وزارة التعليم العالى تطلق مكتبة افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي    الديبلوماسية التونسية تحتفل بيومها الوطني : التاريخ .. المبادئ .. الأهداف    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    سوسة: القبض على شخص مصنف خطير وحجز مواد مخدرة    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    استعدادا لعيد الإضحى المبارك وزارة الفلاحة توصي بتلقيح الحيوانات وتأمين أضاحي سليمة    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    عاجل/ البحر يلفظ جثثا في صفاقس    شبهات فساد: قرار قضائي في حق وديع الجريء ومسؤولين آخرين.. #خبر_عاجل    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    الحكومة الإيرانية: نخوض المفاوضات مع واشنطن لأننا لا نرغب في نزاع جديد بالمنطقة    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    سيدي بوزيد: انقطاع الكهرباء في هذه المناطق    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    سعيّد يُسدي تعليماته بإيجاد حلول عاجلة للمنشآت المُهمّشة    الهند تحظر واردات كافة السلع من باكستان    التوقعات الجوية لليوم السبت    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    البنك المركزي التونسي: معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية يستقر في حدود 7،50 بالمائة في أفريل 2025    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين شرعية انتخابية منتهية وتنامي الشرعيات الموازية
مأساة حزب حركة النهضة : الجزء الثاني
نشر في الشعب يوم 12 - 10 - 2013

لا شكّ في أنّ التكفيريّين هم قاعدة جماهيرية مهمّة لحركة النهضة واستنجدت بأصواتهم خلال الاستحقاق الانتخابي السابق، والمرجّح أن يتواصل الاعتماد على أصواتهم الكريمة خلال ما ينتظر البلاد من مواعيد انتخابية وفي أكثر من موضع كان التيار التكفيري خير سند للنهضة والنهضاويين سواء تعلّق الأمر بالاعتداء على المعارضين أو الفنانين أو رجال الفكر أو النقابيين والحقوقيين، فهذا الطفل بلال الشواشي المتحدّث باسم التيار السلفي الجهادي يتوعّد كلّ من يحاول تكرار السيناريو المصري في تونس، وهذا القضاء التونيسي المستقل جدّا و المحايد جدّا يقرّر يوم 22 ماي 2013 اطلاق سراح الناطق الرسمي باسم تنظيم أنصار الشريعة سيف الدين الرايس على خلفية أحداث القيروان ودوار هيشر.
هذا العنف الموازي كان الأرضية الخصبة التي مهّدت بها حركة النهضة إلى صنع شرعية العسكرة الموازية التي لها هي الأخرى أوجها متعدّدة أهمّها الميليشيات السلفية وميليشيات «روابط حماية الثورة» وأخيرا الأمن الموازي.
أمّا بالنسبة إلى الميليشيات السلفية فإنّ ما ينبغي الاشارة اليه هو الغموض الذي يلفّ علاقة هذه الميليشيات بحركة النهضة ليس فقط بسبب الخلافات الايديولوجية المزعومة، بل وخاصة نزولا عند رغبة النهضاويّين في الإبقاء على هذا التناقض الظاهري، وفي حين أنه تناقض محبوك بكلّ دهاء و الغاية منه ايهام الرأي العام والشعب التونسي المسلم بالتوجّه الوسطي للحركة وأنها تسعى جاهدة إلى محاربة التطرّف في حين أنها في الخفاء تنسّق مع هذا التيار المتشدّد، بل وربّما هي التي تساهم في إعادة هيكلته وذلك بتدعيمه بانتدابات جديدة من أصحاب السوابق والقواعد التجمعية السفلى بغاية توسعة القاعدة الانتخابية لاحقا. لقد وظّفت حركة النهضة بصفة غير مباشرة هذه الميليشيات السلفية لإلهاء الرأي العام عن قضاياه الحقيقية بقضايا هامشية من قبيل الدعوة لتعدد الزوجات وتحريم بيع الخمر وتزويج البنات القاصرا ولبس الحجاب والنقاب إلخ...، وذلك للتغطية عن فشل حكومة الترويكا وعلى رأسها النهضة في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها لثورة.
