اليوم: الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل يحتجون    عاجل/ تحطّم طائرة رئيس الأركان اللّيبي: تركيا تكشف تفاصيل جديدة..    روسيا تعلن إسقاط مسيّرات متجهة إلى موسكو    عاجل: بعد فوز ماتش البارح...هذا ما قاله سامي الطرابلسي    كأس أمم افريقيا: ماتشوات اليوم...وين تتفرج وقتاش وشكون ضدّ شكون؟    كأس أمم افريقيا (المغرب 2025: تونس-اوغندا 3-1): تصريحات ما بعد المباراة..    طقس اليوم: سحب قليلة والحرارة بين 8 و 18 درجة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    منية العرفاوي: استقالة الطبوبي تمثّل أجبن استقالة في تاريخ الاتحاد    صور: لقطة رائعة من لاعبي المنتخب وسط الأمطار الغزيرة في مباراتهم ضد أوغندا    كيف سيكون طقس اليوم 24 ديسمبر؟    الذهب فوق 4500 دولار للمرة الأولى.. والفضة تصعد إلى مستويات قياسية    انفجار في دار لرعاية المسنين في ولاية بنسلفانيا الأمريكية والنار تحاصر المقيمين    اشتباكات بين الجيش الأردني ومجموعات مسلحة على الحدود مع سوريا    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    عاجل: تحطم طائرة تقل رئيس أركان المجلس الرئاسي الليبي في أنقرة    عاجل/ تحديد سعر مرجعي لزيت الزيتون على مستوى المعاصر..    اللجنة العليا للإنتاج الخاص للكهرباء توافق على إنجاز مشاريع لإنتاج الطاقة باعتماد الطاقات المتجددة بعدد من جهات البلاد    سيدي علي بن عون.. انطلاق فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الحكاية    صفاقس تصنع الحدث الثقافي... رحلة في عالم الكتب    قبلي : التسلم الوقتي لمشروع إعادة تهيئة دار الثقافة محمد المرزوقي بدوز    قابس: حادث مرور يخلف حالتي وفاة واصابات    الشركة التونسية للملاحة تدخل تعديلا على برمجة السفينتين "قرطاج" و"تانيت"..وهذه التفاصيل..    انطلاق عدد من التظاهرات على هامش المهرجان الدولي للصحراء بدوز في دورته ال 57    توزر: صناعات تقليدية متنوعة تعكس خصوصية وثراء الجهات وتنوعها في الدورة 17 لأيام الصناعات التقليدية بتوزر    عاجل/ بعد ما راج عن تعرض المنشأة بالمدخل الجنوبي للعاصمة لضرر..وزراة التجهيز تكشف وتوضح..    مدرّب المنتخب الجزائري لكرة القدم، فلاديمير بيتكوفيتش: سنبذل كل جهودنا للفوز بالمقابلة الاولى    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    القيلولة مفيدة أو مضرة : العلم يحسم الأمر    في تطاوين: اشكاليات الكتابة المسرحية في تونس    سقوط حجارة من صومعة هذا الجامع..#خبر_عاجل    كيفاش يتمّ تهريب المخدّرات عن طريق البلع؟...شكون يمارسها وشنوّا الريسك؟    