تسجيل تراجع في عدد جرحى حوادث المرور    عاجل/ حالة إحتقان إثر غلق مصنع بصفة فجئية بهذه الجهة    سوسة: اليوم العلمي الأول حول صحة المرأة    سليانة: فتح تحقيق في شبهة تلاعب بأموال رصدت لمشروع عمومي    بعد اجتياح غزة.. حماس تنشر "صورة وداعية" للرهائن الإسرائيليين    عاجل/ بينما كان في عمله: إستشهاد عائلة مدير مستشفى الشفاء في غزّة    عاجل: إيطاليا تُرحّل تونسيا بعد ان إكتشفت انه متزوج من إمرأة ولا يعيش معها    هذا ما تقرّر ضد فتاة أوهمت شبّانا بتأشيرات سفر إلى الخارج.. #خبر_عاجل    معاناة صامتة : نصف معيني مرضى الزهايمر في تونس يعانون من هذه الامراض    أبرز الأحداث السياسية في تونس بين 13 و20 سبتمبر 2025    بنزرت "بين الجسرين" .. "المتحرك" معاناة و"الثابت" أمل    اقتصاد أزرق : إعلان بنزرت يدعو إلى الترويج لإنشاء منطقة حرة لمعالجة البلاستيك ، لجعل المدينة قطباً متوسطياً للاقتصاد الدائري    بعد الاتفاق الدفاعي.. وفد سعودي يزور باكستان لإجراء محادثات تجارية    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة ستتولى ابرام ملاحق لعقود برنامج "بروسول الاك الاقتصادي" بصفة استثنائية    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    جمعية المرسى الرياضية تنظم النسخة الرابعة من ماراطون مقاومة الانقطاع المبكر عن الدارسة    عاجل/ حملة أمنية في أسواق الجُملة تُسفر عن إيقافات وقرارات بالإحتفاظ    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    من بينها تونس: 8 دول عربية تستقبل الخريف    صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية في هذا الموعد    60 يوما فقط للمغادرة الطوعية.. إدارة ترامب تنهي وضع "الحماية المؤقتة" لآلاف السوريين    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    الكاف: قافلة صحية تحت شعار "صحتك في قلبك"    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    الفيفا يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر مباريات كأس العالم 2026    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    "يوتيوب" يحظر حساب مادورو    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    وكالة إحياء التراث تحتفي باليوم العالمي للغة الإشارة تحت شعار "حتى التراث من حقي"    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    منزل وزير الصحة الأمريكي يخضع للتفتيش بعد إنذار    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    في عرض سمفوني بالمسرح البلدي...كاميليا مزاح وأشرف بطيبي يتداولان على العزف والقيادة    استراحة «الويكاند»    تتويج مسرحي تونسي جديد: «على وجه الخطأ» تحصد 3 جوائز في الأردن    وزارة الدفاع تنتدب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    تراجع عائدات زيت الزيتون المصدّر ب29,5 % إلى موفى أوت 2025    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    كيف سيكون طقس الجمعة 19 سبتمبر؟    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف كان موقف المنظمات الوطنية من الصراع بين رأسي الحزب؟
في مكتبة الشعب اليوسفيون وتحريرالمغرب العربي (3/3): الحزب الشيوعي إعترض على الاستقلال الداخلي في البداية لكنه تراجع...
نشر في الشعب يوم 25 - 08 - 2007

لم يكن دعم الاتحاد العام لبورقيبة، تأكيدا لخياره الاجتماعي والاقتصادي ولا نتيجة لقرار نقابي لا على مستوى المؤتمر ولا على مستوى المجلس الوطني ولا على مستوى الهيئة الإدارية بل هو أقرب إلى المناورات السياسية والعلاقات الشخصية والمبادرات الفردية التي لا علاقة لها بخيارات المنظمة. وقد تخلص بورقيبة في نفس السنة من المشروعين القومي والاشتراكي، ففي شهر جانفي من سنة 1956طرد صالح ابن يوسف من الوطن حيث اضطر إلى الفرار بعد أن دخلت فرنسا حلبة الصراع وفي شهر ديسمبر طرد أحمد بن صالح من المنظمة الشغيلة عندما كان يقوم بمسعى وحدوي في المغرب الأقصى بين المنظمات العمالية المغربية.
