صدر في الأيّام القليلة الماضية كتابان جديدان انضافا إلى المكتبات التونسيّة، وعلى صغر حجمهما إلاّ أنّهما قد يؤسّسا لصنفين جديدين في السّياق العام، ذلك أنّ الكتاب المشترك الذي صدر لجعفر العلوي وسليم دولة بعنوان «وصل المفصول في ما يبقى وما يزول» في إطار لُعبة لغويّة بين الاستدراكات المرحة لرجل متعب اسمه سليم دولة والمبالغات الحكميّة التي انتقاها جعفر العلوي من تداعياته الفكرية لجيل يحاول أن يؤسّس إمكان وجود مُغاير، قلت أنّ هذا الإصدار المشترك من حيث طرافة مضمونه ونسق توزيعه وترتيبه من شأنه أن يصير تقليدًا في عالم النشر. وإذا كان الكتاب الكبير شرّ لابدّ منه فإنّ كتاب «فصل المفصول» طافحٌ بأدق تفاصيل الفكر من جهة والواقع من جهة ثانية في اتّساق وانسجام بين الوجعين اللّذين يحملهما كلا الكاتبين ويكفي أن يُطالع القارئ تنافر الانسجام منذ فاتحة الكتاب بين جعفر الذي يرى أنّ من قلَّ كلامه قلَّت أخطاؤه ومن قلّت كتابته فقد تحدّد مرادُه، وبين سليم دولة الذي يُجيبه بأن هذا مديح ضمنيّ للعصاميين التونسيين وأيضا للأمّية الأبجديّة والعاطفيّة... أمّا الكتاب الثاني فهو للشّاعر وليد الزريبي، وهو لبنة أولى لمشروع بدأت ملامحه تتوضّح بعد الإصدار الثاني والثالث الذي هو قيد الطبع، فضمن إطار «الحوار والمنتخبات» أصدر وليد الزريبي كتابه الأوّل في هذه السلسلة بعنوان «أحمد فؤاد نجم شاهد على الشعر» وتلاه بثان بنفس العنوان مع الشاعر العراقي سعيد يوسف وثالث سيرى النّور قريبا مع الشاعر قاسم حدّاد. ضمن هذا الكُتيب الصغير والأنيق قدّم وليد الزريبي الحوار الذي أجراه مع فؤاد نجم في القاهرة والذي كان فيّاضًا بحرارة الحياة وطعم الشعر والتحدّي، ورفده بمنتخبات من أشعار نجم وهي الكلام وأنا أتوب عن حبّك وبلدي وحبيبتي وغنوة سلام وصرخة جيفارا وموّال السّمك... وهذا الشكل من الإصدارات يُحقّق رواجًا لدى القارئ اليوم بقدر ما يترك لديه أثرًا واضحًا تتكفّل به كثافة المتن ودقّة كلامه