إرتفاع في ميزانية وزارة الداخلية    تقلبات جديدة ..كيف سيكون الطقس طيلة هذا الأسبوع؟..    المهرجان الدولي لفنون الفرجة ببوحجلة: مشاركات من فرنسا والسينغال والمغرب    تحوير جزئي لمسلك خطي الحافلة رقم 104 و 30    عاجل/ حماس تقدم مقترحا لخروج مقاتليها العالقين..    زهران ممداني...بعيون عربية!!    بداية من 12 نوفمبر: "السنيت" تعرض شقق من الصنف الاجتماعي للبيع في سيدي حسين    هذه الدولة تبدأ استقبال رسوم حج 2026...وتؤكد على عدم الزيادة    في اختصاصات متعدّدة.. تفاصيل انتدابات وزارة التربية لسنة 2026    ردّ بالك: 7 أخطاء تعملهم للسلطة تفقد قيمتها الصحية    سليانة: تقدم موسم البذر بنسبة 30 بالمائة في ما يتعلق بالحبوب و79 بالمائة في الأعلاف    في الرياض: وزير السياحة يجدّد التزام تونس بتطوير القطاع ودعم الابتكار السياحي    ميزانية التربية 2026: مدارس جديدة، حافلات نقل، وترميم ...شوفوا التفاصيل    الترجي الرياضي: نهاية موسم "يوسف بلايلي"    عاجل/ طائرات حربية تشن غارات على خان يونس ورفح وغزة..    صالون التقنيات الزراعية الحديثة والتكنولوجيات المائية من 12 الى 15 نوفمبر 2025 بالمعرض الدولي بقابس    الأهلي بطل للسوبر المصري للمرة ال16 في تاريخه    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    جامعة لكرة القدم تتمنى الشفاء العاجل للاعب ويسيم سلامة    الرابطة الثانية: برنامج مباريات الجولة التاسعة    بطولة فرنسا: باريس سان جرمان يتغلب على ليون وينفرد بالصدارة    أستاذ يثير الإعجاب بدعوة تلاميذه للتمسك بالعلم    عاجل: الزّبدة مفقودة في تونس...الأسباب    بنزرت: وفاة توأم في حادث مرور    عاجل-التواريخ الهامة القادمة في تونس: ماذا ينتظرنا؟    عاجل: هبوط اضطراري لتسع طائرات بهذا المطار    فتح باب الترشح لمسابقة ''أفضل خباز في تونس 2025''    ''واتساب'' يُطلق ميزة جديدة للتحكم بالرسائل الواردة من جهات مجهولة    تأجيل محاكمة رئيس هلال الشابة توفيق المكشر    البرلمان يناقش اليوم ميزانية الداخلية والعدل والتربية والصناعة    عاجل: غلق 3 مطاعم بالقيروان...والسبب صادم    عاجل/ نشرة تحذيرية للرصد الجوي..وهذه التفاصيل..    عاجل: عودة الأمطار تدريجياً نحو تونس والجزائر بعد هذا التاريخ    إنتر يتقدم نحو قمة البطولة الإيطالية بفوز واثق على لاتسيو    بطولة اسبايا : ثلاثية ليفاندوفسكي تقود برشلونة للفوز 4-2 على سيلتا فيغو    علاش فضل شاكر غايب في مهرجانات تونس الصيفية؟    تونس: 60% من نوايا الاستثمار ماشية للجهات الداخلية    لن تتوقعها: مفاجأة عن مسكنات الصداع..!    دواء كثيرون يستخدمونه لتحسين النوم.. فهل يرتبط تناوله لفترات طويلة بزيادة خطر فشل القلب؟    أفضل 10 طرق طبيعية لتجاوز خمول فصل الخريف    عاجل/ فاجعة تهز هذه المعتمدية..    زيلينسكي: لا نخاف أميركا.. وهذا ما جرى خلال لقائي مع ترامب    محمد صبحي يتعرض لوعكة صحية مفاجئة ويُنقل للمستشفى    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رواج لافت للمسلسلات المنتجة بالذكاء الاصطناعي في الصين    مجلس الشيوخ الأمريكي يصوت لصالح إنهاء الإغلاق الحكومي    الشرع أول رئيس سوري يزور البيت الأبيض    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هندسة الارهاب وجداريّة التحريض على الحياة
بقلم : عمر علوي
نشر في الشعب يوم 16 - 08 - 2008

لا يعنينا درويش هذا اليوم بقدر ما تعنينا الارض، وليكن ان ننظر الى المسألة بعيدا عن شعرية محمود درويش، قد لا نشكك جميعا في ذلك، لكننا نشك في ان هناك «ما يستحق الحياة على هذه الارض».