اتحاد الصناعة والتجارة والصراع اليوسفي البورقيبي
إن اتحاد الصناعة والتجارة الذي فرضه صالح بن يوسف فرضا على صغار الصناعيين والحرفيين مقحما كبار التجار وخاصة من الأقلية اليهودية فإنه من المنطقي جدا أن يقف إلى جانب الذي يوفر الاستقرار لشريحة التجار والصناعيين، فهؤلاء لا يحبذون المغامرة فهم دائما إلى جانب الإدارة وقد كانت نضالاتهم منحصرة في غلق المحال التجارية الصغيرة في تونس العربية. ومع ذلك لم يكن موقفهم منطلقا من هياكلهم، وقد تمكن بورقيبة من استدراج رئيسه الفرجاني بن عمار
اتحاد الفلاحين والصراع اليوسفي البورقيبي
ما قلناه عن الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة لا ينسحب على اتحاد الفلاحين، فقيادة هده المنظمة عقدت مجلسا وطنيا في نوفمبر1955 طالبت فيه بمراجعة الاتفاقية وخاصة الجانب الاقتصادي وبالتحديد الجانب الفلاحي وهذه أسباب موضوعية لرفض الاتفاقية ، فالمقاومة التونسية نهضت على صغار الفلاحين الذين انتزع المستوطنون أراضيهم، ومع ذلك فإن هذه الاتفاقية أهملت تحرير أخصب الأراضي التونسية فالنتائج لم تكن في مستوى التضحيات .وبالإضافة إلى ذلك فإن قيادة المنظمة ضمت عناصر متباينة بعضهم ينتمي إلى كبار الفلاحين كالحبيب المولهي والبعض الآخر أقرب إلى المثقفين العام كإبراهيم عبد الله الأمين العام الذي سجل مواقف المنظمة في مجلتها « الخضراء « وما تعرضت له القيادة من ملاحقة ومطاردة في ظروف صعبة حيث كانت مليشيا الحزب تلاحقها وتهددها بالقتل وتهاجم مقر الاتحاد وتضرم فيه النار.
منظمة صوت الطالب الزيتوني
إن جاهزية التصنيفات والتعميمات تكاد يكون عامة حول المؤسسة الزيتونية عند أغلب المهتمين بهذه المرحلة باستثناء الأخ محمد ضيف الله، الذين اعتبروا المؤسسة الزيتونية مؤسسة ماضوية تقليدية تعادي الحداثة. وتواصلا مع هذا الاستنتاج ، فإن مشروع صالح بن يوسف الذي يدعمه أبناء جامع الزيتونة هو مشروع تقليدي محافظ ، وهو استنتاج غاية في التبسيط ولا يدل على إحاطة كافية ببنية هذه المؤسسة وبالتيارات الفكرية التي كانت تشقها. لذا أرى لزاما ألقي بعض الأضواء على دور هذه المؤسسة لقد لعبت هذه المؤسسة طوال النصف الأول من القرن العشرين دور الدرع الواقي لصيانة الهوية العربية الإسلامية في تونس وإلى حد بعيد في الجزائر ضد كل مشاريع الغزو الثقافي بداية من الظهير البربري وصولا إلى الحملة الصهيونية مرورا بالتجنيس والمؤتمرالأفخارستي وتكاد تكون الوحيدة التي اضطلعت بهذا الدورفلم تشاركها لا المدارس التي أنشأها البايات ولا التي أسستها فرنسا، فالمصادر والمراجع التاريخية لم تتحدث عن أية مظاهرة خرجت منها، والمقابر لم تستقبل أي شهيد منها سقط دفاعا عن الوطن. إن هذه المؤسسة رغم إمكانياتها العلمية المتواضعة لعبت دور الحاضنة لأبناء الطبقات الشعبية الذين سمت طموحاتهم وعزت إمكانياتهم وكانوا يعيشون مجموعة من الإكراهات الاجتماعية والتربوية والسياسية لكن أخطرها كان الخوف من المستقبل، وكان هذا أكبر حافز لمواجهة العديد من التحديات وقد أفرزت في أحلك الظروف شابين كانا رمزا للتمرد هما الشابي والطاهر الحداد في أوسع مجالاته الفكرية والاجتماعية .