تبعا للتقلبات الجوية المنتظرة: مرصد سلامة المرور يحذر مستعملي الطريق..#خبر_عاجل    إنقلترا وكندا وأستراليا ومالطا والبرتغال ... أسبوع الاعترافات بفلسطين .. ما يتعيّن على العرب فعله الآن !!    المطر في تونس: وين كانت أكثر الكميّات حسب المدن؟    عاجل/ منخفض جوي وتحذير من امكانية تسجيل فيضانات..    عاجل: دروس متوقفة في هذه المناطق... والتلاميذ في الشارع! إليك التفاصيل    القصرين: تراجع إصابات داء الكلب وتواصل الحملة الوطنية للتلقيح    كيفاش تعرف السمك ''ميّت'' قبل ما تشريه؟    قفصة: تسجيل رجّة أرضية بقوّة 3،2 درجة شرق القطار    عاجل: العثور على قارب المهاجرين التونسيين المفقود في ليبيا بعد أسبوع من الرعب    وسام بن عمر يقترح إصلاحات جبائية عاجلة لإنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة    حفل كبير اليوم في باريس... شوفو شكون من العرب في القائمة    عاجل : مباريات قوية مؤجلة من الجولة السابعة في الرابطة الأولى هذا الأربعاء!    الحماية المدنية: 408 تدخلات بينها 102 لإطفاء الحرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    شيخ يحاول اغتصاب طفل ال5 سنوات في حديقة "الباساج"..!    تنشط بين احدى الدول الاوروبية وتونس/ القضاء يصدر أحكامه في حق المتهمين في الشبكة الدولية لتهريب المخدرات.. #خبر_عاجل    عاجل للتوانسة: عامر بحبّة يحذّر من تقلبات جوية قوية ويكشف هذه تفاصيل    بداية مبشرة مع أول أيام الخريف: أمطار وصواعق في هذه الدول العربية    المفتي هشام بن محمود يعلن الرزنامة الدينية للشهر الجديد    تونس على موعد مع حدث فلكي غريب بدخول الخريف... الشمس تعانق خط الاستواء..شنيا الحكاية؟!    تحذير طبي جديد يخص حبوب شائعة الاستعمال بين النساء...شنيا؟    علامات خفية لأمراض الكلى...رد بالك منها و ثبت فيها ؟    محاولة تهريب أكثر من 500 كغ من المخدرات: الاحتفاظ بموظفة في شركة خاصة وموظف في الديوانة    "أمن المقاومة" يعدم 3 "عملاء" أمام حشد كبير في غزة    السعودية تصدر ضوابط جديدة للمحتوى عبر الإعلام والتواصل الاجتماعي    عاجل/ آخر مستجدات أخبار أسطول الصمود بعد رصد طائرات مسيرة..    عاجل/ معطيات جديدة تكشف لأول مرة اغتيال نصر الله.. الموساد تسلل ونتنياهو أوقف العملية مرارا..    6 سنوات سجنا لكهل استدرج طفل قاصر وطلب منه تصوير فيدوهات...    انطلاق حملات نظافة كبرى في دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية    نقابة المكتبيين وموردي وموزعي الكتاب تنظم دورة تدريبية حول "أدوات ادارة المكتبات"    قراءة سوسيولوجية في تطوّر العلوم لدى المسلمين    تواصل ارتفاع أسعار السيارات الشعبية في تونس.. وهذه أحدث الأسعار حسب الماركات..    الدورة الاولى لصالون الابتكارات الفلاحية والتكنولوجيات المائية من 22 الى 25 اكتوبر المقبل بمعرض قابس الدولي    نقابة الصحفيين : 9 اعتداءات على صحفيين ومصورين صحفيين خلال أوت الماضي    بطولة العالم لالعاب القوى: الأمريكي هوكر يستعيد مكانته بتحقيق ذهبية سباق 5000 متر    البطولة الفرنسية : موناكو يتفوق على ميتز 5-2    ألمانيا تدعو لبدء عملية حل الدولتين مع الفلسطينيين وتدين هجوم الكيان على قطاع غزة    أول لقاء علني بعد الخلاف.. تأبين الناشط اليميني كيرك يجمع ترامب وماسك    السينما التونسية تتألّق في مهرجان بغداد السينمائي... التتويج    عاجل: التيارات الباردة تدخل من طبرقة وعين دراهم.. بداية الاضطرابات الجوية    قابس...انطلاق الاستعدادات للموسم السياحي الصحراوي والواحي    آفاقها واعدة .. السياحة البديلة سند للوجهة التونسية    حافلةُ الصينِ العظيمةُ    لأول مرة في تاريخها ...