نأتي الآن إلى ظاهرة رابطات حماية الثورة المشؤومة، ومن الناحية المنهجية ينبغي عدم الخلط بين ظاهرتين لا علاقة بينهما البتة، الأولى وهي تتمثل في لجان حماية الثورة والثانية وهي رابطات حماية الثورة.
انطلق نشاط لجان حماية الأحياء يوم 15 جانفي 2011 و ذلك أيام الانفلات الأمني وبقي هذا النشاط مقتصرا على مجموعات في الجهة أ الحي التي تنتمي إليه، وقد شارك عدد كبير من الشبان الذين شكّلوا عديد اللجان في اعتصاميْ القصبة1 والقصبة 2 الذي طالب باسقاط النظام وحلّ مجلس النواب والمستشارين ومحاكمة رموز النظام السابق، وبعد أكبر اعتصام في تاريخ تونس يوم 25 فيفري2011 والذي أدّى إلى سقوط حكومة محمد الغنّوشي يوم 27 فيفري2011، تمّ اختيار المخضرم الباجي القائد السبسي لتشكيل حكومة جديدية لإعلان خارطة طريق تحقق مطالب المعتصمين.
وفي هذا الخضمّ يوم 11 فيفري 2011 أسست مكوّنات المجتمع المدنية والسياسيّة «المجلس الوطني لحماية الثورة» وكان الاتفاق على أن تكون للمجلس فروع في كلّ الأحياء والجهات لتوحيد جهود مجالس حماية الثورة وتأسيس مجلس وطني تكون له السلطة التقريرية في مراقبة أعمال الحكومة والسهر على إعداد التشريعات المتعلقة بالفترة الانتقالية والمصادقة عليها وإلغاء القوانين المنافية للحرّيات وإعادة النظر في اللّجان التي تمّ تشكيلها. وأمام الطابع التقريري للهيئة الوطنية لحماية الثورة ومراقبتها لأعمال الحكومة، رفض الباجي قائد السبسي هذه الهيئة وتوخّى الالتفاف عليها بأن قرّر أن تتحوّل لجنة الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي يترأسها عياض بن عاشور إلى «هيئة عليا لتحقيق أهداف الثورة و الاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي «وذلك يوم 15 مارس 2011، ولم يوافق العديد على الالتحاق بهيئة بن عاشور وانسحبت منها لاحقا بعض الأطراف الفاعلة مثل حركة النهضة.
وفي المقابل ظلّ «المجلس الوطني لحماية الثورة» الذي تأسس يوم 11 فيفري 2011 متواصلا لكن بشكل غير رسمي وغير قانوني وبشكل مواز لهيئة بن عاشور التي كانت آنذاك بمثابة السلطة التشريعية.
وفي الأول من أفريل 2011 تمسّكت نوات مجلس حماية الثورة بالمجلس و بمبادئه الثورية ورفضت الانخراط في هيئة بن عاشور، وعقدت مؤتمرا وطنيا يومي 9 و10 أفريل في نابل جمع اللّجان الجهوية والمحليّة لحماية الثورة، وفي 30 أفريل تمّت صياغة ما عُرف بالوثيقة المرجعية التي اختارت عدم الانخراط في هيئة بن عاشور وبعد انسحابها من هيئة بن عاشور بدأت حركة النهضة بتشكيل «رابطات لمجالس حماية الثورة» ودعم البعض الآخر بعد انتخابات 23أكتوبر 2011 والتي شهدت إنهاء مهمّة هيئة بن عاشور وتمّ شلّ مجلس حماية الثورة التي لم يبقى لها أيّ مبرّر لوجودها بحكم انتصاب مجلس وحكومة منتخبين.