ومع أواخر العقد الرابع وبداية العقد الخامس من القرن العشرين تمكنوا من تحقيق أكبر إنجاز يمكن أن تحققه حركة طلابية في تلك الظروف وهو الهيكلة والتعبئة، وكان ذلك بطريقة ديمقراطية» فاستحدثوا «برلمانا طلابيا» وشكلوا منظمة طلابية « منظمة صوت الطالب الزيتوني» وأصدروا جريدة ناطقة باسمهم «صوت الطالب» حملت أروع صورة نضالية للالتزام الوطنى والفكر التحرري، وخاضوا أكبر وأنجع إضراب عرفته البلاد ضد حكومة الكعاك وأسقطتها، دعمته كل الفعاليات الوطنية وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة حشاد الذي زارهم في المسجد مرتين، وقد دعموا الحركة النقابية ونقدوا حشاد لانسياقه وراء الحزب وخاصة عند إضراب النفيضة، وساهموا مساهمة فعالة في حملة التطوع لفلسطين وصاروا يطمحون إلى تصدير تجربتهم خارج إطار جامع الزيتونة، فكان ذلك مصدر تخوف الحزب الدستوري برأسيْه، فحاول أن يستفيد منهم لإسقاط حكومة الكعاك ولما تواصل إضرابهم مع حكومة شنيق الثانية تصدى لهم وشق صفوفهم وأنشأ مجموعة موالية سميت «الكتلة» وطاردتهم عصاباته وتعرض بعضهم إلى الاغتيال .وخاضوا مسيرة طلابية سقط فيها أربعة شهداء. ومع تصاعد النضال الطلابي لهذه المؤسسة تقلص إلى حد بعيد الدور السياسي لأساتذتهم ولم يبق على الساحة إلا فئة محدودة مثل الصادق بسيس والشاذلي بالقاضي والفاضل بن عاشور، وقد لعب هؤلاء أدوارا إيجابية في تمتين الوحدة الوطنية من خلال جمع الطيف السياسي الوطني في مؤتمر ليلة القدر، وفي تعبئة الشعب التونسي لفائدة القضية الفلسطينية وتميز الفاضل بن عاشور بعمل ريادي وهو التنظير للعمل النقابي من منظور التكافل الاجتماعي في الإسلام في الوقت الذي كان ينظر فيه للحركة النقابية في المغرب الاقصى خاصة على أنها محرمة لأنها تحمل خلفية شيوعية، وهو من أهم عوامل نجاح الاتحاد العام التونسي للشغل أمام خصم عريق محنك ويتمتع برصيد عقائدي تدعمه قوى محلية وعالمية هي الاتحاد الإقليمي الجامعة العامة للشغل UD -CGTفهذه المنظمة» صوت الطالب الزيتوني « دافعت عن الهوية العربية الإسلامية في وجه الاغتراب والمسخ وتفاعلت فعلا مع المشروع القومي ، ولا نجد في كتاباتها ونضالاتها ومواقفها أي أثر لمعاداة الحداثة بل العكس هو الصحيح فقد كان المطلب الملح هو تعصير الدراسة في جامع الزيتونة على غرار بقية المدارس حتى يتمكن الطلبة من مواصلة دراستهم شرقا وغربا وحتي يكونوا مؤهلين لسوق الشغل، فالحداثة ليس خيارا يمكن أن يؤخذ أو أن يترك بل هو ضرورة ملحة لعملية التنمية الشاملة لكل الشعوب والأمم حتى تعيش عصرها وتثبت وجودها.فنضالات هذه المؤسسة يختزلها البعض في صورة نمطية جاهزة هي : جامع الزيتونة مؤسسة تقليدية ماضوية ساندت صالح بن يوسف، فمشروعه حينئذ مشروع تقليدي محافظا معاد للحداثة، إنه المنطق الصوري الذي يستند إلى المقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى ، فينتهي بالإنسان الحر العاقل الفاعل إلى أبشع صورة حيوانية. وقد أسعفني الحظ كما أسعفك أيضا أن تعرفت على بقية باقية من مناضلي» الثورة الثانية» كما سميتها على منبر مؤسسة التميمي مثل الأستاذ أحمد صوة و الصادق الشايب و العميد القروي وتميم الحمادي وغرس والهاني وأخينا المناضل علي بن سالم رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ببنزرت المحكوم عليه بالإعدام وعلى غيرهم، فلم أجد أي أثر لما حاول النظام ترويجه ضدهم بل إنهم على العكس من ذلك كانوا مثالا للطهارة النضالية ومازالوا على قناعتهم السياسية المبدئية رغم ما تحملوه من عذابات السنين.
