تمزيق استدعاء امتحان الباكالوريا: بطاقة إيداع بالسجن في حق المعتدي ونداءات لإنصاف التلميذة    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    الأستاذ عامر بحببة يحذّر: تلوّث خطير في سواحل المنستير ووزارة البيئة مطالبة بالتدخل العاجل    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    إسرائيل – إيران: أسبوع من الحرب ومئات القتلى… والحصيلة البشرية في تصاعد    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    من هو فريق لوس أنجلوس الذي سيواجه الترجي اليوم؟    إنتقالات: بارما الإيطالي يكشف عن هوية مدربه الجديد    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عبد المجيد العبدلي : الصواريخ الإيرانية أربكت إسرائيل وحيّرت أمريكا.. وما يحدث ليس حربًا بل عدوان مسلح    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة ( 19 جوان)    اتحاد الشغل يدعو إلى فتح جولة مفاوضات جديدة في القطاع العام والوظيفة العمومية    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    منظمة الأطباء الشبان تؤكد نجاح إضرابها الوطني ب5 أيام وتلوّح بالتصعيد    استقبال شعبي كبير في شارع بورقيبة لقافلة الصمود    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    إيران: هاجمنا عاصمة إسرائيل السيبرانية    أول فريق يحجز بطاقة التأهل في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    إيران تحبط مؤامرة اسرائيلية لاستهداف وزير الخارجية عباس عراقجي    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    رابع سبب للموت في العالم الخمول البدني يصيب 83 ٪ من التونسيين!    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية لأقل من 17 سنة: فوز للذكور وهزيمة للفتيات في مواجهة الأوروغواي    الاستثمارات الاجنبية المباشرة تزيد ب21 بالمائة في 2024 في تونس (تقرير أممي)    راج أن السبب لدغة حشرة: فتح بحث تحقيقي في وفاة فتاة في جندوبة    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    الدولار يتخطّى حاجز 3 دنانير والدينار التونسي يواصل الصمود    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    صابر الرباعي في افتتاح الدورة 25 للمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون وكريم الثليبي في الاختتام وتنظيم معرض الاسبو للتكنولوجيا وندوات حوارية بالحمامات    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    باجة: تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اتحاد الفلاحين ينظم، اليوم الخميس، النسخة الرابعة لسوق الفلاح التونسي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    وزارة التجارة للتونسيين: فاتورة الشراء حقّك... والعقوبات تصل إلى 20 ألف دينار    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    عاجل/ الإطاحة بشبكة تستقطب القصّر عبر "تيك توك" وتقدّمهم للأجانب    لجنة الصحة تعقد جلسة استماع حول موضوع تسويق المنتجات الصحية عبر الانترنت    بداية من العاشرة صباحا: إنطلاق التسجيل للحصول على نتائج البكالوريا عبر الSMS    النوفيام 2025: أكثر من 33 ألف تلميذ في سباق نحو المعاهد النموذجية اليوم    عاجل: أمل جديد لمرضى البروستات في تونس: علاج دون جراحة في مستشفى عمومي    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    قافلة الصمود تُشعل الجدل: لماذا طُلب ترحيل هند صبري من مصر؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة مفتوحة إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو
قبل انعقاد القمة العربية بسوريا: سالم الحداد
نشر في الشعب يوم 29 - 03 - 2008

مواطن عادي من ملايين العرب الذين يحملون همّ هذه الامة، تابع مسيرة القمم العربية والإسلامية وما اصدرته من قرارات سياسية واقتصادية وأيقن كبقية المواطنين أنها حبر على ورق، لان انظمتنا في معظمها ان لم أقل كلها لا تملك حرية اتخاذ القرار. فبعد ان اختارت ان تكون معزولة عن شعوبها وأن تتخلى عن طموحاتها في الحرية والوحدة والتحرر، صارت محكومة بمجموعة من الاكراهات يصعب الانفلات منها. ومن اهمها:
1 الارتهان السياسي للقوى الكبرى
انتهى في وطننا العربي مبدأ سيادة الدولة وصار بامكان القوى الكبرى في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، ان تتدخل بصفة مباشرة كما حدث في العراق او افغانستان، أو بطريقة غير مباشرة كما يحدث في كل يوم عن طريق الوكلاء والسفراء والقناصل سرا وعلانية. فبالإضافة الى نفوذها الاقتصادي، فقد أقامت قواعد لها على اراضينا أو قبالة شواطئنا، وهي بذلك تُشعر اولي الامر منا انها مستعدة لحمايتهم متى انضبطوا، فلا تهتز عروشهم ولا تتزحزح كراسيهم وهي كذلك مستعدة لان تعصف بهم متى اعترضوا او حتى فكروا في الاعتراض على استراتيجيتها.
2 التبعية الاقتصادية
أجبرت العولمة الدولة الوطنية على الانصياع لإملاءاتها فانخرطت في منظمة التجارة الدولية بعد أن فوتت في القطاع العام وأعادت الهيكلة الاقتصادية وفتحت الحدود وازالت كل الحواجز والعراقيل التي تعطل انسياب رؤوس اموال الشركات العابرة للأوطان والأمم والقارات. ولا مجال لان نستثني من هذه التبعية لا الدول الغنية التي يستند اقتصادها الى العائدات البترولية ولا الدول الفقيرة التي تعول على طاقاتها البشرية، فالأولى مرتهنة بقيمة الدولار وبالايداعات الضخمة في البنوك العالمية، واما الثانية فهي مرتهنة بالقروض والمساعدات التي تتلقاها وتحل بها جزءا مهما من ازماتها الاجتماعية.
3 توطّنُ هاجس الخوف
تمكنت القوى الكبرى في العالم من أن تزرع الرعب في قلوب أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، عندما شهرت في وجوهم عدة أسلحة فعالة منها:
أ سلاح الديمقراطية وحقوق الانسان
الديمقراطية مطلب شعبي وطموح بشري لانه ينزل الانسان المنزلة الانسانية التي هو جدير بها كذات حرة وفاعلة ومسؤولة، لكنكم لم تحسنوا توظيفها لفائدتكم ومصلحة شعوبكم فبدلا من ان تشرعوا بها وجودكم في السلطة حولتها الامبريالية العالمية عدوة شعوبكم وعدوتكم الى سلاح ذي حدين توظفه بما يتلاءم مع مصالحها، فهي من ناحية لحن سحري شذي تعزفه لاغراء الشعوب التي عانت ومازالت تعاني من ويلات الاستبداد، لكنها تطمعها دون ان تطعمها، وهي من ناحية اخرى سلاح حاد تشهره في وجوهكم متى استشعرت منكم ترددا في تنفيذ مخططاتها.
ب الارهاب
منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبح العرب والمسلمون متهمين في ثقافتهم وفي تصرفاتهم، فثقافتهم هي التي فرخت عناصر الارهاب، وهؤلاء هم الذين ضربوا قلب المدن الامريكية والاوروبية. كل ذلك تم في ظل الانظمة الحاكمة فهي مسؤولة عن كل ذلك رضيت ام رفضت، وهي عقب اشيل الذي تبحث عنه القوى العظمى لأسر الأنظمة العربية، ولا يمكن فك عقالها الا بالانخراط الكامل في الاستراتيجية الامريكية والعمل على:
1 محاربة «الارهاب»
لقد صارت الحكومات العربية ملزمة شاءت أم أبت بمحاربة الارهاب انطلاقا من المنظور الامريكي سواء أكان منتميا للقاعدة أو للمقاومة الوطنية وذلك ب:
أ ملاحقة المشتبه فيهم داخل الوطن او خارجه وتقديم المعلومات عنهم والقبول بترحيل او استقبال المسجلين على قوائم المتهمين او المحاكمين.
ب تجفيف منابع الفكر الديني «المتطرف» في المؤسسات التربوية والثقافية بحجة أنّه خطاب تحريضي إرهابي. والاستعاضة عنه بثقافة المجتمع الاستهلاكي، ولم تتخلف هذه المؤسسات عن الاستجابة لهذا الطلب كليا او جزئيا.
2 التطبيع مع الكيان الصهيوني
هذا ما حاولت ان تقوم به المبادرة السعودية التي تبناها مؤتمر بيروت، غير ان هذا الكيان لم يقبلها لانه يرفض التطبيع الجماعي المشروط، فهو يريد ان يملي شروطه لا ان تملى عليه الشروط، وهذا لا يتيسر له بغير التفاوض المفرد المعزول وهو ما عرف «بتعدد المسارات» والكثير من الدول العربية يمارس التطبيع سرا وعلانية استجابة للرغبة الامريكية وطمعا في الرأسمال اليهودي.
3 التصدي للخطر الإيراني
بعد ان تعاونت الولايات المتحدة مع النظام الايراني لاسقاط نظام صدام حسين، حولته الى محور للشر يهدد المنطقة ويعمل على ابتلاعها، وهذا ما أدخل الفزع على حكام منطقة الخليج فهرولوا نحو الدول الكبرى للتسلح اتقاء للحرب مع ايران او استعدادا لها.
