تنطلق فعاليات الدورة الجديدة لأيام قرطاج السينمائية يوم 25 أكتوبر الجاري لتتواصل الى غاية يوم 1 نوفمبر 2008، وفى انتظار أن يجهز المسرح البلدي لاحتضان حفل الافتتاح يروج في الوسط السينمائي ولدى محبي الفن السابع امكانية ان تكون هذه الدورة هي الأخيرة من عمر الأيام السينمائية أمام الغلق المتواصل لقاعات العرض وأمام قلة الدعم المقدم للأعمال السينمائية. عن صحة هذه الرواية من عدمها، وعن أفق أيام قرطاج السينمائية توجهت الشعب لكل من المخرج المنصف ذويب والناقد السينمائي الناصر الصردي بالسؤال فكان هذا رأيهما. المنصف ذويب: ما الفائدة من السينما ؟ في بلادنا حينما نقف على أطلال قاعات العرض ونلاحظ ظهور الحوانيت الجديدة للقرصنة... ونتألم لتقلص الإعترافات الدولية بمواهبنا... من المجدي أن نطرح الاسئلة على مشارف هذه الاحتفالية الدورية: ما الفائدة من الاستمرار في أيام قرطاج السينمائية؟ ما الفائدة من السينما جملة واحدة؟... اذا ما تأكدت لدى أصحاب القرار فائدة ما تخدم البلاد والعباد فإن السينما الوطنية ستشهد نهضة شاملة وحينما أقول السينما التونسية لا أقصد بها الدراما التلفزية. أو ربما أننا أمام تحول جذري تكنولوجي ورقمي للسينما ستموت اثره الاشكال المتعارفة وتظهر أشكال اخرى لكن معالم هذه الثورة الرقمية للسينما لم تظهر بعد بوضوح. الناصر الصردي:لنتعدى نقطة الجمود جرت «العادة» مع اقتراب كل دورة لأيام قرطاج السينمائية أن يطرح نفس السؤال : هل ستكون هذه آخر دورة؟ ورغم ما يحمله هذا السؤال من تشاؤم مخفي فالإجابة جاءت دائما بالنفي والدليل أننا نستعد حاليا للاحتفال بالدورة 22. وبالرغم عن هذا الجواب الواحد المتكرر، يعاد نفس السؤال بالنسبة لهذه الدورة، وأنا على يقين أن الإجابة ستكون نفسها سنة 2010. يبقى سؤالا أخر أكثر أهمية في نظري: على أي شكل ستتواصل هذه الأيام؟ إذ أصبح من المتأكد حتمية مراجعة الهيكلة و القوانين الداخلية. نعم سيتواصل تنظيم هذه الأيام وذلك لعدة أسباب سياسية و سياحية و «إشهارية» ولكن سيتواصل كذلك تدني مستواه و انحداره إلى مرتبة المهرجانات الثانوية، إن لم يكن أقل من ذلك. فالسؤال الأول لم يتكرر من عدم، بل هو نتاج لما لاحظه الكثير بل الأغلبية من المهتمين بالسينما في تونس وفي خارجها من تدهور و تلاشي القيمة المضافة و المكانة الدولية الإفريقية العربية له. و بالرغم من تعدد المحاولات للنهوض به من جديد والتي لم تكن مدروسة بالشكل التام، بل و التي غلبت عليها الظرفية وإقصاء العديد ممن لهم باع في هذا الميدان، فقد تواصل تراجع هذه الأيام حتى تصل إلى ما عليه الآن: عدم رغبة الكثير من السينمائيين المهمين من إفريقيا والدول العربية وحتى من التونسيين ذاتهم في المشاركة في دوراتها و تحولهم إلى مهرجانات أخرى تتميز بتنظيمها المحكم وتوفر لهم أكثر إشعاعا على غرار «الفسباكو» ببوركينا فاسو و مهرجانات مراكش والقاهرة ودبي وأبو ظبي على الرغم ما تحظى به أيام قرطاج السينمائية من سبق (شرعية) تاريخي ومن خصوصية عربية إفريقية. وهنا لابد من الإقرار بأن هذا التدني ليس نتيجة هيكلة المهرجان فحسب بل كذلك نتيجة وضع السينما التونسية عامة : تقلص عدد القاعات والحالة السيئة التي عليها ما تبقى منها وعدم إرساء سياسة إنتاج وتوزيع واضحة المعالم وغياب الإصدارات النقدية والتوثيقية وغياب تراكم التجارب الفنية والتقنية والإنتاجية والتنظيمية حيث أن كل دورة وكأنها الأولى وكل شريط و كأنه البدء. ولابد كذلك الإقرار أن هذه الأخطاء لا يتحملها أهل القرار من إدارة ومشرع وحدهم، بل كذلك أهل المهنة لما تتسم به علاقاتهم من تطاحن و لهاث وراء المصالح الآنية والذاتية وغياب العمل المشترك وغياب التآزر من أجل بناء مشروع سينمائي على أسس قوية له معالم فنية وجمالية واقتصادية واضحة. حان الان الوقت لإنجاز ما يطلبه العديد منذ مدة: بعث مركز وطني للسينما الكفيل بوضع سياسة سينمائية شاملة، تطوير القاعات وتنويعها، رصد الموارد اللازمة للتوثيق والمحافظة على الإرث السمعي البصري التونسي، تحويل أيام قرطاج السينمائية إلى جمعية على غرار بقية المهرجانات الكبرى تكون تحت إشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث، تطوير دور الجمعيات والمؤسسات السينمائية وتشريكها في ما يخص دائرة عملها، تطوير المعاهد السينمائية ومدها بالإمكانات والموارد اللازمة، جعل النظر في»محرمات» مواضيع الأفلام من مشمولات القانون لا الإدارة. فهل ستكون إذا هذه الدورة 22 أخر دورات أيام قرطاج السينمائية؟ بالطبع لا، بل ستمثل هذه الدورة نقطة تحول حيث ستمكن جيلا جديدا من السينمائيين التونسيين من البروز في تونس وعلى الساحة الدولية، جيل تخرج من معاهد السينما ومن الممارسة التي تتيحها التقنيات الحديثة لفعل السينما فنيا و تقنيا وإنتاجا. ولأننا في زمن أصبح صنع صورة للذات أمر حياتيا ولان هذا الجيل نشأ على التعامل مع الصورة والوعي الحسي أو ألاحسي بقيمتها ودورها، فهو الذي سيفرض ما يلزم من تغيرات حتى نرتقي بالسينما التونسية ومن خلالها بأيام قرطاج السينمائية إلى ما تستحقه طاقات ومواهب المتداخلين في كوكب السينما التونسية. وان شاءت إرادة بعضهم عدم القيام بهذه التغييرات ونجحت في ذلك، يصبح تنظيم هذه الأيام من عدم تنظيمها شيء واحد لا يغير ما نحن عليه سوى إهدار المال و الطاقات هباء.