سفيان لسود " الطبوبي قدم استقالته لمكتب الضبط"    حسام حسن مدرب مصر: قلة التركيز سبب إهدار الفرص أمام زيمبابوي    قرار قضائي في حق يوسف الشاهد ومهدي بن غربية    تونس تحل في المرتبة الرابعة افريقيا ضمن مؤشر ريادة الأعمال الرقمية 2025    كأس أمم إفريقيا "المغرب 2025": برنامج مباريات اليوم    وزير النّقل يؤدّي زيارة ميدانيّة إلى ميناء رادس التّجاري    عاجل: فيلم تونسي ''مخدوم بالذكاء الاصناعي'' يصل نهائي مسابقة عالمية في دبي    أيام قرطاج : المخرجون يطالبون بحماية الاستقلالية الفنية فوراً    العودة لتونس: القلب يحب يرجع ... لكن الواقع يقول لا..علاش؟    أرقام: قطاع النسيج في تونس يوفر 155 ألف موطن شغل للتوانسة    فيروسات الشتاء: هذه الفئات معنيّة أكثر    كيفاش يعاونك ضوء النهار الطبيعي على ''ضبط مستوى سكر الدم''؟    حولوه لوكر لصنع المخدرات: إيقاف 13 شخصا من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء داخل منزل..    بتعريفة استثنائية "9 دنانير فقط": لا تفوتوا الفرجة في الفيلم الحدث "صاحبك راجل2"..التفاصيل..    القصبة : وفاة أب أثناء مراسم زواج ابنه    عاجل/ مسلحون يختطفون 28 شخصية في هذه الدولة..ما القصة..؟!    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع المياه بهذه المعتمديات    اليوم: طقس بارد وأمطار    مادورو: "ترامب سيكون أفضل حالا" لو اهتم ببلاده بدلا من تهديد كاراكاس    رقم مفرح: هذا عدد السياح الذين زارو تونس منذ بداية 2025..    عاجل/ تحذيرات عالمية من متحور جديد للانفلونزا..    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    اليوم: أقصر نهار في العام    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات باحثة في تجربة الطاهر الهمّامي الشعرية
الجيل الذي جاء من بعيد.. هل مازال بعيدا ؟
نشر في الشعب يوم 04 - 11 - 2006

ينتمي الطاهر الهمّامي الى جيل جاء من بعيد... فكريا وقيميّا ! جاء للكلمة يمتطيها قاصدا فعلا إراديا صادقا، وجاء للشعر يسبر اغواره ويستنشق أريجه ويدكّ من خلاله النقائص، ويرنو لما يشبه الكمال ففي ثقافة الجيل الذي ينتمي اليه الطاهر الهمامي يبدو الكمال ممكنا ومسموحا به بكلّ قياسات الكلمة.

في قرْية العروسة من بلدة بوعرادة في ولاية سليانة كان مولد الطاهر الهمامي في يوم 25 مارس 1947، وقد كان يعرف مثل أبناء جيله بأنّ التعلّم والدراسة هي الوسيلة المثلى للارتقاء الاجتماعي في أبعاده الفكرية والاخلاقية والاجتماعية ولا يكون التعلم الا اذا حضر الكدّ والاجتهاد بما هما سبيله المتوجب...
وكدّ التلميذ في المدرسة، واجتهد في المعهد لينال موقعا ضمن نخبة قليلة جادت بها جهات البلاد لجامعة تونسية ناشئة مازالت تعيش مرحلة من أخصب مراحلها فكريا وعلميا واخلاقيا وحالفه الحظّ فتمكن من اتمام دراسته العليا دون ان تقطع حبلها خطفات القمع التي كانت تحوم في حمى الفكر المتيقظ والفعل الجسور لتلك السنوات القاسية.
على أنّ القمع، ولئن لم يطله في بعده الالتزامي المباشر فقد طال أحد أشقائه ففرض عليه واجبات التضامن التجنّد اليقظ للمواجهة سيرة الترحال من مدينة اعتقالية الى أخرى ومن ثمّة من سجن الى آخر.
