بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    قبلي: مجهودات مشتركة للتوقي من افة "عنكبوت الغبار" بمختلف مناطق انتاج التمور    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المكتبة الخضراء تفتح أبوابها من جديد يوم الأحد 22 جوان بحديقة البلفدير    الجزائر تؤكد دعمها لإيران وتدين "العدوان الإسرائيلي"    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف كان موقف المنظمات الوطنية من الصراع بين رأسي الحزب؟
في مكتبة الشعب اليوسفيون وتحريرالمغرب العربي (3/3): الحزب الشيوعي إعترض على الاستقلال الداخلي في البداية لكنه تراجع...
نشر في الشعب يوم 25 - 08 - 2007

لم يكن دعم الاتحاد العام لبورقيبة، تأكيدا لخياره الاجتماعي والاقتصادي ولا نتيجة لقرار نقابي لا على مستوى المؤتمر ولا على مستوى المجلس الوطني ولا على مستوى الهيئة الإدارية بل هو أقرب إلى المناورات السياسية والعلاقات الشخصية والمبادرات الفردية التي لا علاقة لها بخيارات المنظمة. وقد تخلص بورقيبة في نفس السنة من المشروعين القومي والاشتراكي، ففي شهر جانفي من سنة 1956طرد صالح ابن يوسف من الوطن حيث اضطر إلى الفرار بعد أن دخلت فرنسا حلبة الصراع وفي شهر ديسمبر طرد أحمد بن صالح من المنظمة الشغيلة عندما كان يقوم بمسعى وحدوي في المغرب الأقصى بين المنظمات العمالية المغربية.
اتحاد الصناعة والتجارة والصراع اليوسفي البورقيبي
إن اتحاد الصناعة والتجارة الذي فرضه صالح بن يوسف فرضا على صغار الصناعيين والحرفيين مقحما كبار التجار وخاصة من الأقلية اليهودية فإنه من المنطقي جدا أن يقف إلى جانب الذي يوفر الاستقرار لشريحة التجار والصناعيين، فهؤلاء لا يحبذون المغامرة فهم دائما إلى جانب الإدارة وقد كانت نضالاتهم منحصرة في غلق المحال التجارية الصغيرة في تونس العربية. ومع ذلك لم يكن موقفهم منطلقا من هياكلهم، وقد تمكن بورقيبة من استدراج رئيسه الفرجاني بن عمار
اتحاد الفلاحين والصراع اليوسفي البورقيبي
ما قلناه عن الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة لا ينسحب على اتحاد الفلاحين، فقيادة هده المنظمة عقدت مجلسا وطنيا في نوفمبر1955 طالبت فيه بمراجعة الاتفاقية وخاصة الجانب الاقتصادي وبالتحديد الجانب الفلاحي وهذه أسباب موضوعية لرفض الاتفاقية ، فالمقاومة التونسية نهضت على صغار الفلاحين الذين انتزع المستوطنون أراضيهم، ومع ذلك فإن هذه الاتفاقية أهملت تحرير أخصب الأراضي التونسية فالنتائج لم تكن في مستوى التضحيات .وبالإضافة إلى ذلك فإن قيادة المنظمة ضمت عناصر متباينة بعضهم ينتمي إلى كبار الفلاحين كالحبيب المولهي والبعض الآخر أقرب إلى المثقفين العام كإبراهيم عبد الله الأمين العام الذي سجل مواقف المنظمة في مجلتها « الخضراء « وما تعرضت له القيادة من ملاحقة ومطاردة في ظروف صعبة حيث كانت مليشيا الحزب تلاحقها وتهددها بالقتل وتهاجم مقر الاتحاد وتضرم فيه النار.
