مازال الفعل الإجرامي الذي تعرض له المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل في بطحاء محمد علي من قبل مجموعات منصبة تنصيبا في إطار الجمعيات الموالية للتنكيل بأحرار تونس وإخماد صوتهم التحرري الانعتاقي يخنق الأنفاس ويصدم المشاعر ويفتح أمام شعبنا الأبي باب المجهول على مصراعيه. لقد شعرنا جميعا ونحن نقف على حجم هذه الاعتداءات الفظيعة والوحشية التي طالت بطحاء محمد علي ومناضلاتها ومناضليها، بان الاستعمار الغاشم قد عاد ليحتل تونس من جديد نظرا إلى رمزية هذه البطحاء وما لعبته تاريخيا من ادوار تجميعية وتجييشية ضد كل المحاولات الهادفة للنيل من عزة وطننا وكرامته ، فتحول الاتحاد العام التونسي للشغل بذلك في مخيلة شعبنا الأبي وذاكرته الى خيمة مقاومة ونضال وانعتاق قبل المسائل المطلبية الاجتماعية وكان من أبرز رواد هذه الخيمة الشهيد الخالد الرمز فرحات حشاد وبقية الزعماء النقابيين والوطنيين الأشاوس الذين حفظوا العهد وانحازوا للوطن وللشغالين ولم يبدلوا تبديلا. اليوم وفي خطوة جبانة يستهدف الاتحاد في مقره وفي بطحاه، ويتم التنكيل بمناضليه تنكيلا مبرحا فقط عقابا له على وطنيته وانحيازه للمسحوقين والمفقرين والمهمشين في البلاد. هذه الخطوة الصادمة بكل المقاييس استدعت من قيادة الاتحاد عبر أعلى سلطة قرار وهي الهيئة الإدارية الوطنية اتخاذ قرار الإضراب العام ردا على هذه الانتهاكات وحماية لاستقلالية المنظمة وسيادة قرارها النقابي، وهو ما لم تكن تتوقعه بالمرة حكومة حمادي الجبالي ومرشدها في مونبليزير الشيخ راشد الغنوشي وبقية المتحاملين على المنظمة الشغيلة العتيدة من وزراء وكتاب دولة اعتقدوا في لحظة غباء مصيرية أن الجرم الشنيع الذي لحق بالرمز النقابي والوطني فرحات حشاد في يوم ذكراه قد يمر مر الكرام ويربك المنظمة فإذا بقرار الإضراب العام يزلزل الأرض السياسية تحت أقدامهم ويحولهم الى طالبي صلح وجلوس ولقاء مع القيادة النقابية لتصحيح ما يجب تصحيحه وإثناء الاتحاد عن قراره بالإضراب يوم 13 ديسمبر 2012 . هذه الرغبة في الجلوس الى الطرف النقابي وإرضائه من قبل الحكومة يمكن عدها أولى المكاسب التي ستتقاطر تباعا، فهذه الحكومة التي تعودت تهميش المنظمات والجمعيات والأحزاب وجدناها للمرة الأولى منذ انتخابها مؤقتا تحرص عبر وسائل الإعلام على التأكيد عن رغبتها الجامحة في التحاور مع قيادة الاتحاد ووصف هذه القيادة بالمسؤولة والوطنية في وقت كان فيه راشد الغنوشي يغرد خارج سرب القصبة من مونبليزير ويتحدث عن الاتحاد بمنطق عدائي فيه الكثير من التجني والمغالطات. لقد أكدت أزمة بطحاء محمد علي الأخيرة عمق الهوة والخلافات داخل جناح النهضة بين المعتدلين وهم قلة ممن أدانوا علنا مهاجمة مقر الاتحاد وطالبوا بلجم رابطات حماية الثورة وحملوها أكثر من ذلك مسؤولية الاحتقان والتوتر الذي تشهده البلاد، وذلك مقابل الشق الأكبر الذي مازال يعول على ما ستقدمه هذه الرابطات في الانتخابات القادمة من خدمات عنف جليلة ومطلوبة للحركة في إطار سعيها المحموم إلى التشبث بالكرسي رغم أنها لم تقدم شيئا يذكر لهذا الشعب. وقد عرف الاتحاد