تأسّست منذ مدّة في مصر جمعية أهليّة أطلقت على نفسها اسم «مواطنون ضدّ الغلاء» طارحة على نفسها مقاومة ظاهرة غلاء أثمان السّلع ولاسيما الغذائية منها، وبالتّحديد تلك التي تُشكّل أساس قوت الفئات الفقيرة والمعدمة. وقد أطلقت هذه الجمعيّة تحذيرات متعدّدة للحكومة على لسان المتحدّث باسمها الصحافي محمود العسقلاني مُعتبرة أنّ بقاء الحكومة دون حراك ازاء ظاهرة غلاء المواد الأساسية للغذاء المواطني يُهدّد بانتفاضة شعبيّة من قبيل تلك التي عرفتها البلاد المصريّة في مطلع العام 1977 اثر اعلان الحكومة رفع أثمان بيع الخبز. وقد أودت أحداث هذه الانتفاضة وما ترتّب عنها بحياة سبعين مواطنا مصريّا. وآمام استمراريتها لم تجد الحكومة يُدّا من التراجع في قراراتها وأرجعت الأسعار إلى ما كانت عليه. وبالعودة الى الثقافة الشعبية الصينيّة فإنّ المواطن له فمٌ واحد ويدان اثنتان، أي أنّه ينتج أكثر ممّا يأكل! وبالفعل، فإنّ المفارقة في الحالة المصرية مدعاةٌ للتساؤل المُرّ: كيف لم يعد ممكنا لسبعين مليون مصري أن يوفّروا من عملهم وكدّ جبينهم قوتهم بعد أن كانوا قادرين على ذلك؟ ويبدو أنّ جملة الاجراءات التي حدّت من السّياسات الدّاعمة لصغار الفلاّحين قد دفع بجانب مهم من سكان الأرياف إلى التخلّي عن نشاطهم فتوقّفت منتجاتهم وتسلّلوا إلى صف جمهور المبتاعين لرغيف خبزهم من السّوق الخاضعة لمنطق العرض والطلب!! ومن العلامات الحارقة أنّ طوابير المواطنين أمام المخابز أصبحت يوميّة ودائمة الكثافة، وغرابتها في أنّها تبدأ في الانتظام منذ السّاعات الأولى للصّباح الباكر. ويبدو أنّ صور التّشاجر صلب هذه الطّوابير أمام المخابز قد بلغت حدّا انعدمت معه أبسط شروط الأمان طبيعيّة أنّ وفياتٍ سُجّلت وجروحا أصابت مواطنين جرّاء حدّة التّدافع وضراوته. ومن ثمّة فقد تحوّل رغيف الخبز إلى مدار معركة يحمى وطيسها بانتظام مذهل وتخضع لثقافة تتنامى في مصر وفي غير مصر قوامها زرعُ شبح الجوع جرّاء انخرام السّياسات الليبراليّة التي أوْلت وجهها نحو الرّبح وضمان تحقيق مزيد من الأرباح. كثيرة هي البلدان التي دقّت فيها نواقيسُ خطر المجاعة المهدّدة لهذا المليار من سكّان العالم الذي يعيش فيه الفردُ الواحد بأقلّ من دولار واحد يوميّا!! ولذلك فقد تكاثرت النّداءات لحكومات البلدان الفقيرة لتتّخذ جملة اجراءاتٍ جريئة ومتأكدة لتلافي كارثة انسانيّة جسيمة. فالجوع مُولد لكلّ النّعرات ولكلّ صيغ ردود الفعل الانفعاليّة العنيفة لاسيما عندما تُسمن مكاسبها من جرّائه جيوبٌ المُرابين والجشعين والمُضاربين. وهو أكبرُ خطرًا على الاستقرار والتوازن العالميين من كلّ خطورة ما تدعوه الامبراطوريات الانتفاعيّة بالارهاب. لأنّ الجوع يمثّل شكلاً جدّ مُتخلّف من ارهاب يدفع بموجبه الثّراءُ وأهله الى توسيع دائرة اغتيال الفقراء والمُمعدمين. أي أبي ذرّ الغفاري هذا الذي صرخ: «عجبتُ لمن لا يجد قوت يومه في بيته كيف لا يخرج الى النّاس شاهرًا سيْفه!».