منظمة صوت الطالب الزيتوني
إن جاهزية التصنيفات والتعميمات تكاد يكون عامة حول المؤسسة الزيتونية عند أغلب المهتمين بهذه المرحلة باستثناء الأخ محمد ضيف الله، الذين اعتبروا المؤسسة الزيتونية مؤسسة ماضوية تقليدية تعادي الحداثة. وتواصلا مع هذا الاستنتاج ، فإن مشروع صالح بن يوسف الذي يدعمه أبناء جامع الزيتونة هو مشروع تقليدي محافظ ، وهو استنتاج غاية في التبسيط ولا يدل على إحاطة كافية ببنية هذه المؤسسة وبالتيارات الفكرية التي كانت تشقها. لذا أرى لزاما ألقي بعض الأضواء على دور هذه المؤسسة لقد لعبت هذه المؤسسة طوال النصف الأول من القرن العشرين دور الدرع الواقي لصيانة الهوية العربية الإسلامية في تونس وإلى حد بعيد في الجزائر ضد كل مشاريع الغزو الثقافي بداية من الظهير البربري وصولا إلى الحملة الصهيونية مرورا بالتجنيس والمؤتمرالأفخارستي وتكاد تكون الوحيدة التي اضطلعت بهذا الدورفلم تشاركها لا المدارس التي أنشأها البايات ولا التي أسستها فرنسا، فالمصادر والمراجع التاريخية لم تتحدث عن أية مظاهرة خرجت منها، والمقابر لم تستقبل أي شهيد منها سقط دفاعا عن الوطن. إن هذه المؤسسة رغم إمكانياتها العلمية المتواضعة لعبت دور الحاضنة لأبناء الطبقات الشعبية الذين سمت طموحاتهم وعزت إمكانياتهم وكانوا يعيشون مجموعة من الإكراهات الاجتماعية والتربوية والسياسية لكن أخطرها كان الخوف من المستقبل، وكان هذا أكبر حافز لمواجهة العديد من التحديات وقد أفرزت في أحلك الظروف شابين كانا رمزا للتمرد هما الشابي والطاهر الحداد في أوسع مجالاته الفكرية والاجتماعية .ومع أواخر العقد الرابع وبداية العقد الخامس من القرن العشرين تمكنوا من تحقيق أكبر إنجاز يمكن أن تحققه حركة طلابية في تلك الظروف وهو الهيكلة والتعبئة، وكان ذلك بطريقة ديمقراطية» فاستحدثوا «برلمانا طلابيا» وشكلوا منظمة طلابية « منظمة صوت الطالب الزيتوني» وأصدروا جريدة ناطقة باسمهم «صوت الطالب» حملت أروع صورة نضالية للالتزام الوطنى والفكر التحرري، وخاضوا أكبر وأنجع إضراب عرفته البلاد ضد حكومة الكعاك وأسقطتها، دعمته كل الفعاليات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة حشاد الذي زارهم في المسجد مرتين، وقد دعموا الحركة النقابية ونقدوا حشاد لانسياقه وراء الحزب وخاصة عند إضراب النفيضة، وساهموا مساهمة فعالة في حملة التطوع لفلسطين وصاروا يطمحون إلى تصدير تجربتهم خارج إطار جامع الزيتونة، فكان ذلك مصدر تخوف الحزب الدستوري برأسيْه، فحاول أن يستفيد منهم لإسقاط حكومة الكعاك ولما تواصل إضرابهم مع حكومة شنيق الثانية تصدى لهم وشق صفوفهم وأنشأ مجموعة موالية سميت «الكتلة» وطاردتهم عصاباته وتعرض بعضهم إلى الاغتيال .وخاضوا مسيرة طلابية سقط فيها أربعة شهداء. ومع تصاعد النضال الطلابي لهذه المؤسسة تقلص إلى حد بعيد الدور السياسي لأساتذتهم ولم يبق على الساحة إلا فئة محدودة مثل الصادق بسيس والشاذلي بالقاضي والفاضل بن عاشور، وقد لعب هؤلاء أدوارا إيجابية في تمتين الوحدة الوطنية من خلال جمع الطيف السياسي الوطني في مؤتمر ليلة القدر، وفي تعبئة الشعب التونسي لفائدة القضية الفلسطينية وتميز الفاضل بن عاشور بعمل ريادي وهو التنظير للعمل النقابي من منظور التكافل الاجتماعي في الإسلام في الوقت الذي كان ينظر فيه للحركة النقابية في المغرب الاقصى خاصة على أنها محرمة