التلفزة التونسية تسعى إلى إنتاج 3 مسلسلات رمضانية    الصينيون يبتكرون غراء عظميا لمعالجة الكسور    بطولة افريقيا لكرة اليد للصغريات (الدور النهائي): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره المصري 21-33    في اليوم عالمي للزهايمر: هذه توصيات وزارة الصحة    رابطة ابطال افريقيا : الاتحاد المنستيري يروض اسود الشرق السيراليوني برباعية نظيفة    الحوت الميت خطر على صحتك – الهيئة الوطنية تحذر    كأس الكنفدرالية الإفريقية: النتائج الجزئية لذهاب الدور التمهيدي الأول    المراقبة الاقتصادية تحجز 55 طنا من الخضر والغلال ببرج شاكير والحرايرية    تونس تشارك في مؤتمر التعاون الثقافي والسياحي الصيني العربي    الجمعية التونسية للطب الباطني تنظم لقاء افتراضيا حول متلازمة "شوغرن"    محمد علي: ''الأسطول يقترب كل دقيقة من غزة.. أما أنتم؟ مجرد أصابع ملوثة على لوحة مفاتيح''    طقس الأحد: استقرار درجات الحرارة وأمطار منتظرة    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    استراحة «الويكاند»    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة بين محاولات الإجهاض والإنضاج. أي دور للاتحاد؟
رسالة مفتوحة إلى الإخوة أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل
نشر في الشعب يوم 22 - 12 - 2012

كان الصراع واضحا في عهد بورقيبة، النظام في مواجهة كل القوى السياسية التي تعارض حكمه أو تشكك في شرعيته.غير أن هذا الصراع يزداد صعوبة وغموضا مع نظام زين العابدين بن علي الذي نجح في خلط الأوراق وأوهم بالانفتاح على المعارضة بما في ذلك قوى اليسار خاصة في السنوات الأولى من حكمه،ووعد الشعب التونسي بأنه « لا رئاسة مدى الحياة»ولا ظلم ولا قهر بعد اليوم» وأن الشعب التونسي صار ناضجا لممارسة الديمقراطية وليس في حاجة للوصاية، وبالتالي فإنه سيحقق للشعب التونسي ما لم يرد بورقيبة تحقيقه. تُرى هل سيحترم هذه التعهدات؟ كيف سيتعامل مع القوى الاجتماعية والسياسية التي واجهت بورقيبة؟
أولا الاتحاد العام والنقابة المساهمة
كانت البداية بالاتحاد العام التونسي للشغل، فقد حرص على ضمان ولاء هذه القوة الاجتماعية الفاعلة إلى جانبه . وكانت القاعدة الأولى في سياسته هي أن النظام يختار معارضته، فبدل أن يصنع منها ضحايا كان ينتقي منها من يسايره، فكان يُقزّم من يخشاه ويعملق من يطمئن إليه . وهذا ما حصل تقريبا مع قيادات المنظمة الشغيلة فقد أزاح شخصيتين نضاليتين هما الحبيب عاشور والطيب البكوش عن الساحة النقابية، ويقال: إنه أرغم عاشور ورغّبه في نفس الوقت حيث وضعه أمام خيارين لا ثالث لهما : فإما أن يقبل بوضع اسمه على أحد الشوارع اعترافا له بالجميل أو أن ينساه التاريخ. أمام هذا التهديد المبطن من ناحية وعجزه الصحي نتيجة لتقدمه في السن من ناحية أخرى فضّل الانسحاب بهدوء . ثم انعقد مؤتمر بمدينة سوسة تحت مراقبة منصر الرويسي المناضل اليساري الذي تحول إلى مستشار لابن علي فأفرز قيادة مساهمة من الصف الثاني من القيادات النقابية التي تحملت ويلات محاكمة 26 جانفي ومن أبرزهم إسماعيل السحباني وعبد السلام جراد وعلي بن رمضان، فتعاونت مع قيادة 7 نوفمبر التي لم تكشف بعدُ عن وجهها القبيح ، ولم تكن القيادة النقابية بدورها مشاكسة للنظام فحظيت بهامش من حرية التحرك . ومع تنامي إملاءات العولمة وتورط ابن علي في مسايرة سياسة الدول الإمبريالية ومجاراة اختياراتها الثلاثة :إعادة الهيكلة ، مقاومة الإرهاب والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ضاق حبل الخناق على المنظمة النقابية اجتماعيا واقتصاديا وصل إلى تفكيك قوانين منظومة القوانين الشغلية لفائدة الأعراف، واضطرت القيادة إلى مسايرة هذا التمشي العالمي الجديد الذي أوهن الحركة النقابية في العالم. وكانت قيادة الاتحاد بين نارين: إما أن تتصدى لهذا الوضع بما في ذلك مجابهة النظام أو أن تحكم قبضتها على مناضليها وتنال تزكية النظام ، فكان الخيار الثاني أسهل وأقل كلفة. وفي هذا الإطار أوكل ابن علي للقيادة النقابية مهمة اجتثاث الإسلاميين من المنظمة الشغيلة بعد أن احتدم الصراع بينهما.