والتضامن في ثقافة ذيّاك الجيل طبيعة وسجيّة لا يتوقّف الواحد من ابنائه لحظات ليفكر في تبعاته بل انه ينخرط في الاثر انخراطا لا يحسب فيه لا التكلفة ولا الاخطار ولا النتائج فيأتيه بكلّ تلقائية المواطن الملتزم يوفّر له شروطه ويملأ متطلباته، وسوف نحاول ملامسة جوانب من مشاغل الشاعر واقساطا من هجومه ونتفا من تطلعاته من خلال بعض اشعاره دون ادعاء القيام بدراسة لتجربته الشعرية بمعنى الكلمة وانما بمحاولة سبر جانب من اغواره ورؤاه التي عبّر عنها في لغة شعرية قد تثير عند فطاحل النقاد ردود فعل ناقدة ومؤآخذات ولكنّ الذي نقصده من خلال هذه الكلمة هو تسليط بعض الاضواء على شهادة مواطن من أحد اجيال تونس الجديدة اكتوته نار حبّ الوطن في صورة قيمية معيّنة فعبّر عن تشبثه بهذه القيم في لغة شعرية نحتها من وجدانه فكانت مزيجا من النقد والسخرية والتبرّم من كل مظاهرالعجز والتخلف والارتداد والرداءة فكان الكلام «الجارح» قدّته ألفاظ النرفزة والقنوط والالم.
وليوفّر لكلامه القدرة التعبيرية الفائقة عن هذه الاحاسيس بصدقيّة ومباشريّة شفّافتين فقد اطلق الطاهر الهمامي لتركيبته اللغوية المزدوجة العنان للانسياب بحثا عن اصالة المعنى وجزالة الفكرة:
«أبحث عن عبارة
عائمة في الصحو والطّهارة
يا أصدقائي
عن كلمة
لم تمسّها الريح
ولا افتضّ منها عابرٌ بكّاره»
من قصيد «يوميات» ديوان الحصار
أو كقولة : «لغتي اخلقها خلْقْ..
هي تفجير الماء
تصعيدُ الفجر من الظّلماء
إطلاع السنابل والازهار
في الاراضي البور وفي الصخور الصمّاء
لغتي نبض دماء!
من قصيد «رسائل دمويّة» ديوان الحصار.
في قرارة الانتماء
لقد حمل جيل الطاهر الهمامي في واحدة من سمات هموميه الاساسية اشكالية الانتماء الوطني لتقيّد أبناء جيله المهموم فقد كان الطاهر الهمامي يتوق لوطن مرفوع الراس بين الاوطان لانه يحترم مواطنه ويوفر له مجالات التألق والابداع في مناخات من الحرية والصدقية والجديّة.
وعندما يهاله النهج الامني المستشري ويرى فيه خيارا مغلوطا ينهال الشاعر عليه دكّا في قصيدة عنوانها «لحظة سقوط» اهداها الى ابي الطيّب المتنبيّ يقول من ضمن ما يقول فيها:
«نطقت... متّهمٌ، سكتُّ... متهمُ،
ضحكت متّّهم، بكيت متّهم!!
يا أمّة ثلثاها مخبر وقح
وثلثها كسن ازري به اليكم
والمخبرون بها سودٌ أظافرهم
والمخبرون بها بيض عيونهم
هم الذين سعوا بالاكرامين أجل
هم الذين وشّوا بالاطيبين هم»
ديوان «أسكني يا جراح»
وينتفض الشاعر من كوابيسه فإذا «الدنيا» قد اضحت مرتعا للاوغاد من الجهلة يجولون فيها على خلفية اذلال الفكر والمعرفة التي يرمز اليها بأبي الطيب المتنبين عندما يول في قصيده «الدنيا»
«آلت الدّنيا الى آل الحزام
وغدا الاوغد اولى بالمقام
آلت الدنيا الى ازجلها
فعلام الفكر في هذا الزّحام؟
يا ابا الطيب نَمْ تحت الثرى
يا اباالطيب طوبى بالمنام»
من ديوان «البقرة الضحوك» ص 19
وهو الذي كان يحلم في جانفي 1970 عندما كتب قصيده «الوعي»
«طلع النهار
كبر الألم
كثر الالم
يا أبي
صار يمشي بألف قدم..»
