مشروع قانون المالية 2025: المصادقة على تسوية وضعيات إطارات عاملة بالبلديات والهيئات المستقلة    وزيرة المالية: مشروع قانون خاص سيطرح قريبا على البرلمان لضبط آليات استعمال 'الدرون'    عاجل/ البرلمان يصوت على تسوية وضعية الأساتذة النواب..    بالتفصيل: الفصول التي صادق عليها مجلس النواب في جلسة الأربعاء    صابة الزيتون 2025 – 2026: وفرة مرتقبة... وأسعار تُربك الفلاح والمستهلك    لوحة للقذافي ملطخة بالدماء في اجتماع الدبيبة مع وفد أميركي تثير ضجة    مادورو: أجريت مكالمة "ودية" مع ترامب.. وأهلا بالدبلوماسية    ترامب يجمع رئيسي رواندا والكونغو لدفع اتفاق سلام استراتيجي    ماتش تونس وفلسطين: الوقت والقنوات الناقلة    هل تشكيلة تونس اليوم باش تشهد تغييرات؟    ثنائية مبابي تنهي معاناة ريال مدريد في الليغا بالفوز على بيلباو    بطولة انقلترا – آرسنال يتغلب على برينتفورد بهدفين ويستعيد فارق النقاط الخمس في الصدارة    اليوم: طقس بارد مع أمطار... التفاصيل    الطقس اليوم..امطار غزيرة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    كأس العرب 2025: برنامج مباريات اليوم الخميس 4 ديسمبر    تعليق صرف الأدوية بصيغة الطرف الدافع بداية من 8 ديسمبر: نقابة الصيادلة تحذّر من "انهيار وشيك" لسلسلة توزيع الدواء    ترامب: بوتين يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا    الخارجية الفلسطينية : الاحتلال الصهيوني يتعمد استهداف المواطنين بهدف القتل أو التسبب في إعاقة دائمة لهم    الفيفا تقلص فترة السماح الإلزامي للاعبين بالانضمام لمنتخباتهم بالكان    إعادة فتح المتحف الروماني والمسيحي المبكّر بقرطاج بعد أشغال صيانة شاملة    تعال ولا تتعالى    شمس ديسمبر    بهدوء .. على حافة الظلام    يوميات أستاذ نائب...أيّ وجع !    خلال ديسمبر 2025: تونس من أبرز الوجهات السياحية العالمية    محمد بوحوش يكتب .. الهويّات الزّائفة    عاجل/ كميات الأمطار ستتجاوز 100 مم خلال هذه الأيام..    المسروق يباع في الجزائر...مُهرّبون وراء عصابات سرقة السيارات    تألقوا في أيام قرطاج المسرحية .. سجناء لكنهم مبدعون ...    مع الشروق : انتصار جديد للشعب الفلسطيني    كأس العرب قطر 2025: المنتخب القطري يسعى لتصحيح المسار في مواجهة نظيره السوري غدا الخميس    وزارة المالية تفتح مناظرة خارجية لانتداب 250 عريفا بالديوانة التونسية    سيدي بوزيد: تنظيم يوم تكويني بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية تحت شعار "من الذكاء البشري الى الذكاء الاصطناعي التوليدي"    مدنين: اعادة فتح مكتب بريد المحبوبين بجربة ميدون بعد استكمال اشغال تهيئته وتعصيره    مونديال كرة اليد سيدات: المنتخب التونسي في المجموعة الثالثة بالدور الرئيسي الى جانب منتخبات فرنسا وهولندا والنمسا وبولونيا والارجنتين    صادرات الزيت التونسي توصل 280 ألف طن!    المهدية: إمرأة تُضرم النار في جسدها من أجل زوجها المريض    تونس تحتضن المؤتمر ال49 لقادة الشرطة والأمن العرب لتعزيز التعاون الأمني العربي    قانون المالية 2026/ المصادقة على الفصل الإضافي عدد 109المتعلّق بنظام الراحة البيولوجية في قطاع الصيد البحري    عاجل/ طالبان تكشف: مرتكب هجوم واشنطن درّبه الامريكان أنفسهم    نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة تقرر تعليق صرف الأدوية بصيغة الطرف الدافع لمنظوري "الكنام" بداية من 8 ديسمبر الجاري    احذروا هذا القاتل الصامت..