قد تكون القراءة منذ البدء لا تمس الشعر انما تمس الهندسة لتنتهي فيما بعد الى حدود اخرى.
ان ما يعنينا هو امبريالية الجدار الوقائي ومقاومات الجدارية كنص.
الهندسة الجديدة نحو الموت
ضمن 14 افريل 2002 يقرر مجلس الوزراء الاسرائيلي بناء الجدار العازل، ليعلن عنه شارون رسميا في 18 ديسمبر 2003 في خطابه امام مؤتمر هيرتسليا.
فكرة الجدار هذه ستلقى 788 كم من الطول صاحبها تهديم عديد المنازل بدعوى عدم استكمال شروط الرخص لذلك اعلن عن 280 امر بالتهديم في البقاع الشرقية والغربية اضافة الى مسح ما يقارب 5251 آكر (1acre = 52 ares) صاحب هذا الانجاز عديد الاغتيالات لفرض حل سياسي يتلاءم مع مصالح اسرائيل الكبرى.
لذلك كانت خطة الفصل بديلا ناجحا عن خريطة الطريق و «في المؤتمر الصحفي الذي عقد في واشنطن يوم 1 مارس 2004 صرح بوش ان في الحل النهائي يجب ان تؤخذ الوقائع على الأرض اي ان القرار 242 لم يعد له اي معنى في نظره واعلن ان المستعمرات الاسرائيلية شرعية ودائمة» (1) اسرائيل تتفوق لتوقع اذن اتفاق مع مصر لانشاء منطقة صناعية حرة ولتحرر الجاسوس الاسرائيلي عزام عزام.
هكذا ينشأ الجدار بدعوى شارونية مثقلة بالتخوف المصطنع «اذ ان بناء الجدار الفاصل جاء بعد ان فشل شارون في وضع حد للمقاومة الفلسطينية ومنعها من القيام بعمليات داخل اسرائيل وايضا من اجل فرض حقائق على الارض» (2) المشروع اذا هو حمائي من «الارهاب» (بالمفهوم الصهيوني) اما الحقيقة فإن الجدار العازل هو ممارسة الارهاب بدعوى ان هناك ارهاب مضاد يسميه بودريار خلق احداث درئية Des evenements paravants .
ينشأ الجدار غير انه اقصى / أقسى من جدار برلين لانه حامل للفكر الصهيوني انطلاقا من كونه شيئا مخصوصا.
ان الفكر الصهيوني مستوعب للهندسة كاشتغال على تحطيم واعادة هيكلة الفضاء.
ان الهندسة الخصوصية الصهيونية مبدعة تفريغ افضية وفلسطيني اليوم غير قادر على الحياة لانه ضمن القحل الهندسة الجديدة هي هندسة الغاء فهي تقيم حدودها وتقيم امامها بدعوى الارهاب العربي.
الجدار العازل مثال حي للفن الاقلي ونموذج من النماذج التي ابدعها توني سميث وذونالد يود غير ان الاول «يبدع» داخل الموت بينما الثاني يؤسس في الحياة.
ان الجدار ينتمي الى الاشياء المخصوصة الاقلية، اذا ما ابصره من تواصل وصلابة وقوة هو ما يبصرني كفلسطيني بتفاهتي، وخوفي وعدم ثباتي.
ان الامبريالية الجديدة هي امبريالية محو او إخفاء أو اختفاء imperialisme de disparition الامبريالية بمعنى اشتقاقها من الامبراطورية. الخضوع المتفاوت لما تقرره الدول العظمى. ان جوهر الامبريالية هو الاضطهاد لذلك لم تكن اي هندسة متخارجة عن انظمتها.
ان الانظمة السياسية هي الهندسة المعمارية عموما.