من ديوان الحصار
وهو الذي كان يتمنى في نوفمبر 1969 ان تتكسّر حواجز الفصل والاعتداء
«يا جدارْ
لو تخرّ، آه لو تنهارْ
يا عدُوّ الشمسْ
يا أصمّ، يا أصم
إلى القرارْ
إلى القرارْ!»
من قصيد «لوحات في معرض الجريمة» ديوان الحصار
وهو الذي كان يروم من قارئه وقارئته ان يذهبا في التعاطي مع مقاصده الى أبْعد من القشرة فيغوصا فيها:
«يا قارئي
ويا قارئتي
حطّما قشرة الاشياء
مرّة
جرّبا الاعياء
جرّبا اكتساح الظلْمة
مرّة
واتركا الضّياءْ...!»
من قصيد عناق ديوان الحصار.
وفي لحظات تضيق فيها السبل امامه وتعييه الجدّية امام كثافة الميوعة فينتحل لبوس المتهكّم بالرمز والايحاء فيبلغ معاني جدّ طريفة ذات مخزون شعبي لا يخلو من عمق ومن ايذاء كأن ينقش بالحرف:
«قلب الصفحة
وقلب الطاولة
وقلب النّعال
وقلب وجهه
وقلب قلبهُ
وقلب الدنيا
وقلب الفيستة
ولم يقلب السّروال»
من قصيد «القلاّب»
ديوان البقرة الضّحوك
وفي لحظة انهيار تحبط وثورة غاضبة يستلّ الطاهر الهمامي سيفه من غمده، وينهال بكلّ قواه يحطّم القيم الوضيعة، يفتّت النذالة الحقيرة فيبني اسوارا عالية بين بلاده جامعة القيم النبيلة وبلادهم التي ادارت ظهرها ليقيم حيله فخانت ابناءهم بعد ان خانت اجدادهم وتنكرّت لنفسها.
ورغم ما في إرتماءته من عنف شعري طلقاته كلمات بسيطة ولكنها بصدقيتها تدك معاقل الرداءة دكّا فتنقصم ظهرها وتهتك سترها وتعرّي بشاعتها فتبصقها الافكار الكريمة وتعافها المشاعر النظيفة فإن تمشيه لا يخلو من تجنّ على البلاد التي يسوّيها بحكامها والحال انّ البلاد بلاد دائمة الجمال والرونق وفائقة الشباب والسؤدد، وأن تلوّنها جماليا وحضاريا تسمو به او تحطّه السياسات التي يمارسها الحكام في لحظة معطاة:
«البلاد التي تقتُلُ
ويموت المحبّون فيها ولا تحفل
البلاد التي الروّح فيها هباء
وعلمك يذروه من يجهل
البلاد التي ربّها المال والاحتيال
ورحمانها النّصب والغضب والاغتيال
البلادُ التي يتّمت زهرها
كيف يهدأ فيها ولا يرحل
البلاد التي تفتديها
ولا تحبلُ
بلادك أنت.... وليست بلادي!
منقصيد «البلاد التي..»
ديوان اسكني يا جراح
وسرعان ما يعود الطاهر الهمامي الى صفاء طويته فيستبد به الامل الحارق فيغزو كافة جوارحه، ويتراكم في ذات الشاعر اليأس بالامل فتكون الغلبة لهذا الاخير بدليل أنّ الشاعر يصيغ أمله لغة رقيقة شفافة يعيد بها للمعنى رونقة وللحياة نظارتها.
«كأنّ الغمام سينزل
كأنّ المياه ستهطل
كان الرياح...
