يبدأ التصويت عليها مساء اليوم: هذه فصول مشروع تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة    منتدى علمي دولي بمدينة العلوم حول 'العلوم والمجتمع والشراكة والآفاق لتنمية مستدامة' يومي 26 و27 ماي    "التحول الرقمي في تونس في تقدم ملحوظ لكنه غير متوازن" (دراسة)    توننداكس يزيد ب10،25 بالمائة نهاية الثلاثي الأوّل من 2025    تونس: صابة قياسية في الفستق    اتهام ابنتي نور الشريف بالاستيلاء على مليون جنيه    تشامبرز: لن نعترف بأي قرارات جديدة من هيئة دخيل قبل استشارة فريق عملي    كانوي كاياك: استحقاقات دولية هامة تنتظر أحمد سليم الجماعي خلال شهري جوان وجويلية القادمين (المدير الفني للجامعة)    بالفيديو تعرف على المشهد الذي أبكى عادل إمام وتفاصيله    وزير الصحة يؤكد استعداد تونس لتكون منصة إقليمية لتصنيع اللقاحات والأدوية    خلال ندوة رفيعة المستوى بجنيف.. تونس تبرز تجربتها في المشاركة المجتمعية في السياسات الصحّية    10 سنوات سجنا لمروج كوكايين بحي النصر والمنازه    مشروع تنظيم صالون البناء في مصراتة بتنظيم مشترك بين غرفة التجارة بصفاقس ونظيرتها الليبية.    كأس تونس لكرة القدم : تعيينات مباراتي الدور نصف النهائي    بطولة رولان غاروس للتنس - عزيز دوقاز يستهل اليوم مشواره في جدول التصفيات التمهيدي بملاقاة الكازاخستاني ديميتري بوبكو    في عيد الأم: 6 هدايا بسيطة... بقلوب كبيرة!    هذا موعد عودة درجات الحرارة الى المعدلات العادية..    أمطار أفريل: الشمال والوسط يُسجّلان معدلات قياسية    مجدي الكرباعي : "رابطة حقوق الإنسان دافعت عن المهاجرين ولم تصمت عن الترحيل القسري"    جريمة قتل مروعة/ فصل رأسه عن جسده: شاب ينهي حياة والده شيخ 95 سنة..!    لا ترشحات لرئاسة النادي الصفاقسي    الدورة الأولى لتظاهرة 'في الكتابة المسرحية' من 29 الى 31 ماي الجاري بمركز الفنون الدرامية والركحية بأريانة    ساحة باردو: تحويل جزئي لحركة المرور ودعوة مستعملي الطريق إلى الحذر    مصر: سقوط طائرة عسكرية ومقتل طاقمها    في هذه الولاية..وفرة في الأضاحي وأسعار أقل ب150 دينار مقارنة بالسنة الماضية    انطلاق عملية التسجيل وإعادة التسجيل في رياض الأطفال البلدية التابعة لبلدية تونس للسنة التربوية 2026-2025    البنك المركزي الصيني يخفض معدلات الفائدة الرئيسية لمستويات قياسية    تقلبات جوية منتظرة بداية من هذا التاريخ    هام/ أبرز ما جاء في لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة..    Ooredoo تونس تطلق برنامج "مفوّلة 2025" كلّ عملية شحن هي فرصة لربح جوائز قيّمة!    فلاحو تطاوين يرفضون تسعيرة 21.900 دينار للكيلوغرام الحي: ''السعر العادل يبدأ من 26 دينارًا''    السجن ثم السفارة: المصادقة على تعيين أب صهر ترامب سفيرًا بفرنسا وموناكو...مالقصة؟    طرابلس: العثور على 58 جثة مجهولة الهوية في مستشفى    إطلاق خط جوي جديد دبلن – النفيضة    غياب الترشحات لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الصفاقسي    نابولي وإنتر دون مدربيهما في الجولة الختامية من الكاتشيو    شركة عجين الحلفاء بالقصرين تنطلق مبكرا في تأمين حاجيات العودة المدرسية القادمة    طقس اليوم: ظهور خلايا رعدية محلية مرفوقة بأمطار    رئيس الجمهورية: الثورة التشريعية لا يمكن أن تتحقق الا بثورة في إدارة المرافق العمومية    عمرو موسى يحذر من محاولات إيقاع فتنة بين مصر والسعودية    ليبيا.. آمر "اللواء 444 قتال"يكشف تفاصيل جديدة حول مقتل الككلي بطرابلس    الجزائر تتهم فرنسا بخرق اتفاق الجوازات الدبلوماسية    صفاقس: افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    خلال الحفل السنوي بفرنسا...تتويج تونسي في مهرجان «كان» السينمائي    أريانة...