4 تعزيز ميزانيات القوى الكبرى
ان ما يميز السياسة الامريكية انها تخلق المشكل وتزعم انها تملك الحلول، تزرع الداء وتوهم بامتلاك الدواء، فبعد ان بثت الرعب في صفوف الدول الخليجية من الخطر الايراني المزعوم قدمت العروض المغرية لتسليح جيوشها، وهي بذلك تريد ان تضرب عصفورين بحجر واحد: تعقد صفقات تجار خيالية ببليارات الدولارات لبيع الاسلحة الاستراتيجية وفي مقدمتها الطائرات والدبابات والذخائر والمفاعلات النووية وغيرها دون السيطرة على تقنياتها، وبذلك تعيد الدول الصناعية امتصاص عائدات البترول الذي اشترته مادة خاما. وبهذه الاسلحة تجهز جيوشا للقتال عنها بالوكالة، كما فعلت الجيوش العربية عند استرجاع الكويت وكما تفعل أثيوبيا الآن في الصومال.
وبالاضافة الى المهام الاربع المندرجة ضمن الاستراتيجية الأمريكية فإن دول المغرب العربي تكفلت بمهمة خاصة بأوروبا الا وهي:
5 الحزام الامني الاجتماعي
حاولت الدول الغربية في العقود الاخيرة ان توقف موجات الهجرة المتدفقة من الجنوب، فسنت الكثير من التشريعات التي تحد من الانسياب نحوها، لكنها لم تفلح الا بشكل محدود، فالمجاعات في افريقيا والبطالة في دول المغرب العربي جعلت اوروبا مهددة بالجراد البشري الذي لا يعرف لا الحدود والسدود، وحتى تضع حدا لهذا الزحف، فإنها أوكلت هذه المهمة الى دول الشمال الافريقي فشكلت حزاما أمنيا يحميها، ويبدو أنها قبلت بهذا الدور.
لكل هذه الاعتبارات فليس لي أي وهم بان القمة العربية كالقمة الاسلامية ستكون أفضل من سابقاتها، فمن الأكيد أنها ستكون اجترارا للماضي، فهي محكومة بعوامل الخوف والعجز التي فرضت عليها الانضباط للمهام المحددة سلفا، لذا لا اتوقع أن تكون قادرة على حل المشاكل المستعصية ولا المساهمة في حلها: فهل تستطيع ان ترفع الحصار عن غزة او توقف تمدد الاستيطان، هل بإمكانها أن تجاهر بدعم المقاومة في فلسطين والعراق والصومال وافغانتسان؟ هل تستطيع ان تساهم في حل قضية دارفور التي تحولت الى مشكلة دولية؟ هل هي قادرة على إيقاف التدمير في العراق او حتى على رأب الصدع بين الفلسطينيين واللبنانيين؟ هل بإمكانها ان تحول الاموال المودعة بالبنوك الاوروبية والامريكية الى الدول العربية الفقيرة لتخفيف ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية؟
لقد انتزعت الولايات المتحدة من أيدي المسؤولين العرب كل هذه الاوراق ومن ذلك ورقة مراقبة الحدود العراقية وملاحقة المقاومة، ألم تخترع طريقة أنجع حيث حركت شيوخ العشائر فشكلوا مليشات الصحوات للتصدي للمقاومة؟ وهذا أصبح قناعة كل من يتابع وضعنا العربي لذا لا اعتقد ان هناك من ينتظر صدور مواقف او قرارات من القمة العربية يمكن ان تساهم في حل مشاكلنا السياسية او الاقتصادية او حتى ان تخفف منها.
نتيجة لهذه القناعة فإني لست من الذين ينتظرون من اصحاب الجلالة والفخامة والسمو اكثر مما يستطيعون «لا يكلف اللّه نفسا الا وسعها» لكني الفت انبتاههم الى مسألة حيوية، ومع حيويتها فهي لا تحرجكم أمام جبابرة العالم لكنها تنفعكم أمام شعوبكم اذ هي تساهم في المحافظة على استمرارية وجود الامة وتأكيد ثوابتها خارج الوطن العربي، وأعني بذلك الهوية العربية الإسلامية للمواطنين العرب والمسلمين في بلدان المهجر وبالتحديد في أوروبا وأمريكيا الشمالية والجنوبية.