ألا تسمعون؟
هي الارض راحت تبدّل اثوابها
هو الوقت راح
الا تسرعون؟
من قصيد «استشعار»
ديوان مرثيّة البقر الضحوك وتباريك أُخر
ويدفعه الامل الى اعلان التظاهر بطريقته الخاصة:
«سأعرّي عليه نفسي
سألبس حقائقي
سأريه روائع بؤسي
سأخبره على الرؤية
سأدمغه بشمسي
من قصيد «بانورما» المقطع الخامس
بعنوان «مظاهرة» من ديوان الحصار
ويشتد بدمع الامل الحارق اصرار قاطع على حتمية النّص، وعلى استحالة اغتيال الحلم فيصرخ:
«رغمهم رغمهم ينهمر الغيث
رغمهم يطلع النهار
تبزغ الشمس علينا ويفتح باب الدّار
تسقط كلّ الاسوار
رغمهم
يا وطن الشمس يا صوتي
كبارٌ نحن مذ كنّا على الإعدام والموت
رغمهم ينهمر الحبّ وتنعقد الايدي
ويعلو البنيان»
من قصيد «حجر الحبّ المقبل»
مقطع استطراد مفاجئ «ديوان الحصار»
ومن خاصيات جيل الهمامي انه وفيّ للثوابت القيمية التي تربى عليها وامن بها ولذلك فإذا ثبت وهادن الظلم والجور او لم يقل قولة التنديد بباطل الفعل وسفيه الكلام وساقط التمشي فإنّ:
«الندم
يغسلني
يصفعني بيدي
يثير في داخلي حرب قيمْ
ما آكلي امسي ويومي
وطالبي غدي
الندمْ
لاني ذات يوم
قلت لكم: نعمْ!»
من قصيدة «النومْ» ديوان الحصارْ
وفي انطلاقته يزيّن له اوج تهكّمه اصطياد صيغ من الكتابة الشعرية قد تبدو غريبة وقد يستهجنها المحافظون المتشددون ولكنها لا محالة لافتة للانتباه وباعثة على السؤال وموحية ببحث قد لا يطول مداه ولكنه لا يخلو من اهمية كهذه القصيدة الخفيفة الواضحة شكلا ومحتوى:
يأكل الجبن رجال من ثقيف
يأكل الجبن رجالا من ثقيف»
قصيد الجبن الأزرق
ديوان «مرثية البقر الضحوك»'
وعلى روعته فان شعور الانتماء اقتضى من الشاعر أن يفيض في التنديد بعلاقات البؤس والتشهير بمكوّنات الفكر السياسي المتخلّف وأن يحيل شواغله على حتمية الأمل لبُعد راقي من أبعاد روعة الانتماء هذه.
ومحتوى الانتماء تحدّده عند الشاعر قيم جوهريّة مثل مفهوم الثورة:
... أقول لكم
ثائرٌ وابن ثائرْ
ولي في الثورة مبادي
ثورتي لا من الثور
ولا من الاثارة
ولست من ارباب الصناعة والتجارة
ولا تغرق ثورتي في كأس
ولا تطفئها سيجارة
ولا تنتهي ثورتي في مقهى
ولا تموت
بيّن فخديْ امرأة ثورتي
ليس من طبعها السكوتْ
وليست ثرثارهْ
ومثْل ما ترمز اليه الشمس:
«الشمسُ تدخُل دارنا
وتفك حصارنا
تغسل الشاحناتْ
وتكنس البيوت
وتفتح العيون
وتطرق بالمطارق
أفكارنا
الشمس تدخل دارنا
وتكشف عارنا»
من قصيد «الشمس تدخل دارنا» ديوان الحصار
في غبن الاعتقال
انّ الجيل الذي يعرف ما يريد لا خوف عليه
«مازلتُ فلاّحْ
وسأبقى أحرث الدنيا بهذا الشعر
أشيوش
أنا الواقف
في مهبّ الحضارات
انا العارف باسم هذا العصر
انا الانسان الصفرْ
تعبتُ أنا
وجار عندي الكفر»
ديوان الحصار
والجيل الذي يعرفُ بالدقّة والتحديد ما لا يرد وما يعاقُ وما يحتقر، لا خوف عليْه:
«يميل مع الريح حث تميل
ويركب في اليوم الف قطارْ
يغيب يغيب كأن لم يكن
ويحضر توّآ لجني الثّمارْ».