الحزب الشيوعي والصراع اليوسفي البورقيبي
إن الحزب الشيوعي في تونس كما ذكرت تحول من موقف المعترض على الاتفاقيات إلى موقف المؤيد لها والمدعم لبورقيبة، لكن ليس فقط لأنه لا يريد أن ينحاز للمشروع القومي الذي يتزعمه صالح ابن يوسف الذي يلقى الدعم من القاهرة بل إن السبب الرئيسي يعود إلى غياب مشروع شيوعي مستقل حول مستقبل المنطقة لدى كل الأحزاب الشيوعية العربية التي كانت أسيرة تنظيرات الحزب الشيوعي الفرنسي أو المركزية السوفيتية، والأمين العام الوحيد الذي تحرر من هذا الأسر هو علي جراد حيث حاول أن ينخرط بقوة في الحركة الوطنية لكنه ذهب ضحية خياره، ولم يعد له اعتباره إلا مع الاستقلال، واستمر ذلك طوال الأربعينات والخمسينات.وهذا ما جعل هذه الأحزاب لا تصنع الأحداث وإنما تتعاطى مع المستجدات التي تطرأ دون وجود مرجعية سياسية تعود إليها،هذا رغم التضحيات التي قدمها العديد من المناضلين الشيوعيين كمحمد النافع ومحمد حرمل. فقد اعترض الحزب الشيوعي على الاتفاقيات لأنها فعلا دون طموحات الشعب وتضحياته، ومع تطور الأحداث تراجع، ويعود هذا التراجع لثلاثة أسباب: إنه لا يريد أن يكون محسوبا على حركة ابن يوسف وما تحمله من خلفية قومية معادية لفرنسا إنه تأكد أن كفة بورقيبة بعد دعم فرنسا له هي الراجحة، وبالتالي لا يريد أن يكون في الطرف الخاسر فيحاسبه بورقيبة حسابا عسيرا كما حاسبه سنة 1963 على جريمة لم يرتكبها العامل الأهم أنه كان يفتقر إلى رؤية واضحة حول تونس والمنطقة على مستوى المغرب العربي أو الوطن العربي ولم تتخلص الحركة الشيوعية من هذا الأسر المرجعي إلا في النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات حيث أقدمت عدة فصائل على مراجعة فكرية جذرية انطلاقا من أربعة معطيات الهزيمة العربية سنة 1967 حركة ماي1968 الطلابية التي انطلقت من فرنسا وبلغ مداها أغلب دول العالم الثورة الثقافية الصينية وخصوصيتها الوطنية خصوصية البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع العربي تونس نموذجاوبقطع النظر عن مآل التجربة فإنها قطعت مع التبعية والاتكالية اللتين تميزت بهما الأحزاب الشيوعية التقليدية وأوقعتها في الإرباك والمواقف المتناقضة
معطيات تاريخية للمراجعة
أ الصراع البورقيبي اليوسفي والجهويات من الرهانات التي ذكرها الكاتب حول الصراع اليوسفي البورقيبي «صراع جهوي وعصبيات عائلية وعروشية وانتمائية، ويشرح ذلك : أهل الجنوب عامة والدواخل الغربية للبلاد والتجار أصيلي جربة ...مع ابن يوسف مقابل أهل الساحل وغيرهم مع بورقيبة حتى وإن كانت الانفلاتات ليست قطعية لا جغرافيا ولا عصبيا « إن تصنيف الأنصار جهوي يتطلب المراجعة للمزيد من الدقة، لقد جعل الساحل يكاد يكون خالصا لبورقيبة والجنوب لابن يوسف وهذا مجافاة للحقيقة، فالمجتمع التونسي إذا استثنينا ما كان متواجدا في العاصمة ومن منظور أرستقراطي( بلدية وآفاقيين) كان في جملته سليما ولم تنخره الجهويات إلا بعد استتباب الحكم لبورقيبة الذي وظف الجيش الفرنسي ولجان الرعاية لمطاردة كل المخالفين له ، فليس هناك مدينة أو قرية في الساحل لم يشقها تياران:أحدهما موال لبورقيبة والآخر لابن يوسف، بما في ذلك المنستير مسقط رأس بورقيبة وقصر هلال مسقط رأس الحزب، ويمكن أن نلاحظ ذلك حتي على مستوى العناصر القيادية لليوسفية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فإن العضد الأيمن لابن يوسف هو حسين التريكي وهو من أبناء المنستير، كذلك فإن أول قتيل سقط في صفوف اليوسفيين هوعلي بن سليمان سائق ابن يوسف وهو من أبناء قصر هلال كذلك الصادق الشايب مدير ديوانه وأحمد صوة وغيرهم، وقبل هؤلاء جميعا والتحديد في أواخر الأربعينات فإن العنصر الفاعل في قصر هلال وفي الساحل عموما كان الطاهر بطيخ، وهو من أقرب المسؤولين الحزبيين إلى صالح بن يوسف وقد أوصى به بورقيبة المنجي سليم خيرا بعد تصفية فلاقة زرمدين وعندما عاد لتونس أبعده، وظهرت شخصية جديدة في قصر هلال هو محمد القنوني، وفي أوج الخلاف اليوسفي البورقيبي غاب الطاهر بطيخ غيبته النهائية وبذلك اختفى آخر شاهد على الجريمة السياسية التي ارتكبت في حق مجموعة زرمدين وهو الشاهد الذي « شاف كل شيء»، وبصفة موضوعية وبقطع النظر عن المهاترات فإن أهل الساحل عموما وأهل الساحل التونسي خصوصا لا يمكن أن يكونوا جهويين لأنه محكوم عليهم جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا أن يعيشوا مع الآخر وبالآخر
. ب فلاقة زرمدين
في سياق المقارنة بين الأزهر الشرايطي والعديد من العصابات ذكرت فلاقة زرمدين حيث قلت :» إنه كان على قاعدة ماض نضالي نظيف خلافا للكثيرين من قادة حركة الفلاقة أو مقاوميها الذين شاركوا فيها بعد ماض من السرقة والنهب والبشارة شأن فلاقة زرمدين) محمد يونب وصالح الوحيشي وأخوه فرج الوحيشي وحسن بن علي شهر بوصويفة من 1944 إلى (1948 وبلقاسم القرف وهلال الفرشيشي وحسن بن عبد العزيز ومحمد النيفر والشيخ حسن العيادي والعجيمي بن مبروك.