إلاّ أن عديد المجالس الجهوية و المحليّة لحماية الثورة لقيتدعما معنويّا وماديا لتكوين رابطات أو الالتحاق بها، ولتجاوز الاشكال القانوني المتعلّق بالشرعية القانونية تمّ الاعتماد على المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرّخ في 21 سبتمبر 2011 المتعلّق بتنظيم الجمعيات للحصول تأشيرات قانونية وحصلت عديد رابطات حماية الثورة على تلك التأشيرات وقد تشكلت كلّ اللّجان التي لقيت دعما من حركة النهضة لتتحوّل إلى ما يسمّى «رابطة وطنية لحماية الثورة» تحت نظام قانون الجمعيات بحسب ما ورد في الرائد الرسمي الصادر في 14 جوان 2012 تحت عدد 71.
إن المغالطة بدأت من التسمية التي استغلّت رصيد شباب حماية الثورة الذين تشكّلوا خلال الأيام الأولى بعد 14 جانفي لحماية الأحياء، في حين أنه لا وجود لعلاقة بين تلك الحركات العفوية وهذه الرّابطة الأخيرة.
إن الانقلاب الذي قام به مجموعة من ناشطي حركة النهضة بعد مؤتمر نابل في ماي 2011 وذلك برفضهم عدم تغليب لونهم الحزبي، كوّنوا لجانا بالتوازي مع اللّجان المعلة، ونشطت هذه الّلّجان الموازية بصفة سرّية طيلة أشهر وفي أكتوبر 2011 كوّنوا أوّل صفحة على الفيسبوك ليلعبوا دورهم في الانتخابات لصالح حركة النهضة، وانطلقوا في تدعيم نشاطهم في الأحياء الشعبية وبدؤوا يستعدوّن للقيام بدور جديد في الانتخابات المقبلة عبر مغازلتهم لأطراف من السلفيين.
وحول تكوينهم يجمع أغلب المراقبين المختصّين أن أغلب العناصر المكوّنة لهذه الرّوابط هي من الانتهازيّين التجمّعيين ومن النهضاويّين ومن حزب المؤتمر، كلّهم نجحوا في استقطاب مجرمي الأحياء و بعض السلفيين الجدد استعدادا للانتخابات، مع الملاحظة أنّ تمويل هذه الرابطة مهمّ جدّا ومجهول المصدر وهو ما يلاحظ من خلال اللاّفتات المكلفة والعديدة خلال الوقفات الاحتجاجية. وتتلحّف هذه الروابط بثلاثة أغطية هي الثورية والدينية وحتى الكروية.
تتميّز تحرّكات هذه الروابط بعلاقتها بأهواء أحزاب الترويكا الحاكمة منها التظاهر ضدّ كلّ المعارضين والأمثلة على ذلك عديدة مثل اعتراض مسيرة المعطّلين عن العمل يوم 07 أفريل 2012 وخاصة حوادث العنف التي شهدتها تونس يوم 09 أفريل وما رافقها من اعتداء على الحقوقيين والناشطين والنقابيين، إضافة إلى الاعتداءات على مقرات اتحاد الشغل مرّة أولى برمي الفضلات أمام مقرّاته ومرّة ثانية عند محاولة اقتحام المقرّ المركزي للاتّحام العام التونسي للشغل يوم 04 ديسمبر 2012، وللتوضيح فإنه في تاريخ تونس لم تنشط قط ميليشيات في إطار قانوني ماعدا هذه الميليشيات التي تحظى بترخيص قانوني رغم نشاطها الغير قانوني وذلك خدمة لأجندا سياسية تتمثل في عزم حركة النهضة الهيمنة على أيّ انتخابات مقبلة.
أمّا بالنسبة إلى الأمن الموازي، فأخيّر عدم الاطالة في هذا الجانب بحكم نشر مقالات مطوّلة في جريدة آخر خبر (العددان 26 و27 بتاريخ 15 و22 جانفي 2013)، إلاّ أنّ ما يمكن إضافته هو الطّريقة التي انطلقت منها عملية استقطاب العناصر الأمنية الموالية للسلطة، فكما نعلم أن عددا كبيرا من الأمنيين وقع عزلهم في فترة حكومتي محمّد الغنّوشي والباجي قائد السبسي، هذه العناصر الأمنية المعزولة حاولت مجموعات إرهابية استقطابهم لخدمة مشروعها الإرهابي، فاتصلت بهم عبر هواتفهم الجوّالة لعرض خدمات تبدو بسيطة مقابل أموال مهمّة بتعلّة مساندتهم في أزمتهم خاصة أنّه طال انتظارهم في تسوية وضعيتهم المادية والمهنية في ظلّ تجاهل تام من سلطة الاشراف مستغلّة في ذلك هشاشة وضعياتهم والحال أنّها تحاول استغلالهم باعتبارهم يتمتّعون بحسّ أمنيّ ودراية تامّة بطريقة المراوغة والفرار ومتدرّبين على استعمال السلاح بكلّ أنواعه.