لأنها تحمل خلفية شيوعية، وهو من أهم عوامل نجاح الاتحاد العام التونسي للشغل أمام خصم عريق محنك ويتمتع برصيد عقائدي تدعمه قوى محلية وعالمية هي الاتحاد الإقليمي الجامعة العامة للشغل UD -CGTفهذه المنظمة» صوت الطالب الزيتوني « دافعت عن الهوية العربية الإسلامية في وجه الاغتراب والمسخ وتفاعلت فعلا مع المشروع القومي ، ولا نجد في كتاباتها ونضالاتها ومواقفها أي أثر لمعاداة الحداثة بل العكس هو الصحيح فقد كان المطلب الملح هو تعصير الدراسة في جامع الزيتونة على غرار بقية المدارس حتى يتمكن الطلبة من مواصلة دراستهم شرقا وغربا وحتي يكونوا مؤهلين لسوق الشغل، فالحداثة ليس خيارا يمكن أن يؤخذ أو أن يترك بل هو ضرورة ملحة لعملية التنمية الشاملة لكل الشعوب والأمم حتى تعيش عصرها وتثبت وجودها.فنضالات هذه المؤسسة يختزلها البعض في صورة نمطية جاهزة هي : جامع الزيتونة مؤسسة تقليدية ماضوية ساندت صالح بن يوسف، فمشروعه حينئذ مشروع تقليدي محافظا معاد للحداثة، إنه المنطق الصوري الذي يستند إلى المقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى ، فينتهي بالإنسان الحر العاقل الفاعل إلى أبشع صورة حيوانية. وقد أسعفني الحظ كما أسعفك أيضا أن تعرفت على بقية باقية من مناضلي» الثورة الثانية» كما سميتها على منبر مؤسسة التميمي مثل الأستاذ أحمد صوة و الصادق الشايب و العميد القروي وتميم الحمادي وغرس والهاني وأخينا المناضل علي بن سالم رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت المحكوم عليه بالإعدام وعلى غيرهم، فلم أجد أي أثر لما حاول النظام ترويجه ضدهم بل إنهم على العكس من ذلك كانوا مثالا للطهارة النضالية ومازالوا على قناعتهم السياسية المبدئية رغم ما تحملوه من عذابات السنين.
الحزب الشيوعي والصراع اليوسفي البورقيبي
إن الحزب الشيوعي في تونس كما ذكرت تحول من موقف المعترض على الاتفاقيات إلى موقف المؤيد لها والمدعم لبورقيبة، لكن ليس فقط لأنه لا يريد أن ينحاز للمشروع القومي الذي يتزعمه صالح ابن يوسف الذي يلقى الدعم من القاهرة بل إن السبب الرئيسي يعود إلى غياب مشروع شيوعي مستقل حول مستقبل المنطقة لدى كل الأحزاب الشيوعية العربية التي كانت أسيرة تنظيرات الحزب الشيوعي الفرنسي أو المركزية السوفيتية، والأمين العام الوحيد الذي تحرر من هذا الأسر هو علي جراد حيث حاول أن ينخرط بقوة في الحركة الوطنية لكنه ذهب ضحية خياره، ولم يعد له اعتباره إلا مع الاستقلال، واستمر ذلك طوال الأربعينات والخمسينات.وهذا ما جعل هذه الأحزاب لا تصنع الأحداث وإنما تتعاطى مع المستجدات التي تطرأ دون وجود مرجعية سياسية تعود إليها،هذا رغم التضحيات التي قدمها العديد من المناضلين الشيوعيين كمحمد النافع ومحمد حرمل. فقد اعترض الحزب الشيوعي على الاتفاقيات لأنها فعلا دون طموحات الشعب وتضحياته، ومع تطور الأحداث تراجع، ويعود هذا التراجع لثلاثة أسباب: إنه لا يريد أن يكون محسوبا على حركة ابن يوسف وما تحمله من خلفية قومية معادية لفرنسا إنه تأكد أن كفة بورقيبة بعد دعم فرنسا له هي الراجحة، وبالتالي لا يريد أن يكون في الطرف الخاسر فيحاسبه بورقيبة حسابا عسيرا كما حاسبه سنة 1963 على جريمة لم يرتكبها العامل الأهم أنه كان يفتقر إلى رؤية واضحة حول تونس والمنطقة على مستوى المغرب العربي أو الوطن العربي ولم تتخلص الحركة الشيوعية من