لذلك لم يكن برجا «مركز التجارة العالمي» وتلك التوأمة سوى الدلالة على انظمة امبريالية «تَخْلُفُ فكرة الله» (بودريار) وتحاول بقدر الامكان ان تترجم فكرة التناسخ وتعدم الاختلاف كأساس انطولوجي.
نفس ما يترجمه الجدار الوقائي في امتداده الافقي نحو تحقيق فكرة اسرائيل الكبرى.
ان هذه الامبريالية الجديدة التي تقام على الهندسة لا تسعى الى طرد الشعب بل الى اعدامه وانشاء فكرة عدم وجوده اصلا.
ان فكرة الجدار هي فكرة منع السفر، قتل الهويات، تشتيت المشترك، منع الاختلاف، منع التقاطع، منع الجولان، منع المشهد، وتسييج الرؤية.. كل ذلك نسميه هندسة في الارهاب.
المشهد الجمالي وهندسة الرعب
إن الطبيعة توجد قبل ان يتشكل المشهد او ان المشهد ولادة ثقافية لذلك بقيت اوروبا خارج دائرة المشهد الى حدود القرن 16، كان يلزم بناءا ثقافيا كي يتشكل مشهد ما او قد تكون كل اوروبا تنتظر 1549 ليأتي روبرت ستين «بعد ذلك بقرنين حددت مادة المنظر الطبيعي في دائرة المعارف بكونها تقتصر فقط على ذلك النوع من الفن التشكيلي الذي يمثل البوادي والاشياء التي تحتويها» (3).
ان المشهد معاكس للطبيعة وما ينقص الطبيعة كي تتحول الى مشهد هو ما نسميه القيمة الايكو فنية المضافة، قد يكون ارتباط المشهد العربي بالشعر كان اعمق وقد نقول اننا اسسنا للمشهد ولم نؤسس للطبيعة الصامتة وكنا نتعايش مع المشهد كفضاء إيكو إيتيقي . شعريا كنا اسبق والمسألة ليست سرعة انما مسألة تأصيل. هناك لم يكن لدينا اي علاقة بنافذة البرتي وبالطبيعة الصامتة. عموما قد يكون ان حساسيتنا بالفن تتأسست على حالات ايكولوجية لم يعرف الفن سقوطه الا بعد انهيار تلك الحالات ذاتها.
لقد كان العرب على صلة بالايكو فني واذا كانت الهندسة تتدخل فإن تتدخلها لم يتخارج عن البيواستيطبقي، لذلك كانت كثير من الكنائس والمدائن الغربية قد اعتمدت الهندسة العربية بما هي توحد تأسيسي تواصلي مع المشهدية (المشهدية بما هي تفكير حياتي) لذلك قد نصر اليوم ان هندسة نيويورك بكل ما تحمله من جماليات فانتازيا فانها لا تؤسس المشهدية بقدر ما تؤسس نوعا من عدم الابصار / أو الابصار الراجع على نفسه المنتج لعدم الرؤية.
هكذا يستبق الصهيوني ليغير المشهد باعتباره مقوما انسانيا ان لينطلق من الهندسة الوقائية (التدميرية) في التعامل مع المشهد العربي.
الجدار العازل في فلسطين، هندسة جديدة لا تقام على ما يحدده Jean Nouvel صحبة Baudri llard بإعتبارها ما يتأسس في الخطر (4)، انما هندسة جديدة تؤسس الخطر وتمنع العين من السكنى «ان تسكن العين (المرئي) كما يسكن الانسان بيتا» (5) «او ان العين ترى العالم وترى ما ينقصه لكي تكون لوحة والعين ترى ما ينقص اللوحة لكي تحقق ذاتها، وحالما يتحقق ذلك ترى العين التي تفي بجميع تلك النواقص وترى الى لوحات الاخرين كاستجابات اخرى لنواقص اخرى « (6) ههنا تتشكل القابلية على الرؤية. ان العين الفلسطينية عاجزة اليوم على تشكيل القابلية على الرؤية لان امكانية الاعارة مفقودة، اعارة سيزان جسده للجبل لا تلاقيه نفس الاعارة لمحمود درويش ، فقط لان هناك عملية تفريغ للمشهد او اعدام او سحبه. الاستراتيجية الصهيونية اليوم لا تبحث عن تفريغ الارض فقط، انما تبحث اكثر على خلق فلسطيني غير منتمي الى الوجود مفقود لقابلية الاعارة نحو انتاج تشكيلات مجازية ذاتية.
