رغم اسدال الستار على الفصل قبل الأخير من معضلة الباخرة والبحارة السّبعة الذين احتجزتهم السلطات الإيطالية بتهمة إسداء خدمة انسانية لذوي الحاجة الملحّة إليها.. فإنّ قضية «تيتانيك» 2007 مازالت تتفاعل وتتكشف أوراقها من يوم لآخر ومن ساعة لأخرى. لحظات الحظّ: هي فعلا كذلك.. حيث بمجرّد وصولنا الى مدينة طبلبة وأثناء مصافحتنا لشقيق أحد المحتجزين وهو السيد المنجي خليفة رنّ هاتفه ليكون على الطرف الثاني للخطّ أحد أعضاء الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان مبشرا بصدور حكم البراءة في شأن المجموعة بعد أكثر من شهر من المعاناة والصبر والدموع والخوف هنا وهناك حيث لم يكن حال الأهالي بأفضل من حالات الموقوفين. عندها وفي تلك اللحظة بالذات انفرجت أساريرمحدثنا وانقلبت المعطيات الى 180 درجة وهو ما لم يمنعنا من المسك بتلابيب الرجل الذي لم نتركه إلاّ في السّاعة الواحدة من فجر الثلاثاء الماضي ليبقى في الخلاء بعد تعطب سيّارته!! الذي نقلنا على متنها... السيد المنجي رجع بنا لمزيد افادة القرّاء الى القضية من حيث الأصل والمتمثلة في احتجاز شقيقه وستة آخرين وجميعهم عمّال على مركب على ملكية عائلة نويرة.. هؤلاء أي العمّال هبوا لنجدة زورق مطاطي حمولته 44 حارقا تسرّب إليه الماء وذلك على متن مركبين صغيرين تابعين للسفينة المعروفة لدى الصيادين «بالبلانصي».. كلّ ذلك بعد الإتصال بالسلط البحرية التونسية والإيطالية وطلب السماح بإنقاذ المنكوبين.. وفعلا قام المركبان بعملية الإنقاذ في ظروف قاسية كادت تؤدي إلى هلاك أحد الحارقين وهو طفل في سنته الثامنة.. بعدها وبتوجيه من البحرية الايطالية توجّه الجميع الى ميناء لمبدوزا... وهو توجيه تبيّن فيما بعد أنّه استدراج بل فخ وكمين وقع فيه الجميع المنقذون والمنكوبون... قسوة «منطقية»! رغم أنّ حكاية الاستدراج تصبّ في خانة الاضمار من طرف حرس السواحل الايطالي فإنّ الاجراء الموالي الذي اتخذته السلطات الايطالية يُعدّ منطقيا حيث أنّ البحارة كانوا شأنهم شأن الحارقين خاليين الوفاض من الوثائق التي تثبت هويتهم حيث أنّه بحكم الأعراف والقوانين البحرية يتعيّن أن تكون الوثائق من هوية وغيرها بحوزة القبطان صاحب العمل أي (الرايس) وهو الأمر الذي جعل الصواب الى جانب الطليان!! إلاّ أن الخرق حدث عند اتصال الرايس بقبطان البحرية الايطالية للمطالبة بمركبيه الصغيرين اللذين استعملا للإنقاذ وبعماله جوبه بالرّفض وبقسوة وأكثر من ذلك طُولب بالتراجع تحت فُوهات النار... وتفاديا للتصعيد اتصل القبطان التونسي بمصالحنا القنصلية التي طالبته بالإمتثال تجنّبا لسياسة لي الذراع وردات الفعل الخطيرة. نهاية كابوس: بعد هذا التذكير بحيثيات المسألة رافقنا السيد المنجي خليفة الى بيت شقيقه كمال المحتجز هناك استقبلتنا عائلته بأسارير منفرجة بل عجلوا بالشراب والفاكهة... مرحبين بالوجه المبروك عليهم... وأكدت لنا السيدة نزيهة بوسمة زوجة كمال بأنّ فرحتها بعودة زوجها لا تضاهيها فرحة الاّ الفرحة