لعلكم تعرفون ان عدد المهاجرين من العرب والمسلمين بلغ حوالي 20 مليونا موزعين كالتالي:
5 ملايين في الولايات المتحدة من 280 مليونا،
15 مليونا في اوروبا (الخمسة عشر من مليون 375)
غير المهاجرين في أمريكا الجنوبية الذين لم تتوفر إحصائيات كافية عنهم.
وهي نسبة مهمة إذا أخذنا بعين الاعتبار الحيز الزمني لوجودهم وهو 40 عاما تقريبا. وهذه النسبة اعتبرها بعض العنصريين ناقوس خطر يؤذن بتحول هذه الجالية الى قوة فاعلة في بلاد الهجرة ليس على المستوى الديمغرافي فقط بل أساسا على المستوى الحضاري.
ولا تخفى عنكم ايضا الظروف التي حفت بهجرتهم، إن المهاجرين كانوا على صنفين: عمال الساعد وعمال الفكر، فعمال الساعد هجروااوطانهم هروبا من الفاقة وبحثا عن لقمة العيش بعد ان عجزت الدولة الوطنية عن توفيرها لهم، وعمال الفكر فضلوا المنفى الاختياري بحثا عن مثابة فكرية تحترم الطاقات العلمية وتوفر فرص الخلق والابداع وتمنحهم الحرية.
خلال هذه العقود الاربعة وجدت على الساحة الاوروبية ثلاثة أجيال، وكان هناك اطمئنان على الجيل الاول الذي تحول الى اوروبا ببرنوسه وجلبابه وشاشيته وعقاله يتخلى عنها في المطار عند الرحيل ويسترجعها عند العودة، وكان الجيل الثاني مشكوكا في استمرارية انتمائه الوطني والحضاري، فقد تشده اوروبا إليها بإمكانياتها ومغرياتها، أما الجيل الثالث فلم يكن هناك مجال للشك في ذوبانه حسا ومعنى. غير ان الواقع اكد عكس كل هذه التوقعات فالجيل الاخير هو أشد الاجيال تمسكا بهويته وبلا شك ان التمسك لم يكن نتيجة لبرامج توعية تثقيفية وضعتها الحكومات وسهرت على تنفيذها، بل انه جاء في مجمله كرد فعل عفوي على التحديات والاستفزازات التي تعرضت لها الجاليات العربية والاسلامية، مما دفعها لأن تعمل من اجل إثبات وجودها بأشكال مختلفة فانشأت النوادي الثقافية وشيدت دور العبادة وكونت العديد من المنظمات الاجتماعية والثقافية وأقامت المعارض والبعض اقتحم الفن السابع.بلا شك أن بعضها وجد الدعم المادي من بعض المؤسسات او الحكومات التي كانت تحرص بدوافع سياسية على احتواء الجالية وليس انطلاقا من خلفية حضارية.
غير ان هذا المجهود يبقى محدودا وغير قادر على مواجهة التحديات التي تتعرض لها الجالية العربية والاسلامية في الظرف الراهن وقد تزداد الاوضاع صعوبة في المستقبل المنظور فماهي ابرز هذه التحديات؟
طيلة الفترة السابقة كان الاستفزاز يأتي من مصدرين، هما اليمين الاوروبي العنصري والصهيونية، فهذا اليمين كان يستغل ورقة المهاجرين في المناسبات الانتخابية ويعتبرهم مصدر كل الشرور التي تنتشر في اوروبا: البطالة والاجرام والمخدرات. وفي السنوات الاخيرة التحق اليمين الرسمي وعزف على نفس الاسطوانة، وابسط شاهد على ذلك هو الرئيس ساركوزي الذي كانت له جولات مع شباب الضواحي من ابناء المغرب العربي اما الصهيونية فكانت تستثمر كل الحوادث الاجتماعية والاحداث السياسية لتوجه اصابع الاتهام للعرب باعتبارهم من هواة العنف ومناهضين للسامية.
وفي السنوات الاخيرة ظهر خطاب جديد معاد للعروبة والاسلام، لم يكتف بإدانة تصرفات العرب او المسلمين بل اتجه هجومه الى الاسلام كعقيدة وشريعة وثقافة وتاريخ باعتباره اهم مكون لحضارتنا العربية الاسلامية وهذا يذكرنا بالحرب الباردة التي كانت فيها الشيوعية هي المستهدف ومن هنا فإن الصراع ليس صراعا سياسيا بقدر ماهو صراع حضاري بخلفية سياسية.