من قصيد «دليل الراقصة» ديوان مرثيّة البقر الضحوك وتاريخ آخر.
والجيل الذي اختار ان يكون متقمّصا لثوابته واستعدّ لتحمل اختياره لا خوف عليه ولا هو يحزن:
«يا أزهارنا المقبلهْ
يا طلعنا الاتي
سدّدوا لهم الضربات
جاهروهم
سدّوا عليهم الطرقات
حاصروهم
أملأوا الشاحنات
واعدّوا لهم
ما استطعتم من عدّهْ»
من قصيد: «الكوليزا في الاعماق» ديوان الحصار.
والجيل الذي اتخذ قراراه عن رويّة واختيار وبحزم وبسابقيّة اضمار أن يسبح ضدّ التيّار وان يقول للطغاة لاءهُ المغوار يستحق في نهاية الامر ان يحتقر الذي:
«ويهذي صباحا بحمد الجديد
اذا دارت الريح و»الرخّ» «طارْ»
من قصيد دليل الراقصة ديوان مرتبة البقر الضحوك وتاريخ أُخرْ.
وعندما تحينُ ساعة الصّدام ويتعيّن كشف المعنى وتعرية الكلام، ويثور الحاكم في قصره امام خدمه يفهم الطاهر الهمّامي جليّة الامر وتتضح امام عينيه الصورة:
«الان فهمت علام
وضعوه في قفص ذهب ما آقتات
ولا نام
بل ظلّ يزقزق من شجن ويغنّي تحنانا
ويعدّ الايام»
قصيد الآن ديوان مرتيّة البقر الضحوك وتباريح أخر.
وعندما يفرز الصّدام تحديدا واضحا للمواقع ويتخذ كل مكانه يرسل الطاهر الهمامي بنظره الى المعتقل الذي آوي شقيقه صحبة جميع من الوطنيين الذين اقتضت دورة رحى المفاهيم السياسية الهابطة ان يدفع هؤلاء لفائدة بقاء الحاكمين في سلطتهم فاتورة العذاب والغبن.
ومع هؤلاء دفعت العائلات اتعابا مضنية وذاقت الاما مرهقة في سيرة ترحالها لمدة سنوات مريرة لا داء واجب الزيارة ومشقة القفة ومعاناة وقع المعنويات وربط العالمين المتنافري وقد زادتهما ارادة العسس تباعدا .
ولواحد من رموز عوالم الاعتقال بمعانيها الردعي القاسي لتدني الظروف التي يوفرها ل «نزلائه» ولمجمل المخزون الرمزي الذي يحمله فإن سجن برج الرومي يتمع بشهرة «قمعية» تجاوزت الحدود وطبقت الافاق.
وقد اوحى تردد الشاعر على هذا السجن لاداء واجب التضامن ولانتشال شقيق قابع فيه من براثن الارادات المتآتية عليه بقصيد عنونه «برج الرومي»، ومعتقل برج الرومي عوّض سنة 1965 كرّاكة غار الملح التي اسسها الاتراك في مطلع القرن السادس عشر للميلاد وكان برج الرومي ثكنة من ثكنات مرتفع الناظور الذي مثل موقع مراقبة متميّز للسلطات الاستعماريّة لمداخل ومخارج البحر الابيض المتوسط وكانت هذه السلطات تستغل جانبا من هذه الثكنة مستودعا تحت ارضي للاسلحة، فتحوّل الى معتقل للمحكومين بالاشغال الشاقة بمدى الحياة. ومنذ تأسيسه آوى في جانبه العلوي معتقلين سياسيين بارادة معلنة لتحطيم ارادتهم وتكسير اضرارهم ضرورة ان السجن يتحصّن جغرافيا في موقع معزول ومحمي طبيعيا فضلا عن انه يتوفر على كهف بغيض ذي اربعة وثلاثين درجة تحت الارض يصلح لمعاقبة المعتقلين السياسيين ولضرب جرأتهم وعزمهم.