بتضامن الصحافيين والسلطات المحلية وكذلك القنصل التونسي بباليرمو بعدها تحولنا الى منزل المحتجز الآخر حمزة ابراهم لتستقبلنا زوجته الحامل وأمّه الباكية التي لم تصدق خبر الإفراج مادامت لم تسمع صوت ولدها وقد تكون ضربة حظ أخرى عندما هاتفها القنصل شخصيا بحضورنا مطمئنا إيّاها بأنّ ابنها سيكون ضيفه في تلك الليلة وبعد تشويق جميل مرّر لها ابنها.. وعندها وفي موقف جدّ مؤثر توقفت بل عجزت عن الكلام بفعل الغصّة والعبرات.. لتترك لشقيقته منيرة وزوجته خديجة المجال للتأكد من سلامة البطل حمزة... السيدة منجية وبعد أن استعادت صوابها غمرتنا بفيض من الدعاء شاكرة الصحافة التي أفرجت عن ولدها (حسب رأيها) والقنصل الذي دفع من ماله الكثير من أجل الاتصال يوميا بها وبكل الأمهات والزوجات لطمأنتهم وجبر خاطرهم... في المطار: ورد ودموع على هذه الانطباعات غادرنا طبلبة في الواحدة والنصف صباحا لنتحوّل بعد ساعات الى مطار تونسقرطاج (محطة الحجيج) لنجد جموعا غفيرة من المواطنين والصحفيين وممثلي المنظمات الى جانب عائلات العائدين الذين كادوا أن لا يتعرّفوا عليهم بحكم أناقتهم حيث مكّنتهم المصالح القنصلية من بدلات أنيقة راقية حتى أنّه من باب النكتة تمنّى أحد الزملاء أن يكون قد سجن معهم... اقتنصنا تصريحات فورية أجمع خلالها العائدون على حجم المعاناة التي عاشوها وأيضا على نجاعة التدخل التونسي السياسي والمنظماتي.. ومن ثمّ تنقلنا معهم على متن الحافلة التي خصصتها لهم الولاية إلى وسط العاصمة فكانت فرصة أخرى للحديث معهم وقد كان معبرا جدّا موقف السيد كمال خليفة الذي أشاد بالحملة الصحفية التونسية وبمستوى التدخل السياسي والديبلوماسي التونسي شأنه في ذلك شأن السيد الأسعد غراد أصيل رجيش وحمزة ابراهم الذي احتضن والدته وزوجته في موقف مؤثر للغاية. المحتجزون أكدوا لنا حرصهم على تتبع الجهات التي تورطت في معضلتهم مناشدين السلط التونسية مواصلة مساندتها الخيرة لضمان حقوقهم... الفاتحون في طبلبة: استقبلت بلدة طبلبة الحافلة المقلة للمجموعة استقبال الفاتحين حيث سجلت عودتهم كحدث أبرز في السنوات الأخيرة في طبلبة.. وهي فرحة نغصها أحد المسؤولين بإقصاء النقابيين من هذا العرس حيث عمد هذا المسؤول الصغير الى رفض مشاركة الاتحاد في الفرحة ولم يسمح للأخ الهادي بنور الكاتب العام للإتحاد المحلي بطبلبة بمرافقة الوفد.. رغم الجهد الذي بذله في الاحاطة بهذه المسألة الى جانب السيد معتمد المنطقة الذي آزر الناس بشدّة في محنتهم سلوك هذا الرجل استهجن من طرف الكل باعتبار أنّ الأخ الهادي بنور هو أخ الجميع وصديق الجميع ولم يلوح أبدا بانتماء ضيق أو تعصب جاهلي... إجلال لجلال وحب للحبيب: حتى نعطي لقيصر ما لقيصر لابد من الإشادة بأعلى الصوت بسعادة سفيرنا في روما الحبيب منصور وسعادة قنصلنا في بالارمو جلال الطرابلسي. هذا الثنائي ومنظوريه كانوا على كل لسان وفعائلهم كانت شمائل بكى لفرطها المحتجزون. فعلى مسؤوليت نا نقولها لهما كل الإجلال والحبّ سيد جلال وسيد حبيب.