العلاقات غير الشرعية، فقدان العذرية، عمليات الاجهاض غير القانونية، كنا الى حد قريب نرى ان الخوض في هذه النوعية من المواضيع من قبيل المخجل والممنوع، الا ان الضوابط الأخلاقية التي تحكم مجتمعنا لا تمنع من ظهور هذه المسائل وتغلغلها بشكل أو بأخر بين فئاته وخاصة بين الشباب، وهو ما يفرض ضرورة كسر جدار الصمت والغوص في أعماق حقيقة تفرض وجودها بقوة وهي ظاهرة الاطفال خارج اطار الزواج والامهات العازبات. لكل ظاهرة اسبابها، وقد تتسبب ظاهرة في بروز اخرى أخطر منها، واهم اسباب تفشي مثل هذه الظواهر هي دخول المجتمع العربي الاسلامي وبالخصوص التونسي مرحلة تغزوها فلسفة الحداثة فصدمة التحولات المجتمعية الجديدة والانبهار بأنماط عيش وسلوك تبثها الشاشات الكبيرة والصغيرة على امتداد اليوم انتجت وقوع فتيات وفتيان كثر في مثل هذه المطبات لتصبح ظاهرة المساكنة موضة فيما بينهم خاصة بين الطلبة من الجنسين اذ يقتسمون سقفا وبيوتا للعيش معا ومجابهة صعوبات واقعهم اليومي، وقد يكون ضيق حاجة اليد لبعض العائلات الذين يرسلون بناتهن للجامعات ولا يستطيعون التكفل بمصاريفهن، سببا في ان تجد الفتاة احد الشبان الميسورين ولو نسبيا حتى يوفر لها المسكن والمأكل والملبس في مقابل علاقة زوجية الا انها غير شرعية، وقد ينتج عن هذه العلاقة «حمل» قد تعتبره بعض الفتيات وسيلة لإرغام الشاب على الزواج الذي عادة ما ينسى جميع وعوده ويلتجئ للهرب من المسؤولية. معاناة في مجتمع لا يرحم إن أفراد المجتمع التونسي رغم ما يبدو عليه معيشهم اليومي من تأثر بثقافة الغرب وسلوكهم المتفتح في مسألة الجنس والعلاقات العاطفية، لم يصلوا بعد الى تبني ما جاء في هذه الحداثة المستوردة من مبادئ تنظر الى العلاقات خارج اطار الزواج نظرة ناضجة وتعالج مخلفاتها علاجا بناء يتحمل فيه الجميع المسؤولية على حد سواء. ان وضعية الام العازبة والطفل غير الشرعي تعتبر من الوضعيات التي مازالت من قبيل الشاذ والهجين الذي يجب ان لا يحدث في مجتمع عربي اسلامي محافظ يؤمن بالزواج كوسيلة وحيدة شرعية يمكن من خلالها انجاب الاطفال. فأين يكمن الاشكال؟ إن ما يزيد هذه الوضعية تشعبا هو وجودها بين مطرقة المجتمع الذي لا يرحم ولا ينسى ويرفض الاختلاف ويتخذ من خطإ البعض مطية لممارسة سلطته بأعنف صورها، وسندان افراد تبنوا فهما خاطئا للانفتاح والحرية فظلموا أنفسهم والاخرين. جهود مؤسسات الدولة يوجد في تونس وفي بعض مناطق الجمهورية الداخلية جمعيات ومراكز ادماج على غرار جمعية (أمل للعائلة والطفل) التي تستقطب ما معدّله 50 فتاة سنويا قصد اعادة الادماج الاجتماعي والاقتصادي بالنسبة للواتي يحتفظن بأطفالهن وذلك عن طريق توفير المستلزمات الضرورية للأم وطفلها حتى تتمكن من انصهار ايجابي داخل الحياة الاجتماعية. كما تؤدي جمعية (بيتي) بولاية قفصة نفس دور الاحاطة اذ تقوم باستقبال الام الهاربة من خطر العائلة وتضييقات المجتمع لتحتضنها خلال الاشهر الاولى للرضاعة. ذلك ان واقع الامور يثبت ان الام اذا أرضعت صغيرها خلال اشهره الاولى تصبح بعد ذلك غير قادرة على تركه. أما المراكز المندمجة للشباب والطفولة والتي تسهر على التكفل بالاطفال فاقدي السند العائلي والمتخلي عنهم فهي موزعة على مناطق عديدة منها على سبيل الذكر لا الحصر الجمعية التونسية لقرى الاطفال (أس . أو. أس) التي تحتضن داخلها 11 منزلا عائليا ومبيتين للشبان ومثلهما للفتيات في ولاية تونس اضافة الى فرع اخر في ولاية سليانة بنفس طاقة الاستيعاب وفي ثالث في جهة المحرس. كما تتوزع داخل مناطق الجمهورية عديد المؤسسات والمراكز التي ترعى الطفل فتقوم بتربيته او تبحث له عن عائلة ويمكن ان نذكر منها ايضا مركز الاحاطة والتوجيه الاجتماعي بدوار هيشر الذي يهتم بالام وطفلها ويتكفل بمهام القبول والاحتضان وتوفير الاقامة الوقتية وتأمين مستلزمات الرعاية الاساسية والعناية الطبية والاحاطة النفسية. ألسنة المجتمع لقد رأى العديد من علماء الاجتماع والنفس ان الحل الجذري لحماية الاطفال المولودين خارج اطار الزواج ووضع حد لمعاناتهم، يكمن في يد المجتمع والاسرة قبل كل شيء. ولئن عاب الباحثون عن المجتمع وافراده عدم تفهم هذه الفئة، فان هذا لا يخفي بأن العيب يكمن من البداية في أم تسقط في مثل هذه المطبات وأب يتهرب من تحمل المسؤولية ويرفض الاعتراف بذنبه. إن حماية الاطفال المولودين خارج اطار الزواج مهمة مشتركة بين هياكل الدولة وأفرادها اذ انه إذا ما اهتمت كل جهة عن طريق منظماتها وجمعياتها بعدد من الاطفال الفاقدين للسند العائلي فانه يمكن تلافي العديد من الاشكالات التي قد تجر الطفل الى التشرد والى ما لا تحمد عقباه، فحماية هؤلاء الاطفال أولا من ذنب لم يرتكبوه وثانيا من مآل لم يختاروه، فيه حماية لشباب المستقبل الذي يعتبرون جزءا منه. الوقاية من المعاناة إن الوقاية من حدوث هذه العلاقات غير الشرعية ووقوع الحمل الذي ينتج عن الاطفال غير الشرعيين، لا يكون الا بالتوعية الجنسية والتحذير الدائم من مخاطر العلاقات الجنسية غير المنظمة وغير المشروعة، فالثقافة الجنسية ضرورية ويجب ان يكتسبها الطفل منذ نشأته وذلك عبر كسر حاجز الحياء الذي يجعل كل ما له علاقة بالجنس من قبيل الخطوط الحمراء، مما يضطر الطفل الى اكتشاف ذلك خارج الاطار العائلي وبطرق غير واعية قد تؤثر في حياته ومستقبله ككل، دون ان ننسى ضرورة تربية الاطفال على الوازع الديني والاخلاقي الذي يمكن ان يكون زادا وقائيا امام عديد الاشكاليات التي يتعرض لها الشاب في فترة معينة من حياته.