وزيرة المالية : تونس تمكنت من الصمود أمام الأزمات المتتالية والتكيف معها    تونس تحدد مخزون الحليب الطازج المعقم    حالة الطقس هذه الليلة..    تحويل جزئي لحركة المرور على مستوى مستشفي الحروق البليغة ببن عروس    وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع التحدّيات والتهديدات والمخاطر السيبرنية    بعد يومين من المعاناة : وفاة المرأة التي أضرمت النار بجسدها داخل معهد ثانوي بغار الدماء    ميناء حلق الوادي الشمالي: مصالح الديوانة تحجز 15 صفيحة من مخدّر "الزطلة"    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    تعرف على الفواكه التي تعزز صحة القلب    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    عاجل/ تأجيل إضراب موزّعي الأدوية الى هذا الموعد..    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    قابس: تخرج الدفعة الأولى من المهندسين بالمعهد العالي للاعلامية والملتيميديا    جريدة الزمن التونسي    مدينة سوسة تحتضن الصالون الدولي لصناعة النسيج في تونس من 16 الى 18 اكتوبر المقبل    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    صدمة في القلعة الكبرى: لدغة ''وشواشة'' تُدخل شابًا قسم الكلى    الرابطة الأولى: إياد بالوافي يمدد عقده مع النادي الصفاقسي    انهاء مهام هذا المسؤول بوزارة التربية.. #خبر_عاجل    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    عاجل..انقطاع الإنترنت والاتصالات وتحذير من توقف الخدمة الصحية في غزة..    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    سفينة "لايف سابورت" الإيطالية تنضم لأسطول الصمود نحو غزة كمراقب وداعم طبي    اختفاء سباح روسي في مضيق : تفاصيل مؤلمة    المقرونة: أصلها عربي و لا إيطالي؟ اكتشف الحكاية    الرابطة الأولى: تشكيلة شبيبة العمران في مواجهة النادي الإفريقي    عاجل: الإدارة الوطنية للتحكيم تجمّد حسام بولعراس مرة أخرى...علاش؟    الرابطة الأولى: تشكيلة مستقبل قابس في مواجهة النادي البنزرتي    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    البحر اليوم شديد الاضطراب في الشمال.. وياخذ وضعية خطيرة ببقية السواحل    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    الإحتلال يقصف مستشفى الرنتيسي للأطفال بغزة    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    وزير التجهيز والإسكان يؤكد على تفعيل الدور الرقابي للتفقدية العامة بالوزارة    أسباب غير متوقعة وراء نقص حالات الزواج عند التونسيين    جريدة الزمن التونسي    أسطول الصمود: سفينتا ''قيصر- صمود'' و موّال-ليبيا تغادران في اتجاه القطاع    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأرجح بين كبوة جواد وضربة الحظّ
بين مسلسلي كمنجة سلاّمة والليالي البيض:
نشر في الشعب يوم 01 - 12 - 2007

لنتّفق أوّلا على أنّ هذه القراءة النقدية المغربلة ماهي إلاّ غيرة على الانتاج التونسي حبّا فيه ودعوة الى المؤلفين لمزيد التعمّق في الطرح حتى تكتسب الاعمال الدرامية أحقيتها في المنافسة ومشروعية وجودها بين المسلسلات العربية.
وإن بدوت لكم أتعاطف مع رفيقة بوجدي فلا لكونها إمرأة إنّما لان محاولتها في الكتابة كانت على قدر عال من الحرفية اذ بنديّة الكاتب المحترف، طالعتنا رفيقة، هذه المغمورة التي مازالت تتحسس طريقها، بمستوى المؤلف المتضلع في الكتابة التلفزية المتمكن من فنونها.
وكونه (علي اللواتي) أخفق في ابراز الوجه الحقيقي له في الكتابة رغم ما اكتنزه من جليل المسلسلات، لا يعني بالضرورة ان عصره الذهبي قد انتهى عند كمنجة سلامة فالرجل صاحب تجربة ولا أحد ينكر عليه روعة الأمس المجيد، لكن لنقل أنّ قلم الكتابة خانه هذه المرة فأي ريح عابرة عصفت بك يا سي علي؟
إذن، بين كبوة جواد (مع علي اللواتي) وضربة حظّ (مع رفيقة بوجدي) تأرجح المسلسلان وضمن هذه القراءة سأقف عند عناصر التميّز وعناصر الإخلال في كلاّ العملين.
