طرح عبد الرزاق المسعودي نصّّه السرديّ الثاني بعنوان «صلاة» بعد أن أصدر سيرة روائية بعنوان «أجمل الذنوب»، وبعد مجموعتين شعريتين، ونصّه الجديد مجموعة قصصيّة ضمت 13 نصّا قصصيا اجتمعت في كتاب متوسط الحجم في 112 صفحة أصدره المسعودي عن المطبعة المغاربيّة لطباعة وإشهار الكتاب. ضمن هذا الإصدار الجديد، يواصل عبد الرزاق المسعودي رحلة الخلاص من لعنة المكان الذي أسره لسنوات طوال، كلية الآداب بمنوبة، فعلى وتيرة «أجمل الذنوب» سرد عبد الرزاق المسعودي تفاصيل جديدة لمكان قديم ضمن نصوص هذه المجموعة القصصيّة وحوّل المكان إلى بطل رئيسي دون منازع، وحتى الشخوص الذين «صنعهم» في متنه السرديّ استمدو صفاتهم وطبيعة وجودهم من طبيعة المكان والفضاء، فأغلبهم تراوحت وضعياتهم بين طالب ومعلم، ومن كان طالبا فقد درس في كلية منوبة ومن كان معلما فهو أيضا خرّيج ذات الكلية، كما أنّ الوضعيات المتأزمة كانت القاعدة الأساسية لمختلف الشخصيات ولمجمل الأحداث الحافة بهم. ضمن هذه المجموعة القصصية، ومثل السيرة الذاتية الأولى، يختار عبد الرزاق المسعودي «ثقل» السرد على «خفة» الحوار، وهو اختيار ولئن أصاب بعض النصوص بنوع من «الجمود» الاّ أنّه اختيار مدروس يستمدّ مبرّراته من طبيعة العلاقة بين الفضاء والكاتب بدرجة أولى، وبين الفضاء والسارد بدرجة ثانية وهي علاقة كرّ وفرّ، حب وكره، شوق وهروب... علاقة جمعت كلّ المتناقضات فحوّلت كلية منوبة إلى معبد أزلي وجعلت عبد الرزاق المسعودي متعبّدا ناسكا تارة وماجنا تارة أخرى... هذه العلاقة، وإن بدت العضد الأوّل للبناء القصصي في مجموعة «صلاة» إلاّ أنّها أيضا «ضيّقت» الخناق على عبد الرزاق المسعودي وجعلت خيال الكاتب أسيرًا لأسوار الكلية، لا يجرؤ على تخطّيه أو كسره ممّا جعل مهمّة الكاتب عسيرة جدّا في «توريط» القارئ في عشق هذا الفضاء دون أن يصيبه الملل والنفور... الثابت أنّ المسعودي تخلّص ضمن هذا الاصدار الجديد من زفرات مازالت كامنة بداخله من كلية الآداب بمنوبة، وهو ما قد يساعده في نصّه القادم على الخروج من سطوة المكان وإعادة ذات الأحداث.