أي اقتصاد نريد؟ لا تبدو الإجابة صعبة فكلنا يبحث عن اقتصاد متوازن وعادل. غير أن هذا التوازن وهذه العدالة لها سبلها. وهاهنا تكمن المعضلة. بالنسبة إلى الحكومة وأصدقائها تمر طريق التوازن عبر التقشف والتخفيض النفقات العمومية ورفع الأسعار وتغذية خزينة الدولة وتشجيع القطاع الخاص وجلب أصحاب من الداخل ومن الخارج. على الجهة الأخرى يقف الخبراء والمفكرين ليقولوا إن الاقتصاد التونسي هش ويفترض تدخل الدولة، ليس كمعدل للسوق بل كفاعل اقتصادي ومستثمر. هؤلاء، خبروا أن الحر ليس تلك الجنة الموعودة. فهذا النظام الاقتصادي يخلق الأزمات ويعمق التفاوت الاجتماعي فلا هو عادل ولا هو متوازن. لذلك فإن الحل لدفع عجلة الاقتصاد يمر عبر الاقتصاد التضامني وعبر الحوكمة المحلية وعبر نظام جبائي عادل. بين هذا الرأي وذاك، وفي ضوضاء الحراك السياسي يفقد البعض بوصلته ويسيء التقدير. هذا البعض قد يضيع الاتجاهات تماما ولذلك فإنه يردد ما يقال له حول الوضع الاقتصادي الجيد لولا «حطان العصا في العجلة». هذا البعض لا يعرف أن ما تعيشه تونس من وضع اقتصادي مأزوم يعدو أساسا إلى منوال التنمية. هذا المنوال القديم المتواصل يجرد الفئات الضعيفة من كل مكاسبها ويحملها نتائج الأزمات. هذا المنوال المفروض قديما بفضل نصائح النقد الدولي والمتجدد طوعا قائم، على دفع تصدير منتوجات بلا قيمة مضافة، وعلى الامتيازات الجبائية لفائدة المستثمرين دون مقابل تنموي، وعلى بحث علمي ضعيف، وعلى نظام جبائي غير عادل يفتح الباب للتهرب الضريبي، وعلى الاقتراض والتداين الخارجي لتغطية العجز. ولان البعض قد يجهل طبيعة المنوال التنموي وانه الأصل في الأزمة الاقتصادية فإنه يقبل بسهولة ما يقال حول «حطان العصا في العجلة». هناك في أروقة المؤسسات المالية العالمية حيث يقرر أسياد العالم وأصحاب النفوذ يراد لهذا المنوال أن يبقى وان يستمر فلا حاجة لهم بأنموذج تنموي جديد قد يلهم بالانتفاض في وجوههم. ما لا يعلمه البعض من مصدقي نظرية «حطان العصا في العجلة» أن المنوال الذي يراد لهم قد جرب قديما جدا وفشل وانه منوال اقتصادي حيث يتواجه اغلب الشعب مع قوانين السوق الحر بلا سلاح غير الأجر الزهيد أحيانا والمتواضع أحيانا أخرى.