منذ أشهر عديدة ونحن نتردد في ملامسة موضوع المواطنين الذين سافروا بل سُفروا الى سوريا عبر الأتراك ومنذ سنوات ونحن نترصد أخبار شبابنا في جمهورية العراق... حيث تتقاطر علينا الانباء بين الفينة والاخرى من القطرين الشقيقين حول الاستشهاد في العراق والموت في سوريا، او حول الاحكام الصادرة هنا والاعتقالات هناك... ولئن اختلفت الوجهات والاسباب بالنسبة إلى هؤلاء الشبان فان عائلاتهم اتفقت على ان في الامر «واو» وان ابناءهم ضحايا وليسوا مجرمين ولا سفاكي دماء وسفاحين كما يروّج في بعض الاوساط بل هم عباد مأمورون خاصة في الملف السوري وكل تصرفاتهم محسوبة على شبكات ممولة من جهات اضحت معلومة ومباركات مكشوفة من جهات اخرى... ولن نذيع سرا ولن نأتي بجديد اذا قلنا ان الامر اصبح جليا وضلوع شيوخ النفط مسألة لا لُبس فيها خاصة فيما يتعلق بالذين هاجروا لنشر القتل وسفك دم السوريين تحت جلباب «النصرة» وما اليها من شبكات القتل والاجرام وبتمويل مالي ودعم معنوي (غسل أدمغة وما شابه) من بلاد النفط التي ضاقت بالبعض من رؤوسها نجد والحجاز فراحت تكيل للشام ما يرادف منجنيق معاوية! هذا الكلام ليس بمفردات انشائية او لغط اعلامي مأجور انما هو خلاصة ما تسمعه من أولياء تفحمت أكبادهم بعدما غرر بأولادهم ليجدوا أنفسهم على أرض العثمانيين ومنها الى مواجهة الجيش العربي السوري في بلاده وبين شعبه الذي عاث فيه الاغراب من أعراب وغيرهم قتلا وحرقا وتنكيلا... ومن هؤلاء البعض من شبابنا «الثوري» الذي أخطأ المرمى والوجهة حيث وبدل «التسلل» الى غزة والضفة لمقارعة بني صهيون توجه الى حمص وقسيون وسلاحه رصاص مجرم وريالات قذرة و «تكبير» على الفعل الاجرامي وهي ذات الحركة التي شوهدت في ليبيا عندما كانوا «يكبرون» ويحرقون ويغتصبون وينهبون ويقتلون في الآن نفسه اي عند التكبير وهو ما اعتبرته رابطة علماء المسلمين جريمة ليس أبشع منها في حق الدين الاسلامي الحنيف الذي حرّم على المسلم عرض ومال ودم أخيه المسلم... حيث جاء في الصحيحين ان الرسول صلى ا& عليه وسلم قال «كل مسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه»... هذا الحديث لسيد الانام تجاوزه «فقه النقط» ليفرض بل ليكسو الدين بالدم بدل الهيبة والوقار والسماحة... وها هو المثال يصرخ في سوريا وها هم العشرات من خيرة بل من صفوة شبابنا يتدثرون بهذا الفقه (فقه النفط) ليكون مصيرهم على دفاتر القتلى والمفقودين ويكون مصير الاهالي على دفاتر الالم والوجيعة والخوف والدموع... صبايا في ذمة الدمع وفي هذا الاتجاه أكدت جريدة «المصور» التونسية ان التونسيين المغرر بهم يشكلون اكثر من 40٪ من عناصر الجبهة المعادية للنظام السوري والمتكونة في معظمها من مرتزقة ومأجورين فضلا عن بعض السوريين وهو ما دفعنا إلى مزيد التأكد للبحث عن هؤلاء بل عن أهاليهم وتقصي ما أمكن من حقائق وقفنا على بعضها في ولايات قبلي وقفصة والمهدية والمنستير وغيرها من المناطق التي صدّرت «الثوار» الذين تركوا في قلوب أهاليهم لوعة ولدى الرأي العام ألف سؤال ومن بين هؤلاء توقفنا مطولا عند حالة الشاب وسام بن حليمة من خلال لقاء جمعنا بوالده السيد كمال