بلقاسم الجمني، نقابي «متمرّد» على كل النظم والمعايير التي يراها لا تتماشى وقناعاته، عرف بانتقاداته الشديدة لأغلب هياكل الاتحاد العام التونسي للشغل وباستماتته الكبرى في الدفاع عنها، الكاتب العام للنقابة العامة للضمان الاجتماعي التي قررت الدخول في اضراب قطاعي ايام 28 و 29 و 30 جانفي 2013، التقيناه للحديث عن اسباب الاضراب ونوعية المشاكل العالقة داخل القطاع، واذا بالحوار ينعرج ذات اليمين وذات الشمال ليكشف عن مواقف جديدة وقرارات حاسمة لدى هذا الرجل ولدى من معه في المكتب النقابي. واذا كانت سنة 2013 هي سنة الانتخابات بالنسبة الى الجهات والقطاعات، فإن بلقاسم الجمني هو أول من أعلن عن عدم ترشحه مجددا تكريسا لقناعته الداعية الى تعميم الفصل العاشر... «يرفض الحوار في دار الحوار» ماذا يعني هذا العنوان في آخر بيان أصدرته النقابة العامة للضمان الاجتماعي؟ بإعتقادي تبقى وزارة الشؤون الاجتماعية هي دار الحوار التي تدعو الاطراف الاجتماعية الى الطاولة من أجل الوصول الى الاتفاق. لكن ما راعنا ان السيد وزير الشؤون الاجتماعية قد رفض الحوار مع النقابة في ظل مناخ متسم بالاحتجاج والاحتقان، وكأن من شروط الحوار لديه هو الاستقرار وغياب المشاكل، وبالتالي، فقد اعتبرنا بداية من يوم 16 جانفي 2013 السيد خليل الزاوية وزيرا سابقا وقررنا عدم التفاوض معه مجددا. يمكن الجلوس معهم على طاولة إذا كيف يقول وزير الشؤون الاجتماعية أنه فوجئ بالاحتجاجات التي انطلقت يوم الجمعة 11 جانفي وتواصلت الى الاربعاء 16 من نفس الشهر؟ وأتساءل ايضا كيف لا يكون وزير الشؤون الاجتماعية على علم بما يجري داخل المؤسسات التابعة لوزارته ومن ثمة يرفض الحوار مع نقابات شرعية ومنتخبة. لكن المعروف عن وزير الشؤون الاجتماعية انه كان مسؤولا نقابيا، فمالذي تغير لديه فيما يتعلق بالنقابة العامة للضمان الاجتماعي؟ أنا ليست لدي مشكلة شخصية مع السيد وزير الشؤون الاجتماعية، وما عليه الا ان يتذكر كيف وصل الى نقابة الاطباء الاساتذة، وكيف غادرها؟ ألا ترى أن السيد وزير الشؤون الاجتماعية، قد اصبح يتعاطى مع الملفات الاجتماعية على انها مطالب سياسية وهو ما يؤكده التصريح الذي أدلى به اثر الاضراب العام بالكاف؟ بالفعل، لقد وصف ما جرى بالكاف على انه فعل سياسي بامتياز وليس له علاقة بما هو اجتماعي، وأعتقد ان السيد وزير الشؤون الاجتماعية، كلما فشل في معالجة الملفات الاجتماعية الا وانحرف نحو السياسة وكأن . لماذا الاضراب وهل استنفذتم كل وسائل الحوار والتفاوض؟ لقد استنفذنا كل وسائل الحوار والتفاوض مع الادارات التي اعتبرت مراسلة كاتب الدولة سيفا مسلطا على سير التفاوض واعلان الاضراب من قبل النقابة العامة هو قرار حكيم يقضي أولا بضرورة عودة الاعوان الذي رفضوا العمل والدخول في اضراب مفتوح وثانيا تمكين سلط الاشراف من حيز زمني يساعدها على مراجعة مواقفها فنحن نقابيون، ولكننا ملتزمون بالقانون وعلى وزير الشؤون الاجتماعية والحكومة تذكر ما قام به اعوان الصناديق في ضمان سير المؤسسات والحفاظ على المرفق العام وخدمة كل الاطراف المتدخلة، خاصة وان قطاعنا يؤدي جليل الخدمات لفائدة المواطن ولفائدة الدولة على حدّ سواء. لقد بات على الحكومة اليوم التدقيق في ارقامها وانتهاج الشفافية في التعاطي مع الملفات والقضايا، كما على مجلس الادارة التمحيص جيدا في وثائقه التي لا تخلو الى حد الآن من دلالات ورموز تربتط بالعهد البائد. لكن ألا تعتبر الاضراب بثلاثة ايام كاملة (28 و 29 و 30 جانفي) تعطيلا لمصالح المواطن الذي يشكو بطبيعته من بطء الخدمات وتعطلها؟ لقد كنا دائما مسؤولين ونعطي المثال في أدائنا الاداري ونضالنا النقابي، وبناء عليه حرصت النقابة العامة ومن ورائها الاعوان والاطارات على ضمان السير العادي للخدمات التي تربتط مباشرة باحتياجات المواطن وذلك بالرغم من موجة الاحتجاجات والاعتصامات الناجمة عن حالة الغضب العارم، فعلى المواطن ان يعي من هو المسؤول الفعلي عن تعطيل مصالحه. ما هي نسبة نجاح الاضراب التي تتوقعها في صورة تنفيذه؟ اضرابات القطاع كانت دائما ناجحة حتى في عهد الديكتاتورية وفي عهد الشعب المهنية، فمابالك اليوم، فالمطالب مشروعة والقضايا عادلة والتفاف الاعوان والاطارات حول نقاباتهم واسع وكبير. _ يتحدثون اليوم عن تغيير وزاري مرتقب، ألا يمكن ان تفتح الحكومة الجديدة باب الحوار معكم قبل موعد الاضراب؟ من واجب الحكومة ان تفتح باب الحوار والتفاوض خدمة للمرفق العام وتسوية للمطالب الشرعية لمئات العاملين بالقطاع. ماذا قدمت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل من اجل تسوية هذا الملف؟ مازالت قيادة الاتحاد متمسكة بالحوار وبالقانون. ترشح بلقاسم الجمني الى عضوية المكتب التنفيذي، لكن الحظ لم يسعفه، فهل يعود فشلك الى غلظة طباعك أم لانتقاداتك الشديدة للقيادة النقابية أم لعدم انصهارك في قائمة انتخابية؟ لقد ترشحت مرة واحدة خلال مؤتمر طبرقة، ،ورفضت ان أكون ضمن «القائمة الرسمية» وأنا انتمي الى قطاع صغير لا يضم عددا كبيرا من النيابات تساعدنا على الوصول الى هذه المسؤولية. مع اندلاع الشرارة الاولى تمرّد بلقاسم الجمني وانحاز للثورة وواصل على هذا النهج الى اعتصامي القصبة (I) والقصبة (II)، فماذا استفدت من الثورة وبماذا جنت عليك؟ في حقيقة الأمر، هناك ست قطاعات كانت دائما الى جانب التحركات الشعبية والنضالات الاجتماعية وهي (التعليم الثانوي، التعليم الاساسي، أطباء الصحة العمومية، البريد والشباب والطفولة والضمان الاجتماعي). والتاريخ يشهد لهذه القطاعات بدورها في انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 وكذلك في ديسمبر 2010، وللتاريخ قول ان «اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل» الذي كانت نقابات تونس الكبرى منخرطة فيه قد كان السباق في مساندة أهالينا في الحوض المنجمي في سيدي بوزيد وفي القصرين وفي كل مكان من تونس، كما لا ننسى دور مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس وعموم المعطلين عن العمل. ونحن مقبلون على انتخابات القطاعات والجهات، هل تعتبر ان القاعدة الانتخابية ستجدد ثقتها في هؤلاء المناضلين أم أن «الماكينة» النقابية لها دائما قوانينها وآلياتها؟ لا يمكن ان أتحدث عن قطاعات أو جهات أخرى، ما يهمني هو القطاع الذي انتمي اليه والذي قدمت اليه الكثير من التضحيات وآن الأوان لأتخلى عن هذه المسؤولية لفائدة جيل الشباب، فكيف أطالب بالتداول على السلطة وأتمسك بالكتابة العامة، ان اعضاء المكتب الحالي للنقابة العامة للضمان الاجتماعي قد قرروا ألا يجددوا ترشحاتهم للمؤتمر القادم. ولا تنسى ايضا ان قطاعنا كان أول القطاعات التي طالبت بتعميم الفصل العاشر. ان كنت متحررا اليوم من التوازنات الانتخابية، كيف تقيم أداء الاتحاد العام التونسي للشغل من فترة مؤتمر طبرقة الى اليوم؟ الاتحاد مقبل على تحديات انتخابية كبيرة نتيجة ما تشهده القاعدة الانتخابية من تغيرات على مستوى تركيبتها السياسية واعتقد ان واقع الاتحاد ومستقبله غير منفصل عن التحولات التي يشهدها المجتمع عامة والساحة السياسية بالخصوص، وأرى ان الهيئة الادارية القادمة والتي ستنظر في الشأن الداخلي سيكون لها بالغ التأثير على مستقبل المنظمة الشغيلة. هل ان خروجك من النضال النقابي سيفتح لك الباب أمام النضال السياسي؟ قضيت من عمري ما فيه الكفاية في النضال الاجتماعي واعتقد انني قدمت الكثير للمنظمة الشغيلة وللقطاع الذي انتمي اليه، وحان الوقت لا تفرّغ لعائلتي التي ظلمتها كثيرا وأبعدني عنها النضال النقابي. من تراه من ابنائك خليفة لك في بطحاء محمد علي وفي هياكل المنظمة الشغيلة؟ بالرغم من انني حرصت كل الحرص على ان يكون نجاحهم الحقيقي في دراستهم ثم في حياتهم الاجتماعية الا انني اعتقد ان «فيروس» النضال النقابي قد أصاب ابني الصغير سفيان.