ان استراتيجية الهندسة الوقائية هو ابعاد الفلسطينية عن دائرة التأويل والتخصيص وتركه، ضمن أفق تعميمي، او في كثير من الاحيان تحتاج الى احصاءه
«لم اجد احدا لأسأل
اين ايني الآن؟ اين مدينة
الموتى، واين انا؟
فلا عدم هنا في اللاهنا... في اللازمان» (7)
تأتينا الهندسة التدميرية وتخلف شكل التمركز الجديد «رعوية ايامنا رعوية، بين القبيلة والمدينة»(8)
ان شكل الجرافات وتدمير المنازل واحراق الحقول وخلق الاساليب الحديثة للطرد كي يكون للفكر الصهيوني مشروعية تشكيل مفهوم الرحلة، غير ان الجدار، لا يشكل الرحلة بقدر ما يشكل الطرد.
«ان الجدار، هو المنفى الثالث للشعب الفلسطيني»، (9) ان لم يكن تدبيرا ديمغرافيا، انما هو تدبير انهائي لمحو الهويات.
هل هناك مشهد خارج الارض؟ في «سنة 1967 بدؤوا اعادة تنظيم الاراضي واصبح 52 من الارض في القدس الشرقية تدعى المناطق الخضراء ولا يسمح بالبناء فيها وصودر 34 على الفور ولم يبق سوى 14 يستطيع الفلسطينيون البناء عليها» (10).
اثر بناء الجدار الوقائي تشكل مفهوم اللجوء ليس بالمعنى السابق، انما اللجوء الى اللاامكنة.
فلسطيني اليوم لم يعد له امكان قيام امكانية القابلية على الرؤية لتأسيس البيواستيطيقي فقط لانه يفتقد الى المشهد.
اننا نتساءل ههنا عن الهندسة الوقائية كأسلوب لاعدام تشكل المشهد الفلسطيني كصورة جمالية اي قيام الهندسة بما هي فن الى تدمير مقومات النظر وامكانية خلق المشهدية من داخل نفس مواطن اعدامها؟؟
ان نجاح الهندسة يقاس بمدى ابداعيتها للفراغ الا اننا نؤكد انه فراغ مستقبل(vide accueillant) الشيء الذي يؤكده بودريار حينما يتحدث عن الفراغ كإمكان وحيد لقيام انفرادية انشاء ما، الا ان ذلك نسوقه في مقارنة مع الجدار الوقائي / او هذه الهندسة الاستباقية بما هي هندسة تدميرية لنتحصل في نهاية المطاف عن انشاء جديد لما نسميه الفراغ الموحش الذي لن يؤسس سوى لللجوء.
ان قيام ذلك الجدار هو نزع لمفهوم الارض وعدم قيام المشهدية الفلسطينية.
هكذا يمكن التساؤل عن قيام الفن من افق مسحوب من شروط النظر او ان هذه الهندسة الجديدة هي هندسة لا تتأسس انطلاقا من المناظير perspectives وبالتالي لا تتعاقد مع الافق.
محمود درويش يؤسس للمشهد الفلسطيني من داخل الموت او انه يؤسس هندسية لجدارية مقامة تماما على عكس الجدار الاستباقي.
جدارية / أو الهندسة المضادة
في 1999 ينشأ درويش جداريته، تلك الجدارية التي نعود بها الى اصلها في لسان العرب ونحاول ان نقاربها مع الجدر «آثار ضرب مرتفعة على جلد الانسان، والجدر ورم يأخذ في الحلق. (لسان العرب).
إن هذا النوع من الوشم في غيابه لا يمكن ان يتأسس الحدث كتأسيس، او كتاصيل تاريخي.
الالم كوجيتو اميري او هو من يمنح تلك الفردانية / الفرادة للوعي بمواجهة الكينونة
كل حدث الم هو حدث ممضى / إن الجدارية ممارسة في الحدث لانها تتأسس انطلاقا من تضارب اجساد، تقاطعها وتداخلها ليتأسس معنى الختم / المنع في الصرف والتصريف.