إنّ هذه العروض الشغلية هي في ظاهرها انسانية سرعان ما تتطوّر إلى أعمال ارهابية وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسيّة: ولعلّ عملية اغتيال القياديّين الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي خير دليل على ذلك باعتبار أنّ كليهما كان وراء اغتيالهما عونا أمن معزولان أحدهما يدعى عزّالدين عبداللاّوي.
إنّ حماية الأمنيين المعزولين هو أمر ضروري حتى لا يقع استغلالهم من قبل الارهابيين أو حتى من قبل الأحزاب السياسية كأمن مواز، هذه الظاهرة التي طالما كذّبتها حكومة علي العريّض، لكن ها إنّ النقابات الأمنية تكشف عن قائمتها التي تحتوي على أشخاص ثبتت قرابتها من قيادات حركة النهضة مثل عبد الكريم العزيزي ومحرز الزواري ورياض باللّطيف ابن أخت «أبو عياض» وإلياس الهاروني ولطفي الحيدوري وأخيرا الزين المسعودي رئيس مكتب حركة النهضة ببنعروس.
2) شرعية الفشل والفساد والانقلاب على العهود:
منذ إعلان الحكومة النهضوية الأولى برئاسة حمّادي الجبالي توجّهت لها انتقادات عديدة حول ارتفاع عدد الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين وما سيتسبب ذلك من أعباء ماليّة على ميزانية الدّولة، فقد ضمّت الحكومة 42 عضوا باحتساب رئيس الحكومة، وهذا دون اعتبار الوزراء المستشارين برئاسة الحكومة، وباعتراف الملاحظين فإنّ هذا العدد مرتفع إذا ما قارنّاه بحكومات الدول الغربية وحتّى بعض الدول الافريقية والآسيوية التي تعمل بعدد محدود من الوزراء رغم أنّ عدد سكانها أرفع من تونس بكثير، والمؤسف أن الحكومة النهضاوية الثانية التي تكونت يوم 14 مارس 2013 لم يختلف وضعها كثيرا عن حكومة حمّادي الجبالي.
مظهر آخر للفساد هو الذي يتعلّق بميزانية الدولة وكيفيّة أعدادها ومعها قانون المالية التكميلي لسنتي 2012 و2013 الذي ثبت بشهادة أغلب الخبراء أنّه عنوان لتبذير الثروة ومدخل إلى إغراق تونس في المديونية والتضخّم المالي إضافة إلى الصفقات التجارية المشبوهة مثل صفقة العلّوش الروماني والحليب التركي والسلوفيني، والنتيجة الحتمية لهذه السياسة هو التخفيض المتسارع للترقيم السيادي لتونس وانحدارها إّلى مراتب متأخرة في مؤشّر الفساد حسب منظّمة الشفافية الدولية، علاوة على الابقاء علة منظومة جبائية أضرّت بالبلاد والعباد.