وقد عرف الطاهر الهمامي معتقل برج الرومي خلال السنوات 1975 / 1979 ضرورة تضامنه مع شقيقه وعائلته لاصطحابها لتسليم القفة واداء الزيارة.
وقد كتب قصيدته «برج الرومي» على مراحل بين 1975 و1995 ! وهي قصيدة ايحائية قول فيها للبرج من خلال اوضاعه الخارجية بأنه باق على عهده علاقة من علاقات وحي الارادة البشرية ومعلما من معالم سياسة القمع:
«السلام عليك
وعمت ضحى
أيّها البرج، ها لم تزل
مثلما كنت منذ الازل»
مطلع قصيد «برج الرومي» ديوان مرثيّة البقر الضحوك
ويتمادى الشاعر في مغازلة البرج مغازلة قوامها تقديمه لقارئه من حيث هو مكان بشعٌ تقرنه مكوّنات محيطه الخارجي بالبؤس والمشقة والتردي يدخله الزائر ضحى ويخرج منه مساء لطول الانتظار وبدائية الاجراءات ونزعة الشماتة:
«السلامُ عليك
عمت مساء
وهذي الطريق اليك
بأحجارها واوعارها
وبأصلع اشجارها»
قصيد برج الرومي نفس الديوان
وفي اشارة رشيقة يقابل الطاهر الهمامي بين البرج والبحر فلا ينسى ان يذهب بالمقابلة الى حقيقة مداها فيقرّ بالقرب الجغرافي المكاني بين البرج والبحر ولكنّه يضع كل عنصر من عنصري المقابلة في اطاره وما ابعد الواحد عن الثاني:
«ثمّ ليس بعيدا هو البحر
لكنّه بحرهم والنزلْ»
نفس القصيد نفس الديوان
ويعود للبرج بالايحاء فينسب اليه من خلال وصف اشجار الصنوبر التي اذلتها الرياح بقوتها وعنفوانها واخذت من الاصوات مايقابله الشاعر باصوات مفاتيح السجانين التي اسند لها الشاعر حقّ اعلان اللوان: بسجن يعانق مساجينه «يصون» بقاءهم في احشائه يقف حائلا بينهم وبين السراج ويمكّن منهم الزمن الطويل يلتهم لحومهم ويفرض عليهم اصنافا من العذابات والقهر ويسقيهم الويلات وآيات الحرمان:
«الصنوبر شاخ وقوّست الريح منه الظهور
وصرير الرياح
وصرير المفاتيح يعلن
دون السراح
صروف وازمنة ودهور»
قصيد «برج الرومي» ديوان مرثية البقر الضحوك
وغير بعيد عن غبن الاعتقال بمعناه الحصري عدد الطاهرالهمامي في اشعاره جملة فضاعات لا تقل غبنا عن ظاهرة الاعتقال ذاتها لانها تهيء لدأ وتنتج عنه فتغذّيه وتنمّي طاحون سيلانه.
من ذلك هذه المتابعة المبكرة (جويلية 1971).
