أنا من بدّل بالصّحب الكتاب... ولم أجد وافيا الا الكتاب هكذا اعتراف شوقي بذنبه عندما استعاض عن المداد بالصحب.. وهكذا اعترف المتنبّي عندما صدح وأقر بأن «خير جليس للأنام كتاب ومثلهما فعل الجاحظ عندما «شاكس» المتنبي حين قال «الكتاب أنيس الجليس». هذه المعاني تلفحك على أعتاب المعرض الدولي بالمنستير الذي يحتضن منذ 5 جوان الجاري إلى غاية 3 جويلية المقبل الدورة الثامنة عشرة (18) لمعرض ومهرجان الكتاب بمشاركة اكثر من اربعين دار نشر منها 15 دار تونسية و25 عربية و6 أوروبية مما يفسّر هذا الكمّ من العناوين الذي بلغ عشرين الف عنوان في اكثر من 100 ألف نسخة حسب تصريحات الشركة الراعية للمعرض التي يديرها السيد الحبيب الصيد والسيد فرج يوسف مدير المعرض الذي صنف المعروض على انه متكامل ويلبي كل الاغراض الثقافية منها والعلمية والادبية وكذلك الاكاديمية بدءا بكتاب الطفل وصولا الى الموسوعات العلمي منها والادبي والتراثي والديني فضلا عن القواميس والمعاجم بكل اللغات. تنوع وتكامل على خلاف بعض المعارض التقليدية لم يتقيد القائمون على هذا المعرض بالرفوف بل تجاوزوا ذلك الى الانفتاح على مجالات اخرى على علاقة بالكتاب وبالابداع وبالنشر حيث تمّ توسيع رقعة التعامل مع عديد الاطراف ذات الصلة بالحقل الثقافي على غرار المصالح التربوية وعديد الجمعيات المسرح ورابطة الادباء الاحرار واتحاد الكتاب التونسيين وجمعية الصّم والبكم... حفل دون جوقة على ضخامته لم يشهد المعرض الذي يعتبره الملاحظون ثاني تظاهرة للكتاب بعد معرض تونس الدولي قلت على ضخامته لم تدشنه البدل الانيقة و«مزيكة حسب الله» بل كان الافتتاح اضخم من خلال الحضور الغيابي لشاعر المضيق او البروفسور كما يكنيه المعاصرون الشاعر التركي ناظم حكمت والذي كان محور احتفائية الاحتفال بتوقيع كتاب «دروب الغجر» للشاعر الفيلسوف محمد بن صالح وعلى علاقة بالحراك الذي يشهده العالم العربي وبصمات التتريك التي تشوبه وهو ما جعله (أي نظام حكمت) محط اهتمام الكثيرين اساتذة وطلبة وساسة. شُنّفتْ مسامعهم بقراءات شعرية من اثر الرجل فضلا عن محاضرة حول الرصيد النضالي وكفاح الرجل على أيام كمال أتاتورك... ثراء وانفتاح المعرض اتخذ شكل المهرجان بحكم تعدد الفقرات المبرمجة على الهامش على غرار العروض التنشيطية والالعاب الفكرية وعرض مسرحي دسم بعنوان «بقايا كتاب.. بقايا مدرسة» للاستاذ شكري مسْعي وتمثيل جمعية اضواء المسرح، كما تمت برمجة امسيات للشعر والادب على غرار امسية تقديم كتاب «كاريزما الشيطان» للدكتور ثامر الغزي وأمسية شعرية مع الحكواتي سالم اللبان حول ديوان «غدا موسم الياسمين» وان كان هذا البعض من حظ الكبار فإن للصغار والتلاميذ خصوصا خط يكاد يكون اكبر حيث لا يكاد يخلو يوم من ايام المعرض الستة عشرة (16) من فقرات خاصة بهذه الشريحة مما يضطرُّ معه الكبار وعلى اختلاف مستوياتهم الفكرية والاجتماعية الى تأثيث المعرض بمجرد الحضور على الأقل أو تناول بعض المقتنيات من المواد الكتبية المعروضة. موْسوع... موجوع! الفرح البيّن على محيّا الرواد للمعرض يقابله بعض الوجع الذي يغشي بماء الكتاب والذي تكاد تقرؤه على ملامح السيد الحبيب الصيد مدير الشركة الراعية الذي افاد أن أحوال الكتاب من أحوال الشعوب ومن أحوال العصر بدليل ان التقهقر المسجل في السنوات الاخيرة على الاقبال على الكتاب يعود الى غياب التحفيز للمطالعة في المناهج التربوية الحديثة حيث غابت حصص الترغيب في المطالعة او تكاد في مختلف المستويات التعليمية والحشو الذي تعرفه البرمجة والمناهج مما يجعل الاقبال في غالب الاحيان مقتصرا على الكتاب المدرسي والقصص المقررة في البرامج... وبشكل عام يقول السيد الصيد ان الكتاب التونسي يبقى الاقل رواجا مقارنة بالكتاب الاجنبي نظرا إلى الغلاء المفرط الذي قد تكون له اسبابه الخارجة عن نطاق الكاتب والناشر. اما السيد فرج يوسف مدير المعرض فلم يخف تبرمه من الحال التي آل اليها الكتاب في ظلّ محدودية الرواج عدى بعض العناوين على غرار الروايات (الشحاذ، شهرزاد، حدث أبو هريرة) وهو ما يعتبر مطالعة اجبارية باعتبارها عناوين مدرسية... وهي الحالة (أي تواضع الرّواج) التي تعود بالاساس الى الغلاء فضلا عن التكاسل والتواكل الذي من عناوينه أدوات الاتصال الحديثة وتأثيرها السلبي على الرواج الورقي لأمهات الكتب بالخصوص على غرار لسان العرب والاغاني وبعض الموسوعات العربية والتي صارت تقرأ على الشاشات وبعيدا عن عبق الرفوف وأريج المكتبات... فسحة أمل السيدان الصيد ويوسف باركا الخطوات الاخيرة لسلطة الاشراف بعد الاعفاء من الأداء على القيمة المضافة الى جانب رفع القيد عن التوريد الي لم يعد يخضع إلى أي ترخيص مما يسمح بتعدّد مصادر التزود وهي اجراءات بقدر ما تبعث الأمل فإنها تثير مخاوف على سعر الكتاب التونسي وهو ما ذهب اليه السيد وائل فرج عن الغرفة الفتيّة الاقتصادية والذي أكد هذا المنحى مضيفا ان لا أمل في كتاب بلا اجنح يحلق بها عاليا ويعني جميع الاطراف المتدخلة بدءا بوزاة الثقافة وصولا الى المستهلك عبر الناشر والموزع وتلك هي الاجنحة.