3) شرعية لجم الأفواه
منذ تسلّمها السلطة سعت حكومة الترويكا وعلى رأسها حركة النهضة إلى الهيمنة على الإعلام، فتعرّضت المؤسسات الاعلامية العمومية إلى حملة شرسة من قبل وزراء النهضة ومعها المؤتمر من أجل الجمهورية، بل سارعت النهضة إلى تحريك ما يسمّى «روابط حماية الثورة وأقامو اعتصاما أمام مقرّ التلفزة الوطنية لم يخْلُ من مظاهر العنف المعنوي والمادي ضدّ الصحافيين العاملين بهذه المؤسسة، وبالتوازي مع ذلك أثارت قضيّة تعيين شخصيّة موالية للنهضة (رغم أنّه تجمّعيّ نوفمبريّ) على رأس مؤسسة دار الصباح موجة كبيرة من الاستياء لدى الصحافيّين وحتّى الرأي العام، وبعد بداية تحييد المؤسسات العمومية التفتت حركة النهضة إلى بعض المؤسسات الخاصة فأفقت على صاحب قناة «التونسية» في السجن رغم قرارات قضائية متوالية تثبت براءته، وآخرها تهجّمها على قناة «الحوار التونسية» وتحريك القضاء لتوريط مديرها السيد الطاهر بن حسين في قضايا ليست له فيها ناقة ولا بعير.
لقد تتالت الهجومات على الإعلاميين والمبدعين منذ أن استقرّ الوضع للنهضة وذلك من قبل الأحزاب الحاكمة ومعها جماعات لا تؤمن بحريّة الفكر وبحقّ الاختلاف وهي موجة تسير في خطّ ممنهج والأحداث التي عرفت عنفا ضدّ المبدعين دون أن تحرّك الحكومة ساكنا كثيرة أهمّها أحداث سينما أفريكا ومهاجمة قناة نسمة والهجوم على المسرحيّين أمام مسرح البلدي في اليوم العالمي للمسرح (أو ما يسمّى غزوة المنقالة) ومنع يوسف الصدّق من إلقاء محاضراته ومهاجمة ألفة يوسف، كلّ هذا يقع و الحكومة تعمل دائما على التخفيف من شناعة وبشاعة هذه الأفعال التي ترتقي إلى مستوى الجريمة.
لقد سبق لحمادي الجبالي وهو أمين عام حركة النهضة أن صرّح قائلا:«نكبة ثورتنا في نخبتها»، ثمّ طلع علينا لاحقا قائلا: «نكبة النخبة في سياسيّيها»، ومعنى ذلك بالنسبة إليه أنّه من الأفضل أن تبقى تونس دون نخبة ودون سياسيّين، كلّ هذا يدلّ على الفشل الذّريع لحكومات النهضة المتتابعة في المجال الإعلامي والثقافي، بل إنّي أتساءل هل لحكومة النهضة سياسة إعلامية وثقافية من أصلها.
4) شرعية التعيينات الموازية
صرّح في منتصف أوت 2013 رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام بأن ّ أكثر من 80 % من جملة التعيينات الجديدة في الوظائف الحسّاسة والسّامية تمّت عبر الولاءات لحركة النهضة وليس بالكفاءات، وتتمثّل هذه الانتدابات في تعيين المسؤولين السّامين بدواوين الوزراء والمكلّفين بمهامّ ومستشارين ورؤساء مؤسسات ومنشآت عمومية بالإضافة إلى الولاّة والمعتمدين وبعض الكتاب العّاميّن للولايات و البلدياّت ورؤساء وأعضاء النيابات الخصوصية. وأكّد رئيس هذا الاتّحاد أنّه من بين 24 واليا تمّ تعيين 19 منهم من الموالين لحركة النهضة وأكثر من 70 % من النيابات الخصوصية تمّ تعيينهم في مرحلة تولّي العريّض لوزارة الداخليّة. وتأتي خطورة هذه التعيينات في استهداف الانتخابات القادمة وجعلها غير شفّافة، كما تسبّبت في تجميد الموظّفين الأكفّاء وعدم قدرة المنتدبين الجدد على إدارة الملفّات التي كلّفوا بها، ومن ناحية أخرى يشير إلى هذا الاتحاد أنّ نحو 90 % من المستفدين من تعيينات العفو التشريعي العام تمّت لصالح المنتمين إلى حركة النهضة رغم أن جزءا كبيرا منه يملكون مشاريع خاصة بهم أو شركات و30 % منهم تتراوح أعمارهم بين 40 و 50 سنة ممّا سيخلّف عجزا في ميزانية الدولة بسبب إثقالها بتعيينات ليست في حاجة إليها، وأخيرا ذكر رئيس الاتحاد المذكور أن رئاسة الحكومة لوحدها عيّن بها 57 مستشارا ومكلّف بمهمّة، كما عيّن بالحكومة دون اعتبار مؤسسة الرّئاسة 104 كاتب دولة ومسؤول بامتيازات وزير ويرتفع العدد إلى 150 موظفا ساميا ووزيرا وكاتب دولة باعتبار مؤسسة رئاسة الدولة وهي انتدابات تكلّف الدولة الكثير والغاية منها بالطبع إرضاء أتباع وأنصار حركة النهضة دون الالتفات إلى الوضعية الخطيرة للاقتصاد وميزانية الدولة الغارقة في الإفلاس.