بن حليمة ببلدة منزل كامل (المنستير) والذي أفاد ان نجله الوحيد من مواليد 92 لمّح لوالدته وشقيقاته الاربعة بأنه يروم الذهاب الى ليبيا أواخر شهر فيفري الماضي بعد ان تناهت له اخبار عن سوق الشغل الخصب هناك دون ان يعلمني. وفعلا انطلق في اتجاه ليبيا يوم غرة مارس الماضي لنفاجأ بعد اسبوع بالضبط وعبر التلفزيون الرسمي السوري ان وسام في قبضة الامن السوري بتهمة وحيدة وهي اجتياز الحدود وهو يعتبر بعض من البلسم الذي يصنع أملنا في عودة وسام خاصة ان الاجهزة المختصة السورية ودائما حسب التلفزيون الرسمي حددت ضمنيا التهمة وهي اجتياز الحدود فقط وبالتالي فلا جناية في الامر حيث لم تمتد يد وِسام الى قتل او نهب او تخريب ويضيف أبو وسام ان كلمة «مغرر بهم» التي جاءت على لسان الجهات السورية بقدر ما تثير حنقة على المجرمين بقدر ما تجعله وعائلته متعلقين بالامل طالما ان السلطات السورية نفسها التمست العذر لوسام وغيره... ويضيف السيد كمال انه ورغم تكثيف الاتصالات بوزارة الخارجية وبعديد المنظمات الدولية لم يظفر الى حد الساعة بجواب مطمئن ولم يسمع الى حد اللحظة بمسعى جاد من السلطات وخاصة رئاسة الجمهورية والخارجية وحقوق الانسان. ولئن اتسم موقف السيد كمال بكثير من الصبر والتجلد فان الامر على غير تلك الصورة للسيدة عائشة السافي زوجته والتي على حالتها الصحية المتردية جدا جدا والتي خضعت بموجبها لجراحة أولى وثانية على القلب ناشدت كل من له شأن بإنقاذ وحيدها من هذه المصيبة التي أوقع فيها بعد استغلال براءته وصغر سنه ومحدودية ادراكه لهذا الصنيع..،. كما اكدت السيدة عائشة ان وحيدها كان مستقيما ورصينا ولم ينشط لا في السر ولا في العلن مع اية جهة تثير الجدل ولم يتورط حتى في مجرد شبهة ولو كان الامر كذلك لشددنا عليه الرقابة حتى من خلال الاجهزة الامنية لو لزم الامر... اضحى بلا أضحية! من المواقف المؤثرة وفضلا عن موقف السيدة عائشة موقف الاجوار الذين امتنعوا عن ذبح الاضحية في عيد الاضحى الماضي تضامنا مع عائلة جارهم وبناته الأربع اللاتي تمكن منهن الألم على فراق شقيقين الذي طال... في الكاظمية ... أمل بعد ان غادرنا منزل كامل وعائلة بن حليمة توجهنا رأسا صوب منطقة «أولاد عبد ا&» من ولاية المهدية... هناك يغلب الامل على الخوف واليأس وهناك تعيش عائلة الشاب حمادي بن محمد المرابط حالة من الترقب بعد صدور حكم بالاعدام تم نقضه في حق ابنهم المذكور والموقوف حاليا بسجن الكاظمية في بغداد بتهمة الانتماء الى الجبهة الاسلامية... في منزل حمادي التقينا والديه وشقيقه نصر واحدى شقيقاته السبع : محبوبة واجمعوا على النقل التالي: حمادي من مواليد 81 أعزب ومستواه التعليمي الثالثة ثانوي قام بالخدمة الوطنية وتحصل على شهادة حسن السيرة انصرف بعدها الى العمل في صناعة المرتبات ثم غادر الى ليبيا بشكل قانوني ليلتحق بشقيقه الموجود هناك ومكث عنده يوم واحد وكان ذلك في سنة 2005 ومنذ انقطعت اخباره الى غاية 2007 تاريخ اول اتصال ليخبر بأنه موجود بالعراق... فطالبناه بالعودة رفقا بوالديه واسرته الا انه لم يستجب بعد ان عبّر عن خوفه من العودة في ظل اساليب النظام السابق في