وقفت أمام كشك لبيع الصحف والمجلات، أتصفح ما ظهر من عناوين على غلف المجلات والصفحات الأولى للجرائد.. وبسرعة مذهلة، غار بصري في محور «التشيّع» الذي انتشر في صحف ومجلات صادرة عن بلدان محددة ... فاقتنيت بعضها، فإذا بمقالات «غريبة» نعم»غريبة» عنّا، وما كنا نعتقد أننا نكتب مثل ذلك أو نقرأه ... من هذه العناوين نورد هذه الأمثلة بحروفها ونقاطها كما يقال .. «خطر التشيع في مصر وبلاد السنّة» وأيضا : «الشيعة أشدّ خطرا على الأمة من اليهود» كما نقرأ : «نصر الله ونجاد يستخدمان مشاعر المسلمين للهيمنة على العالم العربي» .. وهذه العناوين، وهناك غيرها، في مجلة واحدة .. وحين تقرأ مقالا منها تجدها تقطر سمّا رعافا بالعصبية المذهبية وتحث على الصراع الطائفي، وتنبش عن كل سبب قديم، دفنته الأيام، لتثير النعرات بين الاخوة : «السنّة والشيعة».. وحقيقة هذه المقالات،أنها كانت جافة، ومتناقضة في داخلها، وذات منطلق أخرق.. نذكر «حكمة؟؟؟» للدكتور عبد الله النجار، أحد هذه الأقلام المنتفخة «بتر ودولارا»، حيث يقول «إن طمع إخوة الدين في ثروة إخوانهم وجيرانهم إذا صحّ وقوعه، وتأكد وجوده، لا يفوق، فقط، سوء الأعداء وشناعة مواقفهم، ولكنه يتجاوز ذلك النطاق الكريه الى ما هو أشدّ منه كراهة وعفنا...»، فالدكتور الحكيم يعتبر أن الخطر الذي يداهم العرب والسنّة هم شيعة إيران. وحسب زعمه، فإن إيران وحزب الله في لبنان، هم الذين يتربصون بالعرب ... فهذه المقالات التي لا اريد تلخيصها، أو تقديم موجز لها تشي بالكثير منها : الكشف عن التناقض الصارخ الذي يعيشه بعض قادة العرب الذين أصيبوا بداء التجديف عكس التيار ... فالشعية في العراق مؤيدون من طرف قادة الدول التابعة للولايات المتحدةالأمريكية، لأنهم قدموا «محمولين جوّا» وبرّا على «الدبابات» الأمريكية... لهذا كانوا من «الأسرة الأمريكية» فأحبهم العرب،، ولا يمثلون خطرا... استمرار هذه الأنظمة في الوقوف ضدّ المقاومة اللبنانية وهي مواقف عبرت عنها أثناء العدوان الصهيوني علي لبنان .. وبالتالي اصطفت هذه الأنظمة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا وإسرائيل .. لذلك لا يستغرب قذف هذه المقاومة بشتى النعوت.. يعتبر أصحاب هذه الأقلام أن القضية الأساسية اليوم، بالنسبة للعرب هي : الصراع بين المذهب الشيعي والمذهب السنّي .. والدور الشيعي إقليميا تمثله إيران، يسحب البساط، حسب زعم هؤلاء الكتبة، من تحت أكبر دولة سنيّة، وهي مصر .. يتحدث أحد هؤلاء الكتبة عن ايران وحزب الله والمواقع الشيعية التي اكتساحها على المستوى الجماهيري، وباعتبارهما يمثلان المذهب الشيعي، فيقول : «.. إن إنتماء الفاعلين في الأمرين للمذهب الشيعي، ولكن الحسابات الاستراتيجية لا تقود الى جنّة أو نار، وليست لها علاقة بحسابات العبد مع السماء، فهي تصب في المصالح الفارسية .. وبما يتقاطع مع الحسابات العربية، إن لم يتناقض معها ويهدف تقويضها .. وتحويل إيران الى قوة إقليمية تنازع الدولة السنية الأكبر في الإقليم قيادته، أي مصر « (انظر : مجلة روزليوسف : 14 20 أكتوبر 2006).. يتساءل المرء عن الفائدة التي سيحصل عليها العرب، بالوقوف ضد المشروع النووي الإيراني .. أهو التهديد المنتظر للدول العربية ؟ أم أن ذلك تلبية لرغبة أمريكية وصهيونية ؟ أنسي هؤلاء القادة العرب أن النووي الصهيوني أشد خطرا وأكثر حقدا فلما لا يكون التصدي للإرهاب النووي الصهيوني أولى ؟ ولما لا يكون الوقوف ضد «الاستعمار الأمريكي والغربي» للمنظمة العربية هو هاجس العرب اليوم ؟ .. فهل نحن في حاجة الى انقسام طائفي أيضا ؟ فكل من الشيعة والسنّة هم إخوة في الاسلام، فالأفضل أن نتوحّد من من أجل مقاومة الإستعمار الأمريكي والغربي المهدد للبلاد العربية .. إن اختلاق قضية «صراع بين السنّة والشيعة» هو دعوة للتقسيم والإضطراب وعدم استمرار الانظمة العربية، وأعتقد أن أسبابها هي: رغبة أمريكية جامحة لاستنفار العرب ضدّ إيران والوقوف ضدّ الملف النووي الإيراني، وتهيئة الشارع العربي لقبول العدوان على إيران .. ظاهرة رفض الهيمنة الأمريكية التي بدأت تسري في صفوف العرب، بعد التحدي الإيراني للاستعمار الأمريكي والأوروبي، وتمثل في الموقف الذي أبدته سوريا متحدية الضغوط الأمريكية، وكذلك موقف النظام في السودان ورفض الرغبة الأمريكية التي غلفتها بقرار أممي بالاضافة الى موقفي كلّ من حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين .. هذا ما أطفأ التوهج الإقليمي لكل من مصر والسعودية في المنطقة.. الوضع الذي تعيشه المنطقة العربية صار رافضا لكل أنواع «التسويقات» ومختلف «تمريرات» هذه الأنظمة التابعة للابتزاز الأمريكي للعرب، ممّا جعل التأشير الإقليمي شبه منعدم، وهذا خسارة لكل من مصر والسعودية. أخيرا : إن العرب يرفعون الصوت عاليا راغبين في التصدي للإستعمار الغربي والأمبريالية الأمريكية رافضين كل الدعوات للصراع الطائفي بين السنّة والشيعة.