن تشغيل مئات الخريجين من ناحية وهي كفيلة من ناحية أخرى بتشجيع القطاع الخاص على اهتمام بالجهة اذا ما لاحظ انطلاق الأشغال العامة من نوع ربط سليانة بالسكك الحديدية وبالطريق السيارة وتهيئة المناطق الصناعية حسب المعايير العصرية وتجهيزها بالمحلات الصناعية لمزيد إغراء القطاع الخاص على الانتصاب وبالسكن الاجتماعي لضمان استقرار اليد العاملة. ولقد رصدت الدراسة عدة مشاريع يمكن للقطاع الخاص انجازها في مجال الصناعات المعملية اذا توفرت الشروط الموضوعية وهي مشاريع يمكن ان تكون متعددة الأحجام من صغرى الى كبرى مهيكلة وذات تنافسية صلبة وقدرة كبيرة على التشغيل ويمكن بعثها عن طريق الشركات الصناعية الكبرى المزدهرة متى تم تحفيزها على ذلك واقناعها بضرورة تحمل مسؤولياتها ازاء الجهات الداخلية ولقد أعلن بعضها عن استعدادها لذلك كما يمكن تمويلها في اطار رأس مال عمومي مفتوح للخواص في مرحلة أولى واكتتابات للشركات والأفراد وذلك في اطار تحمل الدولة المركزية لمسؤولياتها في انجاز اهداف الثورة لا سيما في المناطق الداخلية. وتوجد بالجهة فرص جدية للاستثمار الخاص أو المشترك لاسيما في مجال الصناعات الغذائية لإحراز الجهة على امتيازات تفاضلية حقيقية اذ يحتوي القطاع الفلاحي بولاية سليانة على 467 ألف هكتار وتنتج الجهة حوالي 340 ألف طنا من الحبوب و58 ألف طنا من الخضروات و8500 طنا من البقول و341 ألف طنا من الأعلاف وبها حوالي 45 ألف شجرة مثمرة منها حوالي 45% زياتين. وتبدو تربية الماشية مزدهرة ومتنوعة ومتوزعة بين مختلف المعتمديات ويتعاطى سكان الولاية تربية النحل (7000 جبح عصري). وتنتج الولاية حوالي 14 ألف طن من اللحوم الحمراء و26 ألف طن من الحليب وبالولاية إنتاج غابي متنوع يتمثل خاصة في الخشب والمشاتل الغابية والإنتاج العلفي. ورغم ذلك تكاد تنعدم في الجهة معامل تصنيع المواد الفلاحية وبالتالاي فان فرص الاستثمار بها وافرة وجدية.
كما توفر المواد الانشائية فرصا لقيام شركات خاصة ذات ربحية ومردودية لاشك فيهما حيث تعتبر عديد المناطق في ولاية سليانة الأكثر ثراءا بمدخرات المواد الإنشائية القابلة للاستغلال والتحويل كما أن الطلبات على هذه المواد في تزايد مستمرّ باعتبار أنّها تخصّ مجالات واعدة مثل الخزف والآجرّ العادي والعازل وتحويل الرخام وصنع المرّبعات الفسيفسائية إضافة إلى المواد الأوليّة لصنع الإسمنت. وقد وقع إحصاء حوالي 70 موقعا لهذه المواد (الحجارة الرخامية والطينيّة والرمال الصناعية والجبس والمواد الأولية لصناعة الإسمنت والحجارة الكلسية). وتمثل هذه المواد الإنشائية المتوفرة بكميات هامة امتيازا تفاضليا على الجهات المجاورة مباشرة وفرصا هامة لبعث مشاريع استغلال وتحويل في مختلف مناطق الجهة عوض الاكتفاء باستخراجها في شكل خام وتحويلها في جهات أخرى.
ويمكن تمويل المشاريع عن طريق المستثمرين الأجانب في عديد الأنشطة والخدمات لاسيما في السياحة حيث يمثل القطاع السياحي مجالا واعدا للاستثمار وخلق آلاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة. ويكمن الامتياز التفاضلي في قطاع السياحة لولاية سليانة في وجود 45 هكتار من الآثار المهملة والمعرضة للنهب والاندثار حيث توجد مدينة مكتريس الرومانية. لقد أحصى المختصون ما يناهز 1800 موقعا تاريخيّا في ولاية سليانة تعود الى الحضارات البونيقيّة والرومانيّة والبيزنطيّة والعربيّة أغلبها موجود حول ما يسمّي مسلك حنبعل: زامة (سليانة)، مستي (الكريب)، مكتريس (مكثر) وأخرى في كسرى وبوعرادة وبرقو، علاوة على أحتواء الجهة على حوالي 80% من المغارات الطبيعية الموجودة في تونس وأغلبها من جبل السّرج وجبل كسرى ويعتبر أغلب المختصين مغارة عين الذهب الأجمل في العالم وقد تدعمت هذه الثروات الطبيعية والبيئية بإحداث المحمية الوطنية بجبل السّرج. كما يمكن تركيز سياحة استشفائية مرتبطة بمنبع المياه السّخنة بحمام بياضة الذي يتميز بخصائص فريدة تتمثل في تركيبته الفيزيوكميائيّة المتنوعة التي تساعد على مداواة عديد الأمراض مع العلم أن هذا المنبع مستغل حاليّا بطريقة تقليديّة كما توجد في ولاية سليانة عديد الأماكن المناسبة لإقامة منتزه سياحي (عين بوسعدية، جبل السّرج وبرقو وكسرى ومكثر). كما أن تطوير السياحة في الجهة يمكن أن يمّر عبر التركيز على إدماج ولاية سليانة في إطار استراتيجية وطنية لتطوير السياحة الأثريّة فتدرج مناطق زامة ومستي ومكتريس ضمن مسالك يمكن أن تنطلق من تبربو ماجوس أو من بلاّريجيا (تبرسق) وتنتهي في سبيطلة مرورا بمختلف المناطق الأثرية بولاية سليانة.