المدرسة الإبتدائية حي النصر.. تتويج جديد عن فيلم «l'empathie»    المهدية... في اختتام شهر التراث.. «الجبة» واللّباس «المهدوي» في قائمة «اليونسكو»    تحويل جزئي لحركة المرور بباردو    موعد رصد هلال ذي الحجة    نجاح أول عملية قسطرة عبر منصة "نجدة" الرقمية لمرضى القلب في ولاية مدنين    تصريح مؤثّر من والد رحمة لحمر بعد الأحكام الأخيرة في القضية.. #خبر_عاجل    لطيفة تستعد لألبوم صيف 2025 وتدعو جمهورها لاختيار العنوان    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    الخطوط التونسيّة تؤمن 44 رحلة لنقل 5500 حاج خلال موسم الحج    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: أنس جابر تتقدم مرتبة واحدة    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    









المثال الثوري ومخاطر الفشل
نشر في الشعب يوم 02 - 03 - 2013

كتب الفيلسوف الماركسي اليوغسلافي- ستوجانوفيتش- عن الثورات:» في كثير من الأحيان يتبنى الثوريون أهدافاً نبيلة، ولكن غير قابلة للتحقيق، وعندما يفشلون في بلوغها يتبنون وسائل قاسية لإرغام الواقع الاجتماعي على التكيف أو التطابق مع ما يعتقدون أنها أفكارهم الثورية، في أحيان أخرى تطرح الأهداف النبيلة بعد استخدام الوسائل القاسية وذلك كي تبرز هذه الأخيرة،
الثوريون كانوا من ناحية عامة يعتقدون أن الأهداف الكبيرة تبرر أية وسائل من أي نوع كانت، في كل الثورات هناك تناقض بين المثال الثوري والواقع الثوري، رغم أن الثورات لا تتشابه، فكل ثورة مرجعها ووضعها في ظرفها التاريخي، لا يمكن مثلاً أن نقارن (كما نفعل دائماً) ثورات الربيع العربي بالثورة الفرنسية أو الروسية أو الإنكليزية أو غيرها، إن نحن رجعنا إلى الثورة الفرنسية، الثورة التي لا تعادلها في أهميتها التاريخية سوى ثورة أكتوبر الروسية، كثيرون ممن يدافعون عنها يقولون أنها ساعدت في إزالة الكثير من المساوئ والمفاسد التي اتسعت وانتشرت، ولكنها كمبدأ بناء إيجابي كانت وهماً مأساوياً، هذا المبدأ كان يطالب بأن تحل السيادة الشعبية التامة محل سلطة الأرستقراطية والملك التقليدية، ويفرض أن تكون السلطة بيد الشعب بصرف النظر عن المرتبة الاجتماعية أو الطبقة، جميع الناس يتساوون أمام القانون الذي ينظر نظرة واحدة متساوية إلى الفلاحين والفقراء والأغنياء، الجميع مواطنون في الأمة-الدولة-والعقلانية أو مشروع عصر التنوير الذي كانت الثورة تعبر عنه كان يدعو إلى إزالة العادات والأوهام، وأشكال التخلف الروحي والمؤسسات والممارسات الاجتماعية التي كانت تغذيها، كان القصد تحرير الشعب من القيود الغليظة وأشكال التزمت العميقة المرتبطة بالتقاليد والمسيحية، كان مشروعاً يرى أنه مع إزالة العمامات والأقنعة القديمة الجذور، فإن العقل كضابط ذاتي يقوده التأمل والوعي سيزدهر ويقود إلى حركة نحو مجتمع أكثر ديمقراطية وأكثر إنسانية. لكن سرعان ما برز التناقض بين الفلسفة الثورية وبين النظام الذي نتج عن ممارستها، الثورة الفرنسية وفرت إلهاماً لأول محاولات نظرية حول ظاهرة الثورة ليس فقط في الحضارة الأوروبية الغربية بل في العالم كله، لكن هناك من الفلاسفة من يؤكد أن منجزات الثورة الفرنسية كانت في تحقيق ما أرادت إلغاءه ونقضه وليس في إقامة ما أرادته في مشروعها الأساسي الثوري، والذي يرتكز حول المفهوم القائل بتحالف العقل والحرية في الصراع نحو تدمير النظام القديم الذي يقف كحاجز في طريق إقامة مجتمع جديد يحقق العقل والحرية الفردية والمساواة والتقدم، الثورة لم تنجح في تحقيق هذا النوع من المجتمع، نجحت فقط في تدمير «النظام القديم» وأسهمت أيضا في صنع العصر الحديث، وتكريس المفهوم القائل أن الإنسان كائن عقلاني، وبالتالي قادر على خلق مجتمع حر وعادل.
