يبدو أن "أوربا" الحبلى ب"الا سلام"، قد وضعت حملها "المسلم" وبدأت تخشى منه على مستقبل هويتها العلمانية.وهي بدأت تتحرك سريعاً،على أكثر من صعيد ومستوى، واصدار القوانين وسن التشريعات اللازمة لأوربة مولدها "المسلم"،قبل أن تتعاظم قوته ويخرج من تحت السيطرة ويصبح جزء من الظاهرة المعروفة ب"الاسلامفوبيا".وقد جاءت جريمة مقتل الصيدلانية المصرية المسلمة المتحجبة "مروة الشربيني" على يد ألماني متطرف في قاعة المحكمة في الثامن من 8 تموز الجاري،لتفجر قضية الحريات والحقوق الدينية للجاليات المسلمة في أوربا،في مقدمتها حق ارتداء المرأة المسلمة للحجاب و النقاب المثيران للجدل في مختلف الأوساط الأوربية التي ترى في المظاهر الاسلامية والدينية خطراً يهدد مستقبل العلمانية والمدنية الأوربية،في حين يرى المسلمون في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الدينية حقاً مشروعاً هو من صلب الحريات الفردية والحقوق التي اقرت بها القوانين والدساتير الأوربية،فضلاً عن أنها واجب يفرضه عليهم الشرع الاسلامي. لذلك هم (المسلمون الأوربيون) لن يتنازلوا عن هذه الحقوق ولن يقبلوا بأن تفرض عليهم قيم وأخلاقيات العلمانية الغربية المتناقضة مع مبادئهم وعقائدهم الدينية،لأن "العلمانية الأوربية" من وجهة نظرهم تشكل خطراً على هويتهم وتقاليدهم الاسلامية، ويعدونها انتهاكاً لحقوقهم وتقييدا لحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية. مع دخول الاصولية الاسلامية والاسلام السياسي عموماً، على خط الأزمة المثارة حول"الحجاب الاسلامي" في أوربا،خرجت قضية الحجاب من اطارها الحقوقي والقانوني لتدخل في اطار المعركة "السياسية والايديولوجية" المفتوحة بين الغرب العلماني والاسلام السياسي، الذي نجح بحدود معينة في توظيفه للحجاب الاسلامي كسلاح ايديولوجي في هذه المعركة وفي تحويل "الجاليات الاسلامية"،الهاربة من أوطانها الى الدول الأوربية والأمريكية لاسباب (سياسية واقتصادية واجتماعية)، إلى ورقة ضغط، على هذه الدول.ولأجل زج وتعبئة الشعوب العربية والاسلامية الى جانبه في معركته مع الغرب،تلتقط "الأصولية الاسلامية" و"الاسلام السياسي" ومن يدور في فلكيهما من الكتاب والمثقفين العرب والمسلمين،تلتقط كل مشكل أو اعتداء يقع على مسلمين في دول المهجر، لاستغلالها، بذريعة الدفاع عن حقوق الجاليات الاسلامية، واثارتها لدى الراي العام العربي والاسلامي وايهامه بأن الحملة الأوربية على الحجاب أو النقاب تأتي في سياق حرب أمريكية أوربية يهودية"صليبية جديدة" على الإسلام والمسلمين، وتصويرها لمعركتها المفتعلة مع أمريكا والغرب على أنها صراع ديني عقيدي، معززة خطابها الاسلامي بالآيات القرآنية،منها: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))-البقرة:120-.في هذا الاطار يأتي مسعى الاسلام السياسي لتصعيد ردود الفعل السلبية في الشارع العربي والاسلامي على جريمة مقتل مروة الشربيني. يشار هنا الى أن "علي الشربيني"، والد الضحية "مروة" في حديث له مع "الفضائية العربية" رفض تدخل محامي الجماعات الإسلامية بمصر في القضية، حتى لا يتم استغلالها سياسياً. لا شك، للأنظمة والحكومات العربية والاسلامية،وهي أنظمة استبدادية لا ديمقراطية، مصلحة سياسية مباشرة في استمرار وتصعيد المعركة بين الغرب الأمريكي الأوربي والاسلام السياسي. فمن جهة، هذه المعركة الخارجية تلهي الاسلام السياسي، عدوها الذي تخشاه، وتشغله عن قضية التغير السياسي في دولها. ومن جهة أخرى،اثارة مثل هذه القضايا مع الغرب هي مناسبة وفرصة لتنفيس الشارع العربي والاسلامي الناقم على حكامه والمحتقن بشكل اساسي من واقعه المزري،سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. طبعاً،من غير المتوقع أن تساوم الحكومات والشعوب الأوربية على هويتها العلمانية، وأن ترضخ لابتزاز الاسلام السياسي.