شهدت فضاءات قصر العلوم بالمنستير فعاليات المحطة الاخيرة لتظاهرة الشعر والرسم والترجمة التي نظمها المركز الوطني للترجمة حيث كانت الانطلاقة من تونس بدار المستيري يوم 16 جوان ثم القيروان وتوزر وقبلي وجربة. وقد انتظم معرض للكتاب شمل عددا من المؤلفات المترجمة والدراسات والنصوص في شتى اصناف الاداب والمعارف والفنون. في القاعة الكبرى لقصر العلوم كانت القراءات الشعرية متعدة اللغات بحضور ومشاركة شعراء من تونس ومصر وسوريا واسبانيا وفرنسا والبرتغال. اللقاء حضره المندوب الثقافي للجهة وقد نشط الجلسة الشعرية الشاعر محمد الغزي الذي قدم الشعراء المبرمجين من حيث نصوصهم وتجاربهم وقد تحلت القاعة بعدد من اللوحات التشكيلية التي كانت معبرة عن نصوص شعرية مستلهمة مناخاتها الفنية والجمالية وهي ابداعات للفنان عثمان بابا. عنوان اللقاء الشعري كان البيت ومجازاته وقد تضمنت البرمجة حسب المطوية قراءات شعرية في حصتين لشعراء مختلفين نصا وتجربة ولغة وهم: نونوجوديسه «Nono judice» من البرتغال ورودولفو هاسلر «Rodofo Hsler من اسبانيا وصلاح قادربوه من ليبيا وعبد القادر الحصتي من سوريا وأحمد الشماوي من مصر ومحجوب العياري ومنصف المزغني وايمان عمارة وشمس الدين العوني من تونس. في الجزء الثاني من اللقاء تمت برمجة المنصف غشام ونور الدين بالطيب من تونس وخلود الفلاج من ليبيا وماريال أنسلمو «Marielle Anselmo» وجوزيان دي وأولاد أحمد والمنصف الوهايبي حيث شاركوا في محطات اخرى لهذه التظاهرة التي حضرها حسونة المصباحي وسويلمي بوجمعة ومحمد البدوي وجمهور المنستير وقصر العلوم المحب للشعر والاداب والمديرة العامة للفضاء. في مناخات من التناغم بين الرسم والموسيقى جاءت القصائد معبرة عن حالات شتى من الدهشة والسحر خصوصا في انشغالات اصحابها على اللغة المفتوحة والمكثفة التي لم تذهب كثيرا في متاهات المعنى بل كانت تواقة للتشكيل واللهو بما هو عميق في هذا الكون من تفاصيل وعناصر واحداث بسيطة عابرة... هكذا كانت القصائد مفعمة باللون تتحلل الكلمات فتعطيها ألوانها الممكنة... وهنا نشير الى الموسيقى التي كانت محصلة ذاك الحوار الحميمي بين العازف عادل بوعلاق وعوده فجاءت الموسيقى كونا مفتوحا على الطفولة وهكذا وجد الشعراء نصوصهم محفوفة بمفردات موسيقية منثورة في الارجاء. ان القصائد التي تحتفي بلغتها وتذهب الى مناطق اخرى خارج السياقات المألوفة في الشعر متجاوزة الاستعمالات المكررة والعادية... ان هذه القصائد ومن خلال ترجماتها الانيقة قد وجدت الانتباه والتقبل الحسن فالشعر يعطي في الترجمة صورة محبذة اذا كان مفتوحا ونتاج تجربة فريدة عميقة وصادقة ومريرة مع الذات والعناصر وحقائق الاشياء في هذا العالم... الشعر واحد مهما اختلفت اللغات والجغرافيا... هذه الملاحظات نسوقها خصوصا تجاه نصوص مغلقة ومنتهية يتوهم اصحابها انها الشعر ولكنها امام محك الترجمة لا تصمد لان الدخيل الاعاقي قد عبت بلغتها... الشعر هو هذا... بعيدا عن صراخ المهرجانات وضجيج الملتقيات، الشعر هو حوار مفتوح مع التفاصيل، حيث الذات في عنفوان هشاشتها لتبرز اللغة والصورة بقوة هي من قوة الاداب والفنون الخالدة والعابرة للحضارات والجغرافيا واللغات. الشعر اذن هو هذا السحر المفتوح على الشيء وعلى اللاشيء.. هو الحكمة والسؤال واللعبة المربكة... هو اصعب اعمال الشاعر... حيث يقول رائد الهايكو ماتسوباشو. «أوائل الثلج الناعم تكفي لتحني أوراق النرجس اذن الشعر... ما خلفته الأنامل.. الشعر بحث عن زهرة في الاقاصي.. الشعر ما يسرقه الطفل في غفوته من الاحلام. بهذه المعاني كانت القصائد عابرة للأزمنة... وفي هذه المناخات من الوجه الشعري كان الطفل نونو جوديس ينظر للشعراء بانتباه يصغي الموسيقى وهي تنبعث، كل ذلك في صمت يردفه بعلامة حب واستحسان اثر كل قراءة شعرية مترجمة ومعبرة عن الشعر حسب فهمه هو.. طبعا هو شاعر كبير من البرتغال... تحدثنا عن فرناندو سوا... عن الشابي... ترجمت قصائده الى لغات عدة وهو مرشح لجائزة نوبل كما انه معروف في الاوساط الشعرية العربية الحديثة... ترجم له وكتب عنه محمد بنيس وعبده وازن... في الجلسة قرأ نصوصه المترجمة الى العربية الشاعر المنصف الوهايبي. ان نونو جوديس شاعر كبير أضفى على هذه التظاهرة خلخلة اخرى في مستوى علاقة التونسيين بالشعر... بالشعر الحقيقي... نبع حياة هو ديوانه الذي ترجم الى الفرنسية من قبل ماري كلار فرومانس... «أتركوني وحيدا مع الصورة التي احب! وهي توقد نار الذاكرة» هذا شاعر مهم يعانق نصه تخوم الذاكرة القادمة... والتفاصيل. هكذا كانت هذه التظاهرة في محطتها الاخيرة حيث جاءت كلمة الدكتور محمود محجوب في ختام اللقاء معبرة عن اهمية الترجمة ضمن التواصل الانساني وللتذكير فان هذه التظاهرة قد ساهم فيها عدد من المبدعين وعملة المركز وهنا نذكر حرص المسرحي حمادي الوهايبي والمثقف فارس بوقرة وغيرهما لانجاح مختلف المحطات للتظاهرة كما أننا نلاحظ اهمية الجانب التوثيقي لهذه الفعالية التي لابد ان تتفتح على تجارب واصوات اخرى الى جانب احترام البرمجة والعمل بروح تنظيمية محترفة بعيدا عن بعض الارتجالات.