5) شرعية الارتهان للخارج
صادق المجلس الوطني التأسيس يوم 05 جوان 2013 على مشروع قانون يتعلّق باتفاقيّة مبرمة في 16 نوفمبر 2012 بين تونس والبنك التركي للتصدير والتوريد (Turk Eximbank) للمساهمة في تمويل اقتناء تجهيزات ذات منشأ تركي وإنجاز مشاريع ذات أولوية في القطاعين العام والخاص بمبلغ قيمته 320 مليون دينار، ويمكن اعتبار هذا القرض فضيحة بأتمّ معنى الكلمة لأنّ هذا النوع من القروض لا يعطى للدول ذات السيادة، بل هي قروض مشروطة تمنح للدول المتخلّفة، وقد أشار الخبير الاقتصادي معزّ الجودي إلى أنّ حركة النهضة مكّنت تركيا من الظفر بمشاريع دون الخضوع إلى التمشى القانوني المعمول به ودون احترام شروط طلب العروض وقال إنّ هذا القرض شروطه مخالفة لأحكام الصّفقات العمومية في تونس وأنّ تركيا تسير على النهج القطري في التعامل مع الحكومة التونسية، من جهة أخرى ينبغي التأكيد أنّه لا يمكن تناول العلاقة مع صندوق النقد الدولي دون النظر في برنامج الإصلاح الهيكلي الذي أجري في تونس منذ سنة 1986 والإصلاحات غير المراعية لمصلحة تونس وما جاناه الشعب التونسي من بؤس وفقر وبطالة و قمع واستبداد وكلّ الاملاءات لخوصصة المؤسّسات العمومية وإحداث أشكال هشّة ومنوال تنمويّ لا شعبيّ، وأنّ شروط القرض المقدّمة مجحفة ونسبة الفائدة الحقيقية ضعف النسبة المصرّحة بها وبالتالي فإنّه يمثّل عامل افلاس للدولة علاوة على أنّ هذا القرض ليس موجّهاً للاستثمار بل للاستهلاك. والأخطر في ذلك أن هذا القرض كان بعد اشتراط المصادقة على قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام الذي يرسي التبعية.