ومع هذا الصراع الجديد اتسعت رقعة الاعداء حيث دخلت على الخط تيارات فكرية واحزاب سياسية وفرق دينية وزعماء بارزون بل ورسامون ومخرجو أفلام وكتاب ورهبان واحبار ولم تكن كل هذه الاطياف معنية بهذا الصراع من قبلُ. وعلى سبيل المثال فإن المسيحية لم تجاهر ابدا بعدائها للإسلام رغم المفارقة بين الديانتين، بل ان الكنائس في اوروبا كانت تقدم الدعم المادي لمن يلجأ اليها من المسلمين، لكن في السنوات الاخيرة ظهرت معركة الحجاب وهي بعيدة كل البعد عن الشكل الخارجي، فالحجاب اخذ بعدا رمزيا للصراع الحضاري بين انصاره واعدائه، كما ان بابا الفاتيكان لم يتردد في التشكيك في عمق العقيدة الاسلامية، وفي امريكا ظهر اكبر تيار ديني متصهين هو تيار الكنيسة الانجيلية، هذا بالاضافة الى تيار المحافظين الذي ضم كبار المفكرين والخبراء ورجال الاعلام والاستراتيجيين كما لا يمكن ان نغفل عن الساحات الانجلو سكسونية المعروفة تاريخيا بتسامحها، فقد تحركت فيها تيارات عنصرية اكثر شراسة من التيارات اليمينية في اوروبا اللاتينية الكاثوليكية.
ولم يبق الصراع منحصرا في الفئات النخبوية، فالنافخون في لهيب المعارك من وسائل الاعلام عملوا على الوصول به الى الشارع الأوروبي الذي لا يعتني عادة بمثل هذه القضايا، وهذا ما كشفت عنه الصور الكاريكاتيرية والفيلم الذي ظهر للمرة الثانية بحلقاته السابقة واللاحقة بعنوان «ما يجب على أوروبا ان تعرف عن الاسلام».
كل هذه التيارات والحركات كانت تستهدف بالدرجة الاولى تشويه صورة الجاليات العربية والاسلامية الموجودة في اراضيها ومضايقتها والتشكيك في عقيدتهم وفي بنيتهم الفكرية.
ومن حسن الحظ ان هذه الجاليات أفرزت العديد من الشخصيات الفكرية ومن المنظمات الاجتماعية والثقافية التي امتلكت اليات المجتمع الاوروبي والامريكي واتقنت كيفية التعامل معه، واستطاعت ان تحجز لها ولقضايا امتها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية مقعدا في الجامعات وفي المنابر السياسية والثقافية وان تنافس اللوبي الصهيوني في عقر داره، ومع ذلك فانها مازالت غير قادرة على مواجهة اشكاليات الواقع الجديد.
ان الكثير من المشاكل التي تعرضت لها ومازالت، تعود الى غياب الوعي باشكاليات وجودها بين وطنها وموطنها بين الوطنية والمواطنة، بين نظرتها لنفسها ونظرة الآخر لها.
إن معظم ابناء هذه الجالية لا يمتلكون الا حمية الانتساب الحضاري لكنهم يجهلون مكوناته، وبالتالي إمكانية الدفاع عنه. اليسوا في حاجة أكيدة الى معرفة دعائم هويتهم الحضارية من لغة وثقافة حتى يعرفوا من هم؟ أليسوا في حاجة الى معرفة المكونات الحضارية للاخر حتى يعرفوا كيف يتعاملون معه؟ واذا استوعبوا ذلك سيكونون بحكم وجودهم في مناخ يوفر حرية الرأي والتعبير أقدر على الاجابة عن الكثير من التساؤلات السياسية والحضارية المطروحة في الساحة الاوروبية حول الاسلام وقديرون فيه حلا لقضايا وجودية انسانية تقوم على ثنائية التوازن بين المادة والروح تنقذ المجتمع الاوروبي من تداعيات الرؤية الاحادية الفردية وتنقذنا نحن من النظرة التقليدية التي تحصر الاسلام في إقامة الحدود وبهذا تكون الجاليات قلاعا حضارية وسياسية متقدمة تدافع عن قضايا الامة وتسهم في حل الازمات الانسانية متسلحة بمرجعيتها الحضارية وبالمنزع العقلي الحر الذي توفر في أوروبا أكثر مما توفر في وطننا العربي.
فهل تجد هذه القلاع من اصحاب الجلالة والفخامة والسمو ولو جزءا بسيطا من اهتماماتهم يمكّنها من اداء دورها الحضاري والانساني؟ فهل هي جديرة بان تحظى بمقعد في القمة ولو مقعد ملاحظ يكون قناة اتصال وتواصل مع عالم يزداد عدائية وتعقيدا كل يوم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.