#خبر_عاجل    تطاوين: تواصل موسم جني الزيتون بإنتاج واعد وارتفاع ملحوظ في الغراسات المروية    تونس: 3 مؤسسات عمومية تنتفع بالطاقة الشمسية    عاجل/ قرار إسرائيلي جديد بشأن معبر رفح..    وجبة خفيفة يوميا/ تؤدي إلى قوة الذاكرة..تعرف عليها..    عروض فنية متنوعة وورشات ومعارض ومسابقات في الدورة الثانية للأيام الثقافية بجامعة منوبة    وزير الفلاحة: قانون الاستثمار التونسي يوفّر امتيازات هامة للمشاريع التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة تصل إلى 50 بالمائة من قيمة الاستثمار    ابنة نور الدين بن عياد توضّح: "المنجي العوني أوّل من قدّم لي التعازي"    عاجل/ السجن لأجنبي وزوجته بتهمة ترويج المخدرات..وهذه التفاصيل..    الشيخوخة تبدأ من "البنكرياس".. فحاول الابتعاد عن 3 عادات شائعة..    تقدّم أشغال بناء عدد من المستشفيات، أبرز محاور لقاء رئيس الجمهوريّة بوزير الصحة    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق    انتخاب المديرة العامة للخطوط التونسيّة نائبة أولى لرئيس اتحاد شركات الطيران الإفريقي    عاجل: مدينة العلوم بتونس تكشف موعد ''رمضان'' فلكيّا    بدأ العد التنازلي..هذا موعد شهر رمضان فلكيا..#خبر_عاجل    الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية تكشف عن قائمة المسابقات الرسمية لسنة 2025    وزارة الثقافة تنعى صاحب دار سحر للنشر الأستاذ محمد صالح الرصّاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلانات انتساب ذاتي وطوعي مبهمة عمدا ومتعارضة قصدا
ملاحظات على مقال جورج عدة: محتوى النص ليس متوافقا مع عنوانه ليس في عداد الشخصيات اسم عالم عربي واحد مهما كان اختصاصه وعصره وانتماؤه السياسي أو الفكري أو الديني
نشر في الشعب يوم 04 - 11 - 2006

تلقينا بكامل السرور هذه الملاحظات من صديق الجريدة الاستاذ منير السعيداني الذي دأب على الكتابة إلينا في مسائل مختلفة ولاسيما في المجالات الفكرية والسياسية وقد أسعدتنا مشاركته بالكتابة في هذا الموضوع الشائك بالذات وذلك خلافا لكثيرين تعودوا أن يعبروا إما عن اعجابهم أو عن شجبهم شفويا وفي أغلب الأحيان بالخطاب المزدوج.
فلأنه يؤمن بالحوار وبمقارعة الحجة بالحجة،ولأنه يقرأ، خلافا لكثيرين، كتب لنا واستحق بالتالي شكرنا وتقديرنا لوجهة نظره التي ننشرها فيما يلي كاملة.
المحرر
نشرت جريدة الشعب نصا لجورج عدة بعنوان تحرير فلسطين الكامل وعودة كل اللاجئين حق دائم وغير قابل للتصرف، وذلك في العددين 888 (بتاريخ 21-10-2006 صص 14-15) و889(بتاريخ 28-10-2006 صص 14-15). ومن الواضح أن المجال المخصص للمقال وطريقة عرضه واجتهاد هيئة التحرير في إبراز مضامينه بعناوين من وضعها مؤشرات على الأهمية التي أريد إضفاؤها عليه على اعتباره، في ما فهمت، يعرض موقفا ذا قيمة استثنائية على أنه تنديد بالصهيونية صادر عن مثقف ينحدر من أصل يهودي. وقد استنفد الكاتب النقطة الأولى من مقاله في بيان منطلقاته في ما يدلي به ثم تولى في نقطة ثانية تقديم عرض نقدي لبعض المصطلحات المتصلة بالموضوع، ثم خصص ما نشرته الصحيفة بوصفه جزءا أولا من مقاله و بعضا من جزئه الثاني للتفصيل المطول حول الأصول القومية لليهود المنتشرين في مناطق عدة من الوطن العربي و في بعض بلدان أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية مع التركيز على بعض اللحظات البارزة في تاريخهم فيها. وصرح الكاتب في ختام مقاله في ما يشبه الاستنتاج النهائي الحاسم بأن تلك الأصول وتلك التواريخ لا تجعل من اليهود أمة و لا شعبا ولا جنسا ولا تشرع لهم إذا احتلال فلسطين.