العام التونسي للشغل بما كسبه عبر ارثه النضالي الضارب في الأزمنة والأمكنة من خبرة كبيرة في مواجهة الصراعات وإدارة المعارك وكسبها كيف يخترق هذا الاختلاف الجاثم اليوم على فصيلين داخل النهضة الواحدة ويوظفه كما يجب لما فيه الخير للشغيلة ولأبناء شعبنا ولوطننا فكان أول شرط يتقدم به وهو يتفاوض مع الحكومة لإلغاء الإضراب العام هو محاسبة هذه الرابطات وتحميلها مسؤولية ما جرى في بطحاء محمد علي مع عرض أمرها في زمن محدد على القضاء،طلب أو شرط يتخيل للكثيرين انه بسيط في حين انه في اعتقادنا يشكل حجر الزاوية في استعادة تونس لأنفاسها واستنشاقها من جديد لنسمات الحرية بلا ترهيب من هذه الرابطات التي تحولت بقدرة قادر الى رقيب وضمير الحكومة تؤدب بها المعارضين وكل من يخرج على صف الخليفة ! إن مشروع اتفاق الاتحاد مع الحكومة الذي تحول الى ورقة رسمية بعد التوقيع عليه لن نضعه في خانة من الرابح ومن الخاسر فيه باعتبار أن تونس في هذا الوقت العصيب بالذات هي من يجب أن تجني ثمار الاتفاق لكن وفق مطالب الاتحاد وشروطه بصفته المنظمة المعتدى عليها من قبل رابطات ضالة وهذا حسب بيان لوزارة الداخلية نعده كافيا لإثبات التهمة على هذه الرابطات وحلها في أسرع وقت وإذا أضفنا الى ذلك إدانة الحكومة رسميا للاعتداء الذي طال النقابيين من قبل هذه الرابطات واعتذارها للاتحاد ولمناضليه والتزامها بإشراك الاتحاد في لجنة التحقيق في الهجوم الذي استهدف مقره في بطحاء محمد علي يحق لنا أن نعترف ونقول بوضوح بان الإضراب العام قد نجح قبل أن يبدأ ويهمني تأكيد هذا النجاح على الأقل من باب معطيات ثابتة لا تحتاج الى نقاش: 1 ) أن العالم الغربي أصبح في الأيام الماضية ينام ويصحو على أخبار بطحاء محمد علي وهذا سبب ضغطا غير مسبوق على الحكومة المؤقتة. 2 ) أن الهياكل النقابية العربية والإفريقية و العالمية الدولية كانت بيننا لمساندة الاتحاد وانتقدت علنا الحكومة المؤقتة وإفراطها في استخدام ميليشيات رابطات حماية الثورة ضد المناضلين النقابيين وهو ما يعد ضربة موجعة في الصميم لهذه الحكومة. 3 ) أن الحكومة المؤقتة نفسها أصبحت تترنح على وقع المطالب المشروعة للاتحاد وهي لأول مرة نجدها تتبرأ من رابطات حمايتها وتحملها مسؤولية ما حدث في بطحاء محمد علي بعد أن لمست بأم عينها تعلق التونسيات والتونسيين بمنظمة حشاد وحجهم الى البطحاء كل يوم بالآلاف وهم يهتفون لبيك يا اتحاد ..ارواحنا فداك. 4 ) أن الإضراب في حد ذاته هو مناورة قبل أن يكون فعل وجود ، وطالما أن الاتحاد قد أتقن جيدا فنون هذه المناورة ووصل الى تحقيق أهم مطالبه والتزام الحكومة بتطبيقها فعند ذلك يغدو الإضراب في حال تنفيذه سلاح ذو حدين وقد تستغله السلطة لتأليب الشعب على الاتحاد وإظهاره بمظهر المكابر والمتأثر بحساسيات سياسية وخط ايديولوجي معين مثلما تدعي دائما كلما أرادت تجييش الرأي العام ضد الاتحاد في حين أن إلغاء الإضراب زاد في توريط الحكومة وأكد وهذا الأهم لقواعد الاتحاد أن منظمتهم العتيدة ستظل فوق التجاذبات وعلى نفس المسافة من كل الاحزاب ولا يهمها بالدرجة الأولى سوى مصلحة الشغالين و البلاد.