إلى امرأة سارت في المظاهرات بالورديّ في يوم ظنه القتلة سوادا عليها، ورفعت ذراعها عاليا تحلق علامة النصر من أصابعها.. إلى التي قالت عن قاتِلِي زوجها البطل شكري بلعيد في نفس يوم الفعلة النكراء: «لن نحاورهم بالدّم .. حتى إذا قتلوا فلن نحاورهم بالدّماء .. سنحاورهم بالفكرة.. » +إلى تونس التي تركها لنا شكري بلعيد فتجسدت يوم غدره كأحسن ما يكون في صورة السيدة الشجاعة «بسمة الخلفاوي». حَيِّ الحياةَ إذا وقفتَ بِمَأْتَمِ واقرأْ نشيدَ الوردِ، منه تعلَّمِ وانظرْ بعينِ العقلِ إن أبصرتها في زاهياتِ الوردِ يوم المأتمِ واقرأ على الوجهِ الحزين جمالها واقرأ به جَلَدًا عزيزَ المَغْنَمِ واقرأْ به صبرا جميلا شامخا قال الكثيرَ به بِغَيْرِ تَكَلُّمِ واقرأْ إذا أمعنتَ رفع ذراعها نورا على وجه الزّمان الأظلمِ واسمعْ إذا شئتَ السّماعَ حديثَها حِكما من الأنثى التي لم تعلمِ واسمعْ لها قالت بعقل راجحٍ والقلبُ من وقع المصابِ على دمِ قالت: نحاورُ من أباحَ دماءنا بالعقل، لا، لا، لن نحاور بالدّمِ حتى إذا هم أمعنوا في قتلنا سنردّ بالفكرِ الجميلِ الملهِمِ وانظرْ ترى تونسْ هنا في وردِها في قولها قولٍ فصيحٍ مُحْكَمِ في شخصها في وجهها في صبرها في كلّ ما تركَ المخضّبُ بالدّمِ في كلّ ما ترك الشهيدُ وراءَهُ وطنا نعاه إليهِ غدرُ الظُّلَّمِ في يومِ عيدٍ شاءه ظُلاّمُهُ نحسًا لتونسَ لوعةِ المتألِّمِ فإذا به عيدٌ لنا ولأرضِنا من بعدِ ما رُزِئوا به بتشرذُمِ جَبُنَ الجناةُ وستَّروا سَوْءاتِهم خسِئوا بتدبيرٍ غبيٍّ مظلِمِ قصدوا بقتلِ الصّقرِ فَطْرَ قلوبِنا لكنّهم جاؤوا بشرٍّ فيهِمِ فقلوبنا مفطورةٌ من غدرِهمْ لكنّها في حزنها لم تُهْزَمِ ولقد رأوا «بَسْمَ» التي شَمُخَتْ لنا ووراءَها جئنا كرعْدٍ مُرْزِمِ من كلّ فجٍّ في البلادِ نَمَتْ بهِ دِيَمٌ وأمطارٌ كَحُلْمٍ مُفْعَمِ حُلْمٍ بتونسَ حرّةٍ ونقيّةٍ من كلّ غدرٍ أسود ومُلثَّمِ حُلْمٍ لنا مدَّ الشّهيدُ جناحَهُ ولذاكَ فهو لجرحِنا كالبلسَمِ ذهبَ الشّهيدُ اليومَ من قدّامنا لكنّهُ في كلّ قلبٍ مُعْلَمِ نقشَتْهُ في كلّ القلوبِ فِعَالُهُ فهو الشّجاعُ الحرُّ لم يستسْلِمِ وهو الجريءُ المُرُّ في فضْحِ الخنا في فضْحِ قبحِ القُبْحِ لم يتلعْثَمِ وهو لسانُ الشّعبِ وهو فؤادُهُ وهو صراخُ القهْرِ والمتظلِّمِ وهو الذي رَعَبَ الجناةَ زئيرُهُ رُعبا دهى فيهمْ قلوبَ الهِيََّمِ فتسارعوا للغدرِ والتفُّوا بهِ والآنَ هم في هَلْعَةٍ وتندُّمِ وكبيرُهُمْ شيخُ الشّياطينِ الذي ما انفكَّ ينعقُ كالغرابِ الأسحَمِ ما انفكّ ينفخُ كِيرَهُمْ بجهالةٍ ويثيرُ غُلَّتَهُمْ إلى لعْقِ الدَّمِ فالآن يُقعِي مثل ذئبٍ جائعٍ لم يُشْفِهِ مهما تلطّخَ بالدَّمِ أضحى طريدًا يائسا ومعذَّبا وتُحيطُهُ لَعَناتُ شعبٍ مُرْجِمِ وتهبّ غَضْباتُ النّساءِ تَلوحُهُ بالنّارِ قبلَ السَّيْلِ إذْ يتَحَمْحَمِ قبلَ الرّياحِ العاصفاتِ وقبلَ أنْ يغدو الوَبَالُ عليهِ أرضا تَرْدِمِ يا شيخُ يا دجّالُ يا قُبْحَ الورى يا ضرْطَةً من ثقبِ ضَبْعٍ مُتْخَمِ ضبعٍ تَمَرَّغَ في نقيِّ دِمائنا فأحالَها من نَتْنِهِ كالعلْقَمِ ستكونُ في جوفٍ لك سُمَّ الرّدى يُدْنِيكَ من حتفٍ لكَ مُتَحَتِّمِ أتظنُّ أنَّكَ بالدّماءِ تُخيفُنا؟ خَسِئَتْ ظُنونُ مُخَرِّفٍ مُتَوَهِّمِ أنتَ الجبانُ السَّمْجُ لُذْتَ بِهَرْبَةٍ وقتَ الرُّجُولَةِ للشّهيدِ الأكْرَمِ قد كانَ خيْرَ مناضِلٍ في شَعْبِهِ وقتَ المَكارِهِ والزّمانِ المُسْقِمِ قد كنتَ أسْفَلَ هارِبٍ في هَرْبَةٍ والآنَ أَلْأَمَ غادِرٍ مُتَوَرِّمِ سَتُداسُ يومَ الهَبَّةِ الكُبرى التي ستراها في الشّعْبِ الذي لم ترْحَمِ خُنتَ الهُمَامَ الحرّ يومَ اغْتَلْتَهُ وغدرتَ بالحلمِ الجميلِ البُرْعُمِ لكنْ نسيتَ أيا جَهُولُ بأنّنا نتعلَّمُ الحُلْمَ بخيْرِ مُعَلِّمِ شكري الذي زرعَ المدى حلما لنا وبِنا سينْمو في السَّما والأنجُمِ حلمٍ لنا سيظلُّ يُزهِرُ في ندى في بسمةِ النَّيْرُوزِ في وضْحِ الفَمِ في الفنّ في الفِكْرِ المُنيرِ وفي الحَيَا في الحبِّ في السّلمِ الذي لم تفهَمِ إنّا اكتسبنا منه خيرَ خِصالِهِ وحَبَوْتَ عُصْبَتَكَ بجهلٍ مظلِمِ فهم الذين يقتّلونَ بأرضنا قتلا تُعَلِّمُهُمْ بسِحْرٍ مبْهِمِ لكنْ سنَهْزِمُ قتلَكُمْ بحياتنا تلك التي شَعَّتْ ببسمَةَ فافْهَمِ صدحتْ بها بنتٌ لهُ رَوَّعْتَها وعدتْ بأَنَّ الحلمَ لن يتردّمِ شكري لك حبّي فحبّكَ خالصٌ للأمّ للوطن العزيزِ المنعَمِ ربتّكَ في أعماقِها فبررْتَها وحبَوتَها بالعُمْرِ منكَ وبالدَّمِ يا سيّدَ الأبطالِ فارقُدْ هانئا وانْعَمْ هناكَ وكُنْ كعَهْدِكَ واسْلَمِ ستظلُّ حيّا عندنا بحياتنا وبسيْرِنا على درْبِكَ المتقدِّمِ (مكثر 7/ 8 فيفري 2013)