إن حكمك على مجموعة زرمدين لا يخلو من تعميم ولا أخال الأخ عبد الرزاق العثمني) المرجع الذي ذكرته) ذهب هذا المذهب، وما قلته هو خطاب التاريخ الرسمي الذي حاول أن يبرر الجريمة السياسية التي ارتكبها ممثل الحزب الدستوري بموافقة مباشرة أو غير مباشرة من القيادة برأسيها في حق هذه المجموعة في 11أفريل 1948 لما كانوا في طريقهم إلى فلسطين، حيث وقعت تصفيتهم في نطاق سياسية التهدئة مع المقيم العام الفرنسي مونس .هذا الحكم حتى وإن صح بالنسبة للبعض فهو لا يصح بالنسبة للنواة المؤسسة والفاعلة والتي تتكون من جنديين أخوين فلاحين التحقا بقريتهما لما انهزم الجيش الفرنسي أمام الزحف الألماني، لكنهما رفضا الالتحاق به من جديد عندما عاد من الجزائر تحت راية الحلفاء، ولا علاقة لهذين الأخوين صالح وفرج بالسرقة والنهب، بل إن صالح كان مثالا لقيم الشهامة والبطولة التي مازالت تحتفظ بها ذاكرة القرية، بالإضافة إلى ما توفر لهذه القرية من شبه استقلالية غيبت عن سكانها جباة الضرائب لمدة 4 سنوات . هذه المجموعة وثقت بممثل حزب الدستور في منطقة الساحل الذي تورط في السوق السوداء واكتشف البوليس علاقاته بالفلاقة وبالسوق السوداء معا، فاتصل بقيادته السياسية الموجودة في تونس ومن ينوب عمَنْ كان خارجها، فوافقوا جميعا وكل له حاجة،ثم تقدم للفلاقة من جديد وأقنعهم بالالتحاق بفلسطين ريثما تنضج ظروف المقاومة في تونس وأركبهم صحبة حسن بن عبد العزيز سيارة سوداء أسدلت عليها الستائر باعتبارها تحمل حريما فكانت في ظاهرها خطة لمخاتلة الأمن وفي باطنها خطة مخاتلة من الأمن . وفي منطقة القطار من ولاية قفصة وقعت تصفيتهم بعد أن عاد رفيقهم حسن بن عبد العزيز الذي أقسم أنه كان مغفلا ولا يدري شيئا عن الخطة.وحتى إذا وقعت بعض الأخطاء أو حتى الجرائم فلا يمكن أن تقاس بما أحدثه هؤلاء من فزع للسلطة الفرنسية بكل أجهزتها العسكرية والأمنية طيلة أربع سنوات رددت صداها وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، وكانت سابقة دالة على قدرة المقاتل على الاستمرار في المقاومة إذا وجد حاضنة شعبية، ولم تكن لهم من مرجعية غير قيمهم البدوية بسلبياتها وإيجابياتها، وهذا ما أقلق فرنسا وأربكها فوجدت ضالتها في هذه النخب السياسية التي قدمتهم رهنا لسياسة التهدئة .
تلك هي بعض الملاحظات قدّمتها بكل لطف ومحبة للأخ عميرة حول مؤلفه التاريخي القيّم « اليوسفيون وتحرير المغرب العربي»، وما كنت لأسترسل في إثارة هذه النقاط التي أعتبرها جوهرية في تاريخنا الوطني الذي تعرض للسطو والتشويه لو لم أجد ما يشدني من إمتاع وإفادة، مع تجديد شكري لجريدة الشعب على رحابة الصدر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.