أثار اقتراح اتحاد نقابات قوات الأمن لمشروع قانون يحصن الأمنيين أثناء أدائهم لواجبهم جدلا واسع النطاق في البلاد، خاصة لما يتضمنه هذا المشروع من اقتراح عقوبات ثقيلة على كل من يمسّ من الأمنيين، ولتحصينه لرجال الأمن واعطائهم أسبقية قانونية على المواطن دون قيد وشروط واضحة. هذا الاقتراح يأتي في ظرف صعب يمر به الجهاز الأمني أمام تزايد التهديدات التي يتعرض لها الأمنيون والمخاطر المتعاظمة أثناء ادائهم لمهامهم، وللتطورات الخطيرة التي تستهدف أمن واستقرار البلاد والتي تقودها مجموعات «ارهابية» تؤمن بالعنف. ولكن هذا الاقتراح يأتي أيضا في ظل تواصل الجدل حول اداء الجهاز الأمني بين راض ومنتقد له، وفي ظل الجدل المتواصل حول اصلاح المنظومة الأمنية التي كانت تعتبر اليد الغليظة للنظام الدكتاتوري السابق ..وفي ظل مطالبة الشعب التونسي بمختلف مشاربه بأن يتحول الجهاز الأمني الى «أمن جمهوري» يحفظ كرامة التونسيين المختلفين ويعمل من أجل مصلحة الوطن لا غير. وان يشترك التونسيون، في الرأي حول أداء هذا الجهاز بعد 14 جانفي، واذ تؤكد المؤشرات ووالوقائع وجود شق واسع من الأمنيين الذين يريدون التطوير في اداء المؤسسة الأمنية والنأي بها عن التجاذبات السياسية والمصالح التي لا تهم مصلحة البلاد وأمنها، وان يؤكد التونسيون على وجوب إصدار قوانين تحفظ كرامة وسلامة عون الأمن، وتعطي له حق المبادرة في اتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن العام والتدخل لصالح المواطن وإن الاقتراح الذي عرضته نقابات قوات الأمن لا يمكن بحال من الأحوال أن يضمن أمنا جمهوريا ولا يمكن أن يكون سوى اطلاقا ليد «السلطة الأمنية» وتحصينا لها دون شرط أو قيد. عقوبات ثقيلة وينص هذا المشروع على أنه «يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار كل من تعمد تحقير قوات الأمن الداخلي إما بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بأية وسيلة نشر أو توزيع أو عرض أخرى للكتابة أو القول أو الصورة مهما كان محملها بهدف المس من كرامة وسمعة هذه القوات أو تحطيم معنوياتها بأية وسيلة كانت قصد الإضرار بالأمن العام». ويقترح هذا القانون أن يعاقب بالسجن بقية العمر كل من تعمد حرق أو هدم أو إتلاف مقر تابع لقوات الأمن الداخلي أو مخازن الأسلحة أو ذخيرة أو عربات أو الاستيلاء على أسلحة أو الذخيرة أو تجهيزات أو معدات أمنية مهما كان نوعها أو على ملفات أو أية أشياء أخرى بعهدتها قصد الإضرار بالأمن العام. كما يعاقب بالسجن لمدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من شارك ضمن جمع غير مسلح في الاعتداء على مقرات أمنية أو أماكن إيقاف أو سجن لتسهيل فرار محتفظ به أو موقوف أو سجين، على أن يرفع العقاب إلى ضعفه إذا كان ضمن الجمع من يحمل سلاحا ظاهرا أو خفيا أو نتجت عن الأعتداء أضرار بدنية للأعوان تسببت لهم في حجز وقتي. ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثين عاما والخطية بثلاثين ألف دينار إذا نتج للعون عن الأعتداء بتر عضو أو عجز مستمر ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا نتج عن الاعتداء موت. ذووهم وممتلكاتهم في ما يتعلق بالإعتداء على أعوان قوات الأمن الداخلي وذويهم وممتلكاتهم ينص مشروع القانون على المعاقبة بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها ثلاثة آلاف دينار كل من يعتدي بالثلب أو بالقذف على عون قوات أمن داخلي أو على سلك من أسلاك قوات الأمن الداخلي بادعاء لم تثبت صحته وينص المشروع كذلك على