ويستوجب النص في ما أرى جملة من الملاحظات أقتصر منها على التالية:

7/10 لنقطة ثانوية
1- ليس محتوى النص متوافقا مع عنوانه حيث كانت سبعة أعشاره تقريبا مخصصة لنقطة ثانوية بالنسبة إلى حق الشعب العربي الفلسطيني في تحرير أراضي بلده والعودة إلى دياره وتأسيس ما يراه مناسبا من التعبير السياسي عن هويته الوطنية في إطار انتمائه العربي، وذلك بوصفه حقيقا بالتمتع بحق مشروع لكل شعوب الأرض تكفله لهم القوانين الدولية الجارية وأخلاقيات العلاقات بين الشعوب والثقافات والقيم الاعتبارية الحديثة للبشرية والديانات السماوية. وهذه النقطة، أي أصول اليهود التاريخية التي اعتبر الكاتب أنها لا تجعل منهم شعبا واحدا ولا تسمح لهم إذا باحتلال فلسطين، ثانوية بالنسبة إلى الموضوع المفترض للمقال إذ أن الموقف المبدئي المنسجم مع ما يقول الكاتب أنه يتبناه من الاستناد إلى قيم العدل والإنصاف والديمقراطية و الاحترام المتبادل (العمود = ع 2 ، الصفحة = ص 1، الجزء= ج 1) هو أنه لا يحق لأية جماعة أن تحتل أراضي الغير سواء بالقوة أو بغيرها، وسواء أكانت جماعة قومية متجانسة أم لا، و سواء أكانت شعبا واضح الأصول وموحد التاريخ أم لا، وسواء أتمكنت من استصدار ما يسمح بذلك من منظمات أممية أيا كان نوعها ووزنها وآلية عملها أم لم تتمكن.
2- لست أفهم من أي منطلق يبني الكاتب تحليله وموقفه. ولم أكن لأثير هذه النقطة لولا حرصه هو ذاته على التأكيد عليها ومنذ البداية في سياق تحليل جدير،حسب رأيه، بالنشر والتوزيع ويتعلق بحق قومي في تقرير المصير و هو ما يحتل فيه انتماء الكاتب أهمية حاسمة إذا كان ذا أثر في زاوية نظره وتحليله وهي حالة هذا النص. فهو يقدم نفسه في بداية النص ( ع1، ص 1،ج 1) على أنه بربري ثم وبعد أسطر قليلة (ع 1، ص1، ج1) على أنه تونسي، ثم باعتباره منتم لأخوة عالمية تجمع الذكور والإناث من الرازحين تحت وطأة الظلم السياسي والاجتماعي الذي يتساوى في ممارسته حسب رأيه الحكام المحليون والمحتلون الأجانب متجاهلا بذلك طبيعة الاستعمار(ع 1، ص1، ج1)، بينما يتحدث في العديد من أجزاء النص الأخرى مستخدما ضمير المتكلم الجمع نحن ( ع 3، ص1، ج1+ ع3، ص 2، ج 1، مثلا)... بحيث كانت تلك في رأيي تخدم ما أحاول أن أبين أهميته في طيات ما يلي من الملاحظات.
