تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هندسة الارهاب وجداريّة التحريض على الحياة
بقلم : عمر علوي
نشر في الشعب يوم 16 - 08 - 2008

لا يعنينا درويش هذا اليوم بقدر ما تعنينا الارض، وليكن ان ننظر الى المسألة بعيدا عن شعرية محمود درويش، قد لا نشكك جميعا في ذلك، لكننا نشك في ان هناك «ما يستحق الحياة على هذه الارض».
قد تكون القراءة منذ البدء لا تمس الشعر انما تمس الهندسة لتنتهي فيما بعد الى حدود اخرى.
ان ما يعنينا هو امبريالية الجدار الوقائي ومقاومات الجدارية كنص.
الهندسة الجديدة نحو الموت
ضمن 14 افريل 2002 يقرر مجلس الوزراء الاسرائيلي بناء الجدار العازل، ليعلن عنه شارون رسميا في 18 ديسمبر 2003 في خطابه امام مؤتمر هيرتسليا.
فكرة الجدار هذه ستلقى 788 كم من الطول صاحبها تهديم عديد المنازل بدعوى عدم استكمال شروط الرخص لذلك اعلن عن 280 امر بالتهديم في البقاع الشرقية والغربية اضافة الى مسح ما يقارب 5251 آكر (1acre = 52 ares) صاحب هذا الانجاز عديد الاغتيالات لفرض حل سياسي يتلاءم مع مصالح اسرائيل الكبرى.
لذلك كانت خطة الفصل بديلا ناجحا عن خريطة الطريق و «في المؤتمر الصحفي الذي عقد في واشنطن يوم 1 مارس 2004 صرح بوش ان في الحل النهائي يجب ان تؤخذ الوقائع على الأرض اي ان القرار 242 لم يعد له اي معنى في نظره واعلن ان المستعمرات الاسرائيلية شرعية ودائمة» (1) اسرائيل تتفوق لتوقع اذن اتفاق مع مصر لانشاء منطقة صناعية حرة ولتحرر الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام.
هكذا ينشأ الجدار بدعوى شارونية مثقلة بالتخوف المصطنع «اذ ان بناء الجدار الفاصل جاء بعد ان فشل شارون في وضع حد للمقاومة الفلسطينية ومنعها من القيام بعمليات داخل اسرائيل وايضا من اجل فرض حقائق على الارض» (2) المشروع اذا هو حمائي من «الارهاب» (بالمفهوم الصهيوني) اما الحقيقة فإن الجدار العازل هو ممارسة الارهاب بدعوى ان هناك ارهاب مضاد يسميه بودريار خلق احداث درئية Des evenements paravants .
ينشأ الجدار غير انه اقصى / أقسى من جدار برلين لانه حامل للفكر الصهيوني انطلاقا من كونه شيئا مخصوصا.
ان الفكر الصهيوني مستوعب للهندسة كاشتغال على تحطيم واعادة هيكلة الفضاء.
ان الهندسة الخصوصية الصهيونية مبدعة تفريغ افضية وفلسطيني اليوم غير قادر على الحياة لانه ضمن القحل الهندسة الجديدة هي هندسة الغاء فهي تقيم حدودها وتقيم امامها بدعوى الارهاب العربي.
الجدار العازل مثال حي للفن الاقلي ونموذج من النماذج التي ابدعها توني سميث وذونالد يود غير ان الاول «يبدع» داخل الموت بينما الثاني يؤسس في الحياة.
ان الجدار ينتمي الى الاشياء المخصوصة الاقلية، اذا ما ابصره من تواصل وصلابة وقوة هو ما يبصرني كفلسطيني بتفاهتي، وخوفي وعدم ثباتي.
ان الامبريالية الجديدة هي امبريالية محو او إخفاء أو اختفاء imperialisme de disparition الامبريالية بمعنى اشتقاقها من الامبراطورية. الخضوع المتفاوت لما تقرره الدول العظمى. ان جوهر الامبريالية هو الاضطهاد لذلك لم تكن اي هندسة متخارجة عن انظمتها.
ان الانظمة السياسية هي الهندسة المعمارية عموما.