الوثيقة الأولى في الثورة الأمريكية، كانت وثيقة إعلان الاستقلال التي حددت المبادئ الأساسية لمثالها الثوري، الوثيقة الثانية كانت الدستور الذي كانت الغاية منه إعطاء الوثيقة الأولى شكلها السياسي أو النظام السياسي الذي يمثلها، وكثيرون في أمريكا رأوا أن الوثيقة الثانية التي كان يفترض تجسيد الوثيقة الأولى كانت تمثل انحرافاً عنها، ابتداء من توماس جيفرسيون ثالث رئيس الولايات المتحدة والذي شارك في كتابة وثيقة إعلان الاستقلال.
أما بالنسبة للثورة الروسية، فإن التناقض الذي كشفت عنه لا يزال واقعاً نحياه، وما ترتب عنه من نتائج سلبية بين الماركسيين والشيوعيين أنفسهم يحتاج إلى دراسة مستقلة ضخمة.
لكن الثورة الصينية الشيوعية كانت الأكثر نجاحاً تاريخياً، لأنها حققت الحل التاريخي البعيد المدى، فقد انهار حزب الكيومينتينغ وخسر السلطة بعد 38 سنة من ممارسة التجربة الثورية،وانهارت ثورة التايبينغ بعد 15 سنة، لكن نتيجة التجربة الشيوعية كقوة ثورية تاريخية حقيقية صنعت تاريخ الصين الحديث،
يمكن اعتبار الثورة الانكليزية من أهم الثورات التي لا تحمل تناقضاً كبيراً بين المثال الثوري والواقع الذي نتج عنه،فقد تركت الثورة الانكليزية نظاماً تطور وكشف عن ذاته، كالملكية البرلمانية الدستورية، ونطاق أوسع للاعتدال الديني ، وحرية حركة القوى الاقتصادية، والتي أصبحت جزءاً من النظام الاجتماعي البريطاني ودخلت التاريخ بشكل ثابت.
أما الثورات العربية الإسلامية فالتاريخ يرويها غالباً كتحولات تاريخية، الثورات الإسلامية الأولى لم تكن أبداً ثورات شعبية، لم تنطلق ثورات الشعب إلا في الفترة الأخيرة من تاريخنا العربي انطلاقا من سوريا والعراق ومصر، والثورات العربية قديماً وحديثاً كثيرة وكثيرة جداً ، السؤال لماذا تعود الشعوب لما كانت عليه، لماذا تترك الحاكم يصبح ما هو عليه برضاها ومباركتها، لماذا تحتاج الشعوب العربية لصنم تعبده وشهيد تبكيه، لماذا تعيش تاريخها بين مرحلتين، اليوم والربيع العربي يزدهر في كل المنطقة العربية، لماذا تجتاح عالم الثورة الحقيقية ثورة مضادة؟ لماذا الشعوب العربية عاجزة عن خلق واقع يجسد المثال التي كانت تسعى إليه، كيف يمكن أن تصنع الشعوب تاريخاً دفعت ثمنه غالياً حسب أوضاع تختارها ليقررها من يأتي في مرحلة انتقالية لتشريع ثورة لن تتحقق أبداً؟
هل تتشابه ثورات الربيع العربي اليوم؟ ربما في فشل المثال الثوري الشعبي والواقع الذي ترتب منه من سيطرة الأنبياء الجدد واحتلالهم واجهة المشهد، الثورة التونسية قام بها الشعب بمساندة فئة معينة من النخب كالمحامين وبعض الجمعيات المدنية، وعند نجاحها احتوتها بقية النخب وبدأت تحيطها بنظريات جوفاء، و دفعتها على طبق لمن نادى بالثورة بعد قيامها، لا يمكن اليوم أن نسمي ما كان بتجربة ثورية، لأن مثالها يتناقض كلياً مع واقعها، الثورة ترتكز أساساً على تغيير واقع قائم، ما يجري في الربيع العربي يدفع المواطن إلى رفض «هذه التجربة الثورية» وأصبحنا نسمع آراء تحن إلى الماضي وتقول بتفضيل حالات سياسية سابقة التي يعتبرها أكثر تحقيقاً لسعادته الاجتماعية.على الحالات المستقبلية أو الجديدة التي يدعو لها المثال الثوري.