3- يحدد هذا الانتساب الذاتي الطوعي للكاتب موقفه بحيث يخول لنفسه النطق باسم من يسميهم أجداده البربر (ع 1، ص1، ج1) وباسم التونسيين الذين يتحدث كما لو كان مفوضا من قبلهم ليؤكد أنهم ينحدرون من أجداده أولئك الذين عانوا ويلات احتلال الفينيقيين والرومان والنورمان والأتراك والفرنسيين و العرب أيضا.و من أهم المميزات التي يذكرها لأجداده البربر هؤلاء (ع 1، ص1، ج1) أنهم قاوموا، وفي المجال الديني تحديدا، المسيحيين الجدد وجيوش عقبة ابن نافع حصرا. وهكذا يتكشف الانتساب الذاتي الطوعي الذي حرص الكاتب على توزيع علامات مبهمة ومتعارضة عليه على طول النص عن انتماء يراه هو عابرا للتاريخ ولتحولات الأزمنة حافظت من خلاله جماعة على عاداتها وتقاليدها وموسيقاها(ع 1، ص1، ج1) وبما أكسبها سمات قومية ذات أسس دينية قابلت بها أعداءها القوميين والدينيين سالفي الذكر، وهو ما يعيد التأكيد عليه مرات في النص ومنها ما ورد في سياق الاستشهاد بما يسميه بول سباغ (ع 1، ص2، ج1) الغزو العربي لإفريقيا الشمالية... أليس التأكيد على الحفاظ التاريخي على تلك السمات وبالاعتماد على أسس دينية مرادفا لأحد أسس الدعاية الصهيونية في ادعاء وجود شعب يهودي وأمة يهودية وجنس يهودي عابر للتاريخ وخارق للجغرافيا؟ ألا يتدعم هذا الفهم عندما نرى أن الكاتب يقيم تواز (ع 1، ص2، ج1) بين هذا الشعب البربري الذي يدعي استمراره والذي يبدو أنه لا يعارض اقتراحا بتسميته القبيلة الرابعة عشرة وبين الخزر الذين يقول عنهم أنهم هم أصل أغلب يهود العالم والذين لقبوا بالقبيلة الثالثة عشرة ؟

من رحم ولادة تاريخية ملحمية
4- وفي الحقبة المتأخرة من التاريخ المعاصر، أفرز تاريخ الشعب البربري المتهود الذي ينطق الكاتب باسمه والذي لم تنطبع حسب رأيه فيه من سمات العروبة إلا ما تبناه وهي اللغة العربية (ع 1، ص1، ج1) شعبا هو الشعب التونسي. وعلى الرغم من أن الكاتب يحرص على التصريح بأنه لا يحمل قناعات أمه و أبيه الفلسفية فإنه لا يبدي نفس الحرص على الإقرار بأن الشعب الذي ينطق باسمه تعرب بالكامل ومن دون ضغوط وهو ما ينسجم مع أصوله العرقية الأولى، وأنه شعب مسلم من حيث قناعاته الدينية و في ما يراعي من طقوسه التعبدية البارزة وما يتبنى من رموز حضارية و ثقافية وما يمارس من عادات و تقاليد... ألا يبدو هذا الشعب في ما صوره لنا الكاتب إذا خارجا من رحم ولادة تاريخية ملحمية يزعم الكاتب حدوثها اضطلع فيها الحفاظ على السمات الدينية والثقافية اليهودية ومكافحة العروبة و الإسلام تحديدا بدور حاسم وهو ما يؤكد الاستنتاج الذي ورد في نهاية النقطة السابقة ؟
5- يؤطر الكاتب نصه (ع 3، ص1، ج1) في سياق تفضله بسد العجز الذي زعم أن المسؤولين العرب و الفلسطينيين يشكون منه في استخدام اللغة المقنعة الملائمة للدعاية – الاتصال بحيث يقيهم السقوط في ما يلمح أنه من سمات خطابهم حول حقوقهم من التشنج و الثرثرة عديمة الجدوى والذي منع عنهم اكتساح فضاءات الرأي العام في أوروبا وفي أمريكا. وبذلك تكون استراتيجية صاحب النص هي الإقناع الموجه رئيسيا نحو هذه الفضاءات وهو يبرر ذلك باعتبار قيمته الكبرى في تحديد الوضع الراهن حسب اعتقاده (ع 3، ص1، ج1) . ولئن كنت لا أرى تلاؤما بين هذه الاستراتيجية التي تتوجه مباشرة لمن يسميهم الأجانب عوض المستوطنين والذين جاؤوا حسب معلوماته منذ حوالي نصف قرن وللرأي العام الأوروبي و الأمريكي(ع 1، ص1، ج2 + ع 2، ج 2، ص 2 ) وبين ما ينتظر من مشارك في مؤتمر عربي دولي مكرس للتضامن مع حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه، وهو المؤتمر الذي أعد النص أصلا لعرضه فيه (المقدمة، ج 1+ ج2 )، فإن ذلك يفهمني أكثر الأسباب الكامنة وراء إعلانات الانتساب المتعددة والمتعارضة لصاحب النص وكذلك مركزته إياه على مسألة سبق وأن قلت إنها غير ذات مساس مباشر بحق تقرير المصير في فلسطين ولا ذات أثر حاسم في إقرار حق العودة لكل المهجرين العرب الفلسطينيين وإلى كل فلسطين.