لذلك لم يكن برجا «مركز التجارة العالمي» وتلك التوأمة سوى الدلالة على انظمة امبريالية «تَخْلُفُ فكرة الله» (بودريار) وتحاول بقدر الامكان ان تترجم فكرة التناسخ وتعدم الاختلاف كأساس انطولوجي.
نفس ما يترجمه الجدار الوقائي في امتداده الافقي نحو تحقيق فكرة اسرائيل الكبرى.
ان هذه الامبريالية الجديدة التي تقام على الهندسة لا تسعى الى طرد الشعب بل الى اعدامه وانشاء فكرة عدم وجوده اصلا.
ان فكرة الجدار هي فكرة منع السفر، قتل الهويات، تشتيت المشترك، منع الاختلاف، منع التقاطع، منع الجولان، منع المشهد، وتسييج الرؤية.. كل ذلك نسميه هندسة في الارهاب.
المشهد الجمالي وهندسة الرعب
إن الطبيعة توجد قبل ان يتشكل المشهد او ان المشهد ولادة ثقافية لذلك بقيت اوروبا خارج دائرة المشهد الى حدود القرن 16، كان يلزم بناءا ثقافيا كي يتشكل مشهد ما او قد تكون كل اوروبا تنتظر 1549 ليأتي روبرت ستين «بعد ذلك بقرنين حددت مادة المنظر الطبيعي في دائرة المعارف بكونها تقتصر فقط على ذلك النوع من الفن التشكيلي الذي يمثل البوادي والاشياء التي تحتويها» (3).
ان المشهد معاكس للطبيعة وما ينقص الطبيعة كي تتحول الى مشهد هو ما نسميه القيمة الايكو فنية المضافة، قد يكون ارتباط المشهد العربي بالشعر كان اعمق وقد نقول اننا اسسنا للمشهد ولم نؤسس للطبيعة الصامتة وكنا نتعايش مع المشهد كفضاء إيكو إيتيقي . شعريا كنا اسبق والمسألة ليست سرعة انما مسألة تأصيل. هناك لم يكن لدينا اي علاقة بنافذة البرتي وبالطبيعة الصامتة. عموما قد يكون ان حساسيتنا بالفن تتأسست على حالات ايكولوجية لم يعرف الفن سقوطه الا بعد انهيار تلك الحالات ذاتها.
لقد كان العرب على صلة بالايكو فني واذا كانت الهندسة تتدخل فإن تتدخلها لم يتخارج عن البيواستيطبقي، لذلك كانت كثير من الكنائس والمدائن الغربية قد اعتمدت الهندسة العربية بما هي توحد تأسيسي تواصلي مع المشهدية (المشهدية بما هي تفكير حياتي) لذلك قد نصر اليوم ان هندسة نيويورك بكل ما تحمله من جماليات فانتازيا فانها لا تؤسس المشهدية بقدر ما تؤسس نوعا من عدم الابصار / أو الابصار الراجع على نفسه المنتج لعدم الرؤية.
هكذا يستبق الصهيوني ليغير المشهد باعتباره مقوما انسانيا ان لينطلق من الهندسة الوقائية (التدميرية) في التعامل مع المشهد العربي.
الجدار العازل في فلسطين، هندسة جديدة لا تقام على ما يحدده Jean Nouvel صحبة Baudri llard بإعتبارها ما يتأسس في الخطر (4)، انما هندسة جديدة تؤسس الخطر وتمنع العين من السكنى «ان تسكن العين (المرئي) كما يسكن الانسان بيتا» (5) «او ان العين ترى العالم وترى ما ينقصه لكي تكون لوحة والعين ترى ما ينقص اللوحة لكي تحقق ذاتها، وحالما يتحقق ذلك ترى العين التي تفي بجميع تلك النواقص وترى الى لوحات الاخرين كاستجابات اخرى لنواقص اخرى « (6) ههنا تتشكل القابلية على الرؤية. ان العين الفلسطينية عاجزة اليوم على تشكيل القابلية على الرؤية لان امكانية الاعارة مفقودة، اعارة سيزان جسده للجبل لا تلاقيه نفس الاعارة لمحمود درويش ، فقط لان هناك عملية تفريغ للمشهد او اعدام او سحبه. الاستراتيجية الصهيونية اليوم لا تبحث عن تفريغ الارض فقط، انما تبحث اكثر على خلق فلسطيني غير منتمي الى الوجود مفقود لقابلية الاعارة نحو انتاج تشكيلات مجازية ذاتية.