جدارية درويش غير قابلة للتزوير لانها جدارية ألم تتمتع بهندسية في الاحتراس من ارهاب التدليس او بصورة اخرى امكانية انفرادية ضد ما فعله قاشي Docteur Gachet بغون قوخ.
وكأن هذه الهندسية مقامة اساسا على الاسلوب «ان سؤال الاسلوب هو دائما سؤال موضوع ثاقب يكون احيانا ريشة فقط ولكن أيضا قلم او خنجر بواسطته يمكن بالفعل القيام بهجوم عنيف على ما تنعته الفلسفة باسم المادة او المأصل لكي يوزع فيها علامة او ترك اثر او شكل، ولكن في نفس الآن من اجل اقصاء قوة مهددة وابعادها وكبتها والاحتراس منها» (11).
ان اسلوبها الوحيد هو المقاومة كل فلسطيني معني بتجربة الموت.
«يا موت انتظر
يا موت
حتى استعيد صفاء ذهني في الربيع
وصحتي لتكون صيادا شريفا لا
يصيد الظبي قرب النبع فلتكن العلاقة
بيننا ودية وصريحة» (12).
تاتي الجدارية مقامة على هندسة جديدة، ياتيها درويش بكل الامكانيات المتاحة للفراغ / الهندسة المقامة على الخلاء.
انه لا يؤسس للاشكال بقدر انه يسحب جدارية الى دائرة العمارة المفرغة او ان يؤسس الفراغ كشكل / الشكل ههنا ليس بما هو سابق على المادة او ان له واقعية اكثر في مستوى كونه يمثل ماهية الادراك، انما نستنجد بالاغريق في مفهوم Eidos (la forme entant qu'eidos)اي ان هذه الجدارية هي «شكل» قائم على الفكرة ومنتج للفراغ كفضاء حياتي. انه لا يؤسس الجدارية انطلاقا من «التحييط» انما يمارس نوعا من تغييب الجدارن، انه الرد الفعلي على الهندسة المقامة على الغلق او الرد الفعلي ايضا على المفهوم الرسمي للشكل بما هو غاية.
ان الجدارية ههنا هي جدارية ضياع
«الوقت صفر لم افكر بالولادة
حي طار الموت بي نحو السديم
فلم اكن حيا ولا ميتا
ولا عدم هناك ولا وجود» (13)
ان الشكل عموما مادة مهندسة والهندسة التي يقيمها درويش غير مهندسة اي لا تحتمل التحديد.
كل طول مع عرض هو تسييج غير قابل لانتاج الانفرادية la singularité او ان التسييج عموما فكر اقطاعي غير قابل للابداع كمقاومة.
ان الهندسة الجديدة ليست هندسة متاهة، بل هي هندسة خلاء اي مباعدة / ماهو قابل لانتاج مفهوم التيه ليس داخل التهجير الصهيوني لان ذلك التهجير الناتج عن الهندسة التدميرية غير منتج للرحلة او للسفر او للتيه بقدر انه منتج لللجوء.
اللجوء كشكل من اشكال الحرمان من التقاطع الطبيعي بين الزمان والمكان.
ان اللاجئ عموما لا يمتلك زمانا او مكانا ان الزمان والمكان هبة من الاخر، لذلك يبقى اللجوء حالة مجانبة للانساني. ان الانسانية لا تلجأ انما تستقر (وهذا مستبعد) او تسافر او تتوه اذا كان التيه مطلبا.
اللجوء لا يقدم فكرة التعددية والمقاطعة وهو لا يقدم نفس الفكرة التي يحملها النفي بمعنى «اسلوب في التفكير» لذلك يؤسس الفكر الصهيوني لللجوء فقط بغرض تصنيع هذا الاخر. ان الهندسة الصهيونية التدميرية تتعامل مع الفلسطيني كآخر فقط نحو امكانية قيام شكل او صورة حوار داخل العالم. (الحوار الافتعالي).