هذا الأسر المرجعي إلا في النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات حيث أقدمت عدة فصائل على مراجعة فكرية جذرية انطلاقا من أربعة معطيات الهزيمة العربية سنة 1967 حركة ماي1968 الطلابية التي انطلقت من فرنسا وبلغ مداها أغلب دول العالم الثورة الثقافية الصينية وخصوصيتها الوطنية خصوصية البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العربي تونس نموذجاوبقطع النظر عن مآل التجربة فإنها قطعت مع التبعية والاتكالية اللتين تميزت بهما الأحزاب الشيوعية التقليدية وأوقعتها في الإرباك والمواقف المتناقضة
معطيات تاريخية للمراجعة
أ الصراع البورقيبي اليوسفي والجهويات من الرهانات التي ذكرها الكاتب حول الصراع اليوسفي البورقيبي «صراع جهوي وعصبيات عائلية وعروشية وانتمائية، ويشرح ذلك : أهل الجنوب عامة والدواخل الغربية للبلاد والتجار أصيلي جربة ...مع ابن يوسف مقابل أهل الساحل وغيرهم مع بورقيبة حتى وإن كانت الانفلاتات ليست قطعية لا جغرافيا ولا عصبيا « إن تصنيف الأنصار جهوي يتطلب المراجعة للمزيد من الدقة، لقد جعل الساحل يكاد يكون خالصا لبورقيبة والجنوب لابن يوسف وهذا مجافاة للحقيقة، فالمجتمع التونسي إذا استثنينا ما كان متواجدا في العاصمة ومن منظور أرستقراطي( بلدية وآفاقيين) كان في جملته سليما ولم تنخره الجهويات إلا بعد استتباب الحكم لبورقيبة الذي وظف الجيش الفرنسي ولجان الرعاية لمطاردة كل المخالفين له ، فليس هناك مدينة أو قرية في الساحل لم يشقها تياران:أحدهما موال لبورقيبة والآخر لابن يوسف، بما في ذلك المنستير مسقط رأس بورقيبة وقصر هلال مسقط رأس الحزب، ويمكن أن نلاحظ ذلك حتي على مستوى العناصر القيادية لليوسفية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن العضد الأيمن لابن يوسف هو حسين التريكي وهو من أبناء المنستير، كذلك فإن أول قتيل سقط في صفوف اليوسفيين هوعلي بن سليمان سائق ابن يوسف وهو من أبناء قصر هلال كذلك الصادق الشايب مدير ديوانه وأحمد صوة وغيرهم، وقبل هؤلاء جميعا والتحديد في أواخر الأربعينات فإن العنصر الفاعل في قصر هلال وفي الساحل عموما كان الطاهر بطيخ، وهو من أقرب المسؤولين الحزبيين إلى صالح بن يوسف وقد أوصى به بورقيبة المنجي سليم خيرا بعد تصفية فلاقة زرمدين وعندما عاد لتونس أبعده، وظهرت شخصية جديدة في قصر هلال هو محمد القنوني، وفي أوج الخلاف اليوسفي البورقيبي غاب الطاهر بطيخ غيبته النهائية وبذلك اختفى آخر شاهد على الجريمة السياسية التي ارتكبت في حق مجموعة زرمدين وهو الشاهد الذي « شاف كل شيء»، وبصفة موضوعية وبقطع النظر عن المهاترات فإن أهل الساحل عموما وأهل الساحل التونسي خصوصا لا يمكن أن يكونوا جهويين لأنه محكوم عليهم جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا أن يعيشوا مع الآخر وبالآخر
. ب فلاقة زرمدين
في سياق المقارنة بين الأزهر الشرايطي والعديد من العصابات ذكرت فلاقة زرمدين حيث قلت :» إنه كان على قاعدة ماض نضالي نظيف خلافا للكثيرين من قادة حركة الفلاقة أو مقاوميها الذين شاركوا فيها بعد ماض من السرقة والنهب والبشارة شأن فلاقة زرمدين) محمد يونب وصالح الوحيشي وأخوه فرج الوحيشي وحسن بن علي شهر بوصويفة من 1944 إلى (1948 وبلقاسم القرف وهلال الفرشيشي وحسن بن عبد العزيز ومحمد النيفر والشيخ حسن العيادي والعجيمي بن مبروك.