ان استراتيجية الهندسة الوقائية هو ابعاد الفلسطينية عن دائرة التأويل والتخصيص وتركه، ضمن أفق تعميمي، او في كثير من الاحيان تحتاج الى احصاءه
«لم اجد احدا لأسأل
اين ايني الآن؟ اين مدينة
الموتى، واين انا؟
فلا عدم هنا في اللاهنا... في اللازمان» (7)
تأتينا الهندسة التدميرية وتخلف شكل التمركز الجديد «رعوية ايامنا رعوية، بين القبيلة والمدينة»(8)
ان شكل الجرافات وتدمير المنازل واحراق الحقول وخلق الاساليب الحديثة للطرد كي يكون للفكر الصهيوني مشروعية تشكيل مفهوم الرحلة، غير ان الجدار، لا يشكل الرحلة بقدر ما يشكل الطرد.
«ان الجدار، هو المنفى الثالث للشعب الفلسطيني»، (9) ان لم يكن تدبيرا ديمغرافيا، انما هو تدبير انهائي لمحو الهويات.
هل هناك مشهد خارج الارض؟ في «سنة 1967 بدؤوا اعادة تنظيم الاراضي واصبح 52 من الارض في القدس الشرقية تدعى المناطق الخضراء ولا يسمح بالبناء فيها وصودر 34 على الفور ولم يبق سوى 14 يستطيع الفلسطينيون البناء عليها» (10).
اثر بناء الجدار الوقائي تشكل مفهوم اللجوء ليس بالمعنى السابق، انما اللجوء الى اللاامكنة.
فلسطيني اليوم لم يعد له امكان قيام امكانية القابلية على الرؤية لتأسيس البيواستيطيقي فقط لانه يفتقد الى المشهد.
اننا نتساءل ههنا عن الهندسة الوقائية كأسلوب لاعدام تشكل المشهد الفلسطيني كصورة جمالية اي قيام الهندسة بما هي فن الى تدمير مقومات النظر وامكانية خلق المشهدية من داخل نفس مواطن اعدامها؟؟
ان نجاح الهندسة يقاس بمدى ابداعيتها للفراغ الا اننا نؤكد انه فراغ مستقبل(vide accueillant) الشيء الذي يؤكده بودريار حينما يتحدث عن الفراغ كإمكان وحيد لقيام انفرادية انشاء ما، الا ان ذلك نسوقه في مقارنة مع الجدار الوقائي / او هذه الهندسة الاستباقية بما هي هندسة تدميرية لنتحصل في نهاية المطاف عن انشاء جديد لما نسميه الفراغ الموحش الذي لن يؤسس سوى لللجوء.
ان قيام ذلك الجدار هو نزع لمفهوم الارض وعدم قيام المشهدية الفلسطينية.
هكذا يمكن التساؤل عن قيام الفن من افق مسحوب من شروط النظر او ان هذه الهندسة الجديدة هي هندسة لا تتأسس انطلاقا من المناظير perspectives وبالتالي لا تتعاقد مع الافق.
محمود درويش يؤسس للمشهد الفلسطيني من داخل الموت او انه يؤسس هندسية لجدارية مقامة تماما على عكس الجدار الاستباقي.
جدارية / أو الهندسة المضادة
في 1999 ينشأ درويش جداريته، تلك الجدارية التي نعود بها الى اصلها في لسان العرب ونحاول ان نقاربها مع الجدر «آثار ضرب مرتفعة على جلد الانسان، والجدر ورم يأخذ في الحلق. (لسان العرب).
إن هذا النوع من الوشم في غيابه لا يمكن ان يتأسس الحدث كتأسيس، او كتاصيل تاريخي.
الالم كوجيتو اميري او هو من يمنح تلك الفردانية / الفرادة للوعي بمواجهة الكينونة
كل حدث الم هو حدث ممضى / إن الجدارية ممارسة في الحدث لانها تتأسس انطلاقا من تضارب اجساد، تقاطعها وتداخلها ليتأسس معنى الختم / المنع في الصرف والتصريف.