ان الاخر (الفلسطيني) استراتيجية صنع لدى الفكر الصهيوني لاقامة انا اسرائيلية متأصلة في العالم. هكذا نتحدّثُ عن الهندسة اللامشكلنة او الخلاء بما هو هندسة اوالفراغ بما هو هندسة.
le vide comme architecture
تأتي جدارية ارضا بلا خرائط قابلة للسكن لا بمعني الحماية انما بمعنى الحياة. ان الحماية لم تكن احياء الحياة انما فقط الحماية من الموت لذلك تأتي الهندسة الجديدة القائمة على الفعل / النص بما هو استراتيجية اقامة وطن والوطن لدى درويش هي جدارية / استكمال للوطن داخل الكتابة «لقد كنت اسعى لكي الخص نفسي ولغتي ومرجعياتي في عمل واحد ارشحه للقارئ القادم كدال علي اذ لا وقت للقارئ ليقرأ الاعمال الكاملة لاي شاعر، هذه الجدارية هي بطاقة التعريف بي شعريا وانسانيا ووصيتي للقراءة» (14)
ان أوطان الشعراء نصوصهم..
«خضراء ارض قصيدتي خضراء نهر واحد يكفي لاهمس للفراشة آه يا اختي ونهر واحد يكفي لاغواء الاساطير القديمة بالبقاء على جناح الصقر وهو يبدل الرايات والقمم البعيدة» (15).
«ان الكتابة في الحقيقة ليست شيئا سوى البقايا الصغيرة والهزيلة للاشياد الرائعة الجميلة الموجودة في دواخلنا ان ما ننتهي اليه في الكتابة هو الكتل الصغيرة الشاذة الغريبة من بقايا الحطام» (16).
ان الحطام هو التأثيث الفعلي للنص القائم على هندسية الفراغ القابل لتشكيل جدارية تستعدي قارءا نموذجيا وتؤسس مكانا للمواطن العالمي بما هوقارئ من درجة ثانية.
اذا كانت الهندسية الصهيونية لا تحتمل ظل المواطن الفلسطيني فإن جدارية هندسية عالمية قابلة للتحاور مع الانسان اعتقد ان درويش لس له هاجس قتل زوجة سجانه او خيانة مزارع اسرائيلي بسيط، اذ الهندسية الجديدة بسينوغرافيتها المقامة على التبسيط، هي سينوغرافيا الاحترام ان تكون محترما وانت «تخترق نسيج الحياة الثقافية في البلدان الاخرى».
هي تلك العالمية التي لا يقبلها الارض انما يقبلها النص.
المراجع:
(1) اسعد غانم. «نظرة عامة في المشهد السياسي الاسرائيلي الحالي»، في، مجلسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ربيع 2005 ، ص 39
(2) المرجع السابق صفحة 39
(3) ريجيس دوبري، حياة الصورة وموتها، ترجمة فريد الزاهي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2002 صفحة 152.
(4) jean baudrillard, jean nouvel, les objets singuliers, calmann. levy, 2000 P17.
(5) ج. هيو سلقرمان، نصيات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية ، ترجمة حسن ناظم وعلي حالم صالح ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 1994 صفحة 249
(6) المرجع السابق ، صفحة 240
(7) محمود درويش، جدارية ، بيروت ، دار الريّس، 2000 ، صفحة 34
(8) محمود درويش، جدارية مرجع مذكور صفحة 34
(9) عمر الكرمي ، «جدران الفصل في القدس العربية منفى ثالث للشعب الفلسطيني»، في الدراسات الفلسطينية، بيروت ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2005 صفحة 145.
(10) المرجع السابق صفحة 140.
(11) محمد نورالدين آفاية، الهوية والاختلاف في المرأة ، الكتابة والهامش ، الدار البيضاء، افريقيا الشرق، صفحة 46.
(12) محمود درويش، جدارية، مرجع مذكور صفحة 50.
(13) المرجع السابق صفحة 28.
(14) لقاء منشور في مجلة نصف الدنيا، مع محمود درويش ووقع اعادة طبعه في جريدة الشروق، بتاريخ 20 / 9 / 2001، صفحة 19.
(15) محمود درويش، جدارية ، مرجع مذكور صفحة 33.
(16) رولان بارت، في، «النقد والمجتمع»، ترجمة وتحرير فخري صالح، دمشق ، دار كنعان، 2004. صفحة 24.
(17) نعود بالمصطلح البيواستيتيقي الى بحث في شهادة دراسات معمّقة لصلاح الداودي سنة 2002 / 2003


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.