وهكذا توصلت الدراسة الى ضبط عشرات المشاريع الكفيلة بتنشيط الوضع الاقتصادي والاجتماعي غير أنها مرتهنة الى ضروررة انطلاق الدولة في تغيير ملموس لوضع البنية التحتية للجهة وقدرات الاحاطة بالمستثمرين.
والآن أين سياسة الحكومة من تطلعات أبناء سليانة؟
لقد جاء برنامج الدولة جاء مخيبا للآمال ومحبطا للعزائم حيث تظل الخطة التنموية التي ضبطتها وزارة التنمية لولاية سليانة بعنوان سنة 2012 دون طموحات ابناء الجهة بكثير. فلقد رصدت الحكومة 211 مشروع لسنة 2012 بكلفة تفوق 334 مليون دينار بقليل إلا أن الدفع بعنوان سنة 2012 يقتصر على حوالي الثلث أي 123.3 مليون دينار علما أن جل الأشغال لم تنطلق بعد وأن نسبة الانجاز في الجهة ضعيفة، وبالتالي فنصيب سليانة من الاستثمارات العمومية عموما ضعيف اضافة الى أن جله لن ينجز الا على امتداد معدل 3 سنوات، مما يحيل إلى إمكانية استنساخ نفس البرامج بالنسبة إلى سنة 2013 وهكذا دواليك من سنة الى أخرى.
والمتعن في خطة حكومة الثورة يلاحظ انها تكاد لا تختلف في شيء عما كانت تعده مختلف حكومات النظام البائد والمتمثل في تجزئة المشاريع للتبجح بكثرة عددها وفي تفتيت الموارد المالية في برنامج صغيرة وضئيلة لا تخرج عن منطق «البرامج الرئاسية» المتمحورة كالمعتاد حول: إصلاح وصيانة التجهيزات الجماعية والصحية والتربوية، صيانة بعض الطرقات وتعبيد بعض الكيلومترات، بعض المسالك فلاحية وبعض البحيرات الجبلية اضافة الى شيء من التجهيزات مثل بعث معهد عال وتوسيع مستشفى وتهيئة مناطق سقوية وصناعية. وهذه المشاريع لا تخلق مواطن شغل قارة ويمكن إسناد إنجازها إلى بعض المقاولات الصغرى التي تستعمل اليد العاملة الموجودة حاليا، فلا مواطن شغل إضافية ولا تشغيل شباب ولا إطارات ولا خريجين بل يتوجب التحلي بالصبر وانتظار أن تخلق هذه المشاريع المبرمجة دينامكية وتحسن قدرة الجهة على جلب الاستثمارات وهي فرضية شبه واهية بالنظر الى هزالة هذه المشاريع. ونلاحظ غياب المشاريع الصناعية المهيكلة وغياب مشاريع فكّ عزلة الجهة وتحسين حقيقي لشبكة الطرقات في ما بينها ومع جيرانها وكذلك عدم برمجة إيصال شبكة السكك الحديدية إلى مدينة سليانة والسكوت عن ربطها بالطريق السيارة في اتجاه تونس. ونعيب على استراتيجة التنمية بولاية سليانة التي وضعتها وزارة التنمية الجهوية انها مجرد خطة انقاذ وتفتقد الى أي بعد استراتيجي من شأنه ادخال تغييرات ملموسة على الواقع اليومي المعاش وأنه وإن كانت بعض التصورات لمجالات الاستثمار الخاص صائبة ومقبولة الا أن الوزارة لم تحمّل نفسها عبْء ايجاد آليات تضمن تحفيز المبادرة الخاصة الى التوجه نحو سليانة والاستثمار في المشاريع المقترحة مثل خط تمويلي تفاضلي وتهيئة نوعية للبنية التحتية الصناعية والفلاحية ومثل طرقات ووسائل نقل واحاطة مؤسسية ذات كفاءة والتزام.
وخلاصة القول، فالدولة ما بعد الثورة مازالت موغلة في نفس السياسات الليبرالية القديمة التي تحدد دور الدولة في البنية التحتية لا غير والتي تصبح في الجهات الداخلية عمليات ترقيعية وتعول على المبادرة الخاصة في بعث الأنشطة الاقتصادية المشغلة، متناسية أن في هذه الجهات ولا سيما في ولاية سليانة لا يكاد يوجه قطاع صناعي خاص.
ويظل الأمل معلقا على أبناء الجهة من نقابيين ونشطاء المجتمع المدني والسياسي في الدفاع عن حق سليانة في التنمية وحق ابناءها في الشغل والكرامة وذلك بتطوير قدرات الاقتراح الدقيق وتجاوز منطق الشعارات العامة لاسيما من خلال المشاركة الفعالة في التشاور حول ميزانية التنمية لسنة 2013 التي انطلقت وزارة التنمية في انجازها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.