تسليط عقوبة بالسجن لمدة عامين وبخطية قدرها ألفا دينار على كل من هدّد بارتكاب جناية أو جنحة على عون من أعوان قوات الأمن أو قرينه أو أحد فصوله أو فروعه أو أحدا ممن هم في كفالته أو يعيشون معه بسبب مباشرته لمهامه أو بمناسبتها أو لمجرد صفته سواء كانت ظاهرة أو معلومة من مرتكبه. وترفع العقوبة بالسجن إلى ستة أعوام إذا كان القصد من التهديد إجبار عون الأمن على القيام بفعل من علائق وظيفته أو مهمته أو تركه أو على أن يتجاوز سلطته بغرض الحصول على امتياز أو وظيفة أو أي قرار آخر لمصلحته. ويعاقب بالسجن لمدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من قام بالاعتداء على ملك عقاري أو منقول تابع لعون أمن أو أصوله أو قرينه أو فروعه سواء بإفساده أو بإتلافه بقصد التأثير على سلوك عون الأمن في ممارسته لوظيفته أو مهمته أو التشفي منه ويمكن الترفيع في هذه العقوبة إلى الضعف إذا تم الإعتداء بواسطة مادة متفجرة أو حارقة. وإذا نتج عن هذا الاعتداء عجز بدني وقتي للأشخاص المنصوص عليهم في مشروع القانون فيقع الترفيع في العقوبة بالسجن إلى 25 عاما وفي الخطية إلى 25 ألف دينار أما في صورة تسبب الاعتداء في بتر عضو أو عجز مستمر فإن العقوبة بالسجن ترفّع إلى ثلاثين عاما والخطية إلى ثلاثين ألف دينار ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا نتج عن الاعتداء موت. دون مسؤولية وينص نفس مشروع القانون «أنه لا تترتب أية مسؤولية جزائية على عون الأمن عند دفعه لصائل ارتكب احدى الجرائم المذكورة سابقا ولم تمكنه النجاة منه بوجه آخر كما لا تمنع أحكام هذا القانون من تطبيق أحكام المجلة الجزائية والقوانين الخاصة ما لم تتعارض معها». ويؤكد على أن الدولة «تتكفل بجبر الأضرار المادية اللاحقة بالعون المعتدى عليه وعلى قرينه أو أحد أصوله أو فروعه أو على من هو في كفالته أو يعيش عادة معه أو على ممتلكاته من خلال حساب خاص يحدث بالخزينة العامة للبلاد التونسية بمقتضى قانون المالية وذلك بناء على تقدير خبير منتدب بمقتضى إذن من المحكمة المتعهدة، ولها أن تحل محله في المطالبة باسترجاع قيمة التعويضات من مرتكب الاعتداء». اعتداءات كثيرة وتؤكد الأرقام الصادرة عن نقابات قواة الأمن فذاحة وخطورة الاعتداءات والتجاوزات التي طالت رجال الأمن أثناء أداءهم لواجبهم، أو التي نالت من عائلاتهم، حيث سجل 4000 اعتداء بالعنف الشديد، اضافة الى تسجيل عدد من الوفايات بسبب الاعتداء، لعل اخرها ضابط الشرطة الذي تم قتله والتنكيل بجثته بمنطقة جبل الجلود. من جانب آخر تعرض العشرات من الأمنيين للتهديد بالقتل وبالتعرض لهم على خلفية اداءهم لمهامهم، وقد طالبت نقابات قوات الأمن بأن تتم حماية المستهدفين من الأمنيين.وقد نددت مختلف الأطراف السياسية والحقوقية بهذه الاعتداءات التي تستهدف قوات الأمن، وطالبت باقرار قوانين تحمي الأمنيين وتموكنهم من الدفاع عن أنفسهم وتسهل قيامهم بواجباتهم وفق ما تنص عليه القوانين مع احترام حقوق الانسان. ولكن هذه الاعتداءات طالت الأمنيين في هذه االفترة الانتقالية التي تشهد احتدادا للاحتقان الاجتماعي وفي ظل تواصل انفلات الأمن في عدد من الجهات، وتأتي أيضا في ظل غياب مصالحة بين المؤسسة الأمنية و شق من التونسيين وأيضا في ظل تواصل الانتهاكات التي تطال المواطنين من قبل بعض الأمنيين. واجب حماية المواطنين والأملاك العامة والخاصة، وحفظ النظام العام هي المهام التي من أجلها وجد جهاز الأمن، وهو أول واجبات الأجهزة الأمنية الداخلية بمختلف تشكيلاتها، وم أوكد