لا أحد أملى على الاتحاد العام التونسي قرار إلغاء الاضراب العام الذي كان مقررا تنفيذه يوم الخميس الماضي سوى مصلحة تونس وشعبها وأمنها الاهلي كما لا أحد أملى على الاتحاد اتخاذ قرار الاضراب العام سوى ما استهدفه من عنف وعدوان آثم على مقره وعلى هياكله وعلى موظفيه يوم 4 ديسمبر 2012 من قبل مليشيات جهات حزبية معينة ومن قبل ما يسمى «برابطات حماية الثورة». وبهذا يكون الاتحاد العام التونسي للشغل قد أكد مرة أخرى لاعدائه قبل اصدقائه انه لا يدور في فلك أي تيار سياسي أو فكري معين وانه لا يعمل طبق أجندات محددة أو حسابات مسبقة مكرسا على ارض الواقع استقلالية قراره وحرية ممارسته وليس أدل على ذلك من حدة النقاش وطول المداولات التي شهدتها اشغال هيئته الادارية الوطنية التي اجتمعت في موعد استثنائي يوم الاربعاء الماضي للنظر في مشروع خاص بالغاء الاضراب تم التفاوض بشأنه مع الحكومة. تباينت الآراء والتحاليل والمواقف في هذه الهيئة الادارية سواء من حيث تقييم المشروع واتخاذ الموقف منه او من حيث تداعياته على الوحدة النقابية التي تجلت خلال هذا الاسبوع في أحلى مظاهرها عبر جاهزية كل الجهات والقطاعات لتنفيذ الاضراب بنجاح على غرار ما تم في عدة جهات. رغم صعوبة اتخاذ القرار المعلن فإن ما يجدر التنويه به هو أنّ الهيئة الادارية الوطنية اتخذت قرارها بالغاء الاضراب مع تعديل في مشروع الاتفاق بنفس الروح الوطنية والمسؤولة والنضالية التي اتخذت بها القرار بالاضراب قبل اسبوع وهو ما يحسب للاتحاد العام التونسي للشغل موقفا جريئا ومدروسا من كل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية خاصة في هذا الظرف بالذات التي تتربص فيه ببلادنا عدة مخاطر وانزلاقات نحو المجهول. هذا الموقف الذي جاء مؤكدا على ان الاتحاد العام التونسي للشغل يعيش في جلباب شعبه ويرعى بين أحضانه ويلتحف همومه ومشاغله ولا يسبح في غير المركبة التي تحمل تطلعاته في العيش بسلام وحرية وكرامة. كما أن هذا الموقف الذي اعتلى فيه الاتحاد صوت الحكمة والتعقل والرصانة وخرج من خلاله مرفوع الرأس بتجربة المحنكين والقادرين على إدارة أزماتهم بتبصر ونضج ووعي لا يمكن الا ان يسحب البساط من تحت أقدام أعدائه وأعداء الديمقراطيثة والحرية والعدالة وأن يسقط بين أياديهم مشاريعهم الفئوية والعقائدية والفكرية المعادية للتعايش المدني السلمي في رقعة من الجغرافيا تسع الجميع وهي تونس. إن ما كسبه الاتحاد في هذه المعركة ليس دفعه للحكومة إلى التفاوض والحوار معه فقط وانما كسب الاتحاد درجات عليا من الالتفاف الجماهيري حوله سواء عبر قواعده وهياكله النقابية أو من خلال مساندة وتضامن معظم الطيف السياسي بالبلاد ومكونات المجتمع المدني أو من خلال حملات التضامن النقابية الدولية التي جسمها قدوم ممثلين عن النقابات الدولية والاقليمية وهو ما يمكن استثماره في بعث رسائل للداخل والخارج.،.. للداخل من أجل تغليب لغة الحوار والتشاور باعتبارها الوسيلة الوحيدة لرص الصفوف والالتفاف حول مشروع تونس المستقبل الحداثي والديمقراطي والتعايش السلمي.. وللخارج من أجل إقامة الدليل على أن شعب تونس قادر على البناء والتشييد وقادر على الانتاج والبذل والعطاء رغم الحراك الثوري الذي يعيشه منذ سنتين تقريبا وأن الدولة إذا آمنت بمؤسساتها وتنظيماتها السياسية والاجتماعية وبتركيبات مجتمعها المدني قادرة رغم التمظهرات الثورية في عدة قطاعات ومؤسسات بإمكانها توفير الظروف الطبيعية الملائمة للاستثمار بتونس وتوفير مواطن الشغل والتنمية العادلة، لكن الاتحاد العام التونسي للشغل وان حقق هذه المكاسب المحسوبة له في هذه المحطة النضالية لا يمكن ان تغيب عنه ان المعركة مازالت متواصلة مع قوى الردّة والظلام وان حماية الثورة واهدافها مازالت مسؤولية كبرى مناطة بعهدته وان الواجب يدعوه أكثر من أي وقت مضى إلى لعب دوره الريادي في نحت مستقبل تونس.