التأمت يوم 27 ديسمبر 2012 بدار المحامي بشارع باب بنات تونس الندوة العلميّة التي نظمها مركز الدراسات والبحوث والتوثيق للمحامين التونسيين تحت عنوان: قراءة في مشروع قانون الماليّة لسنة 2013. الندوة افتتحها الأستاذ شوقي الطبيب عميد المحامين التونسيين، ومهد لها الأستاذ محمد صالح التومي مدير مركز الدّراسات، وبعد الاستماع الي المحاضرتين اللتين ألقاها كلّ من الأستاذ الصغيّر الزّكراوي والأستاذ محمد السعيد حمادي المختصّين في القانون الجبائي، وبعد النقاش العام الذي شارك فيه جملة من الحاضرين وأصحاب الرّأي، تبيّن من خلال فعاليات الندوة أن قانون الماليّة لسنة 2013 أعدّ بدون وجود وزير للماليّة وبدون الاعتماد على ما تزخر به بلادنا من كفاءات في ميدان القانون الجبائي وهو ما من شأنه أن ينعكس سلبا على تطوّر الشأن العام خاصّة وأن بلادنا تشكو من التخفيض في الرّقم السيادي وتعيش احتقانا اجتماعيّا وسياسيّا متزايدا نتيجة الضرر اللاّحق بالفئات الفقيرة والمتوسطة من أبناء الشعب جرّاء تضاؤل الرّقابة الاقتصادية وارتفاع أسعار المعيشة وانعدام التنمية المرجوّة بالجهات المحرومة. وبما أن قانون الماليّة هو المرآة العاكسة للتوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى فقد كان من المؤمّل أن يترجم قانون المالية للسنة الجديدة عن توجّهات تقطع مع الماضي بما فيه من فساد وسوء توزيع لثمرة الجهد الوطني بين الفئات والجهات في اتجاه إرساء نظام جبائي ينحو نحو تحقيق العدالة الإجتماعية والكرامة الوطنية وذلك: أوّلا: بإلغاء النظام التقديري المبني على دفع معلوم جزافيّ يتحدّد على أساس ما يصرّح به بعض الخاضعين للأداء ما يشكّل ملجأ للمتحيّلين والمتهرّبين من الضرائب إذ يوفّر لهم فرصة سانحة لإخفاء حقيقة مداخيلهم . ثانيا: بترشيد الحوافز الجبائيّة التي اتضح عدم جدواها، بل التي من الواجب التفكير في إلغائها تماما خاصّة بالنسبة للاستثمار الأجنبي الذي يستغلّ الإعفاء الممنوح له ثم يغادر تراب البلاد حال انتهاء أمد انتفاعه بالحوافز. ثالثا : بإحداث ضريبة جديةّ وتصاعدية على الثورات الكبرى وعلى استيراد الكماليات من طراز العطور الفاخرة والسّيارات الفخمة. ولكنّ التوجهات التي أقرّها قانون الماليّة لسنة 2013 لم تحقق هذه القطيعة ضرورة أن هذه التوجهات قد واصلت نفس السياسة الجبائية المعتمدة قبل الانتفاضة الباسلة لشعبنا وأعادت انتاج المنوال التنموي الرّأسمالي اللّيبيرالي ولم تفكّر: - لا في إقامة علاقات بينيّة مع البلدان العربية وخاصّة مع بلد مثل الجزائر يشكل عمقا استراتيجيا لبلادنا وله أنبوب لتصدير الغاز يمرّ عبر ترابنا. - ولا في القطيعة مع «النّهابين العالمين» كيفما يسمّيهم المفكّر السويسري جان زيغلار وهو يعنى بهم السّاهرين على المؤسسّات البنكيّة والماليّة وخاصّة منها العالميّة. بل إنّ هناك توجّه واضح زيادة على هذا كلّه لإيجاد منحى تسلّطي وتعسّفي وهو ما يعكسه مثلا الفصل 38 مكرّر من قانون الماليّة الذي يعطي السّلطة كاملة للإدارة الجبائية في تحديد دخل بعض الأطراف الخاضعة للضريبة وتسليط الضريبة عليهم دون تمكينهم من إجراءات تحفظ حقوقهم. وإذ اعتمدت الميزانية على وعود بالدّعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدّول الأوروبية أو الخليجية ومنها قطر فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلّق بمدى وجاهة الاعتماد على وعود تضاهي عند النهاية التّبرعات أو فلنقل الصدقات وقد لا تتحقّق زيادة على ذلك. إنّ السياسة الاقتصادية الحكيمة هي تلك التي يجب أن تشجّع وتحفّز على تحقيق الاكتفاء الغذائي وأن تعتمد على الاستثمار في ميادين الفلاحة والتعليم والصحّة، وهي الحلول التي في غيابها ستبقى بلادنا تحت وطأة النّظام اللّيبرالي العولميّ المتوحّش الذي لا يمكنه باعتماده على التفويت في المؤسسّات العموميّة وفي القطاعات الحيويّة إلاّ الإخفاق في تحقيق التنمية العادلة والمتوازنة بما من شأن ذلك أن يزيد في إمكانيّات الثراء الفاحش للأثرياء وفي تفقير المفقرين وحرمان المحرومين. فهذا ما يوجب إعادة صياغة كلّ التّوجهات الجنائية بصورة جذريّة استجابة لمصلحة وطننا ولطموحات شعبنا.