جدارية درويش غير قابلة للتزوير لانها جدارية ألم تتمتع بهندسية في الاحتراس من ارهاب التدليس او بصورة اخرى امكانية انفرادية ضد ما فعله قاشي Docteur Gachet بغون قوخ.
وكأن هذه الهندسية مقامة اساسا على الاسلوب «ان سؤال الاسلوب هو دائما سؤال موضوع ثاقب يكون احيانا ريشة فقط ولكن أيضا قلم او خنجر بواسطته يمكن بالفعل القيام بهجوم عنيف على ما تنعته الفلسفة باسم المادة او المأصل لكي يوزع فيها علامة او ترك اثر او شكل، ولكن في نفس الآن من اجل اقصاء قوة مهددة وابعادها وكبتها والاحتراس منها» (11).
ان اسلوبها الوحيد هو المقاومة كل فلسطيني معني بتجربة الموت.
«يا موت انتظر
يا موت
حتى استعيد صفاء ذهني في الربيع
وصحتي لتكون صيادا شريفا لا
يصيد الظبي قرب النبع فلتكن العلاقة
بيننا ودية وصريحة» (12).
تاتي الجدارية مقامة على هندسة جديدة، ياتيها درويش بكل الامكانيات المتاحة للفراغ / الهندسة المقامة على الخلاء.
انه لا يؤسس للاشكال بقدر انه يسحب جدارية الى دائرة العمارة المفرغة او ان يؤسس الفراغ كشكل / الشكل ههنا ليس بما هو سابق على المادة او ان له واقعية اكثر في مستوى كونه يمثل ماهية الادراك، انما نستنجد بالاغريق في مفهوم Eidos (la forme entant qu'eidos)اي ان هذه الجدارية هي «شكل» قائم على الفكرة ومنتج للفراغ كفضاء حياتي. انه لا يؤسس الجدارية انطلاقا من «التحييط» انما يمارس نوعا من تغييب الجدارن، انه الرد الفعلي على الهندسة المقامة على الغلق او الرد الفعلي ايضا على المفهوم الرسمي للشكل بما هو غاية.
ان الجدارية ههنا هي جدارية ضياع
«الوقت صفر لم افكر بالولادة
حي طار الموت بي نحو السديم
فلم اكن حيا ولا ميتا
ولا عدم هناك ولا وجود» (13)
ان الشكل عموما مادة مهندسة والهندسة التي يقيمها درويش غير مهندسة اي لا تحتمل التحديد.
كل طول مع عرض هو تسييج غير قابل لانتاج الانفرادية la singularité او ان التسييج عموما فكر اقطاعي غير قابل للابداع كمقاومة.
ان الهندسة الجديدة ليست هندسة متاهة، بل هي هندسة خلاء اي مباعدة / ماهو قابل لانتاج مفهوم التيه ليس داخل التهجير الصهيوني لان ذلك التهجير الناتج عن الهندسة التدميرية غير منتج للرحلة او للسفر او للتيه بقدر انه منتج لللجوء.
اللجوء كشكل من اشكال الحرمان من التقاطع الطبيعي بين الزمان والمكان.
ان اللاجئ عموما لا يمتلك زمانا او مكانا ان الزمان والمكان هبة من الاخر، لذلك يبقى اللجوء حالة مجانبة للانساني. ان الانسانية لا تلجأ انما تستقر (وهذا مستبعد) او تسافر او تتوه اذا كان التيه مطلبا.
اللجوء لا يقدم فكرة التعددية والمقاطعة وهو لا يقدم نفس الفكرة التي يحملها النفي بمعنى «اسلوب في التفكير» لذلك يؤسس الفكر الصهيوني لللجوء فقط بغرض تصنيع هذا الاخر. ان الهندسة الصهيونية التدميرية تتعامل مع الفلسطيني كآخر فقط نحو امكانية قيام شكل او صورة حوار داخل العالم. (الحوار الافتعالي).
