يعرف الوضع الاجتماعي في علاقة بالمسائل الاقتصادية عديد الصعوبات ومما يزيد في هذه الصعوبة الاجواء المشحونة التي تعرفها المؤسسات التشغيلية سواء في القطاع العام او الخاص نتيجة عدم تنفيذ عديد الاتفاقات التي كانت امضيت سابقا بين الحكومة والاتحاد وبما ان عديد القطاعات تحركت فان هناك من عاد للحديث والقول ان في هذه العودة ما يشبه السيناريو الجاهز. لتوضيح المسائل اكثر كان ولقاء دام ما يفوق 3 ساعات اسر لنا فيه ضيفنا الاخ بلقاسم العياري بعديد الحقائق التي تنفرد «الشعب» بنشرها في هذا العدد الذي هو بين أياديكم. كيف هي أحوال المشهد النقابي اليوم؟ يشهد الاتحاد حركية نقابية كبيرة على عدة مستويات خاصة بعد انجاز مؤتمر طبرقة، هذه الحركة هذه تتعلق بإنهاء المفاوضات الاجتماعية في القطاعات الثلاث (القطاع العام والقطاع الخاص والوظيفة العمومية) وتمتد هذه المفاوضات الى ما يؤكد متابعتنا لتفاصيلها بما ان عديد الاتفاقات لم تفعل الى اليوم وعدم التفعيل هذا اخذ منا الوقت الكثير، وهو ما يفسر دخول عديد القطاعات في اضرابات زيادة على الاستعداد الحثيث لاعادة هيكلة الاتحاد في علاقة بالاعداد لانعقاد المجلس الوطني الذي أقره مؤتمر طبرقة، طبعا كل هذا اخذنا الى مزيد الاهتمام بمبادرة الاتحاد للدعوة الى عقد مؤتمر وطني للحوار وهو الذي انعقد في جزئه الاول وصدرت عنه توصيات ونحن بصدد التحضير للجزء الثاني بمعية شركائنا الأساسيين وهما عمادة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان. الاتحاد كذلك بصدد الاعداد والتنسيق مع بقية مكونات المجتمع الوطني لعقد المؤتمر الوطني ضد العنف اضافة الى ما تم انجازه في العقد الاجتماعي في اتفاق بين الاعراف والحكومة وصولا الى الدفاع على مشروع الدستور الذي قدمناه للمجلس التأسيسي وخاصة في بنوده المتعلقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي ومصالح العمال وحق ممارسة الحق النقابي وحق الاضراب، وهي مسألة اخذت منا اهتماما كبيرا في الاتحاد مع متابعة تقرير لجنة التحقيق في احداث 4 ديسمبر اضافة الى انكبابه على اعداد رزنامة المؤتمرات الجهوية والتي انطلقت من بنزرت وبن عروس مرورا بالقيروان يوم 19 افريل الى اخره. طبعا، دون ان ننسى اهتمام الاتحاد بالعلاقات الخارجية سواء كان ذلك في ارتباط بالنقابات العالمية والعربية أو الافريقية. في علاقة بالنقابات العربية فوجيء الراي بانسحاب الاتحاد من هيكل ما يسمى الاتحاد الدولي للنقابات والعمال العرب، هل من توضيح اكثر لهذا القرار؟ بعد الذي شهدته المنطقة العربية من احداث ومتغيرات سياسية وخاصة في تونس وليبيا ومصر واليمن، عمل الاتحاد العام التونسي للشغل على الدفع مع مجموعة من النقابات العربية المستقلة في اتجاه إقرار اعادة صياغة تصور يقضي بضرورة ان يكون هذا الهيكل العربي مستقلا في قراراته وغير خاضع لاملآت أنظمتها الا أننا فوجئنا بعدم التجاوب مع هذا الطلب وخاصة مع هذا الطرح بعد ان كنا علقنا عضويتنا في هذا الاتحاد منذ اندلاع الثورات وتركنا المجال فسيحا لهذا الهيكل حتى يجد الوقت الكافي لتغيير مواقفه بما يتماشى واستقلاليته لكن ذلك لم يحصل لذلك سعينا الى بعث منظمة اخرى اسمها اتحاد نقابات العرب نتفق مع اخوتنا فيها في ممارسة حرية اتخاذ القرار بعيدا عن الانظمة وهذا ما يهمنا اساسا. في مجمع القطاع العام والوظيفة العمومية قال الاخ حفيظ حفيظ ان 150 اتفاقا يهم كل القطاعات لم يتم تفعيله فإلى ماذا يعود هذا التراجع؟ نحن في الاتحاد العام التونسي للشغل فوجئنا كما فوجئ المتتبعون للشأن الوطني بهذه التراجعات والاتفاقيات ونأمل ان لا تكون هذه التراجعات تنم عن خلفيات معينة لتضرب مصداقية الحوار الاجتماعي او انها تمت عبر دراسة لطبيعة المرحلة أو ما شابه ذلك، لكننا نأمل في ان الحكومة او اطرافها الفاعلة ستتراجع عن هذا الامر وبقدر احساسنا نحن في الاتحاد بحساسية ودقة الوضع الا اننا على وعي تام انه من الضروروي تطبيق ما تم الاتفاق فيه سابقا وذلك. بالجلوس على طاولة الحوار البناء والشفاف وذلك باحترام كل هذه الاتفاقيات كذلك قال الاخ حفيظ حفيظ انّ كل الاتفاقات التي امضيت في وقت سابق تمّ تجميدها في مراكز القرار أي برئاسة الحكومة الا تعتقد انّ وراء المسألة فعل فاعل؟ نحن في الاتحاد لا نقرأ النوايا وانما نلتمس الحقيقة من المواقف المعلنة وكما اشرت سلفا فإن هذا التراجع لابدّ ان لا يكون مبيتا وفي كل الاحوال فانّ اختيارنا لأسلوب التفاوض لا يعني التنازل عن حقنا الشرعي في النضال للوصول الى دفع الحكومة والاطراف الاخرى لتفعيل تلك الاتفاقيات. لكنّ الأخ بلقاسم الرقم مهول؟ بطبيعة الحال الحركية التي شهدتها الساحة النقابية بعد الثورة ادت الى امضاء العديد من الاتفاقات وهو امر طبيعي خاصة في مثل هذا الظرف وبعد تعاقب الحكومات في مرحلة الانتقال الديمقراطي لاحظنا وتوقفنا أمام هذا التراجع الذي احمّل فيه المسؤولية للحكومة لانّ لا ذنب لنا في تعاقب الحكومات بما انّ بعضها يتملص مما امضيناه مع الذي سبقها وعليه فالاتحاد سيواصل النضال من اجل تطبيق كل ما تمّ الاتفاق فيه. وماذا عن الوضع في القطاع الخاص؟ بعدما شهد القطاع الخاص علي غرار القطاعات الاخرى حركية وامضينا اتفاقا اطاريا يقضي بتمكين كل العمال الخاضعين الى الاتفاقية المشتركة من زيادات في الاجور ب(6٪ و10 دنانير في منحة النقل) كنا نأمل في ان يشهد الاتفاق تفعيلا وتطبيقا الا اننا فوجئنا كذلك بأنّ المزيد من الاتفاقيات لم تر النور الى يوم الناس هذا ومنها اتفاقية قطاع المخابز والمطاحن وبالرغم من الامضاء بين الطرفين لم تفعّل الى حد الان مما اجبرنا على اصدار برقيات اضراب في هذين القطاعين كذلك قطاع المقاهي لم ينل أعوانه وعماله حقوقهم في الزيادة رغم صدور هذه الزيادة في الرائد الرسمي واعوان محطات بيع الوقود كذلك مازالوا في انتظار تطبيق محاضر الاتفاق في الزيادة في الاجور. ثمة سؤال يطرح الآن حول كيفية ادارة بعض الاجانب للمؤسسات المنتصبة فيما سمي بالمناطق الحرة اين تقف حدود التدخل وافاق القادم من غلقها؟ نحن نعمل في الاتحاد على اعطاء الاهمية القصوى للتفاوض والحوار في فض كل النزاعات الشغلية والدليل على ذلك اننا توصلنا الى حل الكثير من القضايا الشغلية باحتكامنا الى التفاوض والحوار وألغينا العديد من الاضرابات التي كانت مبرمجة وعيا منا بطبيعة المرحلة وكذلك في بناء حوار اجتماعي داخل مواقع الانتاج والدليل على ذلك مثلا مؤسسة تيلي بيرفرمونس التي شهدت نزاعا شغليا اليوم نحن على ابواب امضاء اتفاق في هذا الشأن مع المستثمرين الاجانب يقضي بالوصول الى نتائج ايجابية ترضي الطرفين وبقدر حرصنا ووعينا بحساسية المرحلة وطبيعتها فاننا ندعو كل الاطراف الاجتماعية إلى تحمّل مسؤولياتها كاملة وتعميق الحوار كوسيلة لخلق مناخ اجتماعي سليم يسوده الاستقرار. كطرف يهمه الشأن التشغيلي في القطاع الخاص يبدو ان عديد المؤسسات في جهة المنستير مثلا بصدد الغلق وهي التي تشغل يد عاملة كبيرة في النسيج كيف تبدو لك الوضعية؟ قانون 72 فيه امتيازات وهذه الامتيازات مرتبطة أساسا بالزمن وهي تنتهي بمروره وبالتالي فإنّ انتقال هؤلاء إلى مكان آخر عادة ما يخضع لمنطق الربح والخسارة اضافة إلى أنّ هناك سببا هاما يتمثّل في توفير الجانب الأمني باعتبار أنّ عديد الأعراف يفكّرون في مواصلة الانتصاب ارتباطا وثيقا بهذه المسألة، أمّا أمر هروبهم في ما يخصّ نزاعات شغلية في المنستير فإنّنا لم نسجله البتة. ماذا عن المشهد السياسي الحالي بعد تشكّل الحكومة الجديدة وتحديد تواريخ الاستحقاقات الانتخابية؟ وعيا منّا بأن الاتحاد سيظلّ يلعب دوره الوطني كما لعبه قبل وبعد الثورة ونتيجة التجاذبات السياسية داخل وخارج المجلس التأسيسي أطلقنا مبادرة الوفاق الوطني من أجل التفاوض على أجندة واضحة تتضمّن عدّة محاور أهمّها تحديد تاريخ موعد الانتخابات وتشكيل اللجان الثلاث، القانون الانتخابي وتاريخ الانتهاء من صياغة الدستور وقد قدمنا في هذا الاتجاه ونحن بصدد استكمال هذا التمشّي ونأمل هذه المرّة أن تحضر هذا المؤتمر كلّ الأطراف المعنية حتى نتوافق على جملة هذه القضايا وبالتالي انجاح ما تبقى من المرحلة الانتقالية خدمة لأهداف الثورة واستحقاقاتها. كيف تنظر إلى ما يسمّى بشرعية الدكتاتورية الموجودة في صلب المجلس التأسيسي أي شرعيةالأغلبية؟ نحن نعتبر أنّ تونس تمرّ بمرحلة تاريخية تقتضي تغليب مصلحة الشعب التونسي على أي شرعيّة أخرى فيما يتعلّق بسن الدستور الذي نسعى في الاتحاد إلى استكماله بشكل توافقي داخل قبّة المجلس التأسيسي لنبتعد على منطق الأغلبية والأقليّة. ندوة الحوار الوطني التي تمّ اطلاقها من طرف رئاسة الجمهورية ماذا عنها أليست محاولة يائسة للقفز على مبادرة الاتحاد؟ إلى حدّ علمنا فإنّ هذه الدعوة هي استكمال لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ونحن لسنا ضدّ أي حوار كان شريطة أن يكون مُجْديًا وإذا كانت هذه المبادرة كذلك فسيكون لها دفع من أجل انجاح مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل. الاتحاد في الأسابيع الأخيرة كان يدافع عن قفة الزوالي إلاّ أنّنا لم نر بلاغا أو ما شابه ذلك للتأكيد على أنّ الأسعار عرفت ارتفاعا جنونيا فهل لكم تصوّر في هذا الاطار؟ نحن أصدرنا في العديد من المناسبات في بياناتنا انشغالنا لهذا الوضع الذي أرهق التوانسة وأشرنا للارتفاع المهول للأسعار ممّا يفقد الزيادة في الأجور معناها وإنّنا ندعو اليوم الحكومة إلى مراجعة طرق تعاملها مع هذا الواقع وخاصّة فيما يتعلّق بالتّهريب والتجارة الموازية وفرض مراقبة دائمة على أسعار المواد المدعمة ومقاومة الاحتكار حتى يقع الحدّ من الارتفاع الجنوني للأسعار وعلى الحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها كاملة في هذا الشأن، وهي اجراءات كان من المفروض أن تكون بديهيّة. ماذا عن القادم من احداث في ظلّ صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة؟ بطبيعة الحال، الثورة التي حصلت في تونس كانت لها شعارات واستحقاقات وهي ثورة شعب لم يقم بها أي حزب وعليه فإنّنا نحن في الاتحاد ومن منطلق وطني وتاريخي ندعو كل الفرقاء السياسيين الى ضرورة التحلّي بالمواقف الوطنية وفهم طبيعة المرحلة ووضع مصلحة تونس فوق كل اعتبار والتوافق حول جملة القضايا المطروحة حتى ننأى بتونس من الانزلاق نحو الأسوإ وبالتالي الخروج من هذا الواقع الى ماهو أفضل خدمة لتونس واستجابة لاستحقاقاتنا الشعبية وحتى ننهي ما تبقى من المرحلة الانتقالية بما يستجيب إلى تطلّعات شعبنا في بناء دولة ديمقراطية مدينة اجتماعية.