هناك هوة كبيرة بين المثال الثوري الذي نادت به ثورة جانفي 2011 وبين الواقع المدعي للثورية الذي نعيشه اليوم، تحول الوعي إلى موقف محافظ متزمت، متسلط ومصلحي، وأصبح لسان الثورة «شغل، حرية،كرامة وطنية» هجومات على أطراف من نفس الوطن، والتركيز على مساوئ ثانوية، ومفاسد جانبية، هجومات من ليس لهم القدرة على الانضباط الذاتي، ولا القدرة على التضحية بمصالح آنية وشخصية لخدمة مصالح عامة وبعيدة المدى، وفي موقفهم بين القول والعقل، ينتقدون نظاماً يخشونه باتهامه بالثورة المضادة، ظناً منهم بأنهم أمناء على المثال الثوري في تكامله وكماله.
ما يسعون إليه من محاولة لتحصين الثورة يقود إلى نتيجة أخرى تختلف وتتناقض تماماً مع النتيجة التي ينتظرها الشعب الثائر، (لوثر وأتباعه الذي أرادوا الرجوع إلى عالم قديم لإصلاح الكنيسة وتنقيتها من المساوئ العالقة بها، انتهوا إلى المساعدة على خلق عالم جديد مثل نقيض العالم الذي أرادوا الرجوع إليه) هناك لسان للثورة، لا يمكن أن تطبق لغة الثوريين القدامى على لغة الثورة الشبابية التي قامت اليوم، وكأننا نطبق أنموذجاً علمياً سابقاً على أنموذج علمي حديث، فأتباع النموذج الأول والثاني يعيشون في عوالم مختلفة، والخلاف أو التناقض بينهما لا يجد حلاً له لأن هناك عوامل نفسية ومفاهيم فكرية تقليدية تحول دون ذلك، خاصة إذا كان الخلاف يتفاقم مع سيطرة النزعة الدينية العقيمة غالباً، والذي يحد من ممارسة نقد عقلاني أقرب واقعية للحالة الاجتماعية السائدة.
في كتابه بعد الثورات العربية «تواطؤ الأضداد» كتب المفكر علي حرب: ( أن العالم يضج بالأزمات والاضطرابات وأعمال العنف المتفاقم، اقتتالا أو إرهاباً، خاصة في المنطقة العربية التي تمزقها الصراعات السياسية والفتن الطائفية، إنه تواطؤ الأضداد على صناعة الخراب الذي يتباكى على أنقاضه دعاة ومثقفون وإعلاميون ومنظرون أسهموا في صناعته، بمسلماتهم العمياء، وعقولهم المفخخة، وتشبيحاتهم الإيديولوجية، فضلاً عن توجهاتهم المقلوبة، واستخدامهم طرائق في التفكير قاصرة أو عميقة أو مقلوبة. وتلك هي بنوع خاص حصيلة الدعوات والمشاريع الأصولية، والخطابات النرجسية والتهويمات الضدية والمتاريس الثقافية والسيناريوهات الجهنمية، وسواها من العملات الفكرية التي تجعل المنافقين يتعلقون بالأشياء حتى أضدادها، مما يجر الكل أصدقاء وأعداء إلى الانخراط في ما يشبه الحرب الأهلية الكونية التي تنتهك فيها كل الحدود والحقوق والحرمات).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.