غير أنه من الصعب على الاتحاد أن يفقد استقلاليته وصبغته النضالية مهما كانت قوى الضغط المسلطة عليه لأن زمام المبادرة ليست بأيدي القيادات التي قد تضطر لمجاراة الأحداث ومهادنة النظام بل بأيدي القواعد والهياكل الوسطى، وهذا ما تجلى في مناسبتين تمكنت فيهما المنظمة الشغيلة من أن تفرض إرادتها: فقد عبرت عن موقفها المناهض لاستقبال الصهيوني شارون في مؤتمر قمة المعلومات مما اضطر الكيان الصهيوني إلى تكليف وزير خارجيته بترؤس الوفد وهو من أصل تونسي. وهي عملية استبلاه للرأي العام كما رفضت الهيأة الإدارية الدخول لمجلس المستشارين لسببين: الأول إن الدخول لهذا المجلس يمر عبر الهياكل التجمعية والثاني أن عدد المستشارين المسند للاتحاد لا يعكس حجم المنظمة .
غير أن الاتحاد الذي أمكن له أن يرفض هذين التحديين لم يستطع أن يصمد أمام موجة المناشدة التي طالت كل المنظمات باستثناء العدد القليل منها كالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية النساء الديمقراطيات.
ودون أن نتوغل أكثر في دراسة هذه المرحلة فالتقييم لم يحن وقته بعدُ، يمكن أن نحكم دون مجازفة بأنها مرحلة صعبة عاشتها المنظمة النقابية قواعد وهياكل وقيادة، اضطُرت فيها إلى مهادنة النظام ،بل والتنازل عن بعض المبادئ النضالية بما في ذلك الديمقراطية والاستقلالية بل وحتى التفريط في بعض المكاسب الاجتماعية والقبول بمرونة التشغيل والعمل بنظام المناولة مقابل ضمان الحد الأدنى من المطالب العمالية وحماية المقدرة الشرائية للعمال، رغم سياسة العولمة المتوحشة التي تصر على استقالة الدولة وإعادة الهيكلة وإلغاء الحواجز أمام الشركات العملاقة العابرة للقارات والمفترسة للاقتصاد الوطني.
وبهذا الصمود المحدود استمرت المنظمة النقابية متماسكة وممثلة.وهذا ما مكنها من أن تلعب دور المظلة الواقية للتحرك العمالي عبر كل ولايات الجمهورية وخاصة في الأيام الأولى للثورة عندما كانت الضبابية سائدة والمصير مجهولا.
ثانيا النظام يصنع معارضته
حاول نظام ابن علي أن يضع بعض المساحيق على المشهد السياسي الاستبدادي الموروث حتى يوهم بالتوجه الديمقراطي، فقام بنفس العملية الجراحية التي مارسها مع النقابة فأبعد القيادات السياسية التاريخية مثل أحمد بن صالح وأحمد المستيري وزج في السجن بالمناضل القومي البشير الصيد وصعّد عناصر أخرى أكثر قابلية للترويض من نفس التوجه ثم سمح بظهور تعددية سياسية على المقاس، فكانت معارضة كارتونية لا فاعلية لها يوزع عليها الحزب الحاكم مقاعدها في البرلمان قبل أيام معدودة من الانتخابات التشريعية بحسب ولائها.