وانما هي ستصعد من حملتها على"الحجاب الاسلامي" وعلى بقية المظاهر والاشارات الاسلامية التي بدأت تغزو المجتمعات الأوربية.في اطار هذه الحملة أعلن الرئيس الفرنسي"نيكولا ساركوزي" بتاريخ 22/6/2009 في خطاب له أمام البرلمان:" أن النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها غير مرحب به في فرنسا، فهو من وجهة نظره يشكل علامة (استعباد للمرأة). وأضاف قائلا: لا يمكن أن نقبل في بلادنا نساء سجينات خلف سياج ومعزولات عن أي حياة اجتماعية ومحرومات من الكرامة". وأعرب عن تأييده لقيام لجنة تحقيق حول مصير الحجاب الكامل"النقاب أو البرقع" في فرنسا.كما صرح المتحدث باسم الحكومة الفرنسية "لوك شاتيل" بأن إصدار قانون يمنع ارتداء البرقع هو أحد الخيارات الجدية التي تفكر الحكومة فيها.جدير بالذكر، أن فرنسا، التي تضم أكبر جالية اسلامية- تقدر بنحو سبعة ملايين مسلم- كانت قد حظرت بموجب قانون صدر عام 2004 إشهار علامات الاعتقاد الديني،لكل الأديان منها الحجاب الاسلامي، في المرافق الفرنسية العامة والمدارس الرسمية. بلا ريب،أن قتل"مروة الشربيني" جريمة نكراء مدانة وغير مبررة أياً تكن أسباب ودوافع قتلها.هذه الجريمة تكشف مدى تنامي ظاهرة التعصب في المجتمعات الأوربية تجاه المهاجرين الآسيويين عامة والمسلمين خاصة.لكن ظاهرة التعصب هذه لا يمكن فصلها أو عزلها عن"المناخ العدائي" الذي أشاعه المتعصبون الاسلاميون والمجموعات الاسلامية المتطرفة في انحاء مختلفة من العالم،وذلك من خلال تنفيذها لعمليات ارهابية، تحت "شعارات وعناوين اسلامية" في أكثر من عاصمة ومدينة أوربية، أضخمها تفجيرات ايلول 2001 في الولاياتالمتحدةالأمريكية،الأحداث التي شكلت منعطف كبير في تاريخ العلاقة بين الغرب الأمريكي الأوربي والعالم الاسلامي، فضلآ عن استهداف السياح الأجانب من قبل المنظمات الاسلامية المتطرفة، حتى العاملين في المنظمات الانسانية في دول المنطقة لم يسلموا من ارهابهم المنظم.والأنكى من كل هذا،أن مسيحيي الشرق الأوسط،وبسبب اشتراكهم في العقيدة المسيحية مع الغرب،يدفعون ثمن كل اعتداء يقع على مسلم أو مسلمة في الغرب، وثمن كل اساءة للاسلام.حيث تنتقم المنظمات الاسلامية الارهابية لهؤلاء المسلمين من مسيحيي الشرق الأوسط.لهذا،يربط العديد من المحللين السياسيين والمهتمين بشؤون الجماعات الاسلامية، بين مقتل "مروة الشربيني" في ألمانيا وسلسلة هجمات جديدة وقعت بعد أيام من مقتلها- مساء الأحد الماضي- على ست كنائس في العاصمة العراقية بغداد وفي مدينة نينوى، راح ضحيتها العديد من الأبرياء. ربما مبرر،أن تسارع حكومات ومنظمات عربية واسلامية، وأن يتطوع كتاب ومثقفون عرب ومسلمون- ينظرون الى القوانين والتشريعات الأوربية التي تحذر الحجاب الاسلامي على أنها مواقف عنصرية وعدائية تجاه الاسلام والمسلمين- الى الدفاع عن حقوق بني جلدتهم وعن مسلمي المهجر.لكن ما هو غير مبرر،صمتها وسكوتها على مظالم واعتداءات،تصل أحياناً الى درجة القتل الجماعي، على المواطنين المسيحيين ومن أتباع ديانات وعقائد أخرى، في المنطقة العربية والاسلامية. أليس من المعيب أن يسكت،الكتاب و المثقفون والاعلاميون، العرب والمسلمون- باستثناء قلقة قليلة جداً منهم- على سياسات شوفينية وقوانين عنصرية، كقوانين التمييز الديني و(فرض الشريعة الاسلامية)على المواطنين المسيحيين وعلى اتباع الديانات الغير اسلامية،من قبل حكومات بلدانهم؟.أليس مواطنيهم وشركائهم في الوطن هم أولى بالدفاع عن حقوقهم وقضاياهم من الجاليات العربية والاسلامية، الهاربة أصلاً من ظلم واضطهاد حكومات أوطانها ومن أوضاعها المزرية؟. سليمان يوسف يوسف سوريا
------------------------------------------------------------------------ إيلاف 2009 الجمعة 17 يوليو