تمر مهن الخدمات غير التجارية بصعوبات خانقة لم تسمح بتطورها من جراء عدم الاستجابة لمطالبها الداعية الى التأهيل بالنظر للمعايير المتعارف عليها داخل البلدان المتطورة والرامية أساسا الى حماية المستهلك مثلما أشارت الى ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التوصيات الأوروبية وكذلك من جراء انعدام الحوار بين المهن والادارات المعنية بها حيث أن المقترحات المقدمة من قبل المهن بقصد التأهيل مع ما يجري بأوروبا عادة ما تواجه باللامبالاة والرفض لتضارب المصالح تارة ولأسباب شخصية تارة أخرى. بل يلاحظ المهنيون أن هناك أطرافا تعمل على تهميش المهن بالسماح لمن هب ودب بمباشرتها دون رادع ودون تفعيل ما يتعلق بحماية المستهلك وقانون المنافسة والاسعار وغيرها من القوانين التي ولدت ميتة . فعديد العرائض المرفوعة منذ سنوات من قبل المهنيين بخصوص المزاحمة غير الشريفة على اساس الفقرة الرابعة من الفصل 39 مكرر من قانون المنافسة والاسعار والفصول 11و12و13 من قانون حماية المستهلك ما زالت تنتظر الرد. فأغلب مهن الخدمات غير التجارية ببلادنا غير منظمة بقوانين أو تحكمها قوانين متخلفة يمكن تصنيفها ضمن تراثنا الوطني أو كراريس شروط صاغتها الادارة بمفردها خالية من الشروط المتعارف عليها دوليا كحمل شهادة اختصاص واجتياز مناظرة تطبيقية ونظرية وإثبات الخبرة المهنية والتفرغ واحترام ميثاق المهنة ومراقبة الجودة وتأديب المخالفين والترسيم بالجدول وحمل بطاقة مهنية والتكوين المستمر ومكان مباشرة النشاط والتجهيزات اللازمة لذلك. وقد زاد الطين بلة المعرفات الجبائية التي تسندها الإدارة لبعض المباشرين لأنشطة غير تجارية عند التصريح بوجودهم لديها حيث يتحولون الى خبراء مستشارين في جميع الاختصاصات . فلقد حصل أحدهم على معرف ينص بعنوان نشاطه على عبارة «مستشار Consultant» كما حصل آخر على معرف ينص على عبارة «خبراء Experts» وذلك في خرق للفصل 56 من مجلة الضريبة على دخل الاشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات. وباعتبار أن العبارات المنصوص عليها بعنوان النشاط جاءت مطلقة فإن هؤلاء الاشخاص يمكنهم مباشرة نشاط مستشار أو خبير في المحاسبة والطب والفلاحة والإعلامية والقانون والجباية والتصرف والتسويق والفندقة والموسيقى والمالية والبورصة والعلاقات الدولية والموارد البشرية والأحصاء والطاقة النووية والشعوذة وغيرها من الاختصاصات التي لا يتسع المجال لتعدادها. وأغرب من ذلك ان الشركات المكونة لمباشرة انشطة على وجه غير قانوني كالاستشارة الجبائية على سبيل المثال لا الحصر يتم ترسيمها بالسجل التجاري في خرق للفصل 3 من القانون عدد 44 لسنة 1995متعلق بالسجل التجاري الذي نص على عدم قبول الترسيم بالسجل التجاري اذا لم تتوفر في الطالب الشروط اللازمة لممارسة النشاط المزمع مباشرته حسب التراتيب التي تنظمه. هذه الفوضى مكنت عددا هاما من الاشخاص من مباشرة مهن منظمة بقوانين بطريقة غير شرعية بمجرد الحصول على معرف جبائي ينص بعنوان النشاط على عبارة «مستشار» أو «خبراء» . كما أن ذلك شجع الأجانب على الانتصاب ببلادنا من خلال ايداع تصاريح بالاستثمار مغشوشة مثلها هو الشان بالنسبة لشركات السمسرة في اليد العاملة ومزاحمةالتونسيين وقطع رزقهم كما يرى بعض المهنيين بمجرد ايداع تصريح بالاستثمار لدى وكالة النهوض بالصناعة وحصولهم على معرفات جبائية تنصص بعنوان نشاطهم على عبارة «استشارات ودراسات» أو استشارات ومساعدة المؤسسات» أو «استشارات» أو «خدمات» بالاعتماد على الأمر عدد 492 لسنة 1994 الذي تضمن أخطاء فادحة وحرر بصفة عشوائية وحشية أغلب انشطة الخدمات قبل التحرير ودون مراعاة لمبدأ المعاملة بالمثل وهذا يصب رأسا في دائرة استفحال ظاهرة استيراد البطالة. وعلى الرغم من أن مهام المجلس الوطني للخدمات تتمثل في ابداء الرأي في المواضيع ذات الطابع الهيكلي و الظرفي والمساهمة في إعداد توجهات السياسة الوطنية في مجال تحرير الخدمات ورصد واقع القطاع إلا أنه لم يحرك ساكنا تجاه العرائض التي وجهت إليه بهذا الخصوص وهنا يتساءل المهنيون عن الدور الحقيقي للمجلس ويتخوفون من أن يصبح دورهم صوريا داخله خاصة في غياب اية قرارات عاجلة وملموسة صادرة عنه لدق ناقوس الخطر . فالبعض أصبح يطالب بإيجاد هيكل شبيه بديوان المهن بكندا أو المجلس الأعلى للمهن ببلجيكا لينكب على مشاغلهم ويضع حدا لحالة التهميش المقيت الذي تعيشه المهن منذ عشرات السنين باعتبار ان المجلس الوطني للخدمات جاء دوره مجانيا لمطالبهم ومشاغلهم.