التعامل مع هكذا أمور... ومن ثم انقطعت الاخبار ثانية الى غاية ايام الثورة حينها يقول شقيقه اتصلنا به وطالبناه بالعودة طالما انتفت اسباب هروبه فأجابنا بأنه لا يملك وثائق شخصية (جواز سفر وغيره) وسيعمل على حل هذا الاشكال مع سفارتنا هناك... ولكن حدث ما لم يكن متوقعا حيث ولما كان متوجها الى هناك صادفته دورية أمنية واقتادته الى المخفر بما انه لم يصرح بما يفيد هويته وهو الفصل الاول من القضية التي تفاقمت لتصل الى تهم اخطر كالانتماء الى الجبهة الاسلامية وما يعنيه ذلك من تداعيات خطيرة وصلت حدّ الحكم بالاعدام ومن الطاف ا& ان الحكم مازال محل نقض. دموع وأمل هذا المآل الذي عرفته القضية او الاستجابة لقرار النقض من قِبل القضاء العراقي أعطى فسحة بل جرعة امل للعائلة حيث عبّر والده عن امتنانه لرجال القضاء مترجيا إياهم المزيد من الانصاف وايضا الصفح والحلم والرفق وفق ما يمليه الدين والعروبة والدم ومؤكدا ان تضحية ابنه ان صحت فهي ليست من اجل شيعة او سُنة بل من اجل العراق الأبيّ عندما طالته يد الطغيان والجبروت الغربي والصلف الامريكي... وهو ذات القول لشقيقه نصر الذي أصرّ على أن ان شقيقه لا يمكن أن يكون مورطا في دم عراقي واحد او عراقية وإلا لَنادى له بالقصاص.. لكن ما هو متأكد منه ان شقيقه عراقي الهوى ولا خلفية دينية او سياسية لديه... ولو كان عنده نية استهداف احد فهم الامريكان ولكنه لم يكن قادرا على ذلك بحكم اصابته بذبحة صدرية لا تسمح له بحمل اي نوع من انواع السلاح. أما والدته فغالبت دمعها وبالكاد صرحت بأنها محترقة الفؤاد وتسأل ا& ورجال العراق الا عودة ابنها الى حضن مزقه الشوق وجسد أنهكه الانتظار والصبر والوجع... وهو ذات الضنى والغم في تعبيرات شقيقته محبوبة والتي لا تختلف عن تعبيرات شقيقاته الست (6) الأخريات. بغداد ... مباشر أمام انغلاق السبل امامنا والابواب الرسمية شبه الموصدة و «فقر» المنظمات الدولية للحديث والتقصي في هذا الشأن ارتأينا ان «نذهب» الى بغداد من خلال عديد الاتصالات ومن بينها تلك التي اجريناها مع ملحق الشؤون الخارجية بسفارة تونس بالعراق السيد عبد الرزاق الفطناسي الذي كثفنا اتصالاتنا به ليؤكد ان أمله كبير في خلاص حمادي من هذه الورطة حيث وبعد اصدار الحكم بالاعدام اثيرت نفطة مهمة أدت الى نقضه وتتمثل في مؤاخذة المحامي على صدور الحكم دون اعلام المحامين فضلا عن ان الحكم لا يتماشى والتهمة الموجهة (الانتماء) وهذا النجاح في حد ذاته اعتبره السيد الفطناسي خطوة في اتجاه الحل... نذر السيد الفطناسي اكد من خلال «الشعب» انه نذر نفسه وكل عمله الديبلوماسي لحل معضلة هؤلاء التونسيين الذين لم يبخل عليهم وبشهادتهم سواء في سجن التاجي او الكاظمية بكل ما يتيسر من أكل وأموال وملبس ومصاريف تقاضٍ فضلا عن ربط مباشر مع عائلات المساجين هنا في تونس للطمأنة والاخبار... كما وضع السيد الفطناسي وتم التعامل معه على ذمة الاهالي والمنظمات (أرقام الاتصال الشخصي موجودة لدينا)، هذا وقد عبر لنا عن صادق تقديره بل وفخره بالقائمين على القضية من الاشقاء العراقيين وكذلك تنويها بالمصالح السجنية التي أحسنت المعاملة والتعامل.