6- يستند الكاتب في ما يصرح به من عدم وجود شعب يهودي وأمة يهودية وجنس يهودي إلى مواقف ما لا يقل عن خمسة و ثلاثين كاتبا من السياسيين و الصحفيين والمؤرخين و المستشرقين والفلاسفة الإيطاليين و الفرنسيين و الإنكليز والألمان و المجريين والأمريكان ، بل من بينهم من يكتفي بالقول عنه، وفي غموض متعمد مرة أخرى، إنه كان إنكليزيا من أصل مجري عاش وعمل في فلسطين قبل قرار التقسيم(ع1، ص2، ج 1 ؟؟؟). وليس في عداد هذه القائمة المطولة اسم عالم عربي واحد مهما كان اختصاصه وعصره وانتماؤه السياسي أو الفكري أو الديني ما عدى ذكر عابر لابن خلدون ورد في غضون استشهاد مقتبس ولتأكيد نقطة تخدم تحليله وتحليل من استشهد به. ولئن كان مما أتوقع أن يجادل به الكاتب في ذلك أن المهم هو صواب التحليل وأن الاستراتيجية الإقناعية التي اعتمدها أساسا لنصه ترجح اقتصاره على غير العربي من المصادر فإن ذلك لا يعفيه من مسؤولية ما حملته تلك المصادر وانطلاقا من استشهاداته ذاتها من المواقف التي نعرض لبعضها في ما يلي من الملاحظات. ولكن الأهم من ذلك هو أن تلك المصادر لا تفيد في شيء تعزيز الشعار الذي يحمله العنوان المركزي للمقال من التأكيد على حقي العودة و تقرير المصير بل هي استشهادات أقرب إلى تصفية حساب خاصة مع أطروحات لاهوتية وفلسفية وتاريخية تمتزج فيها الأفكار اليهودية والصهيوينة في تداخل متعارض ظاهريا ومتساند في عمقه، وهي تصفية حساب قد تكون مفيدة للكاتب ومخاطبيه الذين اختارهم ممن يستندون إلى خلفية ثقافية ذات أساس وعمق يهوديين مسيحيين، ولكنها لا تبدو كذلك من وجهة الثقافة السياسية العربية وفي اتجاه تعزيز استراتيجية الكفاح ضد الصهيونية. وقد قدم العرب فلسطينيين وغير فلسطينيين ما يتجاهله الكاتب من الشواهد التي لا حصر لها على باعهم الطويل في الدفاع الرصين والشجاع والمبدئي عن حقهم في فلسطين و بالاعتماد على مصادر عربية و إسلامية تاريخية عريقة و فذة.