لكن قبل ذلك، أذكر بأنّ المؤلفة وقفت عند الكثير من الجوانب التي خدمت هذا المسلسل لم يهتد اليها علي اللواتي فكانت غاية في التميّز:
في اختيار العنوان
في انسجام العنوان مع الموضوع
في ارفاق العمل بملحونة غنائية معبّرة مع آداء عال لفنّان يعدّ هو الاخر مغمورا.
أما نقاط القوّة ونقاط الضعف مجتمعة فسأخصّ بالذكر الشخصيات، الاحداث والقضايا المطروحة.
الشخصيات
تكاد الشخصيات تنحصر في عائلتين: عائلة عبد المقصود وعائلة العابد ينتميان الى الطبقة الميسورة ومنها ننتهي الى الحديث عن شخصية أمّ تطفو على السطح تكون بمثابة المحرّك الوحيد لجلّ الشخصيات وهي كالآتي:
مع كمنجة سلاّمة:
نجد عقيلة بماهي صورة عن الطبقة البورجوازيّة وبمثابة النواة التي تلتقي عندها مجموعة من الشخصيات الثانوية.
مع الليالي البيض تبدو كوثر العابد هي القطب الذي يدور عليه الرحى وهي لذلك الفاعلة في كلّ الشخصيات دون استثناء.
ما يحسب للمسلسل الثاني هو أنّ الشخصية القاعدة نجحت المؤلّفة في أن تحيك لها دورا على قياسها «فشيء ما يصعب على كوثر» وهو ما أحدث تماسكا وتواصلا بين مختلف الشخصيات حسب طبيعة العلاقة مباشرة كانت أو غير مباشرة وحسب انتقالها عبر الزمان والمكان.
بينما مع كمنجة سلامة بدت عقيلة شخصية تدور حول نفسها تبحث عن ذاتها وأين هي من باقي أفراد العائلة فقط ولم تستطع ان تنفذ الى خارج هذه الحدود الضيقة حتّى أننا نكاد نجزم أنّ المؤلف فصل بين الشخصيات فانصرفت في مراحل متقدّمة من المسلسل عن بعضها وانفصلت عندما انشغلت كل واحدة منها بحياتها الخاصة ولم تعد تبحث عن الآخر.
بعض الشخصيات في كلاّ العملين وردت عرضا في سياق الاحداث ومثلت نماذج لاصناف من شرائح المجتمع ففيهم الجيران، السكان العاديون، التاجر والسّارق.
على مستوى الشخصيات ايضا لعب التنوّع في ادراج بعض الاسماء دورا كبيرا في ادخال نفس جديد على الاعمال الدرامية التونسية التي كانت على اصبع اليد الواحدة مع شهر رمضان فنجح المخرجان في المراهنة على وجوه جديدة كانت لها بصمتها الفاعلة في تواصل مع اقطاب تلفزية متفق على مقدرتها فنيّا.
بقي ما نعيبه على علي اللواتي تهميشه لشخصية سلامة التي اعتبرها الرئيسية في مسلسله فكان يعرّج عليها في كل مرّة من خلال الذكرى بينما تجاوزت الكاتبة مبدأ الإقصاء وجعلت من شخصياتها مجتمعة أبطالا.
المؤلّفان حاكا لبطليهما صورة من الواقع المجتمع لتجسد المبادئ التي يؤمنان بها فجاءت تعبّر عن افكارهما وتحمل رؤاهما.
الاحداث
تأرجحا المؤلفان بين الدمعة والابتسامة، بين التفاؤل بغد افضل والتشاؤم من ماض أسود غير ان ما نؤاخذ عليه سي علي هو أن أفكاره عندما طُرحت بدت متذبذبة لا يستقر لها قرار، فتارة تنسى الشخصية آلام الماضي ويهزّها الشوق الى اللقاء وهو ما حصل مع حسناء وحبيبها الأوّل وطورا يعود القدر ليلعب لعبة العبث واليأس من جديد مثلما كان يحدث مع ثريا ودنيا في كل مرة.
وهي في اعتقادي نهاية تجاوزها الزّمن تجعل ذهن المشاهد ينصرف عن متابعة باقي الاحداث.
لعبة اليأس والعبث أيضا تواصلت مع رفيقة بوجدي مع عديد الوضعيات أهمّها على الإطلاق:
نادر الذي أفلتت منه زمام الأمور.
كوثر التي سُحبت منها سلطة وهميّة كانت من نسيح خيالها والمال. وتفرّدها كان عندما خلصت الكاتبة الى أن تخرج من هذه النمطية والروتين عندما حوّلت مجرى الاحداث الى شحنة من التفاؤل مع عديد الشخصيات متجاوزة بذلك فكرة علي اللواتي حين جعلت من الضعف (الفشل العاطفي) قوّة ونلمس ذلك مع:
درصاف التي فتحت عينها على حقيقة المأساة التي كانت تعيشها واستطاعت ان تتجاوز عقدتها.