ثالثا اليسار والأطياف الثلاثة
إن أهم نجاح سياسي حققه ابن علي هو شرذمة اليسار الذي يمكن تقسيمه انطلاقا من علاقته بالإسلاميين وبالنظام إلى ثلاثة أطياف:
1 طيف متعاون مع النظام ورافض للإسلاميين
تمكن النظام من إقناع العديد من الوجوه اليسارية وخاصة بقايا منظمة آفاق بالالتحاق بحكومته أو بحزبه ولعله استثمر عاملين :
أ معاداة هذا الفريق من اليسار للإسلاميين إلى حدّ القبول بالعولمة المتوحشة التي تتناقض جذريا مع الإيديولوجية الماركسية التي نشؤوا عليها مقابل إقصاء هؤلاء ومحاربتهم وهم بذلك يجسّدون مقولة قديمة تعكس وضعية بعض الصحابة التي تخلوا عن علي بن أبي طالب وانضموا لمعاوية وقالوا قولتهم المشهورة « كرها في علي وليس حبا في معاوية».
ب تقدمهم في السن ،فبعد سنين طويلة من السجن والتهميش، وجدوا أنفسهم أمام آخر فرصة توصلهم للسلطة حتى يحققوا ما يمكن إنجازه من قناعات سياسية أو فكرية.
والإنجاز الوحيد الذي حققه هؤلاء كان في وزارة التربية والتعليم العالي التي تولى مهمتها السيد محمد الشرفي لمدة خمس سنوات وكان الشعار المرفوع لمهمته هو : «تجفيف منابع الحركة الإسلامية في تونس» وهي المهمة التي أوصى بها المحافظون الجدد في حكومة بوش الثاني . ومن تداعيات سياسته التربوية هو تحول الجامعة من قضاء حيوي ثري وحديقة خلفية للتيارات الثورية الرافضة للنظام وتغذيها التجاذبات الفكرية بين مختلف التيارات إلى صحراء تكاد تكون قاحلة لولا بعض المجموعات اليسارية والقومية التي بقيت تتحرك ببطء.
2 طيف رافض للإسلاميين وللنظام معا
ضم عدة تيارات ظلت ترفض التعاون بصفة مطلقة مع الإسلاميين وتعتبرهم أخطر على البلاد من السلطة وفي نفس الوقت تأبى التعاون مع النظام لكن دون أن يقطع معه، وتطالبه بدمقرطة الحياة السياسية وإتاحة الفرصة لتعددية حزبية حقيقية ولا تتردد في المشاركة في كل الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتستغلها للتسويق لبرامجها وللتشهير بالنظام والاستفادة من هذه المناسبات ماديا ومعنويا. ويمكن أن ندرج ضمن هؤلاء : حركة التجديد والحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الديمقراطي....
3 طيف ثالث :التناقض الرئيسي مع النظام
يعتبر هذا الطيف أن التناقض الرئيسي هو بين النظام وكل أطياف المعارضة ويعطي الأولوية في النضال لمجابهة السلطة ويؤجل صراعه مع الإسلاميين إلى مرحلة ما بعد سقوط النظام ، وهذا الفريق هو الذي شكل هيأة 18 أكتوبر(2005) للحقوق والحريات وصاغ بيانها واتفق على الحد الأدنى الذي يمكن أن يوحّد فصائل المعارضة في تونس ويحولها إلى قوة فاعلة تربك الحكومة، وقد اقتصر على ثلاثة مطالب أساسية كانت محل اتفاق بين عدة تيارات هي: حرية التعبير وحرية التنظم والعفو التشريعي العام، غبر ان هذا الاتفاق ما كان له أن يحصل لولا الوصول إلى وفاق مبدئي مدني هو الاعتراف بمجلة الأحوال الشخصية كإنجاز وطني لا تراجع عنه، وتلك هي البوابة العريضة التي بررت التحاق الإسلاميين بالجبهة الديمقراطية التي ضمت عدة تيارات فكرية سياسية متباينة في مرحلة ما قبل الثورة: الشيوعيين وبالتحديد حزب العمال الشيوعي، القوميين ، وحركة النهضة والمستقلين وبالحديد الحزب التقدمي الديمقراطي التقدمي، وهو واسطة العقد في تلك المرحلة. وقد استطاع هذا التحالف أن ينجز عملا تاريخيا حيث دخل في إضراب جوع استمر حوالي شهر بمناسبة انعقاد قمة الاتصال ومجتمع المعلومات بتونس، كان له صدى إعلامي واسع على المستوى الوطني والعالمي أحرج النظام وخلق واقعا جديدا هو النضال الجبهوي السلمي من أجل الحقوق والحريات .