إن حكمك على مجموعة زرمدين لا يخلو من تعميم ولا أخال الأخ عبد الرزاق العثمني) المرجع الذي ذكرته) ذهب هذا المذهب، وما قلته هو خطاب التاريخ الرسمي الذي حاول أن يبرر الجريمة السياسية التي ارتكبها ممثل الحزب الدستوري بموافقة مباشرة أو غير مباشرة من القيادة برأسيها في حق هذه المجموعة في 11أفريل 1948 لما كانوا في طريقهم إلى فلسطين، حيث وقعت تصفيتهم في نطاق سياسية التهدئة مع المقيم العام الفرنسي مونس .هذا الحكم حتى وإن صح بالنسبة للبعض فهو لا يصح بالنسبة للنواة المؤسسة والفاعلة والتي تتكون من جنديين أخوين فلاحين التحقا بقريتهما لما انهزم الجيش الفرنسي أمام الزحف الألماني، لكنهما رفضا الالتحاق به من جديد عندما عاد من الجزائر تحت راية الحلفاء، ولا علاقة لهذين الأخوين صالح وفرج بالسرقة والنهب، بل إن صالح كان مثالا لقيم الشهامة والبطولة التي مازالت تحتفظ بها ذاكرة القرية، بالإضافة إلى ما توفر لهذه القرية من شبه استقلالية غيبت عن سكانها جباة الضرائب لمدة 4 سنوات . هذه المجموعة وثقت بممثل حزب الدستور في منطقة الساحل الذي تورط في السوق السوداء واكتشف البوليس علاقاته بالفلاقة وبالسوق السوداء معا، فاتصل بقيادته السياسية الموجودة في تونس ومن ينوب عمَنْ كان خارجها، فوافقوا جميعا وكل له حاجة،ثم تقدم للفلاقة من جديد وأقنعهم بالالتحاق بفلسطين ريثما تنضج ظروف المقاومة في تونس وأركبهم صحبة حسن بن عبد العزيز سيارة سوداء أسدلت عليها الستائر باعتبارها تحمل حريما فكانت في ظاهرها خطة لمخاتلة الأمن وفي باطنها خطة مخاتلة من الأمن . وفي منطقة القطار من ولاية قفصة وقعت تصفيتهم بعد أن عاد رفيقهم حسن بن عبد العزيز الذي أقسم أنه كان مغفلا ولا يدري شيئا عن الخطة.وحتى إذا وقعت بعض الأخطاء أو حتى الجرائم فلا يمكن أن تقاس بما أحدثه هؤلاء من فزع للسلطة الفرنسية بكل أجهزتها العسكرية والأمنية طيلة أربع سنوات رددت صداها وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، وكانت سابقة دالة على قدرة المقاتل على الاستمرار في المقاومة إذا وجد حاضنة شعبية، ولم تكن لهم من مرجعية غير قيمهم البدوية بسلبياتها وإيجابياتها، وهذا ما أقلق فرنسا وأربكها فوجدت ضالتها في هذه النخب السياسية التي قدمتهم رهنا لسياسة التهدئة .
تلك هي بعض الملاحظات قدّمتها بكل لطف ومحبة للأخ عميرة حول مؤلفه التاريخي القيّم « اليوسفيون وتحرير المغرب العربي»، وما كنت لأسترسل في إثارة هذه النقاط التي أعتبرها جوهرية في تاريخنا الوطني الذي تعرض للسطو والتشويه لو لم أجد ما يشدني من إمتاع وإفادة، مع تجديد شكري لجريدة الشعب على رحابة الصدر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.