أحلام التي قرّرت ن تتخطى محنتها ورنت الى ماهو أفضل
عفيفة التي تمكنت من أن تجد لها مكانا ضمن أصحاب الاموال بفضل ما ورثته عن فاروق.
عائدة التي حالفها الحظّ فرفعها من الفتاة الماجنة الى أخرى خلُوق. وبالتالي وقفت الكاتبة عند معاني الاستمرارية والدوام والثبات ولم تعد بالاحداث القهقري فلم تربط نفسها بالحلقة المفرغة «عاد الى البيت فرحا مسرورا» التي لم يستطع علي اللواتي الانبتات عنها.
القضايا المطروحة
المؤلفان شحنا قصتهما بأكثر من قضيّة ذات بعد: الانحراف الشغل، الزواج، المرأة، الطلاق، التبني، الطبقية..
ميزة الليالي البيض أنّ رفيقة بوجدي استطاعت ان تدمج هذه القضايا في طيات الحوار ادماجا طبيعيا وعلى خلافها بدا الحوار مع علي اللواتي متكلفا في بعض المواقف كالحوار الذي يدور في كل مرة بين عقيلة وأحفادها وأعطى صورة بدت لي مبالغ فيها عن طبيعة العلاقة بين الجيلين في حين اعتبرها سي علي ضربا من ضروب الحداثة والتمدن.
هوّة أخرى وقع فيها المؤلف لدى تطرّقه إلى أمهات القضايا عند إدراجه لعبارات وألفاظ تحول دون ان يرتقي العمل الى مستوى البث الفضائي من قبيل «صكّرْ جلغتك»! فشتّان يا سي علي بين هذه العبارة وبين «سدْ بوزكْ» باللهّجة الشرقية!
مع علي اللواتي أيضا تواترت القضايا وأدرجت جزافا دون تعمّق في الطرح او اهتداء الى الإمساك بطرفي الموضوع. بينما تناولت المؤلفة قضاياها تناولا جريئا موغلا في العمق والربط والتسلسل على مدار 18 حلقة هدفها الاحتكاك بواقع المجتمع والبحث في مشاغله وتطلعاته.
ما أعيبه على سي علي ايضا التنقل بين الافكار حتّى غدا العمل سطحيّا كزهرة في قلب الصحراء، أمّا عن الكمنجة كموضوع فلن أعلّق!
ولأن المجال لا يسمح بالوقوف عند كل قضية على حدة وسأكتفي بكبريات القضايا التي عالجها المؤلفان كلّ على طريقته.
التقى المؤلفان عند تطرقهما لقضية الانحراف وجعلا لهذا الشاغل رأسا مدبّرة تديره كالاتي:
مع كمنجة سلاّمة خصّ علي اللواتي «المقصّ» بنصيب الاسد فصوّره في شكل رئيس عصابة انحدرت اليه باقي الشخصيات من الطبقة ذاتها.
أمّا مع الليالي البيض فإنّ «رستم» الذي ينتمي الى الطبقة البورجوازية لم يجد حرجا في الانحدار الى المنتهى نفسه وقد توازى في ذلك مع «المقصّ» بما هو نموذج عن الطبقة الكادحة فجرّ إليه رفاقه.
انتهت المؤلفة الى أنّ الانحراف ليس حكرا على طبقة المعذّبين في الارض إنّما الجري الاعمى وراء المال يمكن أن يقود الأغنياء الى هذه الهوّة لعدم اكتفائهم.
كما التقى المؤلفان عند قضية الفشل العاطفي التي اعتبرتها رفيقة بوجدي نقطة ضعف حوّلتها الى مصدر قوة وأفاضت للحديث عنها في التنقل بين الشخصيات بينما مرّ عليها على اللواتي في طرفة عين.
وفي النهاية، أخلص الى القول بأنّ المؤلفان اجتهدا وعبرا عن ما جادت به قريحتهما ومن اجتهد ولم يصب فله اجره أيضا، لكن ما يميّز الليالي البيض أنّه عمل ترسّخ في الوجدان وفي ذاكرة المشاهد العادي قبل المثقف وهو مارنت اليه المؤلفة لكن يبقى ان اقول ل:
علي اللواتي، ليس المهمّ أن نطفوا على السطح انما المهم كيف نسبح حتّى لا نغرق.
رفيقة بوجدي، وليس المهمّ ان ننجح في ضربة حظّ بل المهمّ كيف نتربّى على ذلك حتى لا يزلّ بنا القلم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.