لظروف قاسية فرضتها انساق الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية على الاطفال باعتبارهم حاملي الامل:
«وطفل يبرْبش في زبلهْ
وطفل يجري وراء سائحْ
الروح نافدهْ
والريق شائحْ
ووقتٌ كلبْ
ودنيا كالبهْ
وظروفٌ متكالبه
وأحوالٌ كلبه

أطفالٌ عدّهْ
أطفالٌ كبارْ
مصابون بالالم
وبالفوضى
وبتكسير القيْمْ
في أيّام الشدّهْ»
من قصيد «جنّة الاطفال» ديوان الحصار
وغير بعيد ايضا عن الاعتقال بمفاهيم المخصّصه يعبر الطاهر الهمامي في شعره مكانة متميّزة لمفاهيم الحراسة الامنية ولاساليبها الرديئة ذات النتائج الوخيمة ولئن تكرّرت المعاني المتعلقة بهذا المظهر تارة بالتلميح واخرى بالتصريح في قوالب فنيّة اتخذت في الغالب صبغة مباشرتية ولم تخل مع ذلك من افادة وشذب لكل التجاوزات ومعاني الايذاء لحقوق الناس وحريّاتهم:
«صباح الحصار
صباح الثيران تهجم عليْنا
صباح انقطاع الامل
صباح الصّباح
صباح العمل
كلاب تنسس موزّعة على المدينة
تعس علينا
لا نحبّ بعضنا
لا نشبّك ايدينا
صباح البوليس
يدهم على المدارس
يهشّم الرؤوس
ويفكّ الكرارسْ»
من قصيد قاطع ومقطوع
وفي كتاب مفتوح الى العدالة يغلب الشاعر بفترة التحدي اذ يرجع بها الى الدعوة لمحاكمة ابي نواس:
«آخرجوا ابا نواس
من قبره
حاكموه
اعدموه رميا بالرّصاص
فالفضائل تنعدمْ
في شعره
والاخلاق تداس»
من قصيد كتابٌ مفتوح الى العدالة «ديوان الحصار»
ولمقاضاة كتاب الاغاني:
«احرقوا كتاب الاغاني
علمائه وجواريه
حرّموا اغانيه
واقتلوا الاصبهاني»
نفس القصيد نفس الديوان ليختم قصيده بنداء قاس:
«ايها الحرّاسْ
قولوا للتاريخ يقفْ
قولوا للزمن القادمْ
ان يدخل في الصف»
نفس القصيد نفس الديوان
ويستمرّ الامل... زاحفا بثبات
وانت تقرأ بعضا من قصائد الطاهر الهمامي لا مناص لك من ان تلمس فيه ناطقا ملتزما باسم قيم حملها اكثر من جيل! وكلّما اذاها سيل التهوّر والاغلال القادمين من الجدد المتنصّل انتصب الطاهر الهمامي مطلقا لشعر هو كلّ اسهامه صيغته كلامٌ هادرٌ مدافع عن الثورة الرافضة للسقوط والتساقط.. كلام صادقٌ مثبّت للقيم الصانعة لنخوة الانتماء والمؤسسة لمعاني الحرية ومرتكزاتها... كلام لغم مديّنٌ بعنف جارح الاساليب دعم التقهقر وترهيب النّاس بمنطق قمعي سليط.
وقد اتخذ هذا الكلام لباسا لغويا واسلوبا تعبيريا اصرّا الشاعر على اخراجه للناس مزيجا عربيا فصيحا وعاميّة مهذّبة كما احسّه وهو المزودج التعبير (عربية / دارجة) والمزدوج لانتماء (شعب / نخبة) والمزدوج المشاعر والاحاسيس.
وانت تقرأ بعضا من قصائد الطاهر الهمامي تتأكد انه كلما اصابته بعض الانتصارات دقّ وانتشى فاطلق العنان لفرحه وحماسته يصيغها كلاما لطيفا هادئا يحمّس من خلاله من حافظ على بذرات حياء وصمود في فضاء كل ما فيه يغري بالتطاول على القيم والتلاعب بالقانون والتحايل على المنطق حقوقا وواجبات لقاء ربح سهل ومباشر دون مقابل موازي!
وأنت تقرأ بعضا من قصائد الطاهرالهمامي لا بدّ أن تستبدّ بك الرغبة في ان تخرج للشارع العريض لترفع لافتة كبيرة تسير بها وسط جحافل غفيرة ترفل فوق رؤوسها اسراب عصافير الربيع تتفرّع من اعالي الاشجار الخضراء:
أعداؤنا ثلاثةٌ:
من يكذبُ علينا ويستبلهنا
من يتنكرّ لحقوقناواحلامنا فيدوسنا
من يهدّدنا ويرهبنا ويتمعنا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.