رابعا الإسلاميون من الإيهام بالتعاون إلى الانقضاض عليهم
لم يجد ابن علي صعوبة تذكر في التعامل مع جيل الاستقلال من القوميين اليوسفيين واليسارييين والنقابيين فقد سبق لبورقيبة أن تكفل بإزاحتهم عن الساحة بالقتل أو بالسجن أو بالترويض ، لكنه اصطدم بفصيل لا يقل خطورة عن الأطياف السابقة هو طيف الإسلاميين فحاول استدراجهم إلى مربعه وأوهمهم أنه هو الذي أنقذهم من حبل المشنقة الذي أمر به بورقيبة وفسح لهم المجال للمشاركة في الانتخابات لكنه سرعان ما نكث عهوده وقلب لهم ظهر المجن وتعامل معهم بقسوة لسببين داخلي وخارجي : فهم في الداخل يشكلون قوة جماهيرية قادرة على تهديد نظامه واستطاعوا أن يتسربوا لكل مفاصل الدولة وفي الخارج كانت القوى العظمى تستهدفهم باعتبارهم إرهابيين وتشجع الأنظمة على اجتثاثهم ومحاربتهم.
وتمكّن نظام ابن علي من أن يشل حركتهم وأن يبعثر صفوفهم حيث فرّ البعض بجلده للخارج وانتشروا في أوروبا وهناك سمح لهم المناخ الديمقراطي بالتوغل داخل الجاليات العربية والإسلامية.أما من بقي منهم في البلاد، فقد لاذ بعضهم بالصمت وانخرط البعض الآخر في أحزاب المعارضة بل هناك من استظل بمظلة حزب التجمع الدستوري. غير أن ظاهرة الإسلام السياسي لم تنحصر في حزب النهضة فقد ظهرت على يمينها فصائل أخرى أشد تطرفا، بعضهم انخرط حتى في تنظيم القاعدة وأحدث مفاجآت أربكت النظام مثل مجموعة خالد بن الوليد السلفية التي اكتشف أمرها في سليمان، وكانت على قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ عملية مسلحة كادت أن تعصف بالرئيس وربما بالنظام نفسه.
هذه السياسة المناهضة للإسلاميين سواء في عهد بورقيبة أو في عهد ابن علي كانت لها نتائج وخيمة في الفترة التي أعقبت الثورة كما ستبين لاحقا.
خامسا الشباب: بين التوظيف والتسطيح
لا تختلف سياسة ابن علي عن سياسة بورقيبة قي تعامله مع الشباب من حيث الأهداف فكل منهما كان يسعى لتوظيفه في مشاريعه من ناحية وتحييد دوره الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى، لكن يمكن أن نلحظ عدة فوارق بين الجيلين بعضها يعود إلى الظرفية التاريخية والبعض الآخر يعود إلى التوجه التربوي لكليهما .
1 المستوى التربوي : تدني المستوى المعرفي
مع تحول 7 نوفمبر والانخراط في سياسة العولمة الاقتصادية والثقافية تغيرت الخيارات التربوية من حيث الأهداف والمحتوى والمناهج، فلم يعد هناك مجال للبرامج الهادفة والقراءات النقدية الجادة والتعمق في الأبحاث،وهي السمات التي تميز بها التعليم مع الجيل الأول الكادح الذي كان متعطشا للتزود بالمعرفة والرغبة في التغيير، فالكثير من البرامج التربوية في عهد العولمة كانت تستند إلى ثقافة الاستهلاك وتحويل العالم إلى سوق مفتوحة أمام الشركات العملاقة العابرة للقارات وهي تُستنسَخ نسخا من بعض الدول الأوروبية لأنها غالبا ما تكون مقترنة بتشجيعات مالية وتربصات في الخارج.