ان الاخر (الفلسطيني) استراتيجية صنع لدى الفكر الصهيوني لاقامة انا اسرائيلية متأصلة في العالم. هكذا نتحدّثُ عن الهندسة اللامشكلنة او الخلاء بما هو هندسة اوالفراغ بما هو هندسة.
le vide comme architecture
تأتي جدارية ارضا بلا خرائط قابلة للسكن لا بمعني الحماية انما بمعنى الحياة. ان الحماية لم تكن احياء الحياة انما فقط الحماية من الموت لذلك تأتي الهندسة الجديدة القائمة على الفعل / النص بما هو استراتيجية اقامة وطن والوطن لدى درويش هي جدارية / استكمال للوطن داخل الكتابة «لقد كنت اسعى لكي الخص نفسي ولغتي ومرجعياتي في عمل واحد ارشحه للقارئ القادم كدال علي اذ لا وقت للقارئ ليقرأ الاعمال الكاملة لاي شاعر، هذه الجدارية هي بطاقة التعريف بي شعريا وانسانيا ووصيتي للقراءة» (14)
ان أوطان الشعراء نصوصهم..
«خضراء ارض قصيدتي خضراء نهر واحد يكفي لاهمس للفراشة آه يا اختي ونهر واحد يكفي لاغواء الاساطير القديمة بالبقاء على جناح الصقر وهو يبدل الرايات والقمم البعيدة» (15).
«ان الكتابة في الحقيقة ليست شيئا سوى البقايا الصغيرة والهزيلة للاشياد الرائعة الجميلة الموجودة في دواخلنا ان ما ننتهي اليه في الكتابة هو الكتل الصغيرة الشاذة الغريبة من بقايا الحطام» (16).
ان الحطام هو التأثيث الفعلي للنص القائم على هندسية الفراغ القابل لتشكيل جدارية تستعدي قارءا نموذجيا وتؤسس مكانا للمواطن العالمي بما هوقارئ من درجة ثانية.
اذا كانت الهندسية الصهيونية لا تحتمل ظل المواطن الفلسطيني فإن جدارية هندسية عالمية قابلة للتحاور مع الانسان اعتقد ان درويش لس له هاجس قتل زوجة سجانه او خيانة مزارع اسرائيلي بسيط، اذ الهندسية الجديدة بسينوغرافيتها المقامة على التبسيط، هي سينوغرافيا الاحترام ان تكون محترما وانت «تخترق نسيج الحياة الثقافية في البلدان الاخرى».
هي تلك العالمية التي لا يقبلها الارض انما يقبلها النص.
المراجع:
(1) اسعد غانم. «نظرة عامة في المشهد السياسي الاسرائيلي الحالي»، في، مجلسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ربيع 2005 ، ص 39
(2) المرجع السابق صفحة 39
(3) ريجيس دوبري، حياة الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2002 صفحة 152.
(4) jean baudrillard, jean nouvel, les objets singuliers, calmann. levy, 2000 P17.
(5) ج. هيو سلقرمان، نصيات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية ، ترجمة حسن ناظم وعلي حالم صالح ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 1994 صفحة 249
(6) المرجع السابق ، صفحة 240
(7) محمود درويش، جدارية ، بيروت ، دار الريّس، 2000 ، صفحة 34
(8) محمود درويش، جدارية مرجع مذكور صفحة 34
(9) عمر الكرمي ، «جدران الفصل في القدس العربية منفى ثالث للشعب الفلسطيني»، في الدراسات الفلسطينية، بيروت ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2005 صفحة 145.
(10) المرجع السابق صفحة 140.
(11) محمد نورالدين آفاية، الهوية والاختلاف في المرأة ، الكتابة والهامش ، الدار البيضاء، افريقيا الشرق، صفحة 46.
(12) محمود درويش، جدارية، مرجع مذكور صفحة 50.
(13) المرجع السابق صفحة 28.
(14) لقاء منشور في مجلة نصف الدنيا، مع محمود درويش ووقع اعادة طبعه في جريدة الشروق، بتاريخ 20 / 9 / 2001، صفحة 19.
(15) محمود درويش، جدارية ، مرجع مذكور صفحة 33.
(16) رولان بارت، في، «النقد والمجتمع»، ترجمة وتحرير فخري صالح، دمشق ، دار كنعان، 2004. صفحة 24.
(17) نعود بالمصطلح البيواستيتيقي الى بحث في شهادة دراسات معمّقة لصلاح الداودي سنة 2002 / 2003


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.