احتضن شارع الحبيب بورقيبة جميع الأطياف السياسية رغم اختلافاتهم الكثيرة وتمركزت المسيرات والتجمعات في هذا الشارع الرمز، وبرزت الفرقة والتوتر بين المتظاهرين... والتناقضات في الشعارات، وكان التوتر مسيطرا طيلة اليوم...أما بالجهات فقد كان الاحتقان وعدم الرضى هو سيد الموقف. انطلق التوافد الكثيف على شارع الحبيب بورقيبة من الصباح الباكر، والتحقت الجموع الوافدة بتمركز أحزابها، أما المواطنون فقد ملؤوا بقية أركان الشارع وكان حضورهم كثيفا ... وان اعتبر أنصار الحكومة الاحتفاء بيوم 14 جانفي احتفالا بالثورة التونسية، فإن المعارضة اعتبرت هذا اليوم تذكيرا بمطالب الشعب وبتحقيق أهداف الثورة من تشغيل وحرية وتنمية متوازنة بين الجهات. وفي الجهات الداخلية، التي كانت مهد انطلاق الثورة فإنها لم تحفل بذكرى 14 جانفي وتميزت أجواؤها بالتوتر الشديد، وذلك لتواصل التهميش وانتشار البطالة بها. مواطنون عدد كبير من المواطنين كانوا بالموعد بشارع الحبيب بورقيبة، جرهم الفضول إلى مشاهدة مظاهر الاحتفاء بيوم 14 جانفي، وقد كان أغلبهم يجوب شارع الحبيب بورقيبة جيئة وذهابا، يتوقفون طورا قرب تجمعات المعارضة وطورا آخر قرب تجمع حركة النهضة أمام المسرح البلدي. واقتنى الآباء أعلاما لأبنائهم وبعض الحلويات وكانوا في ذهول وعدم فهم للمشهد الذي عمّ العاصمة طيلة ذلك اليوم. حضور نسوي لافت تميزت مظاهر الاحتفاء بيوم 14 جانفي والمسيرات التي نضمتها الأحزاب الديمقراطية بحضور لافت للعنصر النسائي، حيث رفعت الشابات الشعارات والعلم التونسي، ونادت النساء بمدنية الدولة وبحقهن في المساواة مع الرجل. ولم يكن حضور المرأة مقتصرا على المهتمات بالشأن العام من متحزبات ونقابيات وشابات طالبات، بل كان حضور النسوة الفضوليات واللاتي كانت بصحبة عائلاتهن لافتا للانتباه الجبهة والمسار والجمهوري مناضلو وأنصار الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي الاجتماعي تجمعوا بالآلاف، وقاد المسيرة المشتركة التي جمعتهم القيادات السياسية، فتصدر حمّة الهمامي وشكري بالعيد وأحمد ابراهيم ونجيب الشابي وميّة الجريبي المسيرة التي كانت تحت شعار «القوى المدنية والديمقراطية تناهض كل أشكال العنف» ورفع المشاركون في هذه المسيرة شعارات هزت شارع الحبيب بورقيبة ومنها «رش ..كرطوش التوانسة ما يخافوش» و « وزارة الداخلية ميليشيا نهضوية » «يا حكومة عار عار الأسعار شعلت نار» .و«وكلاء الاستعمار نهضاوي رجعي سمسار» ..«يا مواطن يا مسكين ضحكوا عليك باسم الدين» و«أوفياء لدماء الشهداء». النهضة والسلفيون أنصار حركة النهضة تمركزوا بالمئات أمام المسرح البلدي، وكانت الموسيقى والخطابات الرنانة ومظاهر الفرحة والابتهاج ما ميز تجمعهم. وتكلّم عامر العريض، وخطب عدد من قيادات النهضة مؤكدين على أن الثورة انتصرت وأن الجماهير راضية على اداء الحكومة ... وتعالت الحناجر رافعة شعار «الشعب يريد النهضة من جديد»، وقد حضر في هذا التجمع عدد كبير من رابطات حماية الثورة. من جهة أخرى حضر الحبيب اللّوز القيادي بالحركة في وسط تجمع عدد من أن الملتحين المحسوبين على التيار السلفي الذين تجمعوا أمام وزارة السياحة وخطب فيهم مركزا على وجوب أن تكون الشريعة مصدرا للتشريع ومرجعا للدستور المنتظر لتونس. نداء تونس بقوة كان حضور حركة نداء تونس كثيفا، وتميزت المسيرة التي نظمها وشارك فيها كل من حزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي بالتنظيم ورفع أعلام الحزب، وقد ضمت المسيرة الآلاف من أنصار هذا الحزب، وكانت رسالته واضحة لتأكيد حضوره بالمشهد السياسي وقد رفع أنصار هذا الحزب شعارات منتصرة للجمهورية ومدنية الدولة ومعادية لحركة النهضة. المؤتمر عكس التيار المؤتمر من أجل الجمهورية خالف بعض الأحزاب ولم يتخذ من شارع الحبيب بورقيبة منطلقا لاحتفائه بذكرى هروب المخلوع، و إنما نظم عشرات أنصاره اعتصاما أمام سفارة المملكة العربية السعودية للمطالبة بتسليم المخلوع للقضاء التونسي. من ناحية أخرى نظّم الحزب سباقا جاب أغلب مدن الجمهورية احتفاء بهذه الذكرى. غضب في الجهات احتقان كبير ميز احياء ذكرى هروب المخلوع بالجهات، فالمواطنون هناك غير راضين البتة عن اداء الحكومة وأيضا على عدم الانطلاق في التنمية، وتواصل ارتفاع نسب البطالة والتهميش. وقد تميزت الأجواء بعدد من المدن الداخلية بالتوتر الشديد، حيث يطالب أبناء القصرين وسيدي بوزيد والكاف وسليانة والحوض المنجمي بتجسيد أهداف الثورة والالتفات الى مطالبهم من قبل الحكومة، معتبرين أن الثورة لم تحقق أهدافها ولم تكتمل. توتّر تميز مرور المسيرات قرب تجمع حركة النهضة أمام المسرح البلدي بالتوتر، الذي كاد يؤدي الى عمليات عنف، حيث تراشق الديمقراطيون وأنصار الحركة خاصة من رابطات حماية الثورة بالسباب والشتم من الجانبين، ولولا التنظيم المحكم لأدى الأمر الى العنف والفوضى. كما لاحق عدد من المنتسبين إلى رابطات حماية الثورة مسيرة النداء في عودتها الى مقر الحركة بنهج مختار عطية.