والأخطر من كل ذلك أن يعتمد النظام سياسة تربوية شعبوية لتلميع صورته لدى الطلبة والتلاميذ والأولياء فاتخذ مقاييس جديدة لتسهيل اجتياز امتحان الباكلوريا بل في كل الامتحانات فارتفعت نسبة النجاح لكن على حساب مستوى التعليم وسمعة الجامعة التونسية في الأوساط التعليمية العالمية. وقد ساعده على ذلك غياب المنظمة الطلابية التي ضعفت وتهمشت. ولم تعد أداة نضالية فاعلة بأيد الطلبة من مختلف التيارات السياسية.
2 السياق التاريخي العولمة والحرمان
بلا شك أن الظروف الحافة ، لها دور فاعل في تشكيل شخصية الشباب وهذا ما يتجلى بشكل واضح في جيل مرحلة بورقيبة وجيل مرحلة ابن علي ، فالجيل الأول جيل البناة ينتمي معظمه إلى الشرائح الفقيرة أو المتوسطة ، التعليم بالنسبة إليه يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لبناء المستقبل، ومجالات الارتزاق أمامه محدودة ، فهو جيل أقرب إلى العصامية. عاش أزمات الصدام السياسي والاجتماعي مع النظام الذي كانا مسكونا بهاجس الانفراد بالحكم لذا كانت يضعه أمام خيارين : الاحتواء أو الإقصاء، فبقدر ما كان يسعى لقمع الشباب المتمرد فإنه كان يعمل على احتواء الشباب الطيّع في حضيرة حزبه ومؤسساته.
كان ذلك في سنوات الستينات العجاف أما مع السبعينات والثمانينات فقد أصبح للمجتمع الاستهلاكي دوره في تهميش الشباب ودفعه نحو منزلقات التفسخ والانحلال وإبعاده عن الساحات السياسية والاجتماعية الجادة.
ومما زاد في تهميش الشباب التونسي هو تفاعل نظام 7 نوفمبر مع المعطيات الظرفية مستفيدا من سياسة العولمة التي تقوم على تشجيع الاستهلاك والأكلة الثقافية السريعة التي تعتمد الصورة والإثارة دون الثقافة التحليلية العميقة. وهذا ما ساعد على إفراز جيل جديد له رغبة ملحة في الإقبال على كل ما لذ وطاب.
وأمام محدودية الإمكانيات المادية تفتح أبواب المديونية أمام الأفراد كما فُتحت أمام الدول الفقيرة.وكما ترتهن الدولة الفقيرة للدول العظمى وللمؤسسات المالية العالمية وتفرط في استقلالية قرارها الوطني يرتهن الفرد للدولة أو للشركات ويفقد حريته ونصيبا لا بأس به من كرامته.
وهكذا راكم الشباب الجامعي مجموعة من المعوقات التي كبلت وعيه فهو من ناحية يحمل شهادة جامعية كان من المفروض أن تفتح أمامه آفاق التشغيل حتى يشعر بنخوة الكرامة وهو من ناحية محاصر بمغريات العولمة دون أن يستطيع لها سبيلا . فاجتمع عليه العجز عن تلبية الرغبات والإحساس بالحرمان ، وكانت النتيجة الشعور بالإحباط واستبطان الغضب ، لذا لا غرابة أن يُشكّل هؤلاء النواة الأولى للتمرد على النظام حيث أسسوا ما صار يعرف «باتحاد المعطلين عن العمل «مصرين على مصطلح المعطلين وليس العاطلين تأكيدا لوضعيتهم كضحايا لقوى استغلالية في الداخل أو في الخارج. وهكذا أصبح شبابنا في تونس مع مرحلة ابن علي يعيش عدة أزمات منها :
محدودية المعرفة وسطحية التكوين
بطالة مستفحلة وآفاق التشغيل مسدودة
إحساس بالحرمان زمن ثقافة الاستهلاك
إن هذه الأوضاع المتردية جعلت الشباب أشبه ما يكون بالبركان الصامت الذي تفجر لحظة اندلاع الشرارة الأولى.
وإذا كانت هذه أهم ملامح مجتمع الدولة طيلة خمسة عقود فما هي النتائج السياسية التي أفرزتها وهل نجد لها تداعيات على دولة المجتمع التي ستنهض بها الثورة ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.