تبني ضمني للأطروحات التوراتية
7- تكتسب الأطروحة المركزية التي يتبناها الكاتب والقائلة بأن أغلب يهود العالم من أصل خزري وليس ساميا (جزء كبير من ص2، ج1) أهمية حاسمة في استراتيجيته الإقناعية التي أشرنا إليها. فهي تمكنه أولا من التأكيد أن اليهود لا ينحدرون من الكنعانيين ومن ضفاف نهر الأردن وما يوافق كنعان القديمة كما يسميها(ع 3، ص1، ج1) ومن التأكيد ثانيا أنهم لم يعيشوا شتاتا( نفسه) وتأسيسا على ذلك تمكنه من التأكيد على أن مقولة معاداة السامية لا معنى لها(ع 2، ص2، ج1). ليست هذه التأكيدات من دون فائدة و لكن القول بأن أغلب يهود العالم ينحدرون من أصل خزري يعطي نوعا من المصداقية مرة أخرى إلى القول بأنهم يمثلون نوعا من الجنس أو الشعب الذي تمكن من الاستمرار رغم مروره بعديد المراحل و الهجرات وعمليات الاختلاط والامتزاج مع الشعوب التي استقبلته. إن استخدام مسميات مثل القبيلة الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة والهيكل ومملكة يهودا وغيرها كثير... يؤكد تبني الكاتب، الضمني وهو الأخطر، للأطروحات التوراتية التي تؤسس لما يسمى الشعب اليهودي انطلاقا من القول التاريخي- اللاهوتي بوجود أسباط و قبائل متهودة عاشت تهجيرات بعيدة عن المناطق القريبة إلى هذا الحد أو ذاك من أرض فلسطين التاريخية.
8- ليست التأكيدات اللاحقة حول القول بأن من بين المبررات التي سردها الصهاينة لتأسيس الكيان الصهيوني مساعدتهم أوروبا للوقوف سدا أمام ما يزعمون أنه بربرية آسيا(ع 1، ص1، ج2)، وما تم بعد ذلك من استغلال الصهاينة لما يروج له على أنه كان إبادة لليهود إبان الحرب العالمية الثانية(ع 2، ص1، ج2) إلا تأكيدا على أن الاستراتيجية الإقناعية التي أشرنا إليها تتصل بصفة وثيقة بالخلفية الأوروبية التي ينطلق منها الكاتب في تحليله وبنائه لمواقفه و تبريرها. ومما يؤكد ذلك أن الكاتب لا يتحدث عن اغتصاب الأرض وتنظيم حملات التهجير إلا إبان إقامة الكيان الصهيوني مؤكدا على تأريخ ذلك بعدد 58 من السنين. فهو لا يكلف نفسه عناء التدقيق في تاريخ فلسطين كما فعل مع تاريخ اليهود بحيث يعلم أن بدايات استيطانهم فيها بدأت منذ نهايات القرن التاسع عشر وأنها تلاحقت موجاتها بقوة الحديد و النار وبتواطئ المستعمرين الإنكليز وحلفائهم. ولئن كانت إبادة اليهود المزعومة، أقول مزعومة لأن مؤرخين أوروبيين عديدين شككوا و لا يزالون في حدوثها بمثل ما يروج له من حجم وآثار على الأقل، قضية أوروبية- أوروبية بحتة كما يقول حقا (ع 2، ص1، ج2) وكان تاريخ اليهودية العربية لا يحفظ أي مثيل لها حتى في أحجام أصغر بكثير وبآثار أقل دموية بكثير ومن منطلقات أقل تزمتا بكثير(ع 2، ص1، ج2)، فإن التذكير بذلك لا يمثل في الحقيقة، ومرة أخرى، إلا جانبا ثانويا في مسألة حقي التحرير والعودة بالنسبة إلى الفلسطينيين وإلى باقي العرب المتضررين بالصفتين المباشرة وغير المباشرة من الصهيونية ومن الكيان الصهيوني بوصفه كيانا غاصبا ووكيلا لمصالح الإمبريالية في قلب الوطن العربي. وينسجم ذلك مع أمثلة ما يسميه الكاتب سلام الشجعان ( ع3، ص1، ج2+ ع 1، ص 2، ج 2) وهي أمثلة مستمدة كلها من تواريخ الاستعمار الأوروبي لمناطق في أوروبا ذاتها أو إفريقيا والتي لا تتناسب مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين لخصوصيته التاريخية التي قد تتضح أكثر بعض جوانبها الأخرى، فضلا عما سبق، في النقطتين المواليتين.