واجبات المؤسسة الأمنية التصدي لكل خطر يطال المواطنين أو يهدد حياتهم أو ممتلكاتهم ولمختلف المتجاوزين للقانون. ولأن حفظ الأمن واجب على المؤسسة الأمنية، فلا يمكن بحال من الأحوال أن يصبح هذا الواجب وهذه المهمة السامية محل مزايدة أو مفاوضة من أي جهة كانت وخاصة من الجهاز الأمني في حد ذاته، وهو ما يجعل من مشروع القانون المطروح للنقاش لدى السلطة التنفيذية والمجلس الوطني التأسيسي مثيرا للجدل ومنتهزا للظرفية التي تعيشها البلاد من تهديدات ارهابية مباشرة تطالها لتمريره وتحصين الأمنيين دونما اعتبار لواجبهم الذي يسبق حقوقهم في كل الحالات. وان كان في الأوضاع العادية يتعرض الأمنيون للخطر والتضييقات، فما بالك في وضع انتقالي تعيشه مختلف الهياكل وشعب بأسره، ورغم ذلك فمن حق الأمنيين أن تسوى وضعيتهم القانونية وأن تحفظ حقوقهم. إصلاح المنظومة الأمنية وللتذكير فان الأولوية في هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد وباقرار من الجهاز الأمني في حد ذاته هو عملية اصلاح هذه المنظومة، فمختلف مكونات المشهد المدني والسياسي يؤكدون على أن اصلاح المنظومة الأمنية هو الكفيل بارجاع الجهاز الأمني الى مساره الطبيعي وتجفيف بقايا الفساد الذي ينخره، ويؤهله لمرحلة الديمقراطية التي تستعد البلاد للانتقال إليها. ولحد الان، ورغم المجهودات والمحاولات المدنية، فان اصلاح المنظومة الأمنية لم يأخذ القدر الذي يستحقه من اهتمام الحكومة، ولم تنطلق بعد اصلاحات جذرية، واعادة هيكلة واضحة تنأى بهذه المؤسسة الوطنية عن الصراعات السياسية وتحقق هدفا من أهداف الثورة الأساسية. واصلاح المنظومة الأمنية كفيل أيضا بأن يمهد لاعادة الثقة التامة بهذه المؤسسة، ويعطي شرعية مطلقة للأمنيين بأن يطالبوا بقوانين تحصنهم وتحفظ حقوقهم قبل واجباتهم. الانتهاكات متواصلة وفي نفس الفترة التي تطالب فيها نقابات قوات الأمن باقرار مشروع القانون الذي يضمن حقوقهم ويحميهم من الاعتداءات والخروقات التي تطالهم،أكد تقريرصادر عن منظمة العفو الدولية بخصوص وضع حقوق الانسان بتونس، و شمل الفترة الممتدة طيلة سنة 2012 والأشهر الأولى للسنة الحالية، على تواصل ممارسات التعذيب في تونس والاستعمال المفرط للقوة ازاء المتظاهرين والمحتجين، اضافة الى التمييز في القانون. وأكدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في تقارير صادرة عنها تخص أحداث «الرش» بسليانة وأحداث دوار هيشر على تواصل الانتهاكات في حق المواطنين من قبل الأجهزة الأمنية. فهل كان من الأجدر على هذه المؤسسة أن تعمل على الحد من التجاوزات التي يقوم بها أفراد تابعون لها وتطال المواطنين وتعمق الفجوة الحاصلة بينهم وبين التونسيين على الأقل، في نفس الوقت الذي يطالب به الأمنيون بضمان حقوقهم..... فلا واجب بلا حقوق ولا حقوق بلا اداء كامل للواجبات دون تجاوزات وانتهاكات ، وهذا أول مبدأ يضمن أمنا جمهوريا، تكون تونس الرابحة الأولى منه. بنفس المكيال كان الأستاذ قيس سعيد الخبير في القانون الدستوري نبه الأمنيين إلى الثغرات المحيطة بمشروع هذا القانون مؤكدا على أنه لا يضمن حقوق الأمنيين ويحميهم وإنما يجعل منهم «شرطة استبداد» حسب تعبيره،وهو الوجه الآخر لمشروع هذا القانون. هذا المشروع الذي يُنتظر أن يتمّ تداوله بأروقة المجلس التأسيسي قد يطرأ عليه تغيير طفيف وربما جذري وقد يُمرّر كما هو.فكيف ستكون ردة فعل الأمنيين إن ذهب المشرّع إلى إقرار إدانتهم بنفس المقاييس وحجم العقوبات في صورة حصول تجاوزات من قِبَلهم تستهدف المواطن ؟