إنّ سياسة حكومة النهضة في المجال المالي يفقد الدولة التونسية سيادتها ويجعلها مرتهنة إلى الدوائر المالية العالمية وتوابعها (قطر وتركيا والإمارات إلخ ... ). هذه التوابع التي تغدق على حركة النهضة أموالاً طائلة عبر الجمعيات الخيرية والمنظمات الثقافية والدينية، يبلغ عدد الجمعيات في تونس 15 الفا و177 منها 5305 تم تأسيسها بعد 14 جانفي، وفيما يتعلق بالتمويل نصّ الفصل 35 من المرسوم 88 بتاريخ 23 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات على أنه يحجّر على الجمعيات قبول مساعدات أو تبرّعات أو هِبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول، ويتساءل أغلب المهتمين بهذا الشأن عن كيفية تحديد هذ السياسات التي تدافع عن تلك الدول. ومهما كان الأمر لا يمكن بأي حال من الأحوال مراقبة مصادر تمويل الجمعيات خاصة أن الأموال أصبحت تدفع مباشرة إلى الجمعية دون المرور عبر البنك المركزي وأصبح المطلوب منها الإعلام بالأموال الحاصلة عليها حيث ينصّ الفصل 38 من نفس المرسوم على أن تتم كل المعاملات المالية صرفاً ودخلاً بواسطة تحويلات أو شيكات بنكية أو بريدية إذا تجاوزت قيمتها 500 دينار ولا يمكن تجزئة هذه المصاريف أو المداخيل كي لا تتجاوز القيمة المذكورة. وعلى اثر ارتفاع عدد الجمعيات في تونس والغموض الذي يلف مصادر تمويلها، فقد كثر الحديث عن بعث بلد خليجي لعديد الجمعيات الخيرية في تونس بعد الثورة وهي جمعيات تعمل في شكل غطاء لتجنيد شبابنا إلى سوريا، وهي جمعيات نجحت في التغلغل داخل الطبقات الفقيرة مستغلة وضعها الاقتصادي الضعيف بهدف تجنيد الشباب إلى سوريا. وتجدر الإشارة إلى أن القناة الإخبارية السورية المناصرة لنظام بشار الأسد نشرت تقريراً مصوّرا يظهر أن قطر قامت ببعث العديد من الجمعيات الخيرية في تونس بعد الثورة وتعمل كغطاء لتجنيد ما وصفتهم بالإرهابيين للتوجه إلى سوريا. وأوضحت نفس القناة أن أنصار الشريعة في تونس تلقّوا عروضا من جهات رسمية تونسية بالإفراج عن عدد من معتقليها مقابل تسهيل انتقالهم إلى الأراضي السورية عبر تركيا.
وفي الحقيقة يعود الجدل حول صعوبة مراقبة المال السياسي إلى مرحلة ما قبل انتخابات 23 أكتوبر 2011 إذ يؤكد الخبراء في التصرف المالي أن تدفق المال السياسي عمليةٌ في منتهى الدقة والتعقيد وأحياناً بالضبابية والضمور، وهي تخضع إلى ضوابط تصرف قانونية ومحاسبية لا يمكن أخذها ببساطة وسهولة، إذ أنه على سبيل المثال يبدو تمويل الأحزاب والجمعيات الأهلية من طرف الشركات التجارية أو من قِبَلِ رؤوس الأموال الفردية هو جدل يدور خارج طبيعة الحقائق الواقعية للنسيج الاقتصادي التونسي وهو جدلٌ مفارق لطبيعة المشهد الاقتصادي والمالي التونسي ولا يأخذ بعين الاعتبار أن أغلب الشركات التونسية ذات صبغة عائلية يسيطر فيها القرار الفردي على القرار الجمعي للذات المعنوية التجارية مما يفسح المجال للاستفراد بالرأي عند مالكي الشركة والتي من المفروض أنّ تمتعها بالذّات المعنوية الاعتبارية، تجعلها بمعزلٍ عن القرارات الانفرادية وهذا مما لا يتوفر بعد في النسيج الاقتصادي والمالي التونس.
إن المزاوجة من جهة بين قوانين رادعة ومعايير محاسبية جديدة وبين ميثاق شرف يجمع جميع الأطراف من شأنه أن يحصر تداعيات المال السياسي ويحد من تأثيره السلبي على المشهد السياسي التونسي ودون ذلك سيبقى الجدال عقيماً ومفرغاً من محتواه (3).
إن غياب التشريع الواضح في ما يتعلق بالمال السياسي قبل انتخابات 23 أكتوبر واستمرار ذلك بعدها رغم صدور المرسوم رقم 88 لسنة 2011، فتح الباب عريضاً أمام الأحزاب السياسية وخاصةً منها حركة النهضة ليتلقى تمويلات تعرف مسبقاً أنها لن تنكشف يعدّ أمراً خطيراً إذا ما اقتربنا من موعد الانتخاب.
تسعى حركة النهضة وكل الأحزاب والجمعيات المقربة إليها إلى ضمان كل أشكال الشرعيات الموازية وذلك من أجل هدفٍ واحد هو البقاء والديمومة في السلطة. المختار بوسنينة (أستاذ مبرز في التاريخ)
المختار بوسنينة (أستاذ مبرز في التاريخ)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.