مسلمتان اساسيتان لا تردان على لسان الكاتب
9- يختتم الكاتب نصه باستشهاد من رسالة وردت عليه من أحد أصدقائه( ع 2 و3، ص2، ج2) فيها تأكيد على ما يرى له وجاهة كبرى في كشف أسس الصهيونية. فبعد المسلمة الأولى القائلة بأن يهود العالم كافة شعب واحد تأتي المسلمة الثانية لتؤكد أنه كان دوما شعبا مطاردا لتنتهي المسلمات بأنه في حاجة إلى دولة. وعلى الرغم من أهمية تفنيد هذه المسلمات إلا أنها هي أيضا تشكو من آثار نفس الاستراتيجية الإقناعية التي أشرنا إليها. وبالفعل فإن أهم مسلمتين تهماننا نحن العرب و الفلسطينيين في كفاحنا ضد الصهيونية لا تردان على لسان الكاتب، وهما أولا أن تلك الدولة المنشودة لا بد أن تفام على أرض فلسطين وأن تكون عاصمتها أورشليم، وثانيا أن تأسيسها لن يكون إلا تنفيذا للوعد الإلهي الذي وهب بموجبه يهوه شعب إسرائيل الأرض التي شيد عليها الهيكل ليعيد بناءه فيها وذلك لأنه شعب اختاره الرب مفضلا إياه على كل الأغيار الغوييم. وأخشى ما أخشاه أن يكون الكاتب تعمد عدم تعميق تحليل مسلمات الإيديولوجيا الصهيونية حتى لا يكشف أنها مسلمات دينية مستمدة نصا من التوراة والتلمود بحيث تضع كل يهودي يؤمن بها ويسعى إلى تطبيقها، أي إلى إنجاز وعد ربه، وعلى الأقل، في موقع المساند الاحتياطي للصهيونية.
10- لا تحتاج خاتمة النص ( ع 3، ص2، ج2) كبير عناء حتى تنكشف عن موقف ظاهره دفاع عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وحقيقته السياسية العملية هي عزل النضال الوطني الفلسطيني عن محيطه العربي ومجاله المساند المباشر أي العالم الإسلامي ومجاله الداعم العالمي الأبعد وذلك بالتأكيد وتكرار التأكيد على أن القرار النهائي يبقى للفلسطينيين وحدهم دون غيرهم. ولئن كنت لا أفهم كيف ينسجم ذلك مع دعوة الكاتب إلى التصدي إلى التطبيع مع الدولة الصهيونية ( ع 3، ص2، ج2) وإلى جعل مقاومة الصهيونية تتنامى لدى كل شعب وداخل كل شعب ( ع 3، ص2، ج1 )، فإني ألاحظ أولا أنه لا يقر بأن مقاومة الصهيونية، فكرا وكيانا وسياسة، تقع أولا على عاتق العرب فلسطينيين و غير فلسطينيين وبمراعاة كل أبعادها السياسية و التاريخية والحضارية و الثقافية، وإن أرى ثانيا أنه شعار معناه قريب جدا مما فهمه سياسيون عالميون وعرب ومسلمون بدفع أمريكي و بريطاني وفرنسي،يتكرر كل صباح وكل مساء، من ضرورة رفع اليد عن فلسطين والفلسطينيين وقضيتهم بحيث يتواصل انهيار الاقتصاد الفلسطيني الهش أصلا، ويستمر تجويع الشعب، وتشتد محاصرة الحكومة الإسلامية المنتخبة لتتيسر بذلك إثارة الفتنة وينفتح باب الاستسلام وتردم إنجازات المقاومة وروحها وثقافتها.
_______________
ملاحظة هامة: العناوين الفرعية والرئيسية من اختيار المحرر. يمكن المشاركة